سنودن يرغب في العودة إلى أميركا ويدافع عن تسريبه الوثائق السرية

المتعاقد السابق مع الاستخبارات قال إنه لم يحدث أي اتصال بينه وبين بوتين

سنودن يرغب في العودة إلى أميركا ويدافع عن تسريبه الوثائق السرية
TT

سنودن يرغب في العودة إلى أميركا ويدافع عن تسريبه الوثائق السرية

سنودن يرغب في العودة إلى أميركا ويدافع عن تسريبه الوثائق السرية

أعرب المستشار السابق لوكالة الأمن القومي الأميركية إدوارد سنودن عن رغبته في العودة إلى بلاده، مدافعا عن تسريبه لوثائق سرية حول عمل الاستخبارات الأميركية على اعتبار أن الانتهاك المتواصل للدستور لم يترك له أي خيار.
وبعد نحو عام على تسريبه وثائق سرية كشفت عن برنامج وكالة الأمن القومي للتجسس على الهواتف والإنترنت حول العالم، قال سنودن: «إذا كنت أستطيع الذهاب إلى أي مكان في العالم، فهذا المكان سيكون الوطن». وتابع في حديث لمحطة «إن بي سي» مساء أول من أمس، في أول مقابلة له مع تلفزيون أميركي منذ بدء الفضيحة في يونيو (حزيران) الماضي، إنه «منذ اليوم الأول قلت إني سأخدم بلادي. سواء كان الصفح أو العفو احتمالا فإن ذلك يعود للشعب ليقرره».
ودافع سنودن عن نفسه ضد اتهامات الإدارة الأميركية له بأنه قرصان إنترنت وخائن عرض حياة الكثيرين للخطر عبر كشفه حجم برنامج التجسس عبر صحيفة «غارديان» البريطانية. وقال «الحقيقة» هي أن الشعب كان يجب أن يعلم بما يحصل، مضيفا: «إن دستور الولايات المتحدة انتهك على مقياس ضخم». وتساءل: «كيف يقال إن ذلك أضر بالبلاد بعدما نتج عنه إجراء القطاعات الحكومية الثلاثة لإصلاحات». ورد وزير الخارجية الأميركي جون كيري على تصريحات سنودن، وقال: «خان بلاده، عليه التحلي بالشجاعة والعودة إلى الولايات المتحدة».
وأكد سنودن أنه لم يكن مجرد متعاقد بسيط يعمل لصالح وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي إيه) كما يقول البيت الأبيض. بل قال: «لقد جرى تدريبي كجاسوس بالمعنى التقليدي للكلمة، بحيث إنني عشت وعملت بشكل سري خارج البلاد وتظاهرت بالعمل في وظيفة غير حقيقية، حتى إنه جرى منحي اسما آخر غير اسمي». وأضاف أنه عمل بشكل سري «خبيرا فنيا» لحساب وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ووكالة الأمن القومي. وهو الأمر الذي نفته مستشارة الأمن القومي سوزان رايس ردا على سؤال لشبكة «سي إن إن» حول ما إذا كان جرى تدريب سنودن كجاسوس.
ووجه سنودن اللوم للولايات المتحدة لإجباره اللجوء إلى روسيا. وقال في المقابلة التي سجلت الأسبوع الماضي في موسكو «في الحقيقة لم أقصد أبدا أن ينتهي بي المطاف في روسيا. حجزت طائرة إلى كوبا ومنها إلى أميركا اللاتينية وتوقفت لأن حكومة الولايات المتحدة قررت إلغاء جواز سفري وحجزي في مطار موسكو». أما كيري فرد أيضا على هذا التصريح بالقول: «بالنسبة لرجل يفترض أنه ذكي، هذا جواب غبي صراحة». وأضاف: «في الحقيقة أضر (سنودن) ببلاده بشكل كبير. وهذا أمر أعتبره محزنا ومعيبا».
وفي أغسطس (آب) 2013 منحت روسيا اللجوء لسنودن بعدما أمضى أسابيع محتجزا في مطار بموسكو قادما من هونغ كونغ. وبالنسبة لسنودن، فإنه لا يستطيع العودة إلى بلاده للمثول أمام المحكمة بسبب «الاتهامات الاستثنائية» الموجهة ضده والتي تمنعه من استخدام معلومات سرية للدفاع عن نفسه.
وأشار سنودن إلى أنه لم يحصل أي اتصال مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين منذ منحه اللجوء، ونفى أن تكون الحكومة الروسية تدفع له شيئا. وأضاف أنه يفتقد عائلته وزملاءه، مصرا على أنه «بطل وطني» لا يزال يخدم الحكومة الأميركية. وقال: «أحيانا لكي تفعل الأمر الصائب عليك أن تخرق القانون. أن تكون بطلا لا يعني إعطاء الأولوية للحكومة على كل شيء. أن تكون بطلا يعني أن تحمي بلادك وأن تعرف متى عليك حماية الدستور».
أما كيري فقال لشبكة «إن بي سي» أيضا إنه «إذا كان السيد سنودن يريد العودة إلى الولايات المتحدة اليوم، فسنؤمن له رحلة اليوم». وتنتهي فترة اللجوء المؤقت الممنوح لسنودن في الأول من أغسطس المقبل، وبحسب قوله فإنه «بالطبع سيقدم طلب تمديد». وختم بالقول: «قد أكون خسرت قدرتي على السفر ولكني فزت بالقدرة على النوم ليلا، وأنا أشعر براحة لأني قمت بالأمر الصحيح على الرغم من صعوبته. أنا مرتاح إلى ذلك».



رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية
TT

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

رياح اليسار تهب مجدداً على أميركا اللاتينية

هل عادت رياح اليسار تهب من جديد على أميركا اللاتينية بعد موجة الانتصارات الأخيرة التي حصدتها القوى والأحزاب التقدمية في الانتخابات العامة والرئاسية؟
من المكسيك إلى الأرجنتين، ومن تشيلي إلى هندوراس والبيرو، ومؤخراً كولومبيا، خمسة من أقوى الاقتصادات في أميركا اللاتينية أصبحت بيد هذه الأحزاب، فيما تتجه كل الأنظار إلى البرازيل حيث ترجح الاستطلاعات الأولى فوز الرئيس الأسبق لولا دي سيلفا في انتخابات الرئاسة المقبلة، وإقفال الدائرة اليسارية في هذه المنطقة التي تتعاقب عليها منذ عقود شتى أنظمة الاستبداد العسكري والمدني، التي شهدت أبشع الديكتاتوريات اليسارية واليمينية.
بعض هذه الدول عاد إلى حكم اليسار، مثل الأرجنتين وهندوراس وبوليفيا، بعد أن جنح إلى الاعتدال، ودول أخرى لم تكن تتصور أنها ستقع يوماً في قبضة القوى التقدمية، مثل تشيلي وكولومبيا، فيما دول مثل المكسيك وبيرو ترفع لواء اليسار لكن اقتصادها يحتكم إلى أرسخ القواعد الليبرالية.
هذه الموجة تعيد إلى الأذهان تلك التي شهدتها المنطقة مطلع هذا القرن مع صعود هوغو تشافيز في فنزويلا، وتحت الظل الأبدي الوارف لفيديل كاسترو، فيما أطلق عليه يومها «اشتراكية القرن الحادي والعشرين». ومن المفارقة أن الدوافع التي كانت وراء ظهور هذه الموجة، نجدها غالباً في تمايزها عن تلك الموجة السابقة التي كان لارتفاع أسعار المواد الأولية والصادرات النفطية الدور الأساسي في صمودها. فيما محرك التغيير اليوم يتغذى من تدهور الوضع الاجتماعي الذي فجر احتجاجات عام 2019 وتفاقم مع ظهور جائحة «كوفيد». يضاف إلى ذلك أن تطرف القوى اليمينية، كما حصل في الأرجنتين وكولومبيا وتشيلي وبيرو، أضفى على الأحزاب اليسارية هالة من الاعتدال ساعدت على استقطاب قوى الوسط وتطمين المراكز الاقتصادية.
ومن أوجه التباين الأخرى بين الموجتين، أنه لم يعد أي من زعماء الموجة الأولى تقريباً على قيد الحياة، وأن القيادات الجديدة تتميز ببراغماتية ساعدت على توسيع دائرة التحالفات الانتخابية نحو قوى الوسط والاعتدال كما حصل مؤخراً في تشيلي وكولومبيا.
حتى لولا في البرازيل بحث عن حليفه الانتخابي في وسط المشهد السياسي واختار كمرشح لمنصب نائب الرئيس جيرالدو آلكمين، أحد زعماء اليمين المعتدل، الذي سبق أن هزمه في انتخابات عام 2006.
ولى زمن زعماء اليسار التاريخيين مثل الأخوين كاسترو في كوبا، وتشافيز في فنزويلا، وإيفو موراليس في بوليفيا، الذين اعتنقوا أصفى المبادئ الاشتراكية وحاولوا تطويعها مع مقتضيات الظروف المحلية، وجاء عهد قيادات جديدة تحرص على احترام الإطار الدستوري للأنظمة الديمقراطية، وتمتنع عن تجديد الولاية، وتلتزم الدفاع عن حقوق الإنسان والحفاظ على البيئة.
لكن مع ذلك لا يستقيم الحديث عن كيان واحد مشترك تنضوي تحته كل القوى التقدمية الحاكمة حالياً في أميركا اللاتينية، إذ إن أوجه التباين بين طروحاتها الاقتصادية والاجتماعية تزيد عن القواسم المشتركة بينها، الأمر الذي يدفع إلى التساؤل حول طبيعة العلاقات التي ستقيمها هذه القوى التقدمية مع محيطها، وأيضاً مع بقية دول العالم.
وتشير الدلائل الأولى إلى ظهور توتر يتنامى بين رؤية القوى التقدمية الواقعية والمتعددة الأطراف للعلاقات الدولية، والمنظور الجيوستراتيجي للمحور البوليفاري. ومن المرجح أن يشتد في حال فوز لولا في البرازيل، نظراً لتمايز نهجه الدبلوماسي عن خط كوبا وفنزويلا، في الحكم كما في المعارضة.
ويلاحظ أن جميع القوى اليسارية الحاكمة اليوم في أميركا اللاتينية، وخلافاً لتلك التي حكمت خلال الموجة السابقة، تعتمد أسلوباً دفاعياً يهدف إلى صون، أو إحداث، تغييرات معتدلة من موقع السلطة وليس من خلال التعبئة الاجتماعية التي كانت أسلوب الأنظمة اليسارية السابقة، أو البوليفارية التي ما زالت إلى اليوم في الحكم. ولا شك في أن من الأسباب الرئيسية التي تدفع إلى اعتماد هذا الأسلوب الدفاعي، أن القوى اليسارية والتقدمية الحاكمة غير قادرة على ممارسة الهيمنة السياسية والآيديولوجية في بلدانها، وهي تواجه صعوبات كبيرة في تنفيذ برامج تغييرية، أو حتى في الحفاظ على تماسكها الداخلي.
ويتبدى من التحركات والمواقف الأولى التي اتخذتها هذه الحكومات من بعض الأزمات والملفات الإقليمية الشائكة، أن العلاقات مع كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا ستكون مصدراً دائماً للتوتر. ومن الأمثلة على ذلك أن الرئيس الكولومبي الجديد غوستافو بيترو، ونظيره التشيلي، اللذين كانا لأشهر قليلة خلت يؤيدان النظام الفنزويلي، اضطرا مؤخراً لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان التي يمارسها نظام نيكولاس مادورو، علماً بأن ملايين الفنزويليين لجأوا في السنوات الأخيرة إلى كولومبيا وتشيلي.
وفي انتظار نتائج الانتخابات البرازيلية المقبلة، وبعد تراجع أسهم المكسيكي مانويل لوبيز لوبرادور والتشيلي بوريتش لقيادة الجبهة التقدمية الجديدة في أميركا اللاتينية، برزت مؤخراً صورة الرئيس الكولومبي المنتخب الذي يتولى مهامه الأحد المقبل، والذي كان وضع برنامجه الانتخابي حول محاور رئيسية ثلاثة تمهد لهذا الدور، وهي: الحفاظ على البيئة والموارد الطبيعية وتغير المناخ، والدور المركزي لمنطقة الكاريبي والسكان المتحدرين من أصول أفريقية، والميثاق الإقليمي الجديد الذي لا يقوم على التسليم بريادة الولايات المتحدة في المنطقة لكن يعترف بدورها الأساسي فيها.