مهرجان بيروت الدولي «بياف» يكرم الوجوه الشهيرة في عالم الثقافة والفن والإعلام

يعيد لم شمل عائلة الرحباني.. بحضور نجوم حققوا وحدة عربية فنية عشية عيد الاستقلال

الممثل السوري عابد فهد يتوسط المغنية اللبنانية اليسا والممثلة نادين الراسي خلال حضورهم «مهرجان بيروت الدولي» (بياف)
الممثل السوري عابد فهد يتوسط المغنية اللبنانية اليسا والممثلة نادين الراسي خلال حضورهم «مهرجان بيروت الدولي» (بياف)
TT

مهرجان بيروت الدولي «بياف» يكرم الوجوه الشهيرة في عالم الثقافة والفن والإعلام

الممثل السوري عابد فهد يتوسط المغنية اللبنانية اليسا والممثلة نادين الراسي خلال حضورهم «مهرجان بيروت الدولي» (بياف)
الممثل السوري عابد فهد يتوسط المغنية اللبنانية اليسا والممثلة نادين الراسي خلال حضورهم «مهرجان بيروت الدولي» (بياف)

تحت عنوان دورة «الأخوين عاصي ومنصور»، أقيم للسنة الرابعة على التوالي «مهرجان بيروت الدولي» (بياف)، الذي كرم هذا العام عشرين شخصية من مجالات مختلفة. شهد المهرجان الذي أقيم عشية عيد استقلال لبنان إقبالا فنيا كبيرا، وتلون بوجود مجموعة كبيرة من النجوم من بلدان عربية، كلطيفة التونسية وعابد فهد ويسرا وعزت العلايلي وغيرهم، الذين شكلوا بحضورهم وحدة عربية فنية نوه بها كل من حضره.
استهل المهرجان بمرور المدعوين على السجادة الحمراء، مما أخر افتتاحه لأكثر من ساعتين، إذ حدد على بطاقات الدعوة بدايته في السابعة والنصف مساء، إلا أنه جرى افتتاحه نحو العاشرة على وقع النشيد الوطني اللبناني، تلته مباشرة وصلة غنائية للفنان اللبناني غسان صليبا.
وكما يدل اسم الدورة الرابعة للمهرجان (دورة الأخوين عاصي ومنصور) فقد استهل توزيع الجوائز بتكريم الأخوين الرحباني، بحيث اعتلى المسرح الفنان زياد الرحباني مع عدد من أعضاء فرقته الموسيقية، وقدم عزفا على البيانو لأغنية قديمة لفيروز كما وصفها زياد قلة من الناس تعرفها، وقد سبق ذلك تلاوته لكلماتها لأنه لم يجد من يستطيع غناءها في المهرجان.
وبعد عرض ريبورتاج قصير عن مسيرة الأخوين الرحباني، قدمت الجائزة التكريمية لهما التي تسلمها أسامة الرحباني (نجل الراحل منصور الرحباني). وبعد أن ألقى كلمة انتقد فيها بعض الحضور لعدم احترامهم ابن عمه زياد وهو على المسرح، فتابعوا أحاديثهم وثرثراتهم دون الاستمتاع بعزف هذا الأخير، توجه أسامة إلى المدعوين بالقول «وجود زياد الرحباني هنا قيمة بحد ذاتها، ولهؤلاء الثرثارين ومحبي النميمة أقول كفوا عن تناول الرحابنة بثرثرات لا تليق بمسيرتهم الفنية». ثم طلب من الجميع الوقوف، وتأدية تحية تكريمية لفيروز، لا سيما أن 21 نوفمبر (تشرين الثاني) يصادف عيد ميلادها، فطالبهم بترداد عبارة «اي فيفيا فيروز»، واضعا بذلك نهاية علنية وسعيدة لمرحلة دقيقة شهدتها العائلة الفنية العريقة، وأولاد الأخوين الرحباني منذ فترة.
بعدها اعتلت الفنانة هبة طوجي المسرح لتقدم أغنية «كل يوم باقولك صباح الخير» من ألبومها الجديد. وإثر ذلك بدأت مقدمة الحفل أنابيلا هلال بدعوة الشخصيات ثنائيا لتقديم الجوائز التكريمية لأصحابها.
عشرون شخصية من مجالات فنية وثقافية وإعلامية وسياسية تم تكريمها في مهرجان «بياف» لعطاءاتها وإنجازاتها في لبنان أو الوطن العربي وحتى من بلدان أجنبية كاليونانية اليكي غوغيه صاحبة مؤسسة «وومن آرتس ميديترينيان) التي أسهمت في مساعدة الأطفال وتقديم كل ما يحتاجونه عام 2006 اثر اندلاع الحرب بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.
