منى مرعي ترسم صورا أخرى للحياة في العراق في «أشباه مغايرة»

الفنانة: العراقيون يفضلون ماضيهم الأجمل على حاضر بلا معان

منى مرعي ترسم صورا أخرى للحياة في العراق في «أشباه مغايرة»
TT

منى مرعي ترسم صورا أخرى للحياة في العراق في «أشباه مغايرة»

منى مرعي ترسم صورا أخرى للحياة في العراق في «أشباه مغايرة»

لم تمنع الأمطار والعواصف التي فاجأت أهالي العاصمة بغداد متذوقي الفن والجمال من حضور حفل افتتاح المعرض الشخصي الرابع للفنانة الشابة منى مرعي في قاعة صغيرة وبسيطة بمنطقة السعدون، لكنها جسدت عراقا مصغرا لأجيال متنوعة من الفنانين والفنانات والمثقفين. وضمن نشاطات وتوجهات فردية تحاول منى مرعي أن ترسم صورا أخرى للحياة في العراق، على الرغم من مخالب الإرهاب والتهديد والقلق المتربص بالجميع.
27 لوحة متفردة بأحجام مختلفة الأبعاد، وزعتها الفنانة داخل أروقة المركز العراقي البلجيكي للثقافة والآداب والفنون في باكورة افتتاحه بمنطقة السعدون (وسط بغداد)، ويتواصل المعرض على مدى أسبوعين، وحمل عنوان «أشباه مغايرة» انسجاما مع حقيقة علمية تقول إنه لا يوجد في الكون شيء يشبه شيئا آخر، فكل الأشباه مغايرة ومتغايرة، كما أن كل الوجوه مغايرة ومتغايرة، وكذلك العراقيون مغايرون لأشباههم من البشر، بحسب وجهة نظر الفنانة مرعي التي لجأت إلى اعتماد الأسلوب التعبيري في لوحاتها حينا، وما بين التجريدي والتعبيري في لوحات أخرى. وهي تجتذب المتلقي للتأمل والتفحص في الأشكال والملامح، وقد بدت باذخة المعاني، وتكشف ما تعانيه في داخلها من عذابات تتسرب أشعتها إلى سطح الوجه، فكل ما في المعرض من «أشباه» كانت «مغايرة» بوجعها وأملها وتطلعاتها، فها هي ترسمنا بنقائضنا الداخلية والخارجية ووجعنا الذي نحاول أن نهزمه.
عن معرضها، وما يحمله من جديد، تحدثت الفنانة منى في حديثها لـ«الشرق الأوسط»: «هو تجربتي الرابعة، وليس فقط معرضي الرابع، لأنني أسعى في كل مرة إلى أن أجسد تجربة جديدة، وكان هدفي هو إضفاء دواخلي على سطح اللوحة، وتدوين ما خبرته من تفاصيل حياتية، كثنائيات الخير والشر، الحب والكره، الحرب والسلام، وغيرها، وقصدت عنوان (أشباه مغايرة)، وهو اسم تناقضي واستشعاري في الوقت ذاته، فلأول وهلة حين سماع الاسم يخيل للمتلقي أنه اسم فلسفي رمزي، لكنه حقيقة علمية أنه لا يوجد في الكون شيء يشبه شيئا آخر، كما أن كل العراقيين اليوم يفضلون أيام طفولتهم وماضيهم على أنها الأجمل من كل فصول الحياة التي يعيشونها اليوم بلا معان».
وأضافت «عمدت أن أترك اللوحات من دون عنوان ومن دون شرح، ليجد المتلقي نفسه فيها يستشعر العمل أو يستشعر دواخلي أنا من خلال الأعمال.. مثلما تعمدت الوجوه في كل الأعمال كما ترين وبعضها يحمل تيمة الأرواح، ربما هي لأناس رحلوا وربما لأناس ينتظرون».
وعن العيون التي شكلت تيمة معظم اللوحات، وما تريد أن تفصح عنه، قالت مرعي «الوجوه في لوحاتي فيها أكثر من معنى رمزي، فمرة تجد أرواحا رحلت، ومرة أخرى تجد أناسا ينتظرون مستقبلا جميلا، وحتى الأرواح في عيونها أمل لمستقبل أجمل، أما الوجوه الأفريقية فهي فيها معان أخرى ارتبطت بالاستعباد والمجاعة ربما، كما أرى في أعمالي أطفالا ينظرون للماضي على أنه أجمل، فهم مغايرون لأشباههم من أطفال العالم الذين ينظرون للمستقبل على أنه أجمل».
ولفتت تقول «هناك وجوه تشبه وجوه الأفارقة، وقد تعمدت رسمها بتصرف وحداثة لأسباب كثيرة، من بينها محاولة ربط المجاعة التي حصلت في أفريقيا وما حصل للعراق من مجاعة، ليس للغذاء وإنما للأمن والاطمئنان والعيش بسلام».
وكيف تجدين الواقع التشكيلي في العراق، وهل المناخ مهيأ للفنانة العراقية كي تبدع وترسم بحرية؟ تقول «الواقع التشكيلي في العراق متعب، والفنان هنا غير مدعوم، فهو يرسم لكن بلا جدوى أو منفعة مادية، ولا يمكن الاعتماد على ما تقدمه لنا وزارة الثقافة لأنه غير كاف وغير عادل أيضا، فهم يدعمون أسماء دون أخرى، كما أن تحويل معارض الوزارة إلى ثكنة عسكرية أعاق حركة الزوار فيها وسبب عزوفا عن حضور فعالياتها». واستدركت لتقول «الفنانة العراقية بإمكانها أن ترسم في العراق، لكن تسويق أعمالها يتم في الخارج، فحركة البيع والشراء شبه متوقفة».
وعن نظرته النقدية للمعرض، كتب الناقد التشكيلي محسن الذهبي يقول «في أعمال التشكيلية منى مرعي ثمة نزوع نحو التجريب والحداثة، فهي لا تبالغ بالمغامرة الشكلية، بل تطوع الشكل لخدمة المضمون، وهي لا تبتعد عن الواقع التشخيصي بل تبرزه في أغلب الأحيان ليكون الإنسان محور أعمالها». وأضاف أن «منى مرعي تجسد في هذا المعرض حالات إنسانية متعددة ومن عدة زوايا وأشكال تصوغها بغية إيقاظ مشاعر التعاطف والتفهم مع قضيتها».
وسجل التشكيلي قاسم العزاوي انطباعه عن المعرض قائلا «حاولت الفنانة منى مرعي في طرح مشروعها التشكيلي (أشباه مغايرة) أن تتغاير قليلا في أسلوبيتها، من خلال الاختزال في مشهدها البصري التعبيري، ومن خلال وحداتها اللونية والاقتراب من خزين رسوم الطفولة أو خربشات الطفولة المطبوعة في ذاكرتها».
والتشكيلية منى مرعي خريجة معهد الفنون الجميلة لسنة 1995 القسم التشكيلي فرع الرسم، من العشرة الأوائل. انتقلت إلى كلية الفنون الجميلة مباشرة وتخرجت في سنة 1997، وأقامت معرضها الأول عام 2000 في وزارة التربية بعنوان «تجريد»، وأسهمت في معارض جماعية عديدة آخرها كان «همسات ملونة» بقاعة المعهد الفرنسي وبمشاركة عدد كبير من الفنانات العراقيات بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».