أوهام «داعش» تتلاشى

TT

أوهام «داعش» تتلاشى

تقترب القوات العراقية وقوات النظام السوري والميليشيات الموالية بشكل متزامن على جانبي حدوديهما، في سعيهما إلى إطباق الخناق على تنظيم داعش، غير أنه يجب على البلدين الجارين الاستعداد لمرحلة «مربع التمرد الأول» للتنظيم، وفق ما يشير خبراء في تقرير لوكالة الصحافة الفرنسية من بغداد.
من جهة بغداد، يشير العميد يحيى رسول، المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية إلى «تنسيق مع الجيش» النظامي السوري. وفي دمشق، يلفت مصدر عسكري إلى أن «التنسيق موجود من غرفة العمليات المشتركة السورية الروسية العراقية الإيرانية في بغداد».
لكن وراء الإعلانات الصادرة من قنوات رسمية، فإن العمل يدا بيد على الأرض مهمة صعبة للجهات الناشطة والفاعلة، بحسب ما يقول كريم بيطار، الباحث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس.
في محافظة دير الزور السورية، يتعرض «داعش» لهجوم على جبهتين: الأولى يشنها الجيش النظامي السوري الذي استعاد المدينة التي تحمل الاسم نفسه، والآخر من «قوات سوريا الديمقراطية» (تحالف عربي كردي) المدعومة من الولايات المتحدة.
إلى جانب القوات التي تقاتل على الأرض، يضاف الحلفاء والجهات الراعية والقوى الأخرى الإقليمية أو العالمية المنخرطة في الحرب ضد المتطرفين أو في النزاع داخل سوريا. يوضح بيطار أنه «في سوريا، لا شيء كان ممكنا من دون الغطاء الجوي الروسي» الداعم لدمشق.
وفي سوريا كما في العراق، فإن «الإيرانيين يسعون إلى ضمان الاستمرارية الجغرافية التي تسمح لهم بتأمين قنوات الإمداد لـ(حزب الله)» اللبناني، وفق ما يشرح المختص في شؤون الشرق الأوسط.
أما مايكل نايتس، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، فيرى أن بغداد ودمشق «تهاجمان العدو نفسه في المنطقة نفسها». وقياسا إلى المعارك الأخيرة في تلعفر والحويجة، فإن استعادة المنطقة الحدودية من الجهة العراقية، قد تتطلب «أسبوعين».
عند انتهاء المعارك، ينهي العراق ثلاث سنوات من احتلال ما يقارب ثلث أراضيه. سوريا بدورها، يمكنها أن تطرد تنظيم داعش سريعا من محافظة دير الزور، آخر مناطق التواجد الكبير لتنظيم داعش.
أمام التقدم السريع للقوات العراقية في المناطق الصحراوية ذات الجغرافية الصعبة، تُسجل انسحابات في صفوف عناصر التنظيم المتطرف.
يؤكد الكولونيل راين ديلون، المتحدث باسم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة، أن «قيادات (داعش) تترك أتباعها للموت أو للقبض عليهم في تلك المناطق». لكنه يشير في الوقت نفسه إلى أن العناصر الذين يتمكنون من الهرب «يختبئون في صحراء» وادي الفرات الأوسط، التي كانت على مدى سنوات خلت معبرا للتهريب ودخول الجهاديين وغيرهم من المقاتلين المتطرفين.
يلفت بيطار إلى أن «الطابع الصحراوي لتلك المناطق، سيجعل من تأمينها أمرا صعبا، ويمكن لفلول تنظيم داعش أن يبقوا ناشطين حتى بعد الهزيمة».
في هذا السياق، يوضح نايتس، أن المتطرفين في الواقع قد «عادوا إلى ما كانوا عليه في العام 2013»، قائلا إنهم «سيعيدون التمرد إلى المربع الأول، أي قبل إعلان (الخلافة) المزعومة في يونيو (حزيران) العام 2014». ويضيف، أنه «في الكثير من الأماكن، استعادوا قدرات العام 2013» ولا يزال لديهم جيوب محتملة عدة على امتداد الأراضي العراقية، مشيرا إلى مدن «الرمادي والفلوجة، والحزام المحيط ببغداد، ومناطق في محافظتي الأنبار وديالي».
من تلك المناطق الصحراوية أو الجيوب الخارجة عن سيطرة القوات العراقية «سيسعى الدواعش إلى شن هجمات لزعزعة استقرار السلطات محليا، ومواصلة العمليات الخارجية والإعلامية، سواء من خلال التخطيط لها أو إلهام مهاجمين في الخارج؛ للحفاظ على غطاء من الشرعية»، وفق ما يؤكد ديلون.
وفي كل الأحوال، فالقوات العراقية وضعت يدها على نقطة مهمة الجمعة، بحسب بيطار، الذي يشير إلى أن سيطرتها على منفذ القائم الحدودي مع سوريا «له رمزية». ويختم بيطار بالقول: إن «وهم الخلافة الذي كان قادرا على محو الحدود التي فرضها اتفاق سايكس - بيكو، أوشك على نهايته».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.