تركيا تمنح المفتين والأئمة صلاحية توثيق الزواج الديني

وسط جدل واسع ورفض من المعارضة وجمعيات حقوق المرأة

تركيا تمنح المفتين والأئمة صلاحية توثيق الزواج الديني
TT

تركيا تمنح المفتين والأئمة صلاحية توثيق الزواج الديني

تركيا تمنح المفتين والأئمة صلاحية توثيق الزواج الديني

فجرت موافقة البرلمان التركي على مشروع قانون قدمته الحكومة يسمح للمفتين والأئمة في مؤسسة الشؤون الدينية بتوثيق الزواج الديني، جدلا شعبيا واسعا واعتراضات من جانب أحزاب المعارضة.
تقول الحكومة إن القانون الجديد يهدف إلى تسهيل إجراءات الزواج للمواطنين وضمان حصولهم على الخدمات بشكل أسهل وأسرع. فيما رفض حزبا الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطي المعارضان المشروع، مشيرين إلى أن هذا القانون يعتبر انتهاكا لعلمانية الدولة كما يثير مخاوف من التحول عن نظام الزواج المدني المعمول به في تركيا، ومن أنّه يفتح الباب لتعدد الزوجات.
ويمنح قانون الزواج الديني في تركيا، صلاحيات للمفتين العاملين بالشؤون الدينية بتسجيل عقود الزواج، بعدما كانت هذه المهمة بيد موظفي البلديات فقط.
وكان الرئيس رجب طيب إردوغان قد أكد أنّ مشروع قانون الزواج سيمر في البرلمان رغماً عن المعارضة، موضحاً أنّ هذا القانون لا يعارض النظام العلماني. وقبل الموافقة على مشروع القانون كانت عقود الزواج في تركيا توثق في مكاتب التسجيل بدوائر الزواج في البلديات، ولكنه سيسمح بتسجيل عقد الزواج الديني لمن يرغب، إنّما بعد إتمام إجراءات الزواج المدني، بشرط وجود دفتر العائلة، الذي يحصل عليه الزوجان من البلدية التابعين لها.
صادق البرلمان التركي، الخميس الماضي، على حزمة من التعديلات القانونية، من بينها السماح لدوائر الإفتاء في البلاد بعقد قران المتقدمين للزواج، إلى جانب البلديات التي كانت معنية من دون غيرها بالأمر من قبل.
حسب التعديلات الجديدة فإنّ السجلات الأسرية ستحتوي على معلومات حول أمور الولاية والوصاية أيضا، على عكس ما كان معمولاً به في السابق.
وفجر مشروع القانون الذي قدمه حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إلى البرلمان في يوليو (تموز) الماضي جدلا واسعا واعتراضات من جانب أحزاب المعارضة والجمعيات النسائية والمنظمات المدنية.
وكان شينول صاري هان نائب حزب الشعب الجمهوري، قد قلّل من الحاجة لمثل هذا التعديل في القانون المتعلق بإجراءات تسجيل الزواج، لافتاً إلى أن إجراءات الزواج الحالية التي تتم عن طريق البلديات لا تعاني من مشكلات تتطلب تعديلها، وتساءل عمّا إذا كانت هناك خطة لوضع تدابير لمنع تعرض الأطفال دون السن القانونية أو القصر من الاستغلال الذي قد يتعرضون له تحت مسمى الزواج الذي يقره المفتي، ولفت إلى أن هذا الأمر يعد مشكلة اجتماعية كبيرة وانتهاكاً لحقوق الإنسان.
من جهّتها، اعتبرت ميرال دنيز بيشتاش النائب عن حزب الشعوب الديمقراطي أنّ القانون سيفتح الباب أمام الزيجات دون السن القانونية التي تعد مشكلة بالفعل، لا سيما في شرق وجنوب شرقي تركيا.
بدورها، رأت نائب رئيس لجنة المساواة بين الجنسين في البرلمان التركي النائب من حزب الشعب الجمهوري المعارض جاندان يوجير، أنّ القانون يشكل ضربة جديدة للعلمانية وتشكيل الحياة الاجتماعية، خطوة خطوة، بما يتماشى مع القواعد الدينية وهدم آخر عقبة أمام الزواج دون السن القانونية، لافتة إلى أنّه يوجد 919 مكتب زواج في محافظات تركيا البالغ عددها 81 محافظة، كما أن أكثر من 18 ألفا من رؤساء القرى يمكن أن يؤدوا مراسم الزواج. هذا القانون ليس نابعا من الحاجة، لكنّه وجه آخر لتعسف الحكومة».
واعتبر اتحاد الجمعيات النسائية في تركيا القانون انتهاكا لحقوق المرأة، لافتة إلى أن البلديات لا تعاني ازدحاما أو صفوفا طويلة من المنتظرين أمامها للزواج. وانتقل الجدل حول مشروع القانون إلى وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام، مما أدى إلى توسيع النقاشات في الشارع التركي، كما خرجت مظاهرات من جمعيات الدفاع عن حقوق المرأة رفضاً للقانون.
يذكر أنّ تركيا صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة بتوثيق الزواج المدني عام 1962، وحسب القانون التركي فإن عقد الزواج الرسمي يتطلب وجود الطرفين المُقدمين على الزواج وموظف البلدية المسؤول عن تسجيل العقد وشاهدين، وأي زواج لا يتم بهذه الطريقة لا يعد ساريا، ويوثّق الزواج من خلال مكاتب التسجيل في دوائر الزواج في البلديات، ويشترط القانون أن يكون عمر طالب الزواج أكبر من 18 سنة، ويقبل تزويج البالغ 16 سنة، في حال حضور وتوقيع أحد الوالدين، ويمنع تعدد الزوجات.
ولا يُعقد الزواج الديني إلّا بعد الانتهاء من إجراءات الزواج الرسمي، وفي حالة رغبة الطرفين فقط، وبشرط إبراز دفتر العائلة الذي يمنحه موظف البلدية المخول بصلاحية إجراء عقد الزواج.
تفرض الفقرة الرابعة من المادة 237 من قانون العقوبات التركي، عقوبة الحبس لمدة تتراوح ما بين شهرين وستة أشهر لكل من أجرى زواجا في إطار المراسم الدينية فقط. ويقضي قانون الأحوال الشخصية ببطلان الزواج الثاني، في حالة وقوعه، كما يمنح الحق للزوجة الأولى برفع دعوى طلاق، إذا ثبت اقتران زوجها بأخرى، فيما تمتنع الجهات الرسمية عن تسجيل عقود القران للزواج الثاني.
ويرجع تعدد الزوجات في المجتمع التركي بالدرجة الأولى، إلى عدم إنجاب الزوجة الأولى للذكور. وغالباً ما تقبل النساء بالوضع نتيجة للضغوط الأسرية أو المعتقدات الدينية، حسب الدراسات التي أجريت في هذا الصدد.



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».