الحكايات المثيرة وراء أفلام المطاردات

مهارة القيادة وتلقائية الأداء

ستيف ماكوين ينطلق في «بولِـت» - رايان أونيل في «السائق»
ستيف ماكوين ينطلق في «بولِـت» - رايان أونيل في «السائق»
TT

الحكايات المثيرة وراء أفلام المطاردات

ستيف ماكوين ينطلق في «بولِـت» - رايان أونيل في «السائق»
ستيف ماكوين ينطلق في «بولِـت» - رايان أونيل في «السائق»

السيارة مرسيدس من أحد موديلات السبعينات، كتلك التي استخدمها طويلاً سائقو التاكسي في بيروت. لونها برتقالي. واشترتها شركة «تونتييث سنتشري فوكس» مستعملة (لكن بحالة ممتازة) لكي تحطمها.
أحد ثلاثة لصوص يسأل السائق: «كيف نعلم أنك سائق ماهر؟».
يدعو الثلاثة إلى ركوب السيارة ويجول بهم في مرآب سيارات فارغ إلا من عواميد المبنى. يمضي قُـدماً ويعود بسرعة إلى الوراء ويلف السيارة حول نفسها مستعرضاً مهارته في المناورات. ثم يبدأ بتعريض السيارة إلى صدامات: يبدأ بجانبيها، ثم يهشم مؤخرتها بجدار ومقدمتها بجدار آخر، ويفتح باب السيارة من ناحيته ويعود بها إلى الوراء فيطيح العمود بباب السيارة، بينما يصيح أحد ركابها المذعورين... «نصدقك... نصدقك».
في تلك الآونة لم يعد يهتم السائق إذا ما صدقه أفراد العصابة التي تنوي استئجار خدماته كسائق. ولا حتى البرهنة على شيء. بل يفعّـل غضبه من سؤال اعتبره ساذجاً ومهيناً.
لا يرد هذا المشهد في فيلم «بايبي درايڤر» المعروض حالياً بنجاح لا بأس به، بل ورد في فيلم «السائق» (The Driver) المنجز سنة 1978، وهو من إخراج وولتر هِـل، الذي نقرأ اسمه كأحد منتجي فيلم الخيال العلمي الذي ما زال بدوره ماثلاً على الشاشات Alien‪:‬ Covenant. خلال تلك الفترة، كان هِـل ما زال يقدم، في فيلمه الثاني هذا، أوراق اعتماده كسينمائي صلب في عداد مخرجي الفترة. بعده أنجز مجموعة من الأفلام الممتازة بينها «الفرسان الطوال» (The Long Riders) و«راحة جنوبية» (Southern Comfort) و«48 ساعة».
أما «بايبي درايڤر» فهو أيضاً فيلم سرقات يتمحور حول السائق الذي من مهامه تأمين هرب أفراد العصابة، وهو - مثل الفيلم السابق - فيه عدد كبير من مشاهد المطاردات. على عكسه، خاوٍ من أشياء كثيرة جعلت من فيلم وولتر هِـل عملاً كلاسيكياً شأنه في ذلك شأن «الاتصال الفرنسي» و«بوليت» قبله.

