تاريخ تصنيف الطماطم... قانونياً هل هي خضار أم فاكهة؟

الخلاف على طماطم دخل دهاليز المحاكم (واشنطن بوست)
الخلاف على طماطم دخل دهاليز المحاكم (واشنطن بوست)
TT

تاريخ تصنيف الطماطم... قانونياً هل هي خضار أم فاكهة؟

الخلاف على طماطم دخل دهاليز المحاكم (واشنطن بوست)
الخلاف على طماطم دخل دهاليز المحاكم (واشنطن بوست)

سؤال لطالما خدع طلاب المدارس في أنحاء البلاد: هل الطماطم فاكهة أم خضار؟
استناداً إلى علم النبات، تعد الطماطم من الفواكه، لكنّها ليست كذلك من الناحية القانونية. وتعود أصول هذا الاختلاف والتباين إلى قضية مغمورة نظرت فيها المحكمة العليا خلال القرن التاسع عشر ولا يعلم كثير من الخبراء عنها شيئا.
يوضح جورج بول، الرئيس التنفيذي لشركة البذور «بوربي»: «للطماطم تاريخ عجيب، حين يعرفه الناس لا تفارقهم الدهشة طوال حياتهم». حسبما أوضح بول، هناك اختلاف كبير بين الفواكه والخضراوات؛ فالفواكه من الناحية الفنية نبات يحمل بذورا بداخله، أمّا الخضراوات فهي فعليا أي جزء من نبات نأكله.
وقتها عندما نظر في القضية أمام المحكمة، التي تحمل اسم «نيكس في مواجهة هيدين»، كان هناك اختلاف كبير آخر بين الفواكه والخضراوات، وهو فرض التعريفة الجمركية على الخضراوات التي تُستورد الى الولايات المتحدة بنسبة 10 في المائة، في حين لم يكن الأمر كذلك بالنسبة إلى الفواكه.
عندما فُرضت تعريفة جمركية كبيرة على شركة «جون نيكس أند كومباني» المملوكة لجون نيكس، تاجر جملة في منهاتن، وأبنائه الأربعة، على شحنة طماطم قادمة من الكاريبي، اعترض على تلك الضريبة على أساس أنّ الطماطم ليست من الفواكه. أُقيمت الدعوى عام 1887، لتحال بعدها إلى المحكمة العليا في العام 1893. رفضت المحكمة وقتها زعم نيكس، على أساس أنّ الناس لا يطهون أو يتناولون الطماطم على أنّها من الفواكه وبالتالي يجب فرض الضريبة عليها.
كتب القاضي هوراس غراي في حيثيات حكمه عام 1893: «من ناحية علم النبات تُعتبر الطماطم من الفواكه، مثلها مثل الخيار والكوسة والفاصوليا والبازلاء، لكن حسب لغة الناس العاديين سواء كانوا باعة أو مستهلكين، تعد كل تلك النباتات من الخضراوات».
تزامن توقيت حكم غراي مع فترة تحول كبير في مجال تجارة الفواكه والخضراوات، حين بدأت طبقة جديدة من تجار الجملة المحليين مثل آل نيكس الذين كانوا يومًا يمثلون سلسلة من الأسواق المحلية والإقليمية الكبرى، بجلب محاصيل قادمة من بعيد إلى المستهلكين المقيمين في المناطق الحضرية.
وحسب تقارير إخبارية نُشرت في تلك الفترة، كانت شركة «جون نيكس أند كامبني» من أولى الشركات التي تورد محاصيل قادمة من فلوريدا وكاليفورنيا وبرمودا، بل واستئجار سفينة بخارية لنقل البصل بشكل أسرع. كانت الشركة تصدر الفاكهة إلى أوروبا، وتعود بالطماطم المستوردة من القارة. وفي وقت وفاة جون نيكس الأب عام 1922، كانت الشركة قد افتتحت الفرع الثاني لها في شيكاغو من أجل توسيع نطاق العمل في نقل وتجارة الفواكه والخضراوات. وفي عام 1939 عندما سعت عصبة الأمم لتصنيف الفواكه والخضراوات وغيرها من السلع من أجل التنسيق بين التعريفات الجمركية، انتهى المطاف بالطماطم إلى التصنيف بين الخضراوات، والنباتات القابلة للأكل، والدرنيات.
ويرى مسؤول توثيق في المنظمة العالمية للجