في إحدى قرى مركز بلبيس، في محافظة الشرقية (شمال شرقي القاهرة)، يقبع قصر الملك فاروق، أحد القصور الملكية الفريدة، بجدرانه المشروخة، وأسقفه المحطمة. فبعد سنوات طويلة من الإهمال، تحول القصر، الذي شهد اللقاء الأول بين الملك فاروق والزعماء العرب، للاتفاق على تأسيس الجامعة العربية، إلى صفحة من الماضي، تبكي عصر الأمجاد والازدهار، حيث لم يتبقَّ منه، سوى جدران هيكلية ومجوفة من الداخل، ومجردة أيضاً من النوافذ الخشبية والمعدنية، تنتظر السقوط في أي وقت على تلاميذ المدرسة الملاصقة له.
يعد قصر الملك فاروق الذي بناه الملك فؤاد الأول عام 1920، من المباني التراثية الفريدة، ذات الطراز المعماري النادر، بعدما تم إنشاؤه على مساحة تزيد على 33 فداناً، واستغرق بناؤه أكثر من 15 شهراً، وأشرف عليه مهندس إندونيسي كان يقيم في إيطاليا، قبل قيامه بإحضار الطوب المستخدم في البناء من مدينة إسطنبول بتركيا، وبلاط الأرضيات من إيطاليا، وتميز بفتحات مستطيلة ودائرية تزينها كرانيش حجرية فريدة الشكل.
عقب عزل الملك فاروق من منصبه، ونفيه للخارج عام 1952، استُخدم القصر مخزناً للأسلحة والذخيرة في عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، لكن في عهد الرئيسين محمد أنور السادات وحسني مبارك، ضُمّ القصر إلى وزارة التربية والتعليم، واستُخدم مدرسةً للتعليم الأساسي بقرية المنشية (الفاروقية سابقاً)، حتى زلزال عام 1992، حيث تأثر القصر بشدة من الزلزال، ولم يَلقَ أدنى اهتمام من المسؤولين بمحافظة الشرقية أو جهاز التنسيق الحضاري، حتى سقط أحد جوانبه عام 2013.
جدير بالذكر أنّ قصر الملك فاروق في بلبيس اُختير لعقد أول ميثاق لجامعة الدول العربية بتاريخ 28 مايو (أيار) 1946، بين 7 دول عربية (مصر، والسعودية، وسوريا، ولبنان، والأردن، والعراق، واليمن). كما كان القصر محط أنظار واهتمام الزعماء العرب والأجانب في عهد الملك فؤاد، الذين كانوا يفضلون زيارته عن باقي القصور نظراً إلى هدوء المنطقة الخضراء التي يوجد بها، ولقربه أيضاً من مزرعة الخيول العربية الأصيلة (الخاصة بالعائلة المالكة)، والتي حظيت باهتمام بالغ من الملك فاروق لاشتراك تلك الخيول النادرة في المسابقات التي كان يحضرها كبار الأمراء.
«القصر الذي كان يحلم فلاحو القرية بالاقتراب منه أيام الملك فاروق، تحول إلى خرابة»، حسب وصف محمد السيد، أحد سكان القرية، الذي أضاف قائلاً: «قبل عدة عقود قُسم القصر إلى نصفين، الأول مدرسة إعدادية، والثاني مخزن كتب مدرسية، قبل تعرضه لحريق هائل أتى على الكتب الدراسية والأثاث الفاخر». موضحاً أنّ «حديقة القصر تحولت إلى مدرسة، وملعب كرة قدم حالياً».
إلى ذلك قال الدكتور مصطفى شوقي، مدير عام آثار محافظة الشرقية لـ«الشرق الأوسط»: «إن القصر لا يتبع هيئة الآثار، لكنّه يخضع لإشراف هيئة التنسيق الحضاري، ويحمل رقم 26 في كشف حصر المباني التراثية بمحافظة الشرقية، لعام 2010». وأضاف: «حالة القصر سيئة جداً، وغير صالحة للترميم والتأهيل، بعدما تعرضت أجزاء كبيرة منه للتهدم». وأشار إلى أنّ «ملكية القصر حالياً تعود إلى وزارة المالية التي تمتلك 48 فداناً بزمام القصر تؤجرها للمزارعين، لكنّها لا تستطيع هدم القصر، أو إعادة تجديده إلا بموافقة هيئة التنسيق الحضاري بموجب القانون». وتابع شوقي: «محافظة الشرقية يوجد بها نحو 40 مبنى تراثياً، لا يصلح منها للتطوير سوى 10 أبنية فقط، ومنها مسجد الطاروطي في فاقوس، ذو القيمة الفنية والمعمارية الرائعة، ومسجد وقصر الملك فاروق في إنشاص الرمل، وكنيسة كفر الدير ومحلج القطن في منيا القمح، بالإضافة إلى قصور بني حسن بكفر صقر. أمّا المباني الثلاثون الأخرى، ومنها قصر الملك فاروق، فإنّها لا تصلح للترميم أو إعادة التأهيل بسبب تهدم أجزاء كبيرة منها».
يشار إلى أنّ محافظة الشرقية، تضم العديد من ممتلكات أسرة الملك فاروق، إلى جانب آثار فرعونية (منطقة تل بسطة بالزقازيق، وصان الحجر)، وآثار إسلامية، مثل مسجد «سادات قريش»، وهو أول مسجد بُني في مصر، بعد الفتح الإسلامي، ويقع في مدينة بلبيس، التي تضم بين ثناياها قصر الملك فاروق أيضاً.
قصر الملك فاروق مهد تأسيس الجامعة العربية يدخل دوامة النسيان
تحول إلى مخزن أسلحة في عهد ناصر ومدرسة أيام السادات ومبارك
قصر الملك فاروق مهد تأسيس الجامعة العربية يدخل دوامة النسيان
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة