العودة إلى الرقة... قرار يؤجله الدمار وألغام «داعش»

المجلس المدني للمدينة يحدد أولويات لعودة النازحين وتعليمهم

TT

العودة إلى الرقة... قرار يؤجله الدمار وألغام «داعش»

يحول الدمار الهائل الذي خلفته نيران الحرب المستعرة بين عناصر تنظيم داعش و«قوات سوريا الديمقراطية» في محافظة الرقة (شمال سوريا) دون عودة أبناء المدينة التي قد تتأخر أشهرًا عدة.
لدى التجول في الشوارع والأحياء، تبدو مظاهر الدمار الذي حل بها شاهدة على شراسة المعارك القتالية، حيث يمكن رؤية كثير من المنازل والمحال التجارية التي أصبحت أثراً بعد عين، ولم يتبق منها سوى الأطلال، أما التي نجت من القصف؛ فلم تسلم أبوابها ونوافذها جراء ضغط الانفجارات في المناطق المحيطة بها.
وقدّرت الأمم المتحدة أن 80 في المائة من مساحة الرقة باتت غير قابلة للسكن، وتعاني المدينة حالياً من غياب كامل للبنية التحتية الأساسية، في حين تقول مجموعة «Airwars» المتخصصة في مراقبة الضحايا المدنيين للقصف الجوي، الذي تقوم به القوات الروسية وقوات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق وسوريا، إن قوات التحالف ألقت 5775 قنبلة وقذيفة وصاروخاً على الرقة، في شهر أغسطس (آب) فقط، ما أدى إلى سقوط 433 قتيلاً مدنياً على الأقل. وبحسب المجموعة نفسها، يرجح أن طائرات التحالف وجهت نحو عشرين ألف ضربة للرقة، خلال شهور القتال التي استمرت نحو 4 أشهر، بين يونيو (حزيران) وأكتوبر (تشرين الأول).
وتقع مدينة الرقة على الضفة الشرقية لنهر الفرات، وتبلغ مساحتها نحو 27 ألف كيلومتر مربع، كان يسكنها نحو 300 ألف نسمة من سكانها، إضافة إلى نزوح نحو مائة ألف من المناطق المجاورة للمدينة حتى نهاية 2013، وبعد سيطرة عناصر تنظيم داعش في يناير (كانون الثاني) 2014؛ فرَّ غالبيتهم إلى مخيمات عين عيسى (غرباً) والمبروكة (شمال غرب) والمناطق المجاورة، وتحتاج المدينة إلى بنية تحتية وجهاز شرطة، وغيرهما من الأمور الأساسية، ليتمكن هؤلاء من العودة إلى ديارهم.

ثلاث مهمات رئيسية
يستعد مجلس الرقة المدني لتسلم إدارة مدينة الرقة (شمال سوريا) شبه المدمرة، من «قوات سوريا الديمقراطية» التي طردت تنظيم داعش المتطرف في 17 الشهر الجاري، من معقله الأبرز سابقاً في سوريا.
وتشكل المجلس منتصف شهر أبريل (نيسان) العام الجاري، في اجتماع ضم مائة شخصية اجتماعية وعشائرية من أبناء المدينة، في بلدة عين عيسى التابعة للرقة، أسسوا مجلساً مدنياً لإدارة المحافظة، وانتخبوا الشيخ محمود شواخ البرسان، والمهندسة ليلى مصطفى، للرئاسة المشتركة، إلى جانب 3 نواب و10 شخصيات في عضويته الرئاسية، ثمانية منهم عرب، واثنان من الأكراد.
كما يتألف المجلس من 14 لجنة تخصصية، ومن بين أبرز التحديات التي ستواجه عمله خلال الفترة القادمة، إزالة الألغام وتفكيك المفخخات التي زرعها عناصر التنظيم بكثافة، وكذلك رفع الأنقاض والركام جراء الحرب المحتدمة في شوارع المدينة، أما المهمة الثالثة فهي إعادة عملية التربية والتعليم بعد 3 سنوات من الانقطاع.
«تم وضع برامج تقييمية لدراسة كافة المناطق المتضررة من الناحية الخدمية والصحية والتعليمية والإدارية، وقمنا بمسح جميع النواحي التي تخص جوانب الحياة في الرقة، وبناءً على تلك الدراسات تم وضع خطة بعنوان خطة الاستجابة السريعة»، بحسب المهندسة ليلى مصطفى الرئيسة المشتركة لمجلس الرقة المدني. وكشفت أن هذه الخطة تتألف من ثلاث نقاط رئيسية، وتضيف: «أولى النقاط إزالة الألغام، ولن تتم إلا عبر منظمات متخصصة وشركات دولية، فعودة الأهالي مشروطة بتنظيف مدينتهم من مخلفات تنظيم (داعش)، بعدها ستبدأ ورش المجلس الفنية في رفع الأنقاض وجبال الركام المنتشرة في جميع أنحاء الرقة، وفتح الشوارع والمداخل الرئيسية، ليتمكن سكان الرقة من العودة والمساعدة في عمليات إعادة الإعمار».
وتتوقع رئيسة المجلس المدني للرقة، أن يتطلب تنظيف الرقة وإعادة إعمارها جهوداً ضخمة، وشهوراً عدة قبل أن تعود الحياة الطبيعية إلى شوارعها، وبحسب خطة الاستجابة السريعة، وبعد إزالة الألغام ورفع النفايات، ستبدأ عمليات إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي.
وتابعت المهندسة ليلى كلامها لتقول: «أما النقطة الثالثة في الخطة فتتمحور حول عملية التربية والتعليم التي توقفت لمدة ثلاث سنوات ونصف، فقد طلبنا من الأمم المتحدة ودول التحالف مساعدتنا؛ لأن جيلاً كاملاً من الطلاب حرموا من التعليم، وتجب متابعة دراستهم».
وفي نهاية الشهر الماضي، سافر أعضاء من المجلس المدني، بينهم رئيسة المجلس ليلى مصطفى، إلى العاصمة الإيطالية روما، وعقدوا اجتماعات مع دول التحالف الدولي، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وكشفت مصطفى: «لمسنا من هذه الدول جدية في التعامل مع المجلس المدني، وتعهدوا بتقديم المساعدة، وخصصت هولندا مليوناً ونصف مليون يورو لعمليات إزالة الألغام، وقدم الاتحاد الأوروبي منحة مالية قيمتها مليونا يورو لإزالة الألغام أيضاً».
وزار الأسبوع الماضي بريت ماكغورك ممثل الرئيس الأميركي، ووفد من التحالف الدولي، بلدة عين عيسى، واجتمع مع أعضاء المجلس المدني، ونقل استعداد بلاده للخطوات القادمة، ومواصلة العمل مع دول التحالف لتقديم المساعدة الإنسانية للمحتاجين، ودعم جهود إرساء الاستقرار في الرقة، وإنشاء «صندوق دعم الاستقرار بالرقة» والذي يتبع وزارة الخارجية الأميركية، لجمع الأموال والهبات المالية لعملية الإعمار في الرقة.

تحدي إزالة الألغام
بدت آثار الدمار وحدها مسيطرة على المشهد في الأحياء الواقعة على أطراف المدينة، حيث تمت استعادتها بداية الهجوم قبل 4 أشهر، وانهارت أسقف كثير من المنازل أو خلعت أبوابها، أما المحال التجارية فتعرضت للدمار وسويت بالأرض، لكن المشهد بدا صادماً أكثر في وسط المدينة، وتحديداً في ساحة الساعة ومركز المحافظة ودوار النعيم، حيث جرت معارك عنيفة جداً للسيطرة على أبنية استراتيجية، وبات من الصعب التفريق بين منزل ومتجر، إذ تحول معظمها إلى جبال من الركام، وتناثرت الحجارة وأنابيب المياه وأسلاك الكهرباء، ولم تعد صالحة لتشغيلها مرة ثانية.
في مبنى مؤلف من طابق واحد وسط بلدة عين عيسى الواقعة غرب مدينة الرقة، تعمل لجنة إعادة الإعمار التابعة للمجلس المدني، توسط مدخلها لوحة كتب عليها كثير من الإعلانات، أحدها يعلن عن مسابقة لتوظيف عمال فنيين ذوي خبرة في قطاعي الكهرباء والمياه، وحاجة اللجنة إلى حملة الشهادات، وثانٍ يطلب من أصحاب الجرافات الثقيلة والجرارات استئجار آلياتهم، وتوظيفها في عمليات رفع الأنقاض والركام في مدينة الرقة.
يقف رئيس لجنة الإعمار إبراهيم الحسن أمام خريطة قسمت الرقة إلى مجموعة من الدوائر والألوان، ويشير بإصبعه إلى أن مركز المدينة نال القسم الأكبر من الدمار والخراب، أما أطراف المدينة فنسبة الدمار فيها أقل ضرراً، ويقول: «قسمنا الرقة إلى 16 قطاعاً للعمل؛ لأن هناك مناطق تصل نسبة الدمار فيها إلى أكثر من 90 في المائة، وهي الأحياء التي بقي عناصر (داعش) يقاتلون فيها حتى النهاية، مثل حارة البدو، ودوار النعيم، والملعب الأسود، والمشفى الوطني».
وتضم لجنة الإعمار ورشة للكهرباء، وثانية للمياه، وفريقاً خاصاً للطوارئ مهمته انتشال الجثث العائدة لعناصر التنظيم، ترافقه هيئة من الطب الشرعي، ويزيد الحسن: «إزالة الألغام تشكل تحدياً كبيراً بالنسبة لنا، لا نستطيع القيام بأي عمل قبل نزعها من المنطقة»، مضيفاً أن اللجنة حددت 45 يوماً مدة زمنية لإنجاز أول خطوة ضمن خطة الاستجابة السريعة برفع الأنقاض والنفايات، لتتم بعدها إعادة تأهيل شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي، منوهاً بأن: «مدة شهر ونصف غير كافية لرفع الركام، بتصوري الشخصي سنحتاج إلى 3 أشهر كحد أدنى، حتى تفتح الشوارع والمداخل الرئيسية ليتمكن الأهالي من العودة إلى منازلهم».
والخطة تقوم على فتح الشوارع الرئيسية، وعددها 23 شارعاً، ثم الانتقال إلى المداخل الخارجية والتي عددها 10. ولقد حددت اللجنة مكبين لتجميع الركام والأنقاض، أحدهما في المدخل الشرقي، والثاني في الجهة الغربية، وكانا قبل الحرب مخصصين للنفايات والقمامة.
وتعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم 3.5 مليون يورو لعمليات إعادة الإعمار، فيما تعهدت دول التحالف الدولي بدعم مشروعات قصيرة المدى وسريعة الأثر. ويقول رئيس لجنة الإعمار إبراهيم الحسن، إن الاجتماعات بين الممولين والمسؤولين المحليين والمنظمات غير الحكومية متواصلة يومياً؛ لكن «لم يتم حتى الآن تحديد الكلفة النهائية لإعادة الإعمار، وليس واضحاً من هي الجهة التي ستتولى تأمين الجزء الأكبر من الأموال، ولم تحدد موازنة مالية حتى تاريخه».

تضرر البنية التحتية
وتغيب المياه عن الرقة منذ أشهر عدة، ولم يكن هناك سوى عدد قليل من الآبار للاستخدام قبل بدء الهجوم الأخير على المدينة في يونيو الماضي. ويشرح المهندس ياسر الخلف من لجنة المياه، أن المجلس انتهى من تجهيز محطة مياه الكسرات الأساسية (غرباً) والتي توجد فيها مضختان عموديتان واثنتان أفقيتان، وطاقة كل منها 500 متر مكعب في الساعة، لتضخ نحو ألفي متر مكعب في الساعة وستعمل بحدودها الدنيا، وتبلغ طاقتها الإنتاجية نحو 8500 متر مكعب في الساعة، وأضاف: «أما محطة مياه المسلخ وبئر الهشم فهما محطتان داعمتان، تروي الأولى منطقة الرقة السمرا والحمرات وربيعات والجهة الشمالية الشرقية للرقة، واستطاعتها الإنتاجية ألف متر مكعب في الساعة، أما الثانية فتروي مركز المدينة».
ولا يوجد تيار كهربائي في المدينة نتيجة الأضرار الكبيرة التي طالت خطوط الإمدادات وشبكات الكهرباء، وأوضح مهندس الكهرباء وائل الشيخ من لجنة الكهرباء، أن الدمار طال معظم شبكات الكهرباء، وتضرر عدد كبير من الأبراج والمحولات الرئيسية، وقال: «أكثر شبكة تعرضت للدمار هي الكهرباء، كون خطوطها خارجية، ثم تأتي بعدها المياه، وأخيراً الصرف الصحي، اللجنة تعمل على تجهيز محطة الرقة الكهربائية الرئيسية الواقعة شرق المدينة، أما محطة تحويل الفروسية فتحوي محطتين لتحويل الطاقة، كل منهما طاقته الاستيعابية 125 ميغاواط، وتتغذيان من سد الفرات».
ويقع سد الفرات غرب الرقة، ويبعد نحو 50 كيلومترا، ويبلغ طوله 4.5 كيلومتر، وارتفاعه أكثر من 60 متراً، وتبلغ كميات المياه المخزنة أكثر من 14 مليار متر مكعب. وتعتبر المحطة الكهرومائية جزءاً أساسياً من سد الفرات، وهي من أكبر المحطات التي تولد الطاقة الكهربائية في سوريا، وتنتج سنوياً من الطاقة نحو مليارين ونصف كيلوواط ساعي.‏
وأكد المهندس وائل الشيخ، أن «السد عبارة عن 8 بوابات تصريف مياه، كل بوابة مزودة بعنفة توليد الطاقة الكهربائية، وتولد 880 ميغاواط بالساعة إذا عملت كل عنفاته التي تبلغ طاقة كل واحدة منها نحو 110 ميغاواط، لكن بعدما انسحب عناصر (داعش) ألحقوا أضراراً جسيمة بخمس عنفات، ولا تعمل سوى عنفتين، أما الثامنة فقيد الصيانة والتجهيز».
ولا تزال كتابات التنظيم الكثيرة منتشرة على جدران المنازل والمرافق العامة في الرقة، تذكِّر أبناءها بحقبة سوداء، فيما يسود شعور بين الأهالي بأنَّ إعادة الاستقرار والأمن إلى المناطق التي تخرج عن سيطرة «داعش» ونشر الطمأنينة والسلام بين الأهالي؛ يتوقفان إلى حد بعيد على انضباط قوات الأمن الداخلي، ومدى قدرتها على الدفاع عن هذه المناطق، إلى جانب وجود إدارة مدنية تحظى بقبول أبنائها.
وأشرفت الأردن بالتنسيق مع التحالف الدولي والقوات الأميركية على تدريب قوات الأمن الداخلي التابعة للمجلس المدني، لتنتشر في الرقة. وذكر المحامي إبراهيم الفرج رئيس لجنة العدالة في المجلس، أن الأردن «دربت ثلاثة آلاف شرطي من أبناء الرقة وريفها لحفظ الأمن والسلام في المحافظة، وتسلمت هذه القوات ريف المدينة، وهي على استعداد للعمل داخل مركز المدينة».

مرحلة بناء الإنسان
وقد بدأ الجهاز عمله بشكل فعلي، وانتشرت عناصر الشرطة في معظم القرى والبلدات والمناطق المحررة، حيث تلعب دوراً رئيسياً في عملية إعادة الأمان والاستقرار، وبات بالإمكان مشاهدة عناصر الشرطة يلبسون زياً مختلفاً عن «قوات سوريا الديمقراطية» في نواحي وبلدات الرقة. وأضاف الحسن: «يجري تدريب نحو 75 شاباً بمعدل أسبوعي لهذا الغرض، إلى أن يتم الانتهاء من تدريب العدد المطلوب وفق الخطة المعتمدة للمجلس. الأسبوع الماضي مثلاً تم تخريج دفعة قوامها 170 شرطياً، وتم تأسيس هيئات قضائية في بلدات الطبقة وعين عيسى والكرامة، ويجري العمل على تأسيس دور القضاء في باقي المناطق المحررة».
ومنذ سيطرة تنظيم داعش على مدينة الرقة بداية عام 2014، عمد إلى تحويل المدارس والأبنية العامة لمقرّات أو سجون له، كما منع التلاميذ من الدراسة والتعليم وفق المنهاج الرسمي المعتمد في سوريا، وفرض على الطلاب والشباب الخضوع إلى دورات تعليم دينية.
عبد الفتاح ناصر عكر، المنحدر من عشيرة الولدة، وهي عشيرة عربية كبيرة في الرقة، بقي يعمل في القطاع التربوي بمدينة الرقة مدة 27 سنة، وفي بداية شهر أبريل 2015، استدعي إلى المكتب الأمني التابع لتنظيم داعش الذي كانت المدينة خاضعة لسيطرته آنذاك، ووجهت له تهمة «رفض تطبيق أوامر الخليفة البغدادي» بسبب رفضه التدريس في المعاهد الشرعية التابعة للتنظيم وقتذاك.
أما اليوم فيشغل رئيس لجنة التربية والتعليم في مجلس الرقة المدني، وقد افتتحت اللجنة مدرسة «حطين» في منطقة الأسدية التي تبعد نحو كيلومترين غرب الرقة. وعلى الرغم من القصف والحرب الدائرة في المناطق المجاورة أثناء الهجوم الأخير، بقيت الهيئة تتابع عملها. ويقول التربوي عبد الفتاح: «لم تكن المعركة تبعد عنا سوى أمتار، وبقينا نتابع عملنا»، حيث يبلغ عدد التلاميذ بمدرسة «حطين» 1050، والمنهاج المعتمد هو الكتاب المدرسي السوري الصادر عن مديرية التربية والتعليم في دمشق، بعد حذف الدروس التي تمجد الأشخاص والأحزاب، والتي تدعو إلى التطرف الديني، في إشارة إلى دروس مادة القومية والتاريخ في المرحلتين الإعدادية والثانوية، التي تمجد الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، وابنه رئيس النظام الحالي بشار الأسد، وحزب البعث الحاكم، على حد تعبير عبد الفتاح العكر.
وبين أبرز العقبات التي تواجه قطاع التعليم في الرقة، اعتماد منهاج دراسي وتأمين الكتب المدرسية، وتشكو لجنة التربية من قلة الخبرات والكادر التعليمي، ونوه العكر بأن «المعلمين والموجهين التربويين السابقين يرفضون ارتياد مدارس الإدارة، خشية من غضب النظام؛ لأنه يهددهم بالفصل تارة أو بقطع الرواتب عنهم تارة ثانية، فالنظام لا يزال يستخدم هذه الورقة لتهديد أبناء مدينة الرقة».
ويكشف مصدر مطلع على مفاوضات عقدت قبل شهرين، عبر وسطاء بين مجلس الرقة المدني، ووزارة التربية السورية، أنَّ الطرفين اختلفا حول أحقية رفع العلم السوري فوق المدارس والمجمعات التربوية، وطالب مجلس الرقة مراراً حكومة النظام بتزويد الرقة بالكتب المدرسية، إلا أن الوزارة لم توافق على الطب بعد.
وبحسب عبد الفتاح عكر، افتتحت لجنة التربية بالمجلس المدني جميع المدارس في ريف الرقة كاملاً، وتوجد 75 مدرسة، يداوم فيها أكثر من 25 ألف تلميذ، وبلغ عدد الكادر التدريسي نحو 600 معلم، وبلغ عدد المدارس التي خرجت عن الخدمة في ريف الرقة 20 مدرسة؛ لأنها تعرضت للدمار.
يتابع العكر كلامه ليقول: «أما داخل مدينة الرقة فهناك 25 مدرسة في المراحل التعليمية الثلاث؛ لكنها خرجت عن الخدمة بسبب الدمار والخراب، وإعادة تأهيلها تتوقف على المنظمات الدولية، والأمم المتحدة التي وعدت بمساعدة المجلس في إعادة العملية التربوية إلى الرقة».
ومنع تنظيم داعش على مدار ثلاث سنوات ونصف التلاميذ في الرقة من ارتياد المدارس. ويلفت العكر إلى أن «الهيئة اعتمدت منهاجاً مكثفاً، وسيخضع الطالب لامتحان فصلي كل ثلاثة أشهر مع دورة استثنائية، والطالب الذي ينجح في الامتحان يرتفع إلى الصف التالي لسد الفجوة التعليمية، ومزامنة عمر التلميذ مع مرحلته الدراسية».
وأكد أن الهيئة طلبت من المجمعات التربوية وإدارة المدارس، تخصيص حصص للدعم النفسي، ودروس ترفيهية وتكثيف الأنشطة والرحلات المدرسية، لإخراج التلميذ من دائرة الحرب، ومحو حقبة «داعش» من ذهنية الطلاب. ولفت في ختام حديثه إلى أنَّ «مرحلة الحرب العسكرية في الرقة انتهت، وبدأت معركة بناء الإنسان، وعودة الأجيال إلى العلم والمعرفة».



إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
TT

إدارة «حماس» ملف الرهائن... الوقت ضد «الصفقة»

بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»
بالون كبير دعماً للأسرى الإسرائيليين لدى حركة «حماس» كُتب عليه «أنقذوهم الآن»

بعد أكثر من 420 يوماً على أطول حرب مدمرة عرفها الفلسطينيون، لا يزال الغزيون الذين فقدوا بلدهم وحياتهم وبيوتهم وأحباءهم، لا يفهمون ماذا حدث وماذا أرادت حركة «حماس» حقاً من هجومها المباغت في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 على إسرائيل، الهجوم الذي غير شكل المنطقة وفتح أبواب الحروب والتغييرات.

الشيء الوحيد الواضح حتى الآن هو أن غزة تحولت إلى منطقة غير قابلة للحياة، ولا شيء يمكن أن يصف ألم الباقين على قيد الحياة الذين فقدوا نحو 50 ألفاً في الحرب المستمرة، وأكثر من 100 ألف جريح.

وإذا كان السكان في قطاع غزة، وآخرون في الضفة الغربية وربما أيضا في لبنان ومناطق أخرى لم يفهموا ماذا أرادت «حماس»، فإنهم على الأقل يأملون في أن تأتي النتائج ولو متأخرة بحجم الخسارة، ولا شيء يمكن أن يعوض ذلك سوى إقامة الدولة. لكن هل أرادت «حماس» إقامة الدولة فعلاً؟

هاجس الأسرى الذي تحول طوفاناً

في الأسباب التي ساقتها، تتحدث حركة «حماس» عن بداية معركة التحرير، لكنها تركز أكثر على «تحريك المياه الراكدة في ملف الأسرى الإسرائيليين الذين كانت تحتجزهم الحركة قبيل الحرب»، و «الاعتداءات المتكررة من قبل المنظومة الأمنية الإسرائيلية بحق الأسرى الفلسطينيين»، إلى جانب تصاعد العدوان باتجاه المسجد الأقصى والقدس وزيادة وتيرة الاستيطان.

ولا تغفل الحركة عن أنها أرادت توجيه ضربة استباقية تهدف لحرمان تل أبيب من مباغتة غزة، وإعادة القضية إلى الواجهة.

وقالت مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الأسباب كانت صحيحة وكافية بالنسبة للحركة لاتخاذ قرار شن الهجوم، لكن خرج المخطط عن السيطرة».

لافتات في القدس تنادي بعقد صفقة لإطلاق الأسرى الإسرائيليين في غزة بجانب صورة لزعيم «حماس» يحيى السنوار وأخرى لزعيم «حزب الله» حسن نصر الله اللذين قتلتهما إسرائيل في سبتمبر وأكتوبر الماضيين (أ.ف.ب)

وأضاف: «الهدف الرئيسي كان أسر جنود إسرائيليين وعقد صفقة تاريخية. ثم تأتي الأسباب الأخرى. لكن لم يتوقع أحد حتى المخططون الرئيسيون، أن تنهار قوات الاحتلال الإسرائيلي بهذه الطريقة، ما سمح بالدفع بمزيد من المقاومين للدخول لمناطق أخرى في وقت وجيز، قبل أن يتسع نطاق الهجوم بهذا الشكل».

ويعد تحرير الأسرى الفلسطينيين بالقوة، هاجس «حماس» منذ نشأت نهاية الثمانينات.

ونجحت الحركة بداية التسعينات أي بعد تأسيسها فوراً باختطاف جنود في الضفة وغزة والقدس وقتلتهم دون تفاوض. وفي عام 1994 خطف عناصر «حماس» جندياً وأخذوه إلى قرية في رام الله وبَثُّوا صوراً له ورسائل، وطلبوا إجراء صفقة تبادل، قبل أن يداهم الجنود المكان ويقتلوا كل من فيه.

وخلال العقود القليلة الماضية، لم تكل «حماس» أو تمل حتى نجحت عام 2006 في أسر الجندي جلعاد شاليط على حدود قطاع غزة، محتفظة به حتى عام 2011 عندما عقدت صفقة كبيرة مع إسرائيل تم بموجبها تحرير شاليط مقابل ألف أسير فلسطيني، بينهم يحيى السنوار الذي فجر فيما بعد معركة السابع من أكتوبر من أجل الإفراج عمن تبقى من رفاقه في السجن.

وتعد الحركة، الوحيدة التي نجحت في خطف إسرائيليين داخل الأراضي الفلسطينية، فيما نجح الآخرون قبل ذلك خارج فلسطين.

وقال مصدر في «حماس»: «قيادة الحركة وخاصةً رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، كانت تولي اهتماماً كبيراً بملف الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، وظلت تبحث عن كل فرصة لإخراج أكبر عدد ممكن منهم».

وأضاف: «السنوار وعد رفاقه عندما خرج في صفقة شاليط بالإفراج عنهم».

انفجار ضخم بعد قصف إسرائيلي لمخيم البريج جنوب غزة (إ.ب.أ)

وفعلاً حاول السنوار التوصل إلى صفقة من خلال مفاوضات على 4 أسرى لدى الحركة، وهم الجنود: هدار غولدن، وآرون شاؤول، اللذان تم أسرهما عام 2014، وأفراهام منغستو بعدما دخل الحدود بين عسقلان وغزة في العام نفسه، وهشام السيد بعد تسلله هو الآخر من الحدود.

تكتيكات «حماس» قبل وبعد

منذ 2014 حتى 2023 جربت «حماس» كل الطرق. عرضت صفقة شاملة وصفقة إنسانية، وضغطت على إسرائيل عبر نشر فيديوهات، آخرها فيديو قبل الحرب لمنغتسو، قال فيه: «أنا أفيرا منغيستو الأسير. إلى متى سأبقى في الأسر مع أصدقائي»، متسائلاً: «أين دولة إسرائيل وشعبها من مصيرهم».

ونشْر الفيديوهات من قبل «حماس» ميَّز سياسة اتبعتها منذ نشأتها من أجل الضغط على إسرائيل لعقد صفقات تبادل أسرى، وهو نهج تعزز كثيراً مع الحرب الحالية.

وخلال أكثر من عام نشرت «حماس» مقاطع فيديو لأسرى إسرائيليين بهدف الضغط على الحكومة الاسرائيلية، وعوائل أولئك الأسرى من جانب آخر، وكان آخر هذه المقاطع لأسير أميركي - إسرائيلي مزدوج الجنسية يدعى إيدان ألكسندر.

وظهر ألكسندر قبل أسبوع وهو يتحدث بالإنجليزية متوجهاً إلى الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وبالعبرية متوجهاً إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مطالباً إياهم بالعمل على الإفراج عنه وعن الأسرى ضمن صفقة تبادل، مؤكداً أن حراسه من عناصر «حماس» أخبروه بأنهم تلقوا تعليمات جديدة إذا وصل الجيش الإسرائيلي إليهم، في إشارة لإمكانية قتله، داعياً الإسرائيليين للخروج والتظاهر يومياً للضغط على الحكومة للقبول بصفقة تبادل ووقف إطلاق النار في غزة. مضيفاً: «حان الوقت لوضع حد لهذا الكابوس».

وكثيراً ما استخدمت «حماس» هذا التكتيك، لتظهر أنها ما زالت تحافظ على حياة العديد منهم وأنهم في خطر حقيقي، وللتأكيد على موقفها المتصلب بأنه لا صفقة دون وقف إطلاق نار.

وفي الأيام القليلة الماضية، نشرت «حماس» فيديو جديداً عبر منصاتها أكدت فيه أن 33 أسيراً قتلوا وفقدت آثار بعضهم بسبب رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وجيشه، وأنه باستمرار الحرب قد تفقد إسرائيل أسراها إلى الأبد.

إذن من أجل كل هذا وبعدما فشلت «حماس» في الوصول إلى صفقة، هاجمت في السابع من أكتوبر.

وقال مصدر مطلع: «لم تجد قيادة (حماس) أمامها سوى الخيار العسكري لتحريك هذا الملف، بعدما أهملت إسرائيل الملف ومطالبات الحركة بإتمام صفقة».

لكن النتائج جاءت عكس ما اشتهت السفن.

وأغلب الظن أن حركة «حماس» كانت تخطط لأسر عدد محدود من الإسرائيليين، تدخل بعدها في معركة قصيرة مع إسرائيل تجبر فيها الأخيرة على الإذعان لصفقة تبادل، على غرار ما جرى بعد اختطاف شاليط.

فالطوفان الذي خططت له «حماس»، جلب طوفانات على الفلسطينيين، وتحديداً في غزة التي تدمرت ودفعت ثمناً لا يتناسب مطلقاً مع الهدف المنوي جبايته.

خارج التوقعات

بدأت أصوات الغزيين ترتفع ويجاهر كثيرون بأن إطلاق سراح الأسرى لا يستحق كل هذا الدمار، ويقولون إن عدد الضحايا أصبح أضعاف أضعاف أعداد الأسرى، الذين بلغ عددهم قبل الحرب نحو 6 الآف.

وقال فريد أبو حبل وهو فلسطيني من سكان جباليا نازح إلى خان يونس جنوب القطاع: «كل ما نريده أن تتوقف هذه الحرب، لا شيء يمكن أن يكفر عن الثمن الباهظ جداً الذي دفعناه ولا حتى تبييض السجون بأكملها يمكن أن يعيد لنا جزءاً من كرامتنا المهدورة ونحن في الخيام ولا نجد ما نسد به رمق أطفالنا».

وتساءل أبو حبل: «من المسؤول عما وصلنا إليه؟! لو سئل الأسرى أنفسهم عن هذه التضحيات لربما كانوا تخلوا عن حريتهم مقابل أن يتوقف هدر الدماء بهذا الشكل».

لكن منال ياسين، ترى أن من يتحمل مسؤولية استمرار هذه الحرب هو الاحتلال الإسرائيلي وخاصةً نتنياهو الذي يرفض كل الحلول، معربةً عن اعتقادها أن «حماس» قدمت ما عليها، وحاولت تقديم كثير من المرونة، لكن من ترفض الحلول هي إسرائيل.

وتؤكد ياسين أن جميع سكان غزة يريدون وقف هذه الحرب.

ولا يقتصر هذا الجدل على آراء الناس في الشارع، بل امتد لشبكات التواصل الاجتماعي. وكتب الكاتب محمود جودة على صفحته على «فيسبوك»: «الموضوع صار خارج منطق أي شيء، مطر وجوع وقتل وخوف، أهل غزة الآن بيتعذبوا بشكل حقير وسادي، مقابل اللاشيء حرفياً. الجرحى بينزفوا دم، والمطر مغرقهم، والخيام طارت، والطين دفن وجوه الناس، ليش كل هذا بيصير فينا، ليش وعشان شو بيتم استنزافنا هيك بشكل مهين».

وقال الطبيب فضل عاشور، إن «كل محاولات حماس للحفاظ على البقاء محكومة بالفشل، والعناد اليائس ثمنه دمنا ولحم أطفالنا». فيما كتب الناشط الشبابي أيمن بكر: «ما هذا الخرب يا حماس؟ هل كل هذا يستاهل ما نحن فيه؟ نحن نموت جوعاً وقتلاً».

جوع وأزمة غذاء وتدافع على حصص المساعدات الغذائية في خان يونس (رويترز)

جدل عام وتهم جاهزة

هذا الجدل سرعان ما انتقل إلى السياسيين ورجال الدين.

فقد أثار الشيخ سليمان الداية عميد كلية الشريعة في الجامعة الإسلامية التابعة لـ«حماس»، وأبرز الشخصيات المعروفة مجتمعياً ومن القيادات المؤثرة دينياً داخل الحركة، وجماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، جدلاً عبر شبكات التواصل الاجتماعي بعد نشره حلقات متتالية حول ما آلت إليه الحرب من نتائج صعبة على واقع الغزيين سياسياً واقتصادياً ودينياً واجتماعياً.

وكان الداية بالأساس يرد على تساؤلات دفعته لنشر هذه الحلقات، حول تصريحات للقيادي في «حماس» أسامة حمدان، حين قال إن ما يعيشه سكان غزة واقع عاشه كثيرون في العالم على مر التاريخ، مدافعاً عن هجوم 7 أكتوبر، ومبرراً حاجة حركته للتمسك بمواقفها رغم العدد الكبير من الضحايا والدمار الذي لحق بغزة.

ودفع كلام الداية، الكثيرين من المؤيدين لفكرة إنهاء الحرب أو رفضها من الأساس، بينما هاجمه كثيرون من عناصر «حماس» ووصفوه بأنه أحد «المتخاذلين أو المستسلمين».

وكتب الأسير المحرر والمختص بالشؤون الإسرائيلية عصمت منصور على صفحته في «فيسبوك» معلقاً على هذا الجدل: «لا تتهموا كل من يختلف أو يجتهد أو يحاول إثارة نقاش بجمل مسبقة وجاهزة ووضعه في خانة معادية للمقاومة وتحويل المقاومة إلى سيف مسلط على ألسن الناس».

ويرى المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن هذا الخلاف، طبيعي في ظل الظروف التي تحكم الفلسطينيين، لكنه يعتقد أنه كان من الصواب لو اعترفت «حماس» بأنها ربما قد تكون أخطأت التقدير في ظروف ردة الفعل الإسرائيلية على مثل الهجوم الذي شنته، وكان من الممكن أن يكون بشكل مغاير يخفف من مثل ما يجري على الأرض من مجازر ترتكب يومياً.

وأضاف: «الفلسطينيون بحاجة لنقاش جدي حول كثير من القضايا خاصةً فيما يتعلق بما وصلت إليه القضية الفلسطينية على جميع المستويات».

وتجمع غالبية من الفلسطينيين على أن حركة «حماس» كانت قادرة على أن يكون الهجوم الذي نفذته في السابع من أكتوبر 2023، أكثر حكمةً وأقل ضرراً بالنسبة للغزيين في ردة فعلهم.

أطفال فلسطينيون يحضرون صفاً أقامته معلمة سابقة وأم من رفح لتعليم الأولاد في مركز نزوحهم بإحدى مدارس خان يونس (أ.ف.ب)

ويستدل الفلسطينيون خاصةً في غزة، على العديد من الهجمات التي كانت تنفذها «حماس» لمحاولة خطف إسرائيليين، بشكل يظهر حكمتها، كما جرى في عملية أسر جلعاد شاليط عام 2006.

وتقول مصادر من «حماس» لـ«الشرق الأوسط»، إن ما جرى كان خارج التوقعات، ولم يشمل المخطط الحقيقي للعملية، على الأقل أسر هذا العدد الكبير من الإسرائيليين.

وتعتقد مصادر أخرى أن القائمين على مخطط الهجوم، لو كانوا يدركون أنه سيسير بهذا الشكل، وتحديداً فيما يتعلق بردة الفعل الإسرائيلية، لصرفوا النظر أو أوقفوا الهجوم أو غيروا من تكتيكاته.

وإذا كان ثمة نقاش حول الثمن المدفوع الذي أرادت «حماس» أن تجبيه فإنها حتى الآن لم تُجبِه.

ويبدو أن التوصل لصفقة بين «حماس» وإسرائيل، أعقد مما تخيلت الحركة، في ظل رفض الأخيرة لكثير من الشروط التي وضعتها الأولى، خاصةً فيما يتعلق بالانسحاب من قطاع غزة بشكل كامل، وعودة النازحين من جنوب القطاع إلى شماله، والأزمة المتعلقة بشكل أساسي باليوم التالي للحرب.

وينوي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حتى الآن، المضي في حربه، من أجل مصالح سياسية وشخصية بشكل أساسي، وهو الأمر الذي تؤكده عوائل الأسرى الإسرائيليين وغيرهم وحتى جهات من المؤسسة الأمنية في تل أبيب، التي تشير إلى أن نتنياهو هو من يعرقل أي اتفاق مع «حماس».

وأكد المحلل السياسي مصطفى إبراهيم، أن «نتنياهو يفضل استمرار الحرب في غزة من أجل كسب الوقت للحفاظ على حكمه سياسياً ومنع تفكك ائتلافه الحكومي من جهة، ومنع مقاضاته من جهة أخرى، ولذلك طلب مؤخراً عدة مرات تأجيل شهادته في قضايا الفساد المتهم بها، كما أنه يسعى لسن قوانين تسمح له بعدم الوجود في أماكن معينة لوقت طويل خشيةً من استهدافه بالطائرات المسيّرة، بهدف المماطلة في جلسات المحاكمة».

ويعتقد إبراهيم أنه كان من الممكن سابقاً التوصل لاتفاق جزئي يضمن في نهايته انسحاب إسرائيل من قطاع غزة، إلا أن المشهد المعقد أيضاً في عملية اتخاذ القرار الفلسطيني داخل حركة «حماس» بشكل خاص، كان له أثر سلبي على ذلك، ما أضاع العديد من الفرص للتوصل لصفقة.

ويتفق إبراهيم مع الآراء التي تؤكد أن التوصل لصفقة يصبح أكثر تعقيداً وصعوبةً مع مرور الوقت.

وبانتظار أن ترى صفقة «حماس» النور أو لا... لم تكن «حماس» مخترعة العجلة في هذا الأمر.

صفقات تبادل سابقة

ونجح الفلسطينيون عبر تاريخ طويل في عقد عدة صفقات تبادل أسرى.

وكانت صفقة الجندي جلعاد شاليط هي الأولى بالنسبة لحركة «حماس»، وفي شهر نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، كانت الصفقة الثانية بالنسبة لـ«حماس» خلال الحرب الحالية، بإطلاق سراح نحو 50 إسرائيلياً مقابل 150 فلسطينياً.

ويعود التاريخ الفلسطيني في صفقات التبادل، إلى يوليو (تموز) 1968، وهي الصفقة الأولى بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، حين نجح عناصر من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين إحدى فصائل المنظمة، باختطاف طائرة إسرائيلية تابعة لشركة العال، التي كانت متجهة من روما إلى تل أبيب وأجبرت على التوجه إلى الجزائر وبداخلها أكثر من مائة راكب، وتم إبرام الصفقة من خلال «الصليب الأحمر الدولي» وأفرج عن الركاب مقابل 37 أسيراً فلسطينياً من ذوي الأحكام العالية من ضمنهم أسرى فلسطينيون كانوا قد أسروا قبل عام 1967.

وفي يناير (كانون الثاني) 1971، جرت عملية تبادل أسير مقابل أسير ما بين حكومة إسرائيل وحركة «فتح»، وأطلق بموجبها سراح الأسير محمود بكر حجازي، مقابل إطلاق سراح جندي إسرائيلي اختطف في أواخر عام 1969.

وفي مارس (آذار) 1979، جرت عملية تبادل أخرى بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، حيث أطلقت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، سراح جندي إسرائيلي كانت قد أسرته بتاريخ 5 أبريل (نيسان) 1978، في كمين قرب صور، وقتلت حينها 4 جنود آخرين، وأفرجت إسرائيل مقابل الجندي عن 76 معتقلاً فلسطينياً من بينهم 12 سيدة.

وفي منتصف فبراير (شباط) 1980 أطلقت حكومة إسرائيل سراح الأسير مهدي بسيسو، مقابل إطلاق سراح مواطنة عملت جاسوسة لصالح إسرائيل كانت محتجزة لدى حركة «فتح»، وتمت عملية التبادل في قبرص وبإشراف اللجنة الدولية لـ«الصليب الأحمر».

وفي 23 نوفمبر 1983، جرت عملية تبادل جديدة ما بين الحكومة الإسرائيلية، وحركة «فتح»، أفرج بموجبها عن جميع أسرى معتقل أنصار في الجنوب اللبناني وعددهم (4700) أسير فلسطيني ولبناني، و (65) أسيراً من السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح ستة جنود إسرائيليين أسروا في منطقة بحمدون في لبنان، فيما أسرت الجبهة الشعبية – القيادة العامة، جنديين آخرين.

وفي 20 مايو (أيار) 1985، أجرت إسرائيل عملية تبادل مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة، أطلق بموجبها سراح 1155 أسيراً كانوا محتجزين في سجونها المختلفة، مقابل ثلاثة جنود أسروا في عمليتين منفصلتين.

لكن ليس كل الصفقات تمت بمبادلة.

ولعل أبرز صفقة حصلت عليها «حماس» لم تشارك فيها بشكل مباشر، وكانت عام 1997، حين جرت اتفاقية تبادل ما بين الحكومة الإسرائيلية والحكومة الأردنية وأطلقت بموجبها الحكومة الأخيرة سراح عملاء الموساد الإسرائيلي الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» حينها خالد مشعل، فيما أطلقت حكومة إسرائيل سراح الشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، الذي كان معتقلاً في سجونها منذ عام 1989 وكان يقضي حكماً بالسجن مدى الحياة، وكان لهذا الإفراج دور مهم في ارتفاع شعبية الحركة على مدار سنوات تلت ذلك، وخاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى عام 2000.