ماكوين المكتفي
كان «بوليت» لبيتر ياتس (1967) أول من صعد بالسينما إلى مستوى جديد من الإثارة الناتجة عن استخدام السيارة في المطاردات التشويقية. عندما طُـلب من ستيف ماكوين لعب دور التحري الذي يبحث عن قتلة أحد شهود العيان، طلب ماكوين من المنتج فيليب دي أنطوني أن يجلب لإخراجه البريطاني بيتر ياتس. هذا كان أخرج فيلماً بوليسياً بريطانياً فيه مطاردات أعجبت ماكوين عنوانه «سرقة».
أسلوب ياتس ذي العين التسجيلية كان مبهراً. يلتقط من الشارع والناس ما هو عادي ويعرضه بذات السياق والتلقائية. ماكوين يمثل تحت خط الدراما. يحب الـظهور البارد. لمشاهد المطاردة في ذلك الفيلم تم نصب الكاميرا على مقدمة السيارة كما في المقعد الأمامي ومرات في المقعد الخلفي. تنطلق المطاردة فوق شوارع سان فرانسيسكو المؤلفة من هضاب متتالية الهبوط، وإذا ما قدت السيارة فوقها طارت السيارة عن الأرض من دون مساعدة أزلام المؤثرات التقنية اليوم.
والمطاردة تبدأ، مصحوبة بموسيقى لالو شيفرين التحضيرية، على نحو عادي. سيارة القاتلين تسير خلف سيارة التحري الذي يلاحظها. فجأة يصبح وراءهما. يحاولان الهرب، وهنا تبدأ المطاردة الفعلية التي تترك بعد خمس دقائق أو نحوها شوارع المدينة وتستلم الطريق السريع خارجها. الذي يقع على تلك الطريق لا يقل إثارة عما يقع داخل المدينة.
المنتج لورنس غوردون والمخرج ترنس هِـل أرادا من ستيف ماكوين تمثيل بطولة «السائق». كان المخرج عمل مساعد مخرج لبيتر ياتس في «بوليت» فوكله المنتج بالحديث مع ستيف ماكوين وجذبه إلى المشروع، لكن ماكوين رفض قائلاً إنه أدّى دوره في هذا المجال حين مثل الفيلم السابق، ولا يريد تكراره.
البديل ممثل أصغر سناً خطا خطوات سريعة من النجاح هو رايان أونيل. هذا كان ظهر في الفيلم الرومانسي «قصة حب» لآرثر هيلر والوسترن «وايلد روڤرز» لبلايك إدوازدز، وفي فيلمين لبيتر بوغدانوفيتش ثم خطا إلى رحاب ستانلي كوبريك في «باري ليندون»، وكل ذلك قبل أن يستلم مهام السائق الماهر الذي تعتمد عليه العصابات للهرب بعد إتمام سرقاتها.
«بايبي درايڤر» في واقعه ليس إعادة صنع لفيلم «ذا درايڤر»، لكنه مستوحى منه. أخرجه، البريطاني أيضاً، إدغار رايت وفي باله ومنتجيه بزّ أفلام المطاردات، بما في ذلك الفيلم السابق الذي بقى كنوع من الضوء الذي يسير الفيلم في ركابه حتى لا يضيع.
وراء المقود هنا ممثل شاب، أصغر سناً من أي ممثل قاد سيارة في ظروف قصّـة مشابهة، هو أنسل إلغورت. وللتمييز جعل السيناريو له هوى سماعه للموسيقى وأغاني «البوب» طوال الوقت. لا يهم إذا ما كان ينتظر خروج أفراد العصابة من المصرف أو إذا ما كان يقود سيارة الهرب وفي أعقابه سيارات البوليس تحاول، دون جدوى اللحاق به، ولا إذا ما كان يحضر اجتماع عمل حول السرقة التالية. يواصل سماع الأغاني ويتكلم عند الضرورة.
رايان أونيل وستيف ماكوين كانا، كل في فيلمه، قليل الكلام‪.‬ عدد كلمات رايان أونيل في «السائق» 360 كلمة فقط‪.‬ وأعتقد أن عدد الكلمات التي ينطقها إلغورت في الفيلم الجديد يصل لنحو 300 كلمة. هو، كما القصد على أي حال، التعبير الجديد عن كلمة Cooooooool.

