فرصة اليسار لتسلم السلطة في آيسلندا

واحدة من أكثر الدول التي تضررت من أزمة 2008

كاترين ياكوبسدوتير من حركة اليسار الأخضر الأوفر حظاً في تشكيل الحكومة المقبلة (أ.ف.ب)
كاترين ياكوبسدوتير من حركة اليسار الأخضر الأوفر حظاً في تشكيل الحكومة المقبلة (أ.ف.ب)
TT

فرصة اليسار لتسلم السلطة في آيسلندا

كاترين ياكوبسدوتير من حركة اليسار الأخضر الأوفر حظاً في تشكيل الحكومة المقبلة (أ.ف.ب)
كاترين ياكوبسدوتير من حركة اليسار الأخضر الأوفر حظاً في تشكيل الحكومة المقبلة (أ.ف.ب)

في ثاني انتخابات برلمانية مبكرة في آيسلندا جاءت كاترين ياكوبسدوتير، من حركة اليسار الأخضر، بعد رئيس الوزراء الحالي بيارني بينيديكتسون زعيم حزب الاستقلال، حسب استطلاعات الرأي، التي أظهرت أنه يتقدم عليها بفارق ضئيل، وأن الحزبين سيحصلان على نحو 20 في المائة من الأصوات. وما يصب في صالح ياكوبسدوتير هذه المرة هو احتمال حصول الحزب الاجتماعي الديمقراطي، الذي يميل إلى اليسار، على المركز الثالث في الانتخابات، وأن الناخبين يبدون مستعدين للتغيير أكثر من أي وقت مضى.
ولم يمر على الائتلاف الحاكم المنتمي إلى يمين الوسط 9 أشهر منذ توليه الحكم في البلاد، وقد انهار الائتلاف في أعقاب انسحاب حزب «المستقبل الباهر» الصغير، بعد أن حاول والد رئيس الوزراء وزعيم حزب الاستقلال المحافظ بيارني بينيديكتسون، محو السجل الجنائي لرجل أُدين في جريمة اغتصاب، وذلك بعد قضاء هذا الرجل مدة عقوبته في السجن. واتهم حزب «المستقبل الباهر»، بينيديكتسون بمحاولة التستر على ما فعله والده.
كان بينيديكت سفينسون، والد رئيس الوزراء، قد أرسل خطاباً إلى وزارة العدل يطالب فيه بشطب سجل رجل مدان بجريمة جنسية. وواجه الرجل حكماً بالسجن لمدة 5 أعوام ونصف العام في 2004 بتهمة الاعتداء الجنسي على ابنة زوجته. وعندما تم الكشف عن الخطاب بشكل علني، لم تكشف وزارة العدل على الفور عمن كتبه. ويُعْتَقد أن بينيديكتسون كان يعلم منذ يوليو (تموز) أن والده هو الذي كتب الخطاب.
وبدأ الناخبون الآيسلنديون أمس (السبت)، الإدلاء بأصواتهم وسط فضائح تهز الطبقة السياسية رغم اقتصاد قوي يعززه قطاع السياحة المزدهر، بعد أن كانت واحدة من أكثر الدول التي تضررت من الأزمة المالية العالمية في 2008. والانتخابات اليوم هي الرابعة في آيسلندا منذ 2008، وسيرشح الحزب الفائز رئيساً للوزراء، الذي سيضطلع بدوره بتشكيل حكومة ائتلافية.
بموجب النظام الآيسلندي، يطلب الرئيس الذي يتولى دوراً فخرياً، من زعيم أكبر حزب، تشكيل الحكومة. وركزت ياكوبسدوتير، 41 عاماً، خلال حملتها الانتخابية على إعادة الثقة بالحكومة والاستفادة من طفرة اقتصادية لزيادة الإنفاق العام. ومن المتوقع أن يدخل 7 أحزاب على الأقل إلى البرلمان المكون من 63 مقعداً، مما يعقد تشكيل ائتلاف حاكم. وحسب استطلاعات للرأي نُشرت الجمعة، فإن حزب الاستقلال سيحصل على 17 مقعداً. وسيحصل المنافس الرئيسي «حركة الخضر» اليسارية وشريكاها المحتملان: الائتلاف الاشتراكي الديمقراطي، وحزب القراصنة المناهض للمؤسسات، على 29 مقعداً لها جميعاً، أي دون الغالبية المطلقة، ولكن بمساعدة حزب رابع، يمكنهم الإطاحة بوسط اليمين، والفوز بتشكيل حكومة يسارية هي الثانية في آيسلندا منذ استقلالها عن الدنمارك في 1944. وقال إرنار ثور جونسون، أستاذ القانون في جامعة ريكيافيك، لوكالة الصحافة الفرنسية: «هناك شكوك حول احتمال تشكيل حكومة»، لافتاً إلى أن مفاوضات تشكيل حكومة بعد انتخابات أكتوبر (تشرين الأول) 2016 استمرت 3 أشهر.
وشارك حزب الاستقلال، كما جاء في تقرير «رويترز»، في كل حكومة منذ عام 1980 عدا ائتلاف حكم في الفترة من عام 2009 إلى عام 2013 شمل اليسار الأخضر، وكانت ياكوبسدوتير وزيرة تعليم في تلك الحكومة. وحققت آيسلندا التي يقطنها 340 ألف نسمة انتعاشاً اقتصادياً مثيراً للإعجاب، معتمدةً على السياحة، لكن فضائح سياسية وتنامي الشعور بعدم المساواة ومخاوف من الهجرة هددت استقرار البلاد.
منذ الأزمة المالية عام 2008 عندما انهارت أكبر 3 بنوك وشارفت الدولة على الإفلاس، تمكنت آيسلندا من النهوض وسجلت نمواً قوياً نسبته 7,2 في المائة في 2016، بينما تبلغ نسبة البطالة 2,5 في المائة.
لكن الغضب وانعدام الثقة بين أوساط النخبة المالية والعديد من السياسيين المتورطين في فضيحة أوراق بنما التي كشفت عن شبكات للتهرب الضريبي، وتّرا المشهد السياسي في هذه الجزيرة. واضطر رئيس الوزراء السابق سغموندور ديفيد غولاوغسون إلى الاستقالة قبل عام، عقب ورود اسمه في فضيحة الملاذات الضريبية.
ووردت أسماء 600 آيسلندي، وهو رقم كبير في دولة صغيرة، في الفضيحة، بينهم وزير المالية آنذاك بينيديكتسون. ويسعى بعض الناخبين للتغيير وينجذبون إلى حركة الخضر اليسارية، التي تدعو للاستثمار في برامج الرعاية الاجتماعية وبناء منازل بأسعار معقولة وفرض زيادة ضريبية على الأكثر ثراءً. وبينما يشهد قطاع البناء طفرة، تسببت السياحة المزدهرة في ارتفاع أسعار المنازل ونقص في عدد الشقق المعروضة للبيع، إذ يتم تأجير العديد منها للسياح. وحسب صندوق تمويل الإسكان الآيسلندي ارتفعت قيمة الإيجارات في العاصمة بنسبة 13,9 في المائة حتى سبتمبر (أيلول) الماضي.



موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
TT

موسكو تلعب على التصعيد النووي في انتظار عودة ترمب إلى البيت الأبيض

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع في موسكو 21 نوفمبر 2024 (رويترز)

يشكّل تحديث العقيدة النووية لروسيا الذي أعلنه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مؤخراً، تحذيراً للغرب، وفتحاً ﻟ«نافذة استراتيجية» قبل دخول الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب البيت الأبيض، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

«إن تحديث العقيدة النووية الروسية يستبعد احتمال تعرّض الجيش الروسي للهزيمة في ساحة المعركة»، بيان صادر عن رئيس الاستخبارات الخارجية الروسية، سيرغي ناريتشكين، لا يمكن أن يكون بياناً عادياً، حسب «لوفيغارو». فمن الواضح، حسب هذا التصريح الموجه إلى الغربيين، أنه من غير المجدي محاولة هزيمة الجيش الروسي على الأرض، لأن الخيار النووي واقعي. هذه هي الرسالة الرئيسة التي بعث بها فلاديمير بوتين، الثلاثاء، عندما وقّع مرسوم تحديث العقيدة النووية الروسية المعتمد في عام 2020.

ويدرك الاستراتيجيون الجيوسياسيون الحقيقة الآتية جيداً: الردع هو مسألة غموض (فيما يتعلّق باندلاع حريق نووي) ومسألة تواصل. «وفي موسكو، يمكننا أن نرى بوضوح الذعر العالمي الذي يحدث في كل مرة يتم فيها نطق كلمة نووي. ولا يتردد فلاديمير بوتين في ذكر ذلك بانتظام، وفي كل مرة بالنتيجة المتوقعة»، حسب الصحيفة. ومرة أخرى يوم الثلاثاء، وبعد توقيع المرسوم الرئاسي، انتشرت موجة الصدمة من قمة مجموعة العشرين في كييف إلى بكين؛ حيث حثّت الحكومة الصينية التي كانت دائماً شديدة الحساسية تجاه مبادرات جيرانها في ما يتصل بالمسائل النووية، على «الهدوء» وضبط النفس. فالتأثير الخارق الذي تسعى روسيا إلى تحقيقه لا يرتبط بالجوهر، إذ إن العقيدة النووية الروسية الجديدة ليست ثورية مقارنة بالمبدأ السابق، بقدر ارتباطها بالتوقيت الذي اختارته موسكو لهذا الإعلان.

صورة نشرتها وزارة الدفاع الروسية في الأول من مارس 2024 اختبار إطلاق صاروخ باليستي عابر للقارات تابع لقوات الردع النووي في البلاد (أ.ف.ب)

العقيدة النووية الروسية

في سبتمبر (أيلول) الماضي، وفي حين شنّت قوات كييف في أغسطس (آب) توغلاً غير مسبوق في منطقة كورسك في الأراضي الروسية، رد فلاديمير بوتين بتحديد أنه يمكن استخدام الأسلحة النووية ضد دولة غير نووية تتلقى دعماً من دولة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة. لكن في نسخة 2020 من الميثاق النووي الروسي، احتفظت موسكو بإمكانية استخدام الأسلحة الذرية أولاً، لا سيما في حالة «العدوان الذي تم تنفيذه ضد روسيا بأسلحة تقليدية ذات طبيعة تهدّد وجود الدولة ذاته».

وجاء التعديل الثاني في العقيدة النووية الروسية، الثلاثاء الماضي، عندما سمحت واشنطن لكييف باستخدام الصواريخ بعيدة المدى: رئيس الكرملين يضع ختمه على العقيدة النووية الجديدة التي تنص على أن روسيا ستكون الآن قادرة على استخدام الأسلحة النووية «إذا تلقت معلومات موثوقة عن بدء هجوم جوي واسع النطاق عبر الحدود، عن طريق الطيران الاستراتيجي والتكتيكي وصواريخ كروز والطائرات من دون طيار والأسلحة التي تفوق سرعتها سرعة الصوت». وحسب المتخصصة في قضايا الردع في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية (إيفري)، هيلواز فايت، فإن هذا يعني توسيع شروط استخدام السلاح النووي الروسي.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب خلال اجتماع على هامش قمة مجموعة العشرين في أوساكا باليابان 28 يونيو 2019 (رويترز)

انتظار عودة ترمب

لفترة طويلة، لاحظ صقور الاستراتيجية الجيوستراتيجية الروسية أن الردع الروسي تلاشى. وبالنسبة إليهم، فقد حان الوقت لموسكو لإعادة تأكيد خطوطها الحمراء من خلال «إعادة ترسيخ الخوف» من الأسلحة النووية، على حد تعبير سيرغي كاراجانوف، الخبير الذي يحظى باهتمام فلاديمير بوتين. ةمن هذا المنظار أيضاً، يرى هؤلاء المختصون اندلاع الحرب في أوكرانيا، في 24 فبراير (شباط) 2022، متحدثين عن «عدوان» من الغرب لم تكن الترسانة النووية الروسية قادرة على ردعه. بالنسبة إلى هؤلاء المتعصبين النوويين، ينبغي عدم حظر التصعيد، بل على العكس تماماً. ومن الناحية الرسمية، فإن العقيدة الروسية ليست واضحة في هذا الصدد. لا تزال نسخة 2020 من العقيدة النووية الروسية تستحضر «تصعيداً لخفض التصعيد» غامضاً، بما في ذلك استخدام الوسائل غير النووية.

وحسب قناة «رايبار» المقربة من الجيش الروسي على «تلغرام»، فإنه كان من الضروري إجراء تحديث لهذه العقيدة؛ لأن «التحذيرات الروسية الأخيرة لم تُؤخذ على محمل الجد».

ومن خلال محاولته إعادة ترسيخ الغموض في الردع، فإن فلاديمير بوتين سيسعى بالتالي إلى تثبيط الجهود الغربية لدعم أوكرانيا. وفي ظل حملة عسكرية مكلفة للغاية على الأرض، يرغب رئيس «الكرملين» في الاستفادة من الفترة الاستراتيجية الفاصلة بين نهاية إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ووصول الرئيس المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، الذي يتوقع منه بوتين مبادرات سلام محتملة لإنهاء الحرب.

يسعى بوتين، وفق الباحثة في مؤسسة «كارنيغي»، تاتيانا ستانوفايا، لوضع الغرب أمام خيارين جذريين: «إذا كنت تريد حرباً نووية، فستحصل عليها»، أو «دعونا ننهي هذه الحرب بشروط روسيا».