البترول يغادر عصره الذهبي... ونيرانه تخبو لكن لن تنطفئ

لعب دوراً محورياً في تطور البشرية وفي مصائر المجتمعات

البترول يغادر عصره الذهبي... ونيرانه تخبو لكن لن تنطفئ
TT

البترول يغادر عصره الذهبي... ونيرانه تخبو لكن لن تنطفئ

البترول يغادر عصره الذهبي... ونيرانه تخبو لكن لن تنطفئ

دخلت منطقة الشرق الأوسط في قلب الأحداث العالمية منذ النصف الثاني للقرن الواحد والعشرين لأسباب، أبرزها وجود النفط، السلعة التي أصبحت المحرك الرئيسي لعجلة الصناعة والاقتصاد في العالم، لكن هذه السلعة التي تسابقت من أجلها دول العالم، وتسببت في اشتعال حروب وصراعات دامية، وأدت إلى بروز قوى وخمود أخرى، هذه السلعة توشك أن تغادر دور البطولة في المسرح العالمي في النصف الأول من القرن الحادي والعشرين.
وفي كتابه المهم «النفط بين إرث التاريخ وتحديات القرن الحادي والعشرين»، لمؤلفه الدكتور ماجد المنيف، الخبير في مجال التخطيط والاقتصاد والنفط، يستعرض دور النفط التاريخي وأثره السياسي والاقتصادي، والتحديات التي يواجهها.
صدر الكتاب مؤخراً عن المركز الثقافي العربي في بيروت والدار البيضاء، ووقّع المؤلف نسخاً منه في مكتبة مركز الملك عبد العزيز الثقافي العالمي (إثراء) بحضور وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، ورئيس شركة «أرامكو» أمين الناصر، وعدد من الاقتصاديين والمختصين في مجال الطاقة. يلاحظ المنيف، أن النفط الذي أسبغت عليه عدة أوصاف كالذهب الأسود والسلعة الاستراتيجية، اعتبر حيناً نعمة للدول المنتجة له، وأحياناً نقمة ومدعاة للأطماع والتوترات والنزاعات السياسية.
يلاحظ كذلك، أن دور النفط قد تطور كما تطورت هيكلة أسواقه والفاعلين في علاقاته عبر الزمن: «إذ إن علاقات عصره الذهبي في القرن العشرين تعرضت لتحديات وتغيرات تفاعلت لتنتج مسارات اقتصادية واجتماعية وسياسية وتقنية وبيئية في القرن الحادي والعشرين تضعف من دوره في منظومة الطاقة والاقتصاد العالميين».
كما يشير إلى أن «ما ورثه النفط من علاقات في القرن الماضي والتحديات التي تواجه صناعته وأسواقه ودوله المنتجة في القرن الحالي يفرض خيارات تختلف عما واجهته طوال تاريخها»، وهو ما يهدف الكتاب إلى إيضاحه، من خلال تتبع أسواق النفط وعلاقاته منذ اكتشافه تجارياً حتى الآن.

نيران النفط
يرى المؤلف، أنه منذ اكتشافه واستغلاله تجارياً نهاية العقد الخامس من القرن التاسع عشر وحتى الآن، حظي النفط باهتمام لم تحظَ به أي سلعة أولية أخرى؛ نظراً إلى دوره المحوري في تطور البشرية؛ الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، وفي تشكيل مصائر وتنظيم مجتمعات ‏الكثير من الشعوب والدول وعلاقاتها فيما بينها. وبينما شكّل النفط أملاً وفرصاَ للتقدم والرقي استفادت منه بعض الأمم، شكّل لأمم أخرى هاجساً وعائقاً للتنمية المستدامة وللاستقرار السياسي. ‏وبينما قرّب دولاً وشعوباً في آنٍ، باعد فيما بينها في أحيان أخرى. ونظراً إلى ما اكتنف علاقاته المتداخلة وأنماط استغلاله وتوزيع الريع منه وإدارة أسواقه من سلبيات، ربطها بعض الباحثين ‏وجانب من الرأي العام بالحروب والأزمات والأطماع. وهو يرى أن نوعاً من الفجوة أو عدم التناسب نشأ بين الحقائق العلمية وأساسيات السوق من جهة، وبين الانطباعات العامة ‏والتغطيات الإعلامية والسياسات الحكومية من جهة أخرى.

النفط: بزوغ وأفول

يرى الدكتور المنيف، أن القرن العشرين كان قرنا للنفط بامتياز؛ إذ جرى خلاله زيادة مطّردة في إنتاجه واستهلاكه إلى أن تمكن منذ أواسط عقد التسعينات من إزاحة الفحم بصفته مصدرا رئيسيا للطاقة، وتصدّر ذلك الدور حتى الآن.
وشهد القرن العشرون الدخول القوي للنفط في قطاع النقل وفي التطور الصناعي والتقني، وارتباط النمو الاقتصادي والحضري بتوفر إمداداته وتدني واستقرار أسعاره طوال الجزء الأكبر من القرن.
‏واعتبرت الفترة الفاصلة بين نهاية الحرب العالمية الثانية وعام 1973 «العصر الذهبي للنفط»؛ إذ زاد الطلب العالمي عليه بأكثر من ستة أضعاف خلال فترة الخمسة والعشرين عاما بين عام 1948 و1973، وارتفعت احتياطاته الثابتة بعشرة أضعاف، وإنتاج الشرق الأوسط ‏بأكثر من 12 ضعفاً، وتم بناء أكثر من 200 مصفاة تكرير خارج الولايات المتحدة، ونحو 1750 ناقلة نفط. وكان ذلك مدفوعا بنمو اقتصادي عالمي تتجاوز 8 في المائة ‏سنوياً، وزيادة في حركة النقل معَّبرا عنها بزيادة عدد السيارات بخمسة أضعاف (نحو 10 أضعاف في أوروبا) والنقل الجوي بثمانية أضعاف. وفي مقابل ذلك، اتسم القرن، وخصوصاً النصف الثاني منه، بتزايد الاهتمام بطبيعة النفط بصفته موردا ناضبا، وخلال العقود الثلاثة منه ازدادت حدّة تقّلب أسعاره، وزاد الاهتمام بآثاره البيئية المحلية والكونية (التغير المناخي) خلال العقد الأخير منه.

النفط والصراعات
يلاحظ المؤلف، أن الباحثين العرب في مجال النفط – على قلتهم - بدأوا متأخرين عن نظرائهم في أوروبا، رغم أن النفط: أدى دورا في التطور الاقتصادي والاجتماعي وفي ميزان الطاقة العالمي، وفي العلاقات التي صيغت في المراحل التاريخية لاستكشافه وإنتاجه ونقله وتكريره واستخدامه في القطاعات المستهلكة، وكذلك في علاقات التسعير، والإنتاج والتبادل عبر الحدود، والعلاقات الدولية التي نسجت في ظله، ومن خلاله، وفي دوره في اقتصاديات الدول المنتجة والمستهلكة، إلى أن اكتسب النفط هالة إعلامية وسياسية وثقافية لم تحظَ بها سلع أولية أخرى. ونتج من تعدد تشابك وتعقد علاقات النفط إلى أن أصبحت تطوراته، وتوقعات ‏مسار إنتاجه وأسعاره، وسلوك منتجيه أو مستهلكيه ومستورديه، في صلب اهتمامات الباحثين في الاقتصاد والسياسة والمال والفكر الاستراتيجي وغيرها. هذا علاوة على اهتمام الحكومات والمنظمات الدولية الاقتصادية والسياسية.
في هذا الصدد، يلاحظ المؤلف أنه بموازاة الاهتمام البحثي العالمي في النفط وعلاقاته، كان الإنتاج البحثي العربي في مجال النفط وعلاقاته محدودا، وإن ازداد كثافة في عقد السبعينات. وكان الدافع لذلك الاهتمام العالمي بدور المنطقة عقب ما أصبح يعرف بـ«أزمة الطاقة العالمية الأولى» التي تزامنت مع «الحظر النفطي العربي» بعد الحرب العربية الإسرائيلية في أكتوبر (تشرين الأول) عام 1973، وما نتج منها من تداعيات سياسية واقتصادية وإعلامية، راجت خلالها شعارات في الدول الصناعية الرئيسية مثل: «أمن الطاقة»، أو «تقليص الاعتماد على نفط الشرق ‏الأوسط»؛ ما حفز الباحثين العرب في المنطقة وخارجها على تكثيف اهتمامهم بالنفط وعلاقاته. لذلك؛ كان الاهتمام البحثي العربي بالنفط انعكاساً أو ردة فعل للاهتمام العالمي الذي ارتبط بالأزمات السياسية في المنطقة وتأثيرها على إمدادات النفط وأسعاره مثل: الثورة الإيرانية، والحرب العراقية الإيرانية، وغزو العراق للكويت، وحرب تحريرها، والغزو الأميركي للعراق، وتداعيات الربيع العربي، وغيرها.
يلاحظ كذلك، أن الاهتمام البحثي العالمي بالنفط تجدد بداية عقد التسعينات ‏مع تصدر الاهتمامات البيئية الأجندة العالمية، وخصوصا التغيّر المناخي، ودور النشاط البشري الناتج من حرق مصادر الطاقة الأحفورية، ومنها النفط في تلك الظاهرة.

مستقبل النفط
يغطي الكتاب ثلاثة أقسام رئيسية في 16 فصلا و670 صفحة. يضم القسم الأول خلفيات وخصائص النفط وبنية صناعته وطبيعة العلاقات بينه وبين الغاز الطبيعي، وكذلك بينه من جهة وبين الطاقة والاقتصاد والسياسة والبيئة من جهة أخرى، بما في ذلك دوره بصفته سلعة استراتيجية، والأطر التي تحكم كل ذلك.
ويشمل القسم الثاني من الكتاب حصاداً لعلاقات النفط في القرن العشرين وتداعياتها حتى الآن، والتحديات التي تواجه صناعته ومنتجيه في العقود المقبلة من القرن الحادي والعشرين. ونظراً لمركزية منطقة الخليج العربي، في علاقات النفط العالمية وتأثر علاقاته بالأوضاع الجيوسياسية وتأثيره عليها تعرض الكتاب لكيفية تشكّل امتيازات النفط في المنطقة وتأثيرها على موقعها في ميزان العرض العالمي من النفط وفي تشكيل تاريخها الاجتماعي والسياسي خلال القرن.
وتشمل فصول الكتاب تحليلاً لهيكل وتنظيم السوق النفطية منذ بزوغ القرن الماضي بدءًا بدور الشركات العالمية في تنظيم السوق، مروراً بدور «أوبك» والآليات التي اتبعتها ونجاحاتها وإخفاقاتها في إدارة دفة السوق، ومحددات تشكيل أسعار النفط في الوقت الراهن.
يتعرض المبحث الثالث لقضايا وتحديات وفرص للنفط في القرن الحادي والعشرين، منطلقاً من توقعات الطلب والعرض منه حتى عام 2040، كما تنشرها دورياً بعض الشركات العالمية، وكذلك المنظمات الدولية المختصة. ويخلص الفصل إلى أن التوجه العام للتوقعات هو بطء في نمو الطلب على النفط عموماً، وتركز ذلك النمو على الدول النامية وفي قطاع النقل، ‏وانخفاض في إنتاج النفط التقليدي من خارج «أوبك» وزيادة في إنتاج غير التقليدي منه بوتيرة أسرع، وزيادة في حصة المنطقة العربية من الإمدادات العالمية من نوعه التقليدي.
ويتناول فصل آخر إشكالين سيؤثران على مسار علاقات النفط في القرن الحادي والعشرين، وهما: ذروة إنتاجه وذروة الطلب عليه، وافتراضات واستنتاجات كل منهما والمآخذ عليهما.
ويشير هذا الفصل إلى أن ذروة إنتاج النفط تنطلق من حقيقة جيولوجية متفق عليها، ولكن توقيت تلك الذروة عالمياً يعتمد على تحقيق افتراضات كثيرة، وأن التقدم التقني والأسعار قد أضافا إلى قاعدة الموارد وجعلا الاستثمار في النفط غير التقليدي مجدياً، وأبعد عبر الزمن توقيت ذروة الإنتاج عالميا. أما الوصول إلى ذروة الطلب على النفط فينطلق من المكاسب في كفاءة استهلاكه في القطاعات المستخدمة كالصناعة والنقل.
ويستنتج أنه على الرغم من وصول الطلب على النفط إلى الذروة في الدول الصناعية عام 2005، فإن النمو في طلب الدول النامية عوض الانخفاض ‏في ذلك الطلب، وأدى إلى نمو موجب في الطلب العالمي عليه، وأن ذلك سيستمر حتى العام 2040 وما بعده. لكن من الأرجح أنه خلال النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين سيصل الطلب إلى الذروة نتيجة تطوير البدائل ورواجها.
وفي عرضه الكتاب قاله الدكتور ماجد المنيف، إنه يستعرض التحديات التي يواجهها النفط مستقبلاً، وإن كنا نعتبر أن القرن العشرين هو قرن النفط بامتياز وأنه شهد العصر الذهبي لهذه السلعة، فإن التحديات تواجه هذه السلعة بداية القرن الحادي والعشرين، ويقول المنيف، ‏إن الطلب العالمي على النفط سينخفض، وإن ما شاهدناه في الخمسين سنة الماضية – من بلوغ الطلب على النفط إلى الذروة - لن نراه في الخمسين سنة المقبلة.
كذلك، توقع المنيف أن تكون الزيادة الأكبر في الطلب عن النفط، هي للنفط غير التقليدي؛ وهو ما يعزز التحديات أمام نفط الشرق الأوسط، وفي هذا الصدد يقول أيضا إنه يتوقع أن تواصل منطقة الشرق الأوسط تلبية معظم الزيادة في الطلب على النفط.
وهو يلاحظ أن أي تطور في صناعة الطاقة المتجددة سوف يستمر بغض النظر عن تقلبات أسعار النفط وخيارات الطاقة المتجددة. ويلاحظ كذلك، أن أحد أبرز التحديات التي تواجه الصناعة النفطية هي في التطورات التقنية، وبخاصة في قطاع النقل وصناعة السيارات، وهي ما يمكن أن تؤدي إلى انخفاض الطلب العالمي إلى ما بين 4 و6 ملايين برميل يومياً، مؤكداً أن قدرة دول المنطقة على استشراف المستقبل سيكون عاملا مهما في مواجهة التحديات. مشيراَ إلى أن دول الشرق الأوسط ما زالت تحتفظ بميزة كونها الأقل تكلفة في الإنتاج عالمياً.
تخّرج الدكتور ماجد بن عبد الله المنيف في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية من جامعة الملك سعود بالرياض، وحصل على ماجستير في الاقتصاد من جامعة أوريجون في الولايات المتحدة الأميركية، ثم على الدكتوراه في الاقتصاد من الجامعة نفسها. وسبق أن عمل في السلك الأكاديمي، أستاذا في كلية العلوم الإدارية في جامعة الملك سعود، كما أصبح وكيلا للكلية. ولديه مؤلفات معتمدة أكاديميا في جامعات عدة في المجال الاقتصادي، أشهرها كتاب «مبادئ الاقتصاد التحليلي الجزئي».
وعمل مستشارا اقتصاديا لوزارتي المالية، والتخطيط خلال الثمانينات الميلادية من القرن الماضي، وفي عام 2003 عُيّن ممثلا للسعودية في مجلس محافظي «أوبك»، كما اختير في عام 2004 نائباً لرئيس مجلس الطاقة العالمي. وشغل منصب عضو الهيئة الاستشارية في المجلس الاقتصادي الأعلى في السعودية، وفي فبراير (شباط) 2013 تم تعيينه أمينا عاما للمجلس.


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر
TT

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

هي رواية تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، تحمل اسم «عورة في الجوار»، وسوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر والتوزيع، وتقع في 140 صفحة.

عن عوالمها وفضائها السردي، يقول تاج السرّ لـ«الشرق الأوسط»: «تروي هذه الرواية التحولات الاجتماعية، وحياة الريف المكتنز بالقصص والأساطير، وانتقال البلد إلى (العصرنة) والانفتاح ورصد التأثيرات الثقافيّة التي تهبّ من المدن إلى الأرياف، لكنها ترصد أيضاً تأثير الأوضاع السياسية المضطربة في السودان على حياة الناس العاديين وما تسببه الانقلابات العسكرية من معاناة على السكان المحليين، خاصة في الأرياف... إلى جانب اهتمامها بتفاصيل الحياة اليومية للناس، في سرد مليء بالفكاهة السوداء».

حمل غلاف الرواية صورة الكلب، في رمزية مغوية إلى بطل الرواية، الذي كان الناس يطلقون عليه لقب «كلب الحرّ» كتعبير عن الشخص كثير التنقلّ الذي لا يستقرّ في مكان. كان كثير التنقّل حيث يعمل سائق شاحنة لنقل البضائع بين الريف والعاصمة وبقية المدن، والزمان هو عام 1980، وفي هذا الوقت يلتقي هذا السائق، وكان في العشرينات من عمره بامرأة جميلة (متزوجة) كانت تتبضع في متجر صغير في البلدة التي ينحدرُ منها، فيهيمُ فيها عشقاً حتى إنه ينقطع عن عمله لمتابعتها، وتشمم رائحتها، وكأنها حلم من أحلام الخلود.

وعن الريف السوداني الذي توليه الرواية اهتماماً خاصاً، ليس كرحم مكاني فحسب، إنما كعلاقة ممتدة في جسد الزمان والحياة، مفتوحة دائماً على قوسي البدايات والنهايات. يتابع تاج السر قائلاً: «الريف السوداني يلقي بحمولته المكتنزة بالقصص والأساطير حتى الفانتازيا في أرجاء الرواية، حيث ترصد الرواية ملامح وعادات الحياة الاجتماعيّة... لتنتقل منها إلى عالم السياسة، والانقلابات العسكرية والحروب الداخلية، حيث تسجل صراعاً قبلياً بين قبيلتَين خاضتا صراعاً دموياً على قطعة أرض زراعية، لا يتجاوز حجمها فداناً واحداً، لكنّ هذه الصراعات المحلية تقود الكاتب إلى صراعات أكبر حيث يتناول أحداثاً تاريخيّة كالوقائع العسكريّة والحروب ضدّ المستعمِر الإنجليزي أيّام المهدي محمد أحمد بن عبد الله بن فحل، قائد الثورة المهديّة، ومجاعة ما يعرف بـ(سنة ستّة) التي وقعت عام 1888، حيث تعرض السودان عامي 1889 – 1890 إلى واحدة من أسوأ المجاعات تدميراً».

وعلى الصعيد الاجتماعي، ترصد الرواية الغزو الثقافي القادم من المدن إلى الأرياف، وكيف استقبله الناس، خاصة مع وصول فرق الموسيقى الغربية، وظهور موضة «الهيبيز»، وصولاً إلى تحرر المرأة.

رواية جديدة تتنقل بخفة ولغة ساخرة بين المعاناة والحب والسياسة والفانتازيا والأساطير، سوف تصدر قريباً عن دار «نوفل» للنشر.

يشار إلى أن أمير تاج السر روائي سوداني ولد في السودان عام 1960، يعمل طبيباً للأمراض الباطنية في قطر. كتب الشعر مبكراً، ثم اتجه إلى كتابة الرواية في أواخر الثمانينات. صدر له 24 كتاباً في الرواية والسيرة والشعر. من أعماله: «مهر الصياح»، و«توترات القبطي»، و«العطر الفرنسي» (التي صدرت كلها عام 2009)، و«زحف النمل» (2010)، و«صائد اليرقات» (2010)، التي وصلت إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية عام 2011، تُرجمَت أعماله إلى عدّة لغات، منها الإنجليزيّة والفرنسيّة والإيطاليّة والإسبانيّة والفارسيّة والصينيّة.

نال جائزة «كتارا» للرواية في دورتها الأولى عام 2015 عن روايته «366»، ووصلتْ بعض عناوينه إلى القائمتَين الطويلة والقصيرة في جوائز أدبيّة عربيّة، مثل البوكر والشيخ زايد، وأجنبيّة مثل الجائزة العالميّة للكتاب المترجم (عام 2017 بروايته «العطر الفرنسي»، وعام 2018 بروايته «إيبولا 76»)، ووصلت روايته «منتجع الساحرات» إلى القائمة الطويلة لجائزة عام 2017.

صدر له عن دار «نوفل»: «جزء مؤلم من حكاية» (2018)، «تاكيكارديا» (2019) التي وصلتْ إلى القائمة الطويلة لجائزة الشيخ زايد للكتاب (دورة 2019 – 2020)، «سيرة الوجع» (طبعة جديدة، 2019)، «غضب وكنداكات» (2020)، «حرّاس الحزن» (2022). دخلت رواياته إلى المناهج الدراسيّة الثانويّة الإماراتيّة والبريطانيّة والمغربية.