تحت الجسر
السيارات السريعة والجانحة في السينما لم تعد تحصى لكثرتها. إنها في أفلام كوميدية وأفلام تشويقية وأفلام أكشن تقوم، كما الحال في سلسلة The Fast and the Fury وما شابهها، على مغامرات مغالى في تنفيذها.
في تلك السلسلة لا تتقيد السيارة بجاذبية الأرض، بل تطير كما يحلو لها؛ ما يجعلها لا خارج مدار التصديق فقط، بل خارج مدار الصلب الأساسي لعلاقة السينما بالسيارة وبسائقها المختلف عن سواه.
بعد أن نجح المنتج فيليب دي أنطوني في إذهال المشاهدين بفيلمه «بولِـت» سارع لإعداد فيلم آخر من النوع ذاته هو «الاتصال الفرنسي» (The French Connection) الذي سلم إخراجه لويليام فريدكن الذي كان، سنة 1971 في ذروة نجاحه، إثر تحقيقه فيلم الرعب المفتعل «طارد الأرواح».
«الاتصال الفرنسي» كان فيلماً بوليسياً آخر مأخوذا بتصرف عن مذكرات شرطي نيويوركي اسمه جيمي دويل ويجسده الممثل جين هاكمان. هذا لديه تقنيته الخاصة كممثل، والتي لا تلتقي مطلقاً مع تقنيات ستيف ماكوين ورايان أونيل. هو ليس «الكول» مطلقاً، بل الرجل الذي عليه أن يمثل أعماق الدراما ولو على نحو متطرف.
بعد أن حاول الخروج ببرهان على أن الثري الفرنسي ألان كارنييه، قام به الإسباني فرناندو راي، وفشل، واصل رصده إلى أن أتاح مساعد ألان له فرصة التدخل في نشاط العصابة. المساعد، قام به الفرنسي مأرسل بوزوفي، يرتكب جريمة ويستقل قطار المدينة (Subway) هرباً. جيمي يهرع إلى سيارته ويقودها في مطاردة بين السيارة والقطار. معظم المطاردة تتم تحت الجسر الذي ينطلق عليه القطار سريعاً وبلا توقف، إلى أن يغادر المجرم القطار ليجد أن جيمي ينتظره عند أسفل السلم ويطلق عليه النار.
في كل سرعة هناك رعونة لا بد منها. لكن ما يربط «بوليت» بـ«السائق» هو مهارة القيادة وليس الرعونة، إلّا بمقدار، في حين أن المطاردة في «الاتصال الفرنسي» هي رعونة مفرطة ومهارة قليلة. والفيلم لا يحاول أن يخفي ذلك، لكن هذه الرعونة هي أحد سببين يجعلان «بوليت» متفوقاً بمراحل. السبب الآخر ينتمي إلى براعة وموهبة مخرج الأول بيتر ياتس مقابل ميكانيكية التنفيذ عند ويليام فريدكن.
لم يتوقف دي أنطوني عند هذين الفيلمين، بل انطلق صوب فيلم بوليسي ثالث يعتمد بدوره على المطاردة وهو The Seven Ups (ليس عن المشروب، بل عن فريق من رجال البوليس النيويوركي). المطاردة هنا هي في أعقاب تلك التي أخرجها ياتس وأنطوني، اختار إخراج الفيلم بنفسه وأجاد فيه عموماً ولو من دون تميّـز ملحوظ.
أما الفيلم الجديد، فيريد أن يكون مزيجاً من سينما السبعينات وسينما اليوم. والمحاولة تنجح قبل أن يفتر نجاحاً قبل ثلاثة أميال من بلوغ الفيلم لنهايته. أي، درامياً، منذ أن يبدأ بطله باستخدام لسانه للنطق، أكثر مما كان يفعل في ثلثي الفيلم الأولين. التشويق المصاحب لمعظم الفيلم ينمّ عن معرفة تامة بالمطلوب، لكن الحكاية نحيفة جداً والشخصيات كلها، بما فيها شخصية السائق الشاب، سلبية وغير مثيرة للتعاطف، وهذا على عكس كل الشخصيات السابقة.


مقالات ذات صلة

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)
يوميات الشرق محمد سعد في العرض الخاص لفيلم «الدشاش» (الشركة المنتجة للفيلم)

هل استعاد محمد سعد «توازنه» بفضل «الدشاش»؟

حقق فيلم «الدشاش» للفنان المصري محمد سعد الإيرادات اليومية لشباك التذاكر المصري منذ طرحه بدور العرض.

داليا ماهر (القاهرة )

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».