«زلزال» الإعفاءات بالمغرب يفتح باب الحكومة أمام «الاستقلال»

قيادي في «العدالة والتنمية»: نرفض حسابات الربح والخسارة في القرارات الأخيرة

الملك محمد السادس لدى تسلمه تقرير المجلس الأعلى للحسابات من رئيسه إدريس جطو أول من أمس (ماب)
الملك محمد السادس لدى تسلمه تقرير المجلس الأعلى للحسابات من رئيسه إدريس جطو أول من أمس (ماب)
TT

«زلزال» الإعفاءات بالمغرب يفتح باب الحكومة أمام «الاستقلال»

الملك محمد السادس لدى تسلمه تقرير المجلس الأعلى للحسابات من رئيسه إدريس جطو أول من أمس (ماب)
الملك محمد السادس لدى تسلمه تقرير المجلس الأعلى للحسابات من رئيسه إدريس جطو أول من أمس (ماب)

رفض قيادي في حزب العدالة والتنمية المغربي اعتبار أن الحزب خرج رابحا من زلزال الإعفاءات التي طالت 4 وزراء في الحكومة الحالية، وعدّها «قراءة بئيسة» لما جرى.
وذهبت أمس، معظم التحليلات السياسية التي أعقبت قرار العاهل المغربي إعفاء الوزراء الذين ثبتت مسؤوليتهم عن التقصير في إنجاز مشروع التنمية «الحسيمة... منارة المتوسط»، إلى أن حزبي العدالة والتنمية والتجمع الوطني للأحرار هما اللذان خرجا رابحين وسالمين من «الزلزال»، لأن لا أحد من وزرائهما، سواء في الحكومة السابقة أو الحالية، طاله الإعفاء أو «التوبيخ». بينما تلقى حزب التقدم والاشتراكية الضربة الكبرى بإعفاء أمينه العام نبيل بن عبد الله وزير السكن وإعداد التراب الوطني وسياسة المدينة من منصبه، إلى جانب الحسين الوردي وزير الصحة المنتمي للحزب نفسه. فيما حمل تقرير المجلس الأعلى للحسابات محمد الصبيحي وزير الثقافة في الحكومة السابقة مسؤولية التقصير، وهو ما رجح إمكانية مغادرة هذا الحزب الحكومة. دون إغفال الضربة الموجعة التي تلقاها أيضا حزب الحركة الشعبية.
وقال عبد العزيز أفتاتي، القيادي والنائب البرلماني السابق المنتمي لحزب العدالة والتنمية، لـ«الشرق الأوسط»، إن «العدالة والتنمية» لا يدخل في هذه الحسابات البسيطة والبائسة، مشيرا إلى أنه «إن جاز الحديث عن الرابح والخاسر فيما جرى، فإن النزاهة والشفافية وربط المسؤولية بالمحاسبة هي التي ربحت نوعا ما»، مضيفا أن الأهم في كل ما حدث هو ما يتعلق بوزارة الداخلية ومسؤوليتها الثابتة في العديد من الاختلالات.
وشدد أفتاتي على أن «مسؤولي الجماعات الترابية (البلديات) المنتمين لحزب (الأصالة والمعاصرة المعارض)، المتواطئين مع وزارة الداخلية فيما يتعلق بمشاريع الحسيمة ينبغي أن يطالهم نصيبهم من المحاسبة من خلال تحقيقات المفتشية العامة لوزارتي الداخلية والمالية، والمجلس الجهوي للحسابات، لأنه لا يمكن الحديث عن اختلالات من دون تواطؤ الجماعات الترابية».
وتابع أفتاتي قائلا: «سننتظر ما سيحدث بشأن رئيس الجهة (جهة طنجة - تطوان - الحسيمة التي يرأسها إلياس العماري الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة)، والمسؤولين في الإقليم والجماعات».
وأخذ مصير العماري، وما إذا كان سينجو من تداعيات الزلزال السياسي، حيزا واسعا من الاهتمام، لا سيما أنه كان من بين المسؤولين الذين استمعت إليهم لجنة التحقيق، بحكم أنه كان من الموقعين على مشروع «الحسيمة... منارة المتوسط».
من جهته، اعتبر عبد الله علالي، نائب رئيس الاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة، أن القرارات الملكية الأخيرة تشكل بداية «الزلزال السياسي» الذي لمح إليه العاهل المغربي في خطابه خلال افتتاح البرلمان. وقال علالي لـ«الشرق الأوسط» إن هذه القرارات «لن تبقى قرارات معزولة، ولن تكون الأخيرة ضمن هذا الزلزال السياسي، وإنما هي مقدمة مرحلة جديدة يدخلها المغرب عنوانها ربط المسؤولية بالمحاسبة».
وأشار علالي إلى أن بيان الديوان الملكي الصادر عقب استقبال العاهل المغربي لإدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات أول من أمس، الذي تضمن القرارات الملكية، أشار بوضوح إلى أن هذه القرارات «تندرج في إطار سياسة جديدة، لا تقتصر على منطقة الحسيمة فقط، وإنما تشمل جميع مناطق المغرب، وتهم كل المسؤولين على اختلاف مستوياتهم، في نطاق إعمال مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة، وتحفيز المبادرات البناءة، وإشاعة قيم الوطنية الحقة والمواطنة الملتزمة بخدمة الصالح العام». وأضاف أن البيان أشار إلى إصدار العاهل المغربي تعليمات لوزير الداخلية، قصد القيام بالتحريات اللازمة على الصعيد الوطني بشأن المسؤولين التابعين لوزارة الداخلية بالإدارة الترابية على مختلف درجاتهم، وتوجيه الرئيس الأول للمجلس الأعلى للحسابات، للانكباب على دراسة وتقييم عمل المجالس الجهوية للاستثمار.
ويرى علالي أن هذا التوجه الجديد يعتبر من مقومات «النموذج الجديد للتنمية» الذي يتجه المغرب نحو إرسائه، والذي يتحتم على الحكومة والمسؤولين الإداريين تدبيره بشكل جيد، وفق أفضل المعايير والمواصفات، وبما يستجيب لانتظارات ومطالب المواطنين.
بدوره، وصف محمد بنحمو، رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، القرارات التي اتخذها العاهل المغربي، بالمفصلية، وتتضمن رسالة واضحة إلى جمع الفاعلين بأن «زمنا قد ولى ودخلنا آخر». وقال بنحمو إن القرارات الأخيرة ستكون لها ارتدادات عدة، داعيا الحكومة والأحزاب والنخب الإدارية المغربية إلى استخلاص العبر.
وأشار بنحمو إلى أن القرارات الملكية أحدثت هزة قوية داخل حزبين مشاركين في الحكومة، هما «التقدم والاشتراكية» والحركة الشعبية، وتساءل: «ماذا سيكون موقف الحزبين بعدما طال وزراءهما في هذه العملية؟». وقال بنحمو: «ما حدث أول من أمس يؤشر على أن هناك إرادة حقيقية للتغيير وإرساء دولة الحق والقانون والحكامة الجيدة. وأن العاهل المغربي سبق له أن وجه عدة رسائل في خطاباته الأخيرة، غير أنه يبدو أن هناك من لم يفهم معناها ولم يستوعب قوتها».
وأضاف بنحمو: «على الأحزاب المغربية أن تفهم الرسائل، وأن تدرك أن الأساليب التي طالت داخلها لم يعد ممكنا أن تستمر»، مشيرا إلى أن الأمر لا يتعلق بالسن والتداول بين الأجيال بل بالكفاءة والقدرة، «ولا يهم إن كان عمر الشخص الذي ندفع به إلى مراكز المسؤولية 100 سنة أو 18 سنة، بل المهم كفاءته، وما يستطيع أن يقدمه للوطن».
وزاد بنحمو قائلا: «نحن، وبكل صدق، نشهد ميلاد مغرب جديد. وهذه المحطة تعتبر مهمة ومفصلية في حياة المملكة المغربية، وتؤشر على أنها فعلا ملكية مواطنة - ديمقراطية - عصرية، منفتحة على الأساليب التشاركية وتنتصر لانتظارات وطموحات المواطنين، وتسعى لتحقيق الرفاه لهم أينما كانوا».
من جهته، قال أحمد الجزولي، الخبير في مجال الحكامة الديمقراطية، إن المغرب عرف في تاريخه إقالة حكومات ووزراء، لكن ما وقع هذه المرة من إقالات مختلف تماما وغير مسبوق بالنظر للطريقة التي تم بها. وأوضح الجزولي أن قرار العاهل المغربي اتخذ على بينة من الأمر، وذلك على أثر إنجاز تحقيقين، الأول أنجزته الحكومة عبر لجنة مشكلة من وزارتي الداخلية والمالية، والثاني أنجزته سلطة قضائية مستقلة هي المجلس الأعلى للحسابات بأمر من الملك، التي كلفها بتعميق البحث فيما وصل إليه تحقيق اللجنة الحكومية.
وأشار الجزولي إلى أن تقرير المجلس الأعلى للحسابات خلص إلى وجود اختلالات وسوء تدبير، وأكد عدم وجود حالات غش أو اختلاسات. لذلك، يقول الجزولي، لم تكن هناك متابعة جنائية، لأن سوء التدبير لا يمكن أن تترتب عليه المتابعة الجنائية. غير أن العاهل المغربي قرر إقالة مسؤولين حكوميين حاليين، حتى بالنسبة لأولئك الذين لم يعودوا يتحملون المسؤولية في القطاعات المعنية بالاختلالات التي ارتكبت في عهدهم. كما عبر عن عدم رضاه عن المسؤولين الذين لا يتحملون حاليا أي مسؤولية، وقرر عدم إسناد أي مسؤولية لهم مستقبلا.
وأشار الجزولي إلى أن من أبرز الاختلالات التي كشف عنها تقرير المجلس الأعلى للحسابات وجود خلل في تدبير الزمن السياسي. ففي برنامج «الحسيمة... منارة المتوسط»، أشار التقرير إلى أن «اللجنة المركزية للتتبع، المكونة من المسؤولين الوزاريين المعنيين، لم تجتمع إلا في فبراير (شباط) 2017، أي نحو 16 شهرا بعد توقيع الاتفاقية».
وأضاف الجزولي، أن مدة 16 شهرا مدة طويلة جدا قياسا بالزمن الاقتصادي ومدة ولاية الحكومة. وتساءل: كيف يمكن تدشين مشروع وانتظار 16 شهرا قبل أن تجتمع اللجنة الحكومية المكلفة بالإشراف على تنفيذه؟ وقال: «التدشين يعني أن كل الدراسات والإجراءات قد استكملت وأعطيت الانطلاقة للإنجاز».
على صعيد ذي صلة، فتحت الإعفاءات باب التكهنات حول إمكانية التحاق حزب الاستقلال بحكومة الدكتور سعد الدين العثماني، وهو ما كان قد تردد منذ مدة، أي قبل انعقاد المؤتمر العام للحزب الذي فاز خلاله نزار بركة بمنصب الأمين العام خلفا لحميد شباط، الذي اعتبر تمهيدا لإشراك الحزب في الحكومة.
في سياق ذلك، قال عادل بنحمزة، القيادي في حزب الاستقلال، لـ«الشرق الأوسط»، بشأن ما تردد عن إمكانية التحاق الحزب بالحكومة، إن «حزب الاستقلال كان قد قرر المشاركة في الحكومة بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية، وإذا ما تلقى عرضا بهذا الشأن فإن قيادة الحزب هي من ستحسم في هذا الأمر».



انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
TT

انقلابيو اليمن يرغمون الموظفين العموميين على حمل السلاح

الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)
الحوثيون أرغموا شرائح المجتمع كافّة على الالتحاق بالتعبئة العسكرية (إ.ب.أ)

أرغم الحوثيون جميع الموظفين في مناطق سيطرتهم، بمن فيهم كبار السن، على الالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن ما يقولون إنها استعدادات لمواجهة هجوم إسرائيلي محتمل.

جاء ذلك في وقت انضم فيه موظفون بمدينة تعز (جنوب غرب) الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى إضراب المعلمين، مطالبين بزيادة في الرواتب.

وذكرت مصادر محلية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، أن الحوثيين، وعلى الرغم من أنهم لا يصرفون الرواتب لمعظم الموظفين، فإنهم وجّهوا بإلزامهم، حتى من بلغوا سن الإحالة إلى التقاعد، بالالتحاق بدورات تدريبية على استخدام الأسلحة، ضمن الإجراءات التي تتخذها الجماعة لمواجهة ما تقول إنه هجوم إسرائيلي متوقع، يرافقه اجتياح القوات الحكومية لمناطق سيطرتهم.

وبيّنت المصادر أن هناك آلاف الموظفين الذين لم يُحالوا إلى التقاعد بسبب التوجيهات التي أصدرها الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بوقف الإحالة إلى التقاعد، إلى حين معالجة قضايا المبعدين الجنوبيين من أعمالهم في عهد سلفه علي عبد الله صالح، وأن هؤلاء تلقوا إشعارات من المصالح التي يعملون بها للالتحاق بدورات التدريب على استخدام الأسلحة التي شملت جميع العاملين الذكور، بوصف ذلك شرطاً لبقائهم في الوظائف، وبحجة الاستعداد لمواجهة إسرائيل.

تجنيد كبار السن

ويقول الكاتب أحمد النبهاني، وهو عضو في قيادة اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين، إنه طلب شخصياً إعادة النظر في قرار تدريب الموظفين على السلاح، لأنه وحيد أسرته، بالإضافة إلى أنه كبير في العمر؛ إذ يصل عمره إلى 67 عاماً، واسمه في قوائم المرشحين للإحالة إلى التقاعد، بعد أن خدم البلاد في سلك التربية والتعليم واللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم لما يقارب الأربعين عاماً.

ومع تأكيده وجود الكثير من الموظفين من كبار السن، وبعضهم مصابون بالأمراض، قال إنه من غير المقبول وغير الإنساني أن يتم استدعاء مثل هؤلاء للتدريب على حمل السلاح، لما لذلك من مخاطر، أبرزها وأهمها إعطاء ذريعة «للعدو» لاستهداف مؤسسات الدولة المدنية بحجة أنها تؤدي وظيفة عسكرية.

حتى كبار السن والمتقاعدون استدعتهم الجماعة الحوثية لحمل السلاح بحجة مواجهة إسرائيل (إ.ب.أ)

القيادي في اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ذكر أنه لا يستبعد أن يكون وراء هذا القرار «أطراف تحمل نيات سيئة» تجاه المؤسسات المدنية، داعياً إلى إعادة النظر بسرعة وعلى نحو عاجل.

وقال النبهاني، في سياق انتقاده لسلطات الحوثيين: «إن كل دول العالم تعتمد على جيوشها في مهمة الدفاع عنها، ويمكنها أن تفتح باب التطوع لمن أراد؛ بحيث يصبح المتطوعون جزءاً من القوات المسلحة، لكن الربط بين الوظيفة المدنية والوظيفة العسكرية يُعطي الذريعة لاستهداف العاملين في المؤسسات المدنية».

توسع الإضراب

وفي سياق منفصل، انضم موظفون في مدينة تعز الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية إلى الإضراب الذي ينفّذه المعلمون منذ أسبوع؛ للمطالبة بزيادة الرواتب مع تراجع سعر العملة المحلية أمام الدولار وارتفاع أسعار السلع.

ووفقاً لما قالته مصادر في أوساط المحتجين لـ«الشرق الأوسط»، فقد التقى محافظ تعز، نبيل شمسان، مع ممثلين عنهم، واعداً بترتيب لقاء مع رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك؛ لطرح القضايا الحقوقية المتعلقة بالمستحقات المتأخرة وهيكلة الأجور والمرتبات وتنفيذ استراتيجية الأجور، لكن ممثلي المعلمين تمسكوا بالاستمرار في الإضراب الشامل حتى تنفيذ المطالب كافّة.

المعلمون في تعز يقودون إضراب الموظفين لتحسين الأجور (إعلام محلي)

وشهدت المدينة (تعز) مسيرة احتجاجية جديدة نظّمها المعلمون، وشارك فيها موظفون من مختلف المؤسسات، رفعوا خلالها اللافتات المطالبة بزيادة المرتبات وصرف جميع الحقوق والامتيازات التي صُرفت لنظرائهم في محافظات أخرى.

وتعهّد المحتجون باستمرار التصعيد حتى الاستجابة لمطالبهم كافّة، وأهمها إعادة النظر في هيكل الأجور والرواتب، وصرف المستحقات المتأخرة للمعلمين من علاوات وتسويات وبدلات ورواتب وغلاء معيشة يكفل حياة كريمة للمعلمين.