منتدى في الغاط يناقش واقع وتحديات الاقتصاد السعودي

تكريم الراحل محسون جلال والمجموعة السعودية للأبحاث والتسويق

TT

منتدى في الغاط يناقش واقع وتحديات الاقتصاد السعودي

يناقش منتدى الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية في دورته الحادية عشرة، والذي تستضيفه دار الرحمانية في محافظة الغاط (260 كلم شمال غربي الرياض)، السبت المقبل، الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، الوضع الاقتصادي السعودي الحالي والتقلبات والتطورات التي شهدها هذا القطاع وانعكاسات ذلك على الواقع، والبحث عن مقترحات وخيارات وحلول مناسبة تهدف إلى إيجاد آليات محركة وفاعلة للنهوض بهذا القطاع، وتحقيق اقتصاد فاعل متنوع بمشاركة فعاليات اقتصادية تمثل مختلف الجهات ذات العلاقة، وسيُكرّم في المنتدى الراحل الدكتور محسون جلال، أحد الرموز الاقتصادية، وله إسهام واضح في المشهد الاقتصادي السعودي، وأحد أوائل الأكاديميين الاقتصاديين في السعودية، وقد بدأ حياته العملية بالتدريس في جامعة الملك سعود في عام 1961، بعد تخرجه في جامعة القاهرة، ثم تفرغ للتحصيل العلمي وعاد إليها عام 1976، بصفة أستاذ بعد حصوله على الدكتوراه. واختير في عام 1975 نائب رئيس ومديرا عاما للصندوق السعودي للتنمية، ومثّل ما بين عامي 1978-1981 السعودية في صندوق النقد الدولي. واختير أيضا عضواً في باللجنة الفنية بالهيئة العليا للنفط. ورأس مجلس إدارة مؤسسة الاستشارات السعودية لمدة خمسة أعوام، وتمتع بعضوية مجلس إدارة البنك السعودي الدولي والشركة السعودية للصناعات الأساسية سابك.
كما سيتم تكريم المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق وجريدتي الشرق الأوسط والاقتصادية، الشركاء الإعلاميين للمنتدى.
وسيصدر عن المنتدى توصيات يسبقها جلستان، الأولى عن الوضع الاقتصادي في السعودية ومظاهر الركود، يديرها إحسان أبو حليقه، ويحاور بها كل من الدكتور فهد التركي، والدكتور عثمان الوقداني، والدكتور محمد القنيبط، والثانية عن السياسات المقترحة للخروج من المشكلة والخيارات المتاحة، ويدير الجلسة طارق بن زياد السديري، ويحاور بها كلا من الدكتور فيصل البشير، والدكتور سعود المطير، والدكتور عبد الواحد الحميد، ويتاح للجمهور فرصة الحوار مع المتحاورين يعقبها إقرار توصيات تتعلق بموضوع الندوة.
وجاء اختيار المنتدى للوضع الاقتصادي السعودي في المرحلة الحالية، موضوعا للمنتدى السنوي نظرا لأهمية البحث عن حلول لمظاهر الركود وأسبابه والسياسات المقترحة للخروج من ذلك، فمنذ هبوط أسعار النفط في النصف الثاني من عام 2014 انخفضت الإيرادات الحكومية التي تعتمد بشكل رئيسي على الإيرادات من تصدير النفط وبيعه في الأسواق العالمية ما أثر بدوره على الإنفاق الحكومي على المشروعات التنموية وعلى بعض الأنشطة الخدمية. بدوره فقد تأثر القطاع الخاص، بتلك التطورات، وذلك لاعتماده إلى حد كبير على الإنفاق الحكومي سواء بشكل مباشر أم غير مباشر.
وقد تزامنت هذه التطورات مع إطلاق برنامج التحّول الوطني، وذلك في سياق رؤية المملكة 2030 التي تسعى إلى تنويع مصادر الدخل، وتوسيع قاعدة الاقتصاد الوطني، وتخفيف الاعتماد على إنتاج النفط وتصديره. وفي هذا السياق، اتخذت الحكومة عدداً من التدابير التي كان لها بعض الانعكاسات على الوضع الاقتصادي خصوصاً في المدى القصير والمدى المتوسط.
يتناول النقاش في الجلسة الأولى توصيفاً للوضع الاقتصادي الحالي، والانعكاسات التي ترتبت على انخفاض أسعار النفط، وكذلك الانعكاسات التي نجمت عن تطبيق بعض برامج التحول الوطني ورؤية 2030.
ويتناول في الجلسة الثانية أهم السياسات التي يمكن اتباعها للتصدي لأي انعكاسات سلبية، والاستفادة من التحديات التي تواجه الاقتصاد الوطني لرفع قدرات وتصحيح الاختلالات الهيكلية التي ظل يعاني منها على مدى العقود الماضية بسبب اعتماده المفرط على إنتاج النفط وتصديره، وهو ما سوف يؤدي إلى تحقيق أهداف رؤية 2030.
يعد منتدى الأمير عبد الرحمن بن أحمد السديري للدراسات السعودية، واحـدا من أبرز الفعاليات الثقافية في المركز. ويُنظّم بالتناوب بين الجـوف والغاط، وقد أقيمت دورتـه الأولـى في الغاط عام 2007، وتشمل فعالياته نـدوة تتناول موضوعاً ذا أهمية على مستوى الوطن، يدعى لها مجموعة من المتخصصين في مجالها، إضافة إلى تنظيم معرض لإصدارات المركز، مع تكريم شخصية لها إسهام واضح في موضوع ندوة المنتدى. وتنظم أعمال المنتدى هيئة مشرفة وفق لائحة خاصة، كما يُعنى المركز بالثقافة من خلال مكتباته العامة في الجـوف والغاط، ويقيم المناشط المنبرية الثقافية، ويتبّني برنامجاً للنشر ودعم الأبحاث والدراسات يخدم الباحثين والمؤلفين، وتصدر عنه مجلة (أدوماتو) المتخصصة بآثار الوطن العربي، ومجلة (الجوبة) الثقافية، ويضم المركز كلا من: (دار العلوم) في مدينة سكاكا، و(دار الرحمانية) في محافظة الغاط، وفي كل منهما قسم للرجال وآخر للنساء، ويصرف على المركز مؤسسة عبد الرحمن السديري الخيرية.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)