رحيل والد الزعيم السابق لـ«بوليساريو»

أيد الحكم الذاتي في الصحراء ... وظل يناشد ابنه العودة إلى المغرب

الشيخ الخليلي الركيبي والد محمد عبد العزيز الأمين العام السابق لجبهة «بوليساريو»
الشيخ الخليلي الركيبي والد محمد عبد العزيز الأمين العام السابق لجبهة «بوليساريو»
TT

رحيل والد الزعيم السابق لـ«بوليساريو»

الشيخ الخليلي الركيبي والد محمد عبد العزيز الأمين العام السابق لجبهة «بوليساريو»
الشيخ الخليلي الركيبي والد محمد عبد العزيز الأمين العام السابق لجبهة «بوليساريو»

توفي صباح أمس السبت الشيخ الخليلي محمد البشير الركيبي، والد محمد عبد العزيز (الملقّب «المراكشي») الأمين العام السابق لجبهة «بوليساريو» الانفصالية، في المستشفى العسكري في مدينة أنزكان المجاورة لمدينة أغادير (جنوب الدار البيضاء)، عن عمر يناهز 92 سنة. وعُرف الركيبي الذي كان يقيم بمدينة قصبة تادلة (وسط المغرب)، بمواقفه المؤيدة لمغربية الصحراء، خلافاً لابنه الأكبر الذي توفي العام الماضي. إذ ظل الوالد يناشد ابنه العدول عن مواقفه والعودة إلى المغرب «أرضه ووطنه ووطن أجداده».
كما ظل الركيبي يمني النفس بلقاء ابنه دون أن يتسنى له ذلك. وقال في حوار أجرته معه «الشرق الأوسط» عام 2007: «أريد منه أن يأتي عندي إلى المغرب لأراه، طال أمد الفراق وأريد لقياه، قبل أن أرحل إلى دار البقاء». ولم يتقبل الشيخ الخليلي أن يصبح ابنه انفصالياً بل فاجأه ذلك، كما قال. وأوضح: «كنت أعمل وأكد لأرسل له المال حتى يتابع دراسته بمدينة الرباط، وكنت أعتقد أنه يثابر من أجل التحصيل المعرفي، لكني فوجئت به يغادر الرباط في اتجاه العاصمة الجزائرية».
وأيد الركيبي مقترح الحكم الذاتي عند طرحه عام 2007، وعند سؤاله عن رأيه في هذا الأمر قال: «سيكون مع رأي العاهل المغربي الملك محمد السادس، وهو رأي يقول بمنح السكان حكماً ذاتياً لتسيير شؤونهم بأنفسهم تحت السيادة المغربية، وبذلك تظل لحمة الأخوة المؤمنين قائمة، أما تشتيت الناس فلن يفيد في شيء، بل سيزيد من تأزيم حالات الإنسان النفسية». ولم يخف الشيخ الخليلي ارتيابه من تدويل نزاع الصحراء وقال في هذا الصدد: «إن تدويل الملف يدفع أي شخص إلى التزام الصمت، وعدم التصريح بما يخالجه. فتدخل العالم في النزاع بهذا الشكل يحول دون إيجاد حل». كما رفض الانضمام إلى أي حزب سياسي بعدما عرضت أحزاب عدة عليه الانضمام إليها، لأنه ببساطة «لا يحب السياسة»، كما قال.
ولد الركيبي بمنطقة الساقية الحمراء عام 1925 وكان أحد أعضاء المجموعة الأولى لجيش التحرير المغربي التي كانت تضم 25 جندياً فقط، وحاربت القوات الاستعمارية الفرنسية والإسبانية في الصحراء، إذ كان أول هجوم قادته المجموعة سنة 1956 من القرن الماضي، ضد القوات الفرنسية بمنطقة أم لمعشار بمدينة كلميم. ويحكي عن تلك الأحداث قائلاً: «حررنا منطقة كلميم من الاستعمار الفرنسي، رغم أننا لم نكن نتوفر آنذاك سوى على بنادق تقليدية، بينما استعانت القوات الغازية بالطائرات لقصفنا، ثم سرنا في اتجاه الساحل لقتال القوات الإسبانية ابتداء من مدينة طانطان مروراً بسيدي افني، قبل أن نعرج على العيون والساقية الحمراء ومنطقة توزيكي بمدينة الزاك، ثم الحزام وتدارت، واندلعت آنذاك معارك شرسة، استطعنا بفضل الله وعونه وشجاعة سكان الصحراء الذين انضموا إلى خلايا جيش التحرير من أجل تحقيق التحرر الوطني».
وفي عام 1956 توجه الركيبي لاستقبال ومبايعة الملك محمد الخامس بعد عودته من المنفى، والتحق قائداً بجيش التحرير، ثم سلّم السلاح للجيش الملكي بعد حل جيش التحرير والتحق بقوات الجيش الملكي. شارك في الحرب التي اندلعت بين المغرب والجزائر عام 1963 وكان قائداً لفيلق مغربي. وفي عام 1980 أحيل على التقاعد من الجيش الملكي.
وفي سنة 2001 استقبله الملك محمد السادس، ثم انضم إلى المجلس الاستشاري الملكي للشؤون الصحراوية عام 2006.



«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
TT

«دواء مر»... مخاوف عميقة وشراكة قلقة تجمع مصريين بـ«النقد الدولي»

السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)
السيسي ومديرة صندوق النقد الدولي الأحد في القاهرة (الرئاسة المصرية)

رغم قناعتهم بأنه الملجأ وقت الأزمات، وأنه الطريق الذي «لا بديل عنه» عندما تعصف التحديات الاقتصادية بالدولة، تجمع شراكة «قلقة» مصريين بـ«صندوق النقد الدولي»، وسط مخاوف عميقة من تبعات الالتزام بشروطه وتأثيرها في قدرتهم على تلبية احتياجاتهم اليومية، حتى باتت صورة الصندوق لدى كثيرين أشبه بـ«الدواء المر»، يحتاجون إليه للشفاء لكنهم يعانون تجرعه.

على قارعة الطريق جلست سيدة محمود، امرأة خمسينية، تبيع بعض الخضراوات في أحد شوارع حي العجوزة، لا تعلم كثيراً عن صندوق النقد وشروطه لكنها تدرك أن القروض عادةً ما ترتبط بارتفاع في الأسعار، وقالت لـ«الشرق الأوسط» ببساطة: «ديون يعني مزيداً من الغلاء، المواصلات ستزيد والخضار الذي أبيعه سيرتفع سعره».

وتنخرط مصر حالياً في تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي تم الاتفاق عليه في نهاية 2022، بقيمة ثلاثة مليارات دولار، قبل أن تزيد قيمته في مارس (آذار) الماضي إلى ثمانية مليارات دولار، عقب تحرير القاهرة لسعر الصرف ليقترب الدولار من حاجز الـ50 جنيهاً. وتلتزم مصر في إطار البرنامج بخفض دعم الوقود والكهرباء وسلع أولية أخرى، مما دفع إلى موجة غلاء يشكو منها مصريون.

«دواء مر»، هكذا وصف الخبير الاقتصادي الدكتور مصطفى بدرة، قروض صندوق النقد الدولي، مشيراً إلى ما يثيره «الصندوق»، في نفوس المصريين من «قلق»، ارتباطاً بما تولِّده «الديون والقروض» في نفوسهم من «أعباء ومخاوف».

يقول بدرة لـ«الشرق الأوسط» إن «المصريين دائماً ما يتحفزون ضد الصندوق نظراً لمتطلباته التي عادةً ما تؤثر في حياتهم وتزيد من أعبائهم المالية». وفي الوقت نفسه يؤكد بدرة أنه «لم يكن هناك باب آخر أمام الدولة المصرية إلا الصندوق في ظل أزمة اقتصادية بدأت عام 2011، وتفاقمت حدتها تباعاً».

كان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، قد أكد خلال لقائه ومديرة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، الأحد، في القاهرة أن «أولوية الدولة هي تخفيف الضغوط والأعباء عن كاهل المواطنين».

وتأتي زيارة غورغييفا للقاهرة عقب دعوة السيسي، نهاية الشهر الماضي، لمراجعة قرض صندوق النقد مع مصر «حتى لا يشكل عبئاً على المواطن» في ظل التحديات الجيوسياسية التي تعاني منها البلاد، وأعلن رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي أن «المراجعة الرابعة للقرض ستبدأ الثلاثاء»، وهي واحدة من أصل ثماني مراجعات في البرنامج.

الوصفة الاقتصادية القياسية التي يقدمها صندوق النقد عادةً ما ترتبط بالسياسة النقدية والمالية، لكنها «لا تشكل سوى ثلث المطلوب لتحقيق الإصلاح الاقتصادي والهيكلي»، حسب الخبير الاقتصادي هاني توفيق الذي أشار إلى أنه «لا ينبغي ربط كل الأعباء والتداعيات الاقتصادية بقرض صندوق النقد».

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «اشتراطات صندوق النقد أو متطلباته أمور منطقية لكن لا بد أن تمتزج بخطوات إصلاح هيكلي اقتصادي لتحفيز الاستثمار والنظر في الأولويات».

بدوره، قال الخبير الاقتصادي المصري، مدحت نافع لـ«الشرق الأوسط» إن «صندوق النقد كأي مؤسسة مالية أخرى هو جهة مقرضة، لديها شروط مرتبطة بحجم مخاطر الدين وبأجندتها التي قد لا تتوافق دائماً مع أجندة الدولة وأولوياتها الوطنية».

ولفت نافع إلى أن «دراسات عدة أشارت إلى أن برامج صندوق النقد عادةً ما تحقق أهدافاً جيدة على المدى القصير من حيث كبح جماح التضخم وتحرير سعر الصرف، لكنها على المدى الطويل قد تؤدي إلى تداعيات سلبية على مستويات النمو الاقتصادي ونسب عجز الموازنة والبطالة».

لكن رغم ذلك يؤكد نافع أن «مصر كانت بحاجة إلى قرض صندوق النقد»، فهو على حد وصفه «شهادة دولية تتيح لمصر الحصول على تمويلات أخرى كانت في أمسّ الحاجة إليها في ظل أزمة اقتصادية طاحنة».

علاقة مصر مع صندوق النقد تاريخية ومعقدة، ويرتبط في مخيلة كثيرين بوصفات صعبة، تدفع نحو اضطرابات سياسية وأزمات اقتصادية، وربما كان ذلك ما حفَّزهم أخيراً لتداول مقاطع فيديو للرئيس الراحل حسني مبارك يتحدث فيها عن رفضه الانصياع لشروط الصندوق، حتى لا تزيد أعباء المواطنين، احتفى بها رواد مواقع التواصل الاجتماعي.

وهنا يرى بدرة أن «الظروف السياسية والاقتصادية في عهد مبارك كانت مغايرة، والأوضاع كانت مستقرة»، مشيراً إلى أن «مبارك استجاب لمتطلبات الصندوق وحرَّك سعر الصرف لتصل قيمة الدولار إلى 3.8 جنيه بدلاً من 2.8 جنيه».

واتفق معه توفيق، مؤكداً أن «الوضع الاقتصادي في عهد مبارك كان مختلفاً، ولم تكن البلاد في حالة القلق والأزمة الحالية».

ووفقاً لموقع صندوق النقد الدولي، نفّذت مصر في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي أربعة برامج اقتصادية بدعم مالي من الصندوق، بقيمة 1.850 مليار دولار، لكنها لم تصرف سوى خمس المبلغ فقط، ما يعادل 421.3 مليون دولار. حيث تم إلغاء وعدم استكمال بعضها، بعد أن مكَّن الاتفاق مع الصندوق مصر من إلغاء 50 في المائة من دينها الرسمي في «نادي باريس».

ولتلافي التداعيات السلبية لقرض «صندوق النقد» أو على الأقل الحد منها، شدد نافع على «ضرورة الموازنة بين متطلبات (صندوق النقد) وبين أجندة الدولة الإصلاحية».

وقال: «تعديل شروط الصندوق أو تأجيل تنفيذ بعضها ليس صعباً في ظل أن الهدف الأساسي من الخطة، وهو كبح التضخم، لم يتحقق»، مشيراً في السياق نفسه إلى أن «الصندوق أيضاً متورط ويرى أن عدم نجاح برنامجه مع مصر قد يؤثر سلباً في سمعته، مما يتيح إمكانية للتفاوض والتوافق من أجل تحقيق أهداف مشتركة».

وانضمت مصر لعضوية صندوق النقد الدولي في ديسمبر (كانون الأول) 1945، وتبلغ حصتها فيه نحو 1.5 مليار دولار، وفقاً لموقع الهيئة العامة للاستعلامات، الذي يذكر أن «تاريخ مصر مع الاقتراض الخارجي ليس طويلاً، وأن أول تعاملاتها مع الصندوق كان في عهد الرئيس الراحل أنور السادات عامَي 1977 و1978 بهدف حل مشكلة المدفوعات الخارجية وزيادة التضخم».

وعقب أحداث 2011 طالبت مصر بالحصول على قرض من الصندوق مرة في عهد «المجلس العسكري» ومرتين في عهد الرئيس السابق محمد مرسي، لكنها لم تحصل عليه. وعام 2016 وقَّعت مصر اتفاقاً مع الصندوق مدته ثلاث سنوات بقيمة 12 مليار دولار. وعام 2020 حصلت مصر على 2.77 مليار دولار مساعدات عاجلة للمساهمة في مواجهة تداعيات الجائحة، وفقاً لهيئة الاستعلامات.