وكان لتضامن الفنانين العرب وقعه على أجواء المهرجان. فالفنان الخليجي حسين الجسمي إثر تسلمه جائزته التكريمية لم يتل أي كلمة، بل غنى مباشرة من على المسرح دون مرافقة موسيقية «بحبك يا لبنان» لفيروز تعبيرا عن حبه لبلد الأرز. أما الفنان التونسي لطفي بوشناق فتسلم جائزته وقدم وصلة غنائية مباشرة للراحل وديع الصافي فصفق له الجمهور تأثرا.
من ناحيتها، توجهت الفنانة المصرية يسرا إلى المدعوين بالقول «تعلمت من لبنان الصمود، وكنت أتساءل كيف تحمل اللبنانيون الحروب الطويلة على مدار أكثر من عشرين عاما. وعندما مررنا بهذا الأمر في مصر عرفت أن سرهم يكمن في حبهم للحياة، وأن الحياة يجب أن تستمر مهما حصل. وأعتبر اللبنانيين قدوة لنا في النضال».
وكان لأهل الإعلام حصتهم من المهرجان. فإضافة إلى تكريم العميد علي جابر عن إنجازاته في هذا المجال، إن في لبنان أو خارجه، من خلال الإعلام المرئي، تم تكريم الإذاعية وردة زامل التي عرفت في عالم المسموع فكانت من أشهر وأهم المحاورين في السياسة والثقافة والفن على مدى ثلاثين سنة متتالية. وكان لإطلالة الإعلامية اللبنانية المخضرمة غابي لطيف وقعه على الحضور الذين صفقوا تعبيرا عن اشتياقهم لها، فشكرت القيمين على إقامة المهرجان مؤكدة أن غربتها عن بيروت (كونها تعمل منذ أكثر من عشرين عاما في إذاعة مونتي كارلو) لم تغيب يوما حنينها وشوقها لهذه المدينة الجميلة، مشيرة إلى أن لبنان يبقى محفورا في قلبها وروحها مهما أبعدتها عنه المسافات.
وكرم المهرجان الفنانة إليسا التي عبرت عن سعادتها بهذا التكريم وأسرّت للحضور موقفا مؤثرا مرت به مؤخرا عندما شاهدت على «تويتر» فيديو لصبية تدعى حنين وهي مكفوفة فلاحظت مدى تأثرها بها وأنها تستمع دائما لأغنياتها، وقالت «اكتشفت أنني ملهمتها في كتابتها للشعر، فأفرحني هذا الأمر، وأعتبر تكريمي اليوم مهما جدا في بلدي لبنان، وما نريده عشية عيد الاستقلال أن نعيد استقلالا حقيقيا في بلد حر».
ومن بين الشخصيات التي كرمها مهرجان «بياف» الشاعر طلال حيدر، والممثلون رفيق علي أحمد ونادين الراسي ووفاء طربية وعابد فهد وعزت العلايلي، إضافة إلى رجالات حققوا نجاحات في عالم الخدمات كرئيس بلدية بيروت بلال حمد ورئيس شركة «سايفكو» شاهيه يردينيان. كما جرى تكريم مطلقة ومنظمة سباق «ماراثون بيروت الدولي» مي الخليل، وكذلك المطرب غسان صليبا.
والمعروف أن جائزة مهرجان «بياف» تعطى كل سنة لمجموعة من الوجوه الشهيرة في عالم الثقافة والفن والإعلام. فمن بين 200 اسم تقدم للجنة المسؤولة عن اختيار المكرمين سنويا، يصار إلى غربلتها واختيار الأسماء المميزة فيها والتي كانت لديها نسبة عطاءات وإنجازات أكثر من غيرها. أما أعضاء اللجنة التي يرأسها منظم الحفلة الدكتور ميشال ضاهر فتتألف من سياسيين ومثقفين وفنانين يقومون بخياراتهم ارتكازا على خبراتهم الغنية في هذا المجال. وكان المجلس البلدي لمدينة بيروت قد قرر وبالتعاون مع اللجنة المنظمة برئاسة الدكتور ميشال ضاهر ورعاية ودعم مهرجان التكريم، تخصيص حائط للمشاهير ينوى إقامته في حديقة الرئيس رينيه معوض (الصنائع) سيتضمن منحوتات للعمالقة الراحلين والمكرمين سنويا في مهرجان «بياف».



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».