أربعينية طالباني تعد بنهوض جديد لـ {الوطني الكردستاني}

TT

أربعينية طالباني تعد بنهوض جديد لـ {الوطني الكردستاني}

قبل أربعين يوماً ووري جثمان جلال طالباني الثرى بعد سنوات طويلة من الألم والمعاناة، ومن تداعيات جلطة دماغية أصابت شخصه، وجلطات ارتدادية أصابت حزبه بسبب ابتعاده عن المشهد السياسي.
ظل طالباني كان كافياً طوال أربعين عاماً ليستظل تحته الجميع باختلاف توجهاتهم الفكرية، فهو الذي نشد وجاهد وسعى دوماً لتعميم فكرة «باقة الورد» على تنظيمه وترسيخها كمبدأ أساسي داخل حزبه، معتبراً الباقة المنوعة أجمل دائماً من زهرة منفردة بلون واحد. حين رحل طالباني لم يخرج حزبه إلى المدينة ليطرق أبواب البيوت كي يخرج الناس إلى الشوارع طلباً لهيبة مزيفة، بل مع ورود خبر انتقال جثمانه إلى السليمانية تدفق مئات الألوف من أبناء شعبه طواعية إلى الشوارع لاستقبال جثمان الرجل وتشييعه إلى مثواه بدباشان، وهي الجماهير نفسها التي خرجت أمس مرة أخرى للاحتشاد حول ضريحه في كرنفال جماهيري حزين، وتضع مئات الباقات من الزهور المنوعة لتنسج على قبره باقة الورد المحببة إلى نفسه.
بختيار عزيز انطلق من مدينة قلعة دزة بأقصى الحدود الشمالية الشرقية لكردستان، وأمضى يومين في الطريق سيراً على الأقدام ليصل إلى مرقد طالباني، هو واحد من مريدي هذا الزعيم، والحريص على تراثه، لذلك كمن عند ضريح طالباني حاملاً مصحفاً بانتظار قادة الاتحاد الوطني (كوسرت رسول وبرهم صالح)، ليحلفهم بالمصحف كي يحافظوا على المبادئ التي رسمها لهم مام جلال، ويسيروا على نهجه بالحفاظ على وحدة الحزب وخدمة أهداف الشعب.
ويبدو أنه برحيل طالباني استشعر جميع رفاقه من القيادات والكوادر بالخطر المحدق بحزبه، خصوصاً أن المعادلة السياسية بإقليم كردستان تسير باتجاه حدوث تغيير دراماتيكي بعد غياب أبرز الرموز القيادية عن المشهد السياسي (زعيم حركة التغيير نوشيروان مصطفى ومام جلال)، ثم اعتزال مسعود بارزاني. وبغياب هذه الرموز ستخبو بطبيعة الحال نجوم الآخرين الذين تمسكوا طوال ربع قرن بشرعيتهم الثورية، وأبوا النزول عن مناصبهم وإفساح المجال أمام جيل جديد يزاحمهم على المسرح السياسي. ولكن أخيراً أطلّ هذا الجيل برأسه طارحاً نفسه بقوة فاعلة ومطالباً بالتغيير، وفي أول خطوة بهذا الاتجاه قرروا حل المكتب السياسي للاتحاد الوطني، ثم تحديد موعد انعقاد المؤتمر الحزبي الرابع بهدف التجديد.
وكان كوسرت رسول نائب الأمين العام قد دعا أثناء وقوفه أمام ضريح طالباني، أمس، إلى الإقتداء بالزعيم مام جلال في العمل نحو توحيد الصفوف وحل الخلافات بالحوار والتفاهم، مؤكداً أن اجتماع المجلس القيادي يهدف إلى توحيد الصف والمضي نحو الإصلاحات لأجل استنهاض الحزب. ودعا رسول النائب الثاني للأمين العام، الدكتور برهم صالح، للعودة إلى صفوف الحزب، ليعمل الجميع من أجل الوفاء بتراث مام جلال والسير على هديه في خدمة المواطن.
وكان صالح قد قدم استقالته من الحزب قبل عدة أشهر، ولكن المجلس القيادي رفض في اجتماعه الأخير المنعقد قبل عدة أسابيع تلك الاستقالة، ودعاه المجلس إلى العودة وممارسة مهامه كنائب للأمين العام.
برهم صالح، الذي شكل حركة سياسية جديدة خارج إطار الاتحاد الوطني باسم «التحالف من أجل الديمقراطية»، فشل في تسجيل هذه الحركة ككيان سياسي بسبب تأجيل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وتتزايد الضغوط عليه للعودة إلى الاتحاد ومواصلة جهوده الإصلاحية من داخل هذا الحزب، لكنه لم يحسم أمره بعد. وكان آخر مؤتمر حزبي عقد للاتحاد الوطني في يونيو (حزيران) 2010، وبحسب المنهاج الداخلي يفترض أن يعقد الحزب مؤتمره العام كل ثلاث سنوات، لكن تعرض طالباني إلى الجلطة الدماغية في أواخر عام 2012 حال دون عقد المؤتمر بغياب الأمين العام، فاستغلت الأجنحة المتصارعة هذا الغياب، وانقسم الحزب على ذاته وعانى من تعددية مراكز القرار، ومن تسيد بعض قيادات المكتب السياسي المشهد، وهذا ما حدا بالجيل الجديد من الكوادر الحزبية لأن يُخرِج رأسه ليناطح الرؤوس الكبيرة بعملية جريئة أشبه بانقلاب أبيض.
، حين قرر المجلس القيادي حل المكتب السياسي، وتشكيل هيئة قيادية جديدة تقود الحزب إلى المؤتمر العام، وهناك سيقوم شباب الحزب، كما هو مرسوم لهم، بانتخاب قيادة سياسية تخلو تماماً من الوجوه القديمة، وممن يعرفون بالمحاربين القدماء، لاستنهاض الحزب من جديد كي يستعيد دوره الريادي في قيادة العملية السياسية بإقليم كردستان.



تقرير دولي: الواردات إلى الحديدة استمرت بعد الضربات الإسرائيلية

سفينة تجارية في ميناء الحديدة حيث لم تتأثر الحركة فيه بالقصف الإسرائيلي (رويترز)
سفينة تجارية في ميناء الحديدة حيث لم تتأثر الحركة فيه بالقصف الإسرائيلي (رويترز)
TT

تقرير دولي: الواردات إلى الحديدة استمرت بعد الضربات الإسرائيلية

سفينة تجارية في ميناء الحديدة حيث لم تتأثر الحركة فيه بالقصف الإسرائيلي (رويترز)
سفينة تجارية في ميناء الحديدة حيث لم تتأثر الحركة فيه بالقصف الإسرائيلي (رويترز)

أفاد تقرير دولي حديث بأن واردات الغذاء إلى مناطق سيطرة الحوثيين استمرت بعد الضربات الإسرائيلية الأخيرة، التي استهدفت البنية التحتية والمرافق الحيوية في ميناءي الحديدة ورأس عيسى، وبيّن أن المؤشرات ترجّح انخفاض القلق بشأن احتمال حدوث انعدام الأمن الغذائي الحاد على ضوء تلك الضربات.

وذكر التقرير الصادر عن «شبكة الإنذار المبكر بشأن المجاعة» أنه في 29 سبتمبر (أيلول)، استهدفت إسرائيل البنية التحتية والمرافق الحيوية في الحديدة للمرة الثانية؛ رداً على هجمات الحوثيين، حيث استهدفت الغارات خزانات النفط في ميناء رأس عيسى (شمال الحديدة)، وميناء الحديدة (هدف الهجوم الأول)، ومحطتي الطاقة الرئيسيتين في المحافظة، ونقل عن المسؤولين الحوثيين قولهم إن الغارات أسفرت عن مقتل 5 مدنيين وإصابة 57 آخرين.

رافعة في ميناء الحديدة تضررت من القصف الإسرائيلي (رويترز)

ووفق ما أورده التقرير، فقد أدى الضرر الذي لحق بمحطتي الطاقة إلى انقطاع التيار الكهربائي في مدينة الحديدة، وأجزاء من صنعاء؛ وحتى نهاية سبتمبر، ظلت هذه المحطات غير عاملة، وبيّن أن محطة «رأس كثيب للطاقة» تلقت أكبر قدر من الضرر، حيث دمر القصف الغلايات.

وفي الوقت نفسه، أكدت الشبكة تضرر ثلاثة من أربعة خزانات نفط في ميناء رأس عيسى، وقالت إن الضرر لم يكن كبيراً. في حين أفاد مسؤولون حوثيون بأن خزانات الوقود تم إفراغها مسبقاً تحسباً للضربات الإسرائيلية. وذكرت أنه لم يتم الإبلاغ عن أضرار كبيرة في ميناء الحديدة، ونُسب إلى المسؤول الحوثي القول: «إن آثار الضربات كانت غير مهمة».

وبحسب ما جاء في التقرير، واستناداً إلى المعلومات المتاحة، فإن واردات الغذاء والوقود مستمرة بعد الهجمات، وأنها، بصفتها شبكة معنية بنظام الإنذار المبكر للمجاعة، تواصل تحديث مصادر البيانات والمعلومات المتاحة في أعقاب الضربة، وستقدم تحليلاً محدثاً لأي آثار متوقعة على انعدام الأمن الغذائي الحاد في تقرير توقعات الأمن الغذائي القادم.

ومع ذلك، أفادت الشبكة بأن التحليل المبكر يشير إلى انخفاض القلق، بشكل عام، بشأن احتمال حدوث انعدام الأمن الغذائي الحاد.

نقص الأمن الغذائي

وبشأن انعدام الأمن الغذائي، ذكرت الشبكة أنه نظراً لضعف القدرة الشرائية، واستمرار توقف المساعدات الغذائية الإنسانية التي يقدمها برنامج الأغذية العالمي في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، فمن المرجح أن تستمر ملايين الأسر الفقيرة في مواجهة فجوات في استهلاك الغذاء في جميع أنحاء اليمن، مع القلق بشكل خاص بشأن النازحين داخلياً والأسر المتضررة من الفيضانات والأسر الفقيرة التي تعتمد على فرص العمل اليومي.

وتوقعت الشبكة أن تستمر الأزمة (المرحلة 3 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي) أو أسوأ من ذلك في جميع أنحاء البلاد حتى يناير (كانون الثاني) 2025.

حريق ضخم على أثر ضربات إسرائيلية استهدفت مخازن الوقود بميناء الحديدة اليمني (أ.ف.ب)

وقالت إنه من المرجح أن تستمر بعض المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين في مواجهة نتائج حالة الطوارئ (المرحلة 4 من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي) وسط توقف المساعدات الغذائية، وتأثيرات الفيضانات المدمرة الأخيرة.

ونبّه تقرير الشبكة إلى أن هطول الأمطار فوق المتوسط، في شهري يوليو (تموز) وأغسطس (آب)، أسهم في توفير ظروف نمو مواتية للمحاصيل وموارد المراعي (المراعي والمياه للماشية) في عدد من المناطق. ومع ذلك، أثرت الفيضانات الشديدة سلباً على إنتاج المحاصيل في المناطق المتضررة.

وبحسب تقييم سريع أجرته منظمة الأغذية والزراعة في أغسطس، تأثر نحو 99 ألف هكتار من الأراضي الزراعية. وكانت الغالبية العظمى من هذه الأراضي الزراعية المتضررة في الحديدة (77,362 هكتاراً) وحجة (20,717 هكتاراً)، وهو ما يمثل نحو 12 في المائة و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية.

وفي الوقت نفسه، أكدت الشبكة تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً للتقييم نفسه الذي أجرته منظمة الأغذية والزراعة.

واستناداً إلى ذلك التقييم، كانت محافظات الحديدة وحجة والجوف الأكثر تضرراً، حيث تأثر نحو 6 في المائة من الأغنام والماعز في الحديدة (106,361)، تليها 4 في المائة بالجوف (50,664) و4 في المائة بحجة (46,424).

أُسَر أكثر تضرراً

تعد هذه المناطق اليمنية من أهم مصادر الثروة الحيوانية والرعي، ونظاماً مهماً لسبل العيش، وخصوصاً في الجوف، حيث تقدر نسبة الأسر التي تعد الثروة الحيوانية المصدر الأساسي للدخل بنحو 20 في المائة من الأسر، وفقاً لتقييم الأمن الغذائي وسبل العيش لعام 2021.

وبسبب خسائر المصادر الرئيسية للغذاء والدخل وسط توقف المساعدات المستمر، رجّحت الشبكة أن تكون بعض الأسر الأكثر تضرراً في المناطق المتضررة بشدة قد عانت من خسائر في أصول الثروة الحيوانية وأضرار في سبل العيش.

وقالت إن الأسر الأكثر تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة.

99 ألف هكتار من الأراضي الزراعية في اليمن تأثرت بالفيضانات (الأمم المتحدة)

وبحسب هذه البيانات، فإن شهر سبتمبر يشكل بداية موسم حصاد الحبوب الرئيسي في اليمن، حيث تشهد الأسر الفقيرة زيادة موسمية في توافر الغذاء من إنتاج المحاصيل، فضلاً عن الدخل من فرص العمل على طول سلاسل إنتاج المحاصيل والتسويق.

لكن الفيضانات الأخيرة أدت -وفق الشبكة- إلى إتلاف المحاصيل القائمة وتدميرها، ولهذا من المتوقع أن يؤدي الحصاد المحلي الأقل من المتوسط إلى تقييد فرص العمل الزراعي في المناطق المتضررة بشدة.

وطبقاً لما أوردته الشبكة المعنية بالإنذار المبكر من الجوع، فإن موسم الحصاد في اليمن يجلب بعض التحسينات الموسمية، إلا أن إنتاج المحاصيل لا يسهم إلا بشكل طفيف في استهلاك الأسر الزراعية للغذاء، والمنافسة على فرص العمل الزراعي.

وعلى هذا النحو، حتى في موسم الحصاد، ستستمر الأسر اليمنية الفقيرة في مواجهة الاعتماد الكبير على السوق وسط ارتفاع أسعار المواد الغذائية إلى مستويات بعيدة المنال.