رالف فينس: الجمع بين التمثيل والإخراج عمل صعب جدا

الفنان الإنجليزي أكد أن تقمص شخصية حقيقية أكبر تحد يواجهه الممثل

خلال تصوير «كوريولانوس»
خلال تصوير «كوريولانوس»
TT

رالف فينس: الجمع بين التمثيل والإخراج عمل صعب جدا

خلال تصوير «كوريولانوس»
خلال تصوير «كوريولانوس»

هناك نوع واحد من الأفلام يبقى ماثلا في الذهن بالنسبة للممثل رالف فينس: النوع التاريخي. صحيح أنه لمع على نحو لا يمكن نكرانه في دور الضابط النازي في فيلم ستيفن سبيلبرغ «لائحة شيندلر»، وأنه كان ممثلا جيـدا تحت إدارة المخرجة كاثرين بيغلو سنة 1995 في فيلم «أيام غريبة» وأننا اكتشفنا وجها جديدا له في فيلمين أو ثلاثة من سلسلة «هاري بوتر»، إلا أن اسمه يستدعي حضور جملة من الأفلام التاريخية المستقاة، عادة، من مصادر أدبية ثرية.
في الحقيقة، أول فيلم مثله فينس (المولود سنة 1962) كان «وذرينغ هايتس» عن رواية إميلي برونتي وهذه الفرصة وردت عندما بلغ ثلاثين سنة من العمر كان شغل بضع سنوات منها في العمل على المسرح.
بعد ذلك هو «أونجين» لشقيقته مارتا فينس، المأخوذ عن رواية ألكسندر بوشكين، و«كوريولانوس» لويليام شكسبير و«توقعات عظيمة» لتشارلز ديكنز، من دون أن ننسى كلاسيكيات حديثة مثل «المريض الإنجليزي» لأنطوني منغيلا (1996) و«البتساني الدائم» لفرناندو ميريليس (2005).
«كوريولانوس» كان أول إخراج يقدم عليه. عمل جانح في عواطفه (كمعظم كتابات المؤلـف الكبير) صنع فينس منه فيلما بمثل جنوحه وعنفه. وهو قربه من حياتنا المعاصرة عندما طفق يتحدث عن أحداث مستوحاة من المسرحية وضعها ضمن فترة زمنية قريبة.
«امرأة غير مرئية» هو فيلمه الثاني وهذه المرة ينتقي الابتعاد عن التحديث؛ كونه، من بين أسباب أخرى، يتحدث عن المبدع وليس عن عالمه. يتناول جزءا من حياة الكاتب تشارلز ديكنز في توطيد لحياته الشخصية والإبداعية التي نراها، داخل الفيلم وعلى نحو طبيعي، غير قابلة للانفصال.
بمقارنة هذا الفيلم عن حياة المؤلف ديكنز بفيلم مايك لي الجديد (الذي جرى تقديمه في مهرجان «كان» الأخير) «مستر تيرنر» عن الرسام جوزيف تيرنر، نجد فيلم فينس أفضل في معالجته وطبيعة سرده. يغوص أكثر في المحيط بينما يغوص «مستر تيرنر» أكثر في الشخص الواحد. لكن المثير للاهتمام هو أن كليهما يتناول، في المجمل، ما يتناوله خيانة المبدع لزوجته مع عشيقة. في فيلم فينس هو حب صادق من طرف ديكنز، وفي فيلم مايك لي يبدو الحب قائما على بعض المصالح الشخصية.
«امرأة غير مرئية» (أو «خفية») عرض بحفاوة نقدية لكنه ككثير من الأفلام التي لا تتحلـى بالسوبر هيرو، نأى الجمهور السائد عنه. حاليا هو متوفر على أسطوانات.
* ما الشيء الخاص الذي دفعك لتقديم هذا الفيلم مخرجا وممثلا؟
- لقد أردت سرد الحكاية وأردت أكثر أن أقدم شخصية المرأة نيلي ترنان. عندما قرأت سيناريو آبي مورغن أعجبني أنه ركـز على تلك المرأة جيـدا وتأثرت عميقا بالفكرة التي وردت في السيناريو التي تتناول كيف أن امرأة معيـنة قررت أن لا تغلق النافذة على الماضي لمجرد أن العلاقة انتهت. وجدت ذلك مؤثرا جدا.
* هل مر السيناريو بتعديلات؟
- مر بتعديلات كثيرة خصوصا عندما بدأت العمل مع الكاتبة. السيناريو هو الذي دفعني لمعاودة قراءة ديكنز على نحو لم أقم به من قبل. سابقا قرأت له رواية واحدة هي «دورت الصغير» وتجاهلته إلى أن دفعني السيناريو والكتاب الذي استوحينا الفيلم منه لكلير تومالين لإعادة تقييم موقفي من ديكنز.
* هذا يبدو لي غريبا أن تكتشف ديكنز متأخرا..
- تجاهلته في الواقع. لكني سعيد أني اكتشفته في هذه المرحلة من عمري لأن لدي الآن تلك الطاقة للاحتفاء بهذا الاكتشاف. تلك القدرة على تحقيق فيلم حوله وهو ما لم أكن أملكه من قبل.
* ما الذي لاحظته في أعمال ديكنز من حيث طابعه وأسلوبه؟
- لم أقرأ كل ما كتب بعد، لكني قرأت أمهات أعماله: «ديفيد كوبرفيلد» و«صديقنا المشترك» و«توقعات عظيمة» وفيها جميعا ذلك الاهتمام بالمنازل الداكنة التي تعيش حالة فراغ وحزن. هناك الكثير من الضوء والظلام والظلال الداكنة. لست خبيرا في الأعمال الروائية لكن هناك تناقضات في العمل الواحد مثل البهجة والكآبة.

* اكتشاف متأخر

* قيل إنك ترددت قبل أن تقدم على تحقيق «امرأة غير مرئية». هل هذا صحيح؟
- نعم والسبب هو أن الجمع بين التمثيل والإخراج عمل صعب جدا وأدركت ذلك عندما حققت قبل هذا الفيلم «كوريولانوس». كنت أريد آنذاك اختبار نفسي مخرجا. عندما تسلمت سيناريو «امرأة غير مرئية» أحببت الرواية ولو أني وجدتها غزيرة الأحداث. كذلك وجدت أن شخصية تشارلز ديكنز جذابة لي وأني أريد أن أمثلها رغم قناعتي بأن الجمع بين التمثيل والإخراج سوف يكون صعبا. حاولت أن أقاوم وأن أكتفي بالإخراج، لكن كلما كنت أبحث في حياة ديكنز ومع المزيد من الإمعان والكتابة وجدت نفسي منجذبا صوبه. في النهاية قمت بالتمثيل. وقعت في حب الشخصية.
* لم يكن ديكنز شخصية منطوية. كان اجتماعيا. أليس كذلك؟
- نعم، كان شعبيا للغاية ومشهورا جدا وهناك الكثير من الصور والكثير من اللوحات عنه. كذلك فإن المصادر الأدبية حوله كثيرة أيضا.
* هل كان سهلا تجسيده بالتالي نظرا لوجود الكثير حول شخصيته؟
- نعم. لم يكن الأمر صعبا في مراجعة أعمال الآخرين حوله ومقارنتها بما عـرف عنه في مراحل مختلفة. هناك الكثير من الوصف لديكنز وشخصه وهذا أفادني كثيرا.
* كيف أبقى ديكنز العلاقة الخاصـة بعشيقته سرا عن زوجته؟
- لقد حرصت على أن أعرض ذلك في الفيلم كما وقع. علاقته بعشيقته بقيت سرا ليس عن زوجته فقط بل عن المجتمع كلـه ربما باستثناء الطبيب الذي عالجه. عندما واجهته زوجته ذات مرة بشأن هذه العلاقة، نفى ذلك على نحو قاطع.
* ما الرواية التي أعجبتك أكثر من سواها بين أعمال ديكنز؟
- أعتقد أن الرواية التي تشكـل عالما لا تستطيع تجاهله هي «توقعات عظيمة» التي مثلت في الفيلم الذي أقتبس عنها قبل عامين.
* الفيلم الذي أخرجه مايك نيوول.
- نعم. كتب ديكنز تلك الرواية سنة 1862 على ما أعتقد وفي الوقت الذي كان على علاقة مع نيللي، كما أظن. كان ترك زوجته حينها، وكلير تومالين التي كتبت رواية «امرأة غير مرئية» واثقة من أن ديكنز ونيللي كانا ارتبطا بعلاقة عاطفية قبل وضعه تلك الرواية، بل تؤكد أنها أنجبت طفلا منه.
* في الفيلم يلقي ديكنز مقاطع من رواية «توقعات عظيمة» على مسامع نيلي.. هل حدث ذلك فعلا؟
- أعتقد أنه حدث لكن فيلما كهذا لا يستطيع استخدام الأحداث التي وقعت فقط، لا بد له من إحياء التفاصيل. وأظن أن قراءته لمقاطع روايته كانت واحدة من أعظم المرات التي قام بها مؤلـف بإعلان حبه في تاريخ الأدب البريطاني.

* صعوبة

* السلوكيات تختلف اليوم عن الأمس، وليس الملابس والتصاميم العامـة لذلك الحين. كذلك تختلف التفاصيل والحركات والتعابير المنطوقة. هل كان سهلا عليك أن تمارس هذه السلوكيات؟ أو أساسا هل أردت أن تنتقل بتمثيلك إلى تلك الحقبة؟
- إنه أكبر تحد ممكن يواجهه الممثل. أقصد تقمص شخصية حقيقية خصوصا إذا ما كانت من نوع ديكنز. لا يهم نوع ملابسه بل كيف يمكن تقمـص حركته البدنية وروحه وتعقيدات التشخيص بأسره. حين تصنع فيلما تاريخيا عليك أن تقرر إلى أي مدى تريد أن تتوغل في الواقع وأن تكون أمينا للتفاصيل. بعض المخرجين يقوم بالتصرف بحرية أكبر حيال الأعمال التاريخية. لكن بالنسبة لي كان مهمـا لدي الالتزام بالسلوكيات التي كانت سائدة. مثلا النساء لم يستخدمن أيديهن للإشارة كثيرا. كان علينا نحن الممثلين أن نحفر عميقا في هذه الشخصيات التي قمنا بتمثيلها لنعرف كيف كانت تتصرف وكيف كانت تعبر عن نفسها.
* تحدثت عن صعوبة العمل أمام ووراء الكاميرا. تحديدا ما أصعب ما في هذه العملية المزدوجة؟
- أكاد أقول كل شيء. المهم أن يكون لديك فريق جيـد من الفنيين. هذا لأنه حتى عندما ينتمي الفيلم إلينا كمخرجين، هو ينتمي أساسا إلى كل من اشترك فيه. إنه نتيجة لمواهب حقيقية في التصوير (روب هاردي) وفي التمثيل. وأقول لك، تعلمـت الكثير في فن التمثيل من مونتيري نك (نيكولاس كاستر). لدي مصمم ملابس رائع ومنتج جيد اسمه غابي تيرنر الذي هو فاعل أساسي في تحقيق هذا الفيلم. مهم أن يكون لديك فريق جيـد يستطيع نقدك أو تقديم النصائح إليك حين الحاجة.
* هل كان تمويل هذا الفيلم أمرا سهلا؟
- لا، لم يكن. عندما أخرجت «كوريولانوس» كان عندي ثمانية أسابيع تصوير وكانت بالكاد كافية لأنه عندما تمثل وتخرج تريد وقتا إضافيا. هنا طلبت الوقت الإضافي وأصررت عليه، ما يعني أن الميزانية ترتفع.
* لا بد أنه ساعدك كثيرا أنك لم تحتج أن تبني مواقع تصوير..
- صحيح. لم نكن بحاجة إلى ذلك. لم نبن شيئا باستثناء داخل مقطورات القطار القديم في مشاهد النهاية. أيضا من القواعد الذهبية أن تصور فيلمك في إطار M25. الطريق السريع الذي يحيط بلندن.
* (مقاطعا) لماذا؟
- لأن واحدة من مشاكل الميزانية عدد الذين سيكون على الإنتاج إنزالهم في الفنادق. كلما قل العدد فرح الممولون، هنا أهمية المنتج الذي عليه أن يعيـن تحديدا كيفية التغلـب على هذه المسألة. لذلك فإن القاعدة الذهبية هي أن تصور داخل ذلك المحيط في الضواحي لكي يستطيع الممثلون الانصراف إلى بيوتهم عوض البقاء في الفنادق خلال التصوير. ولكي يعود الممثلون إلى بيوتهم على أمكنة التصوير أن تكون قريبة.
* كيف تلعب خلفيتك المسرحية دورها في أعمالك؟
- المسرح عامل مهم عندي بالطبع ولا أستطيع فصله عندما أقوم بتحقيق الأفلام. في هذا الفيلم كان عاملا مهما من حيث إنك لا تريد أن تحمل الكاميرا بل تريدها ثابتة؛ لأن ثبوتها، إلى جانب أنه تفضيل شخصي عندي، هو المناسب للفيلم التاريخي في اعتقادي. أحب المخرج الياباني ياسوجيرو أوزو لأنه يستخدم السكينة في الحركة والبساطة المتناهية في التشكيل. لذلك كان مهمـا هذا الرابط بين المسرح وبين السينما.

* أهم محطات رالف فينس

* 1962: ولد في بلدة إبسويتش في ضواحي سوفولك، إنجلترا.
1983: انضم إلى الأكاديمية الملكية للفن الدرامي.
1992: الفيلم الأول ممثلا: «وذرينغ هايتس».
1993: النجاح الأول: «قائمة شيندلر».
1994: رشح لأوسكار أفضل ممثل مساند عن «قائمة شيندلر».
1994: ربح جائزة بافتا عن دوره في «قائمة شيندلر».
1996: رشح لأوسكار أفضل ممثل عن «المريض الإنجليزي».
1999: نال جائزة الفيلم الأوروبي عن دوره في «نور الشمس».
1994-2009: رشح أربع مرات لجوائز غولدن غلوبس
ظهر حتى الآن في 41 فيلما ممثلا وسيقوم بتمثيل شخصية أحد أوائل مبتكري السينما إدوارد مابريدج (المصور الذي برهن على أن قوائم الحصان الأربعة ترتفع عن الأرض في ثمانينات القرن التاسع عشر) في فيلم يخرجه (الممثل أيضا) غاري أولدمان بعنوان «حصان طائر».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».