حمى الضنك... مخاوف الانتشار وسبل العلاج

ترددت في الآونة الأخيرة أخبار متفرقة عن ظهور كثير من حالات حمى الضنك «Dengue Fever» في إحدى المحافظات المصرية، بما يشبه الوباء، وهو الأمر الذي أثار ذعر المواطنين، خاصة في ظل عدم توفر المعلومات الكافية عن هذا المرض وطرق الوقاية منه واحتمالات الشفاء.
والحقيقة أن مرض حمى الضنك، على الرغم من شهرته في الدول الاستوائية في قارة أفريقيا وقارة آسيا، فإنه يعتبر مرضا نادرا وغير معروف في مصر ومعظم الدول العربية، حيث ينتقل من خلال البعوض، وفي الأغلب تؤدي الإصابة به إلى وعكة صحية بسيطة؛ لكن هناك بعض الحالات النادرة التي يمكن أن تتطور فيها الحالة وتسبب خطورة كبيرة على الصحة، وربما تؤدي إلى الوفاة.
الأعراض والمضاعفات
تتم الإصابة بالمرض من خلال قرص البعوضة المصابة بالفيروس dengue virus (وهذا هو سبب التسمية)، وتعمل البعوضة ناقلاً للفيروس، وتكون موجودة في المياه المخزنة للشرب أو للاستحمام، وإذا لم تكن هناك رعاية طبية جيدة. وتكون هناك فترة حضانة بين قرص البعوضة وبين ظهور الأعراض نحو أسبوع، ثم تبدأ الحالة المرضية بارتفاع مفاجئ في درجة الحرارة إلى 39 وحتى 41 درجة، وصداع مؤلم، وألم في العينين؛ خاصة عند الضغط عليهما، وأيضا آلام في عضلات الجسم بشكل خاص والمفاصل، وإجهاد وغثيان وقيء، وظهور طفح جلدي على معظم سطح الجلد والذي يظهر بعد مرور نحو 3 أيام من ارتفاع درجة الحرارة، ونزيف بسيط من اللثة أو الأنف. وتختلف الأعراض باختلاف العمر والحالة الصحية.
وفي بعض الأطفال تكون بداية الأعراض أقرب لنزلة البرد، من التهاب البلعوم والسعال؛ خاصة الذين لم يصابوا بالمرض من قبل.
في بعض الأحيان النادرة تتطور الحالة المرضية بعد فترة البداية؛ حيث تحدث برودة في الأطراف مع سخونة في الجذع، ويكون الوجه مائلا للاحمرار. ويصاب المريض بألم في الجزء الأعلى من المعدة، ويحدث نزيف تحت الجلد وسرعة في التنفس، كما يزيد حجم الكبد ويصبح مؤلما عند ملامسته، ويظهر طفح متفرق على الجلد، ويصبح النبض ضعيفا وسريعا، وفي بعض الأحيان يحدث نزيف من المعدة، وتسمى الحالة حينذاك حمى الضنك النزفية «dengue hemorrhagic fever». وأيضا تحدث صدمة حيوية «dengue shock syndrome» نتيجة فشل أجهزة الجسم في السيطرة على الخلل الذي طرأ على الجهاز الدوري والتنفسي، ويمكن أن يؤدي إلى الوفاة إذا لم يتم التعامل الطبي مع الأزمة بشكل سريع.
التشخيص والعلاج
* التشخيص: في الأغلب يعتمد التشخيص على فرض احتمالية حدوث المرض من الأساس، بمعنى الدراية بجغرافية المنطقة وانتشار المرض فيها؛ حيث تتشابه الأعراض في البداية مع نزلات البرد العادية، وحتى الحالات الخطيرة منها (حمى الضنك النزفية) التي تتطور لاحقا، وأيضا تتشابه الأعراض مع الملاريا.
وبخلاف الحالة الإكلينيكية هناك بعض التحاليل الطبية التي يمكن أن تساعد في تشخيص المرض، مثل عمل عد كامل لكريات الدم، الذي يظهر انخفاضا في عدد كريات الدم البيضاء والحمراء والصفائح الدموية أيضا. وفي الحالات النزفية يمكن أن يزيد نزف الدم عن معدلاته الطبيعية، كما يمكن عمل معدلات البروتين التي تظهر انخفاضا في معدلاته، وأيضا تحاليل المناعة التي تظهر ارتفاع الأجسام المضادة بمقدار أربعة أضعاف قيمتها.
* العلاج: في الأغلب يكون علاج حمى الضنك في الحالات العادية، هو علاج للأعراض؛ حيث يمكن إعطاء خوافض الحرارة لحفظ الحرارة تحت 40 درجة مئوية، ويمكن إعطاء المسكنات لألم العضلات والمفاصل؛ لكن يجب تجنب إعطاء الأسبرين لتأثيره السيئ على احتمالية زيادة السيولة في الدم. ويجب الالتزام بالفراش أثناء وجود الأعراض وعدم أداء الأعمال التي تتطلب مجهودا بدنيا. كما يجب أيضا تعويض السوائل التي تفقد من الجسم عن طريق القيء والعرق أو الإسهال.
وفي حالة الحمى النزفية تجب العناية بالمريض في المستشفى، حيث يتم تعويض السوائل عن طريق الوريد، وتتم مراقبة التنفس والنبض، وفي بعض الأحيان يحتاج المريض إلى نقل للدم أو الصفائح الدموية للسيطرة على النزيف، وفي بعض الأطفال الذين يمكن أن يعانوا من تشنجات يمكن استخدام المهدئات.
وفي الأغلب يتم الشفاء بشكل تام من المرض؛ خاصة في الأطفال الصغار؛ لكن يجب الوضع في الاعتبار السيطرة على درجات الحرارة؛ حيث إن احتمالات التشنجات الحرارية «febrile convulsion» في الأطفال أكبر منها في البالغين، ويجب الوضع في الحسبان في المناطق الموبوءة، مثل الهند أو الفلبين، أن تكون المستشفيات مجهزة للتعامل مع الحمى النزفية؛ حيث إنها واردة الحدوث أكثر في تلك المناطق؛ حيث إن نسبة الوفيات في هذه المرحلة من المرض (الحمى النزفية) يمكن أن تصل إلى 50 في المائة؛ لكن بالعناية الجيدة والمبكرة يمكن أن تصل الوفيات إلى أقل من 1 في المائة؛ كما أنها يمكن في بعض الأحيان أن تترك خللا وتلفا في وظائف المخ؛ نتيجة لحدوث الصدمة.
* الوقاية: هناك بعض الأنواع من اللقاحات ما زالت في مرحلة التجريب على الفيروس بعد أن يتم قتله؛ لكن حتى مع نجاح تلك اللقاحات يجب محاولة الحماية من قرص البعوض عن طريق استخدام مضادات البعوض؛ سواء الرش أو الكريمات. كما يجب ارتداء ملابس تغطي الجسم كله عند الذهاب للأماكن الاستوائية التي يحتمل أن يوجد بها البعوض، كما يجب الالتزام بقواعد الصحة المجتمعية في الأماكن الجغرافية المهيئة لوجود المرض، وتوزيع كتيبات تحتوي على معلومات عن المرض.

* استشاري طب الأطفال