ضمن تظاهرة ثقافية ضخمة تسلط الضوء على الإبداع الإنتاجي العربي في مجالات فنية مختلفة، تنطلق احتفالات مؤسسة «آفاق» (الصندوق العربي للثقافة والفنون) في ذكرى تأسيسها العاشر التي تبدأ في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وتستمر حتى 25 من الشهر ذاته.
ويتضمن هذا الحدث الذي أشرفت على «توليفته الفنية» رشا سلطي، معرضَ صور للحاصلين على منح برنامج التصوير الفوتوغرافي الوثائقي العربي، إضافة إلى آخر سمعي بصري، وثلاثة عروض موسيقية راقصة يحتضنها جميعها «بيت بيروت» في منطقة «السوديكو». كما سيجري بموازاة هذا المعرض عرض سلسلة أفلام سينمائية (8 أفلام)، في صالات سينما «متروبوليس» في الأشرفية.
أمّا العناوين الرئيسية للمعرض فتتمحور حول مواضيع ثلاثة ألا وهي: التمثيل البديل، والذاكرة، والتعاطف، التي استلهمت من منتج السنوات الثلاث الأولى (2007 - 2010) لبرنامج التصوير الفوتوغرافي الذي أطلقته «آفاق» يومها بالشراكة مع صندوق «الأمير كلاوس الهولندي» ومؤسسة «ماغنوم الأميركية»، بهدف دعم المصورين الفوتوغرافيين الواعدين العاملين على مشاريع توثيقية في المنطقة، في ظلّ تراجع هذه المهنة واقتصار استعمال إنتاجها على تلبية طلبات وكالات الأنباء والمؤسسات الصحافية، ممّا يحد من تطوير مواهبهم في أعمال إبداعية شخصية. ويتناول المعرض الذي يشارك فيه 20 فناناً جاءوا من 15 بلداً عربياً مواضيع اجتماعية مهمة، بينها التحرش الذي تتعرض له النساء في القاهرة وصناعة المناجم في تونس والمغرب، والعنف اليومي في بغداد، والنظم البيئية الهامشية في «دالية بيروت»، والمزارعون في الإمارات العربية وغيرها.
ويقول روي سعادة أحد اللبنانيين المشاركين في المعرض من خلال موضوع «دالية بيروت»: «لقد التقطتُ صوراً فوتوغرافية في إطار شعري فلسفي ارتكزت خلاله على أسطورة يعود تاريخها إلى 1500 سنة مضت»، ويضيف في سياق حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «تطرقتُ فيها إلى هذا الصراع الحاصل ما بين عمليات الاستثمار والحفاظ على بيئتنا الطبيعية وكأنّها تجري بين آلهة البحر وآلهة الأرض، حسب الأسطورة. وقد استغرق تحضيري لهذه الصور نحو ثلاث سنوات»، والمعروف أنّ منطقة «دالية بيروت» تشكل آخر مشهد طبيعي يمكن أن يتنزه فيه أهالي بيروت ويتقاسموه من أجل الترفيه والاستجمام مجاناً.
ويستخدم المعرض أرشيف الأعمال المدعومة من قبل «آفاق» لإظهار الأسلوب الذي اتبعه الفنانون المعاصرون العرب تجاه مسائل عدم الانصياع للأمر الواقع والتمثيل والذاكرة والمسؤولية والتعاطف. كما يستعير من تاريخ «بيت بيروت» ومدينة بيروت بشكل عام، ليقدم رؤية تقدمية على الرغم من كل الصراعات، واضعاً الثقافة والفنون في الواجهة لتخيّل مستقبل أفضل.
وفي مشروع «عيش حب لاجئ» ينقل المصور السوري عمر إمام الصورة النمطية للاجئين السوريين، مستبدلاً الأرقام والتقارير والإحصاءات بالأحلام. فيغطي مخيماتهم في لبنان، متعاوناً مع مجموعة من النازحين بغية تنقية أنفسهم وتطهيرها في عملية يُعتقد بأنّها تشفي الإنسان في الصميم، إذ يطلب منهم إعادة بعث أحلامهم (الهروب والغرق والحب والإرهاب)، لينقل عبر الصورة العوالم الداخلية في أعمق وأحلك مستوياتها لأولئك المتمسكين بجذورهم الممتدة باتجاه وطن متروك خلفهم.
وفي موضوعات «التجهيزات الفنية» التي يتضمنها المعرض تقدم منى الحلاق مشروعها بعنوان «فوتو ماريو» مستوحية إياه من أرشيف اكتشفته في عام 1994 في الطبقة الأرضية من «بيت بيروت»، عندما قصدتُه لاكتشاف أهميته بُعَيد انتهاء الحرب. فالتقطت كبسولات صور سلبية متروكة هناك تعود لمحل تصوير فوتوغرافي شغل هذا الطابق في الماضي ويحمل اسم «فوتو ماريو». وتعلق منى: «إنّها تمثل في طابعها الزمني حقبة ما قبل الحرب، وكذلك فترة التشوه التي عاشها الاستوديو بعيد هجره، وكذلك تمثل الفترة التي عثر فيها لاحقاً على الصور السلبية (النيغاتيف)، فكانت بمثابة قصص ترويها في محتوياتها»، وتضيف: «أول مرة رفعت فيها إحدى هذه (النيغاتيفات) لاكتشاف محتواها رأيتُ وجهاً يلتفت إلى الوراء وينظر إلى وجهي بعينين لونهما أبيض فكانت لحظة تحوّل بالنسبة لي».
أمّا العروض السينمائية التي تشهدها صالات سينما «متروبوليس» في موازاة المعرض فتتألف من 8 أفلام («ضد القوة» و«ولادة بيروت» و«شظايا الأحلام» و«أسميرنا» و«أوربوروس» و«بانوبتيك» و«أناس الشاطئ» و«صمت»). وفي هذا الأخير «صمت»، وهو من نوع الأفلام التحريكية ومدته نحو 15 دقيقة، ينقلنا مخرجه اللبناني شادي عون إلى مدينة «غبرة» حيث الصمت يسود الفضاء في كل الأوقات ونفحة الحياة ضرب من المستحيل. وحسب عون فإنّ «صمت» (اسم شرطة المدينة) هو نموذج عن مجتمع طاغٍ ومختلّ يدفع ببعض المتمردين فيه إلى الرقص على شفير الهاوية سبيلاً لمجابهة الرعب الذي يواجهونه، فالرقص هو الشفرة السرية للمقاومة الصامتة.
ويوضح في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «مدينة (غبرة) هي مزيج من عدة مدن عربية أحبها موجودة في لبنان وسوريا وفلسطين والمغرب وغيرها، ويحكمها طغاة يمنعون أهاليها من التعبير والعيش بحرية. ورغبت في أن أقدم البطل في شخصية تشبهني لأنّني استوحيت قصة الفيلم من واقع نعيشه؛ فنحن ننتقد البلدان العربية التي نعيش فيها، ولكنّنا نحبها في المقابل»، وتابع: «نفذ الفيلم بالأبيض والأسود، للدلالة على حالة القمع التي يعيشها أهالي مدينة (غبرة) بعيداً عن عناصر الحياة الملونة، وعندما يلتقي البطل بأشخاص يرتدون أزياء زاهية يعيشون بطبيعية، يضحكون ويفرحون ويرقصون، تنقلب حياته تماماً ويبدأ في استيعاب الأمور من منظور آخر».
«آفاق» في عامها العاشر تضع الثقافة والفنون في الواجهة
احتفال يتضمن ندوات وأفلاماً سينمائية ومعرض فنون في «بيت بيروت»
«آفاق» في عامها العاشر تضع الثقافة والفنون في الواجهة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة