مصر تحيي الذكرى الـ75 لمعركة العلمين بمشاركة ممثلي 14 دولة

السيسي يلتقي مع ممثلي 14 دولة في المتحف العسكري بالعلمين
السيسي يلتقي مع ممثلي 14 دولة في المتحف العسكري بالعلمين
TT

مصر تحيي الذكرى الـ75 لمعركة العلمين بمشاركة ممثلي 14 دولة

السيسي يلتقي مع ممثلي 14 دولة في المتحف العسكري بالعلمين
السيسي يلتقي مع ممثلي 14 دولة في المتحف العسكري بالعلمين

أحييت مصر أمس ذكرى مرور 75 سنة على معركة العلمين، وشارك الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مع ممثلي 14 دولة، وبحضور بيتر كوسغروف الحاكم العام لأستراليا، في إحياء الذكرى.
وزار السيسي بصحبة ضيوف مصر متحف العلمين العسكري بعد تطويره، حيث استمع إلى شرح من مدير إدارة المتاحف العسكرية، تضمن مراحل نشأة المتحف وتطوره، الذي أنشأ تخليداً لذكرى معركة العلمين، ويتكون من نصب تذكاري و5 قاعات عرض، ومنطقة للعرض المكشوف تشمل عدداً من المعدات العسكرية التي شاركت في معركة العلمين.
وأشار السيسي، في كلمته، إلى أن ذكرى آلاف الضحايا الذين لقوا حتفهم في معركة العلمين تدفعنا لتجديد العهد على الحفاظ على السلام، ولبذل مزيد من الجهد لإرساء السلام، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي تواجه أزمات خطيرة تهدد كيان الدولة الوطنية ذاته، مضيفاً أن هذه الأزمات تحمل مخاطر غير مسبوقة على أمن وسلامة ومقدرات شعوب المنطقة التي تتطلع نحو حياة كريمة مستقرة، مشدداً على دور المجتمع الدولي في بذل كل الجهود، والعمل بقوة وتصميم من أجل تلبية التطلعات المشروعة للشعوب.
وأكد الرئيس المصري أن مدينة العلمين تشكل مزيجاً جغرافياً وتاريخياً فريداً استحق كل الاهتمام، من خلال إنشاء مدينة العلمين الجديدة، لتقديم نموذج لأهمية السلام والبناء والتعمير، وضرورة هزيمة آلام الماضي بآمال المستقبل، الذي يتم بذل أقصى الجهد من أجل أن يكون مشرقاً زاهراً.
وألقى عدد من ضيوف مصر كلمات في هذه المناسبة، حيث أشار كوسغروف وتيم لورنس، نائب رئيس لجنة مقابر الكومنولث، إلى أهمية دور معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية، ووجها التحية لذكرى ضحاياها، كما أشادا بدور مصر في العمل من أجل السلام والحفاظ عليه وتعزيزه.
يشار إلى أن مشكلة الألغام لا تزال تمثل تحدياً كبيراً أمام تنمية وتطوير الساحل الشمالي الغربي، وخلفت معركة العلمين الكبرى، إبان الحرب العالمية الثانية، كماً هائلاً من مخلفات الحرب والألغام في مساحة تقدر بـ5 آلاف كيلومتر مربع.
وفي أعقاب احتفال مصر بذكرى معركة العلمين، قال السفير البريطاني جون كاسن، الذي شارك في إحياء الذكرى من خلال مراسم في المقبرة التابعة لهيئة الكومنولث لمقابر الحرب بمدينة العلمين: «نحن فخورون بالتقدم في إزالة الألغام وتطوير المدينة الجديدة»، موضحاً أن إزالة الألغام مسؤولية مشتركة بين الحكومة المصرية والدول المتحاربة، ومضيفاً أنّ بريطانيا هي أحد ممولي برنامج الأمم المتحدة الذي حقق إنجازات خلال العقد الماضي أكثر من أي وقت منذ معركة العلمين فيما يتعلق بإزالة الألغام، إذ تم تطهير ما يقرب من 1400 كيلومتر مربع، ونشر التوعية بين 160 ألف شخص في مرسى مطروح، كما بُني مركز الأطراف الصناعية، وأهم معايير نجاح المشروع خفض معدل الضحايا الجدد من الألغام.
وقال كاسن إن أهمية ذكرى هذه المعركة الكبرى اليوم أنّنا نسلط الضوء على أهمية تضافر الجهود المشتركة الآن للتغلب على الشر، كاشفاً النقاب عن أن بريطانيا قدمت لمصر كل الخرائط الموجودة لديها الخاصة بالألغام في الساحل الشمالي، التي كانت قد زُرعت من جانب قوات بلاده إبان معركة العلمين خلال الحرب العالمية الثانية.
ومن جانبه، قال إيفان سوركوش، سفير وفد الاتحاد الأوروبي لدى مصر، إن «تلك المعارك التي جرت في يوليو (تموز) عام 1942، على الأرض المصرية، لها أهمية كبيرة على مسار الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، فقد تركت وراءها أيضاً كمية كبيرة من الذخائر غير المنفجرة، فلا يزال هناك 2680 كيلومتراً مربعاً من الأراضي في الساحل الشمالي الغربي ملوثة بتلك المخلفات اليوم»، مشيراً إلى أن هذه المخلفات تسببت حتى الآن في وقوع أكثر من 8 آلاف إصابة، ثلثيهم من المدنيين. وعلى الرّغم من تراجع عدد الإصابات الجديدة في السنوات الأخيرة، فإن التهديد لا يزال قائماً إلى حد كبير.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)