لقطات من حفل الختام: غياب ملحوظ لنجوم الفن المصري

لبنى عبد العزيز مبعوثة الزمن الجميل في المهرجان القومي للسينما المصرية

لبنى عبد العزيز في ختام المهرجان القومي للسينما - الفنانة إلهام شاهين أثناء إلقاء كلمتها بعد فوز فيلمها «يوم للستات» ({الشرق الأوسط})
لبنى عبد العزيز في ختام المهرجان القومي للسينما - الفنانة إلهام شاهين أثناء إلقاء كلمتها بعد فوز فيلمها «يوم للستات» ({الشرق الأوسط})
TT

لقطات من حفل الختام: غياب ملحوظ لنجوم الفن المصري

لبنى عبد العزيز في ختام المهرجان القومي للسينما - الفنانة إلهام شاهين أثناء إلقاء كلمتها بعد فوز فيلمها «يوم للستات» ({الشرق الأوسط})
لبنى عبد العزيز في ختام المهرجان القومي للسينما - الفنانة إلهام شاهين أثناء إلقاء كلمتها بعد فوز فيلمها «يوم للستات» ({الشرق الأوسط})

لم تكن إطلالة الفنانة الكبيرة لبنى عبد العزيز، أول من أمس، في المهرجان القومي للسينما المصرية الـ21 إطلالة عادية؛ بل كانت كملكة متوجة على عرش الفن يزفها حب الجماهير من مختلف الأعمار، صعدت «عروس النيل» على المسرح وصاحبتها لقطات من أعمالها السينمائية و«أفيشات» أفلامها التي تعد من روائع كلاسيكيات السينما العربية والتي لم تتعدَّ الـ20 فيلماً، وانحنت لجمهورها مرتين بإجلال وتقدير.
ورغم أنها رمز من رموز الزمن الجميل أو زمن أفلام الأبيض والأسود، فإن الأطفال الصغار كانوا يطاردونها بهواتفهم الجوالة، كانت تحاول ألا تزجر أحداً برقتها المعهودة التي لا تختلف عن أدائها السينمائي أمام عبد الحليم حافظ ورشدي أباظة وأحمد مظهر، لكن أعداد محبيها كانت كبيرة، تركوا النجوم الشباب وحاولوا بكل ما استطاعوا من حيل أن يلتقطوا معها صورة، وكانت «السيلفي» وسيلتهم «الذكية» بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فكانوا يلتقطون الصور ولم تكن لترفض أو تتوارى كعادتها فهي دائماً ما تعلن أنها لا تحب صخب الشهرة والنجومية ولا تحب مشاهدة نفسها على الشاشة. النجمة الكبيرة رغم ابتعادها عن الساحة الفنية فإنها تطل عبر مقالها الأسبوعي بجريدة «الأهرام ويكلي» متناولة أبرز الظواهر الاجتماعية والسياسية والفنية بأسلوب أدبي بديع باللغة الإنجليزية. حينما اقتربتُ منها وسألتها عن شعورها حيال التكريم وهذا الحب الجارف من الجماهير، قالت: «أنا سعيدة حقيقي أنهم لسه فاكرنّي، ولم أكن أتوقع كل هذا الحب، أنا فعلاً ممتنة جداً وهو يوم سعيد بالنسبة لي».
أما بالنسبة إلى حفل الختام هذا العام، فكان هو الحفل الوحيد بالمهرجان، في محاولة للاقتداء بتقاليد المهرجانات العالمية، كما أوضح المخرج سمير سيف، رئيس المهرجان، الذي بذل جهداً كبيراً في إعداد هذه الدورة لتخرج بهذا الشكل المشرف، والذي أعاد الأمل بأن السينما المصرية تخرج بسرعة حثيثة من كبوتها بعدما ألحقته الأفلام الغنائية الشعبية والأفلام الكوميدية «التافهة» بها من أضرار جسيمة. والحقيقة أنه لأول مرة يشعر الحضور بجهد مبذول في إعداد ديكور رفيع لخشبة المسرح في حفل الختام، مع إخراج ممتع ومشوق وهندسة صوت دقيقة لا تصيح فيها «الميكروفونات» دون داعٍ لتصم آذان الجمهور، مع اختيار صوتين صاعدين هما المطربان مروة ناجي ومحمد عباس، وكانت الفقرة الغنائية الشبابية بموسيقى الـ«راب» اختياراً موفقاً، حيث كانت متوافقة مع شعار الدورة الـ21 للمهرجان «السينما شعاع الغد».
كان المخرج القدير خيري بشارة أيضاً كعادته بملابس «كاجوال» غير متكلفة، على خلفية لقطات ومشاهد من أفلامه «آيس كريم في جليم» و«أمريكا شيكا بيكا» مصاحبة لمقطع من أغنية «يعني إيه كلمة وطن» بصوت محمد فؤاد من الفيلم ذاته. ولم يلقِ كلمة أيضاً وكذلك معظم المكرمين، عدا نجوم فيلم «نوارة» الذي فاز بنصيب الأسد من الجوائز، حيث تحدثت الفنانة منة شلبي عن حماسها لمهرجان بلدها، ووجهت الدعم والشكر إلى كل من يعمل من خلف الكاميرا ودورهم الخفي في إنجاح الأفلام واستمرار صناعة السينما في لفتة إنسانية جميلة منها. وتبعها في ذلك عدد من المكرمين وكانت إطلالة النجم الصاعد بقوة أمير صلاح الدين الذي شارك منة شلبي في بطولة فيلم «نوارة» إطلالة خفيفة الظل أضفى من خلالها بهجة على الحضور. وكان لتكريم الفنانة القديرة رجاء حسين عن أفضل دور ثانٍ في فيلم «نوارة» وقع جميل لدى الحضور في القاعة الذين حرصوا على التقاط الصور التذكارية معها، وكانت شديدة الود معهم. أما الفنانة إلهام شاهين فكانت كعادتها متألقة بشكل لافت بحضورها المحبب لدى الجماهير الذين حاصروها منذ لحظة دخولها دار الأوبرا، مقر حفل الختام، وحتى بعد انتهاء الحفل، كانت هادئة تتحدث بشغف عن عشقها للسينما وتحمسها لإنتاج مزيد من الأفلام على نفقتها، متحدية كل الظروف في سبيل النهوض بالسينما المصرية. وألقى المخرج القدير علي عبد الخالق مخرج أفلام «العار» و«الكيف» و«أغنية على الممر» و«البيضة والحجر» وغيرها من الروائع، كلمة مهمة حول توصيات لجنة تحكيم المهرجان، لفت فيها إلى اعتماد الأفلام المصرية في الآونة الأخيرة على التصوير في أماكن خارجية دون الاهتمام ببناء ديكورات خاصة بها، مما يؤثر على جودة الصورة السينمائية، وهي ملاحظة جديرة حقاً بالاهتمام من مخرج ولجنة لهم ثقلهم الفني.
وكان من اللافت في حفل الختام الارتباك الكبير لدى جميع من تسلموا الجوائز، فكانت الجوائز وشهادات التقدير تكاد تقع وتسقط منهم، وأيضاً غياب بعض الفنانين دون إعلام إدارة المهرجان، مما سبب حرجاً لمذيعة الحفل الإعلامية إنجي أنور، وإدارة المهرجان. وكان ملحوظاً -كما هو الحال في كل المهرجانات السينمائية المصرية- غياب الأسرة الفنية من نجوم السينما سواء من الشباب أو الأجيال الأكبر، لكن بشكل عام كان الحفل موفقاً وبعث الأمل في سينما مصرية أفضل خلال الأعوام المقبلة من خلال تكريم عدد كبير من المخرجين والمنتجين والكتاب الشباب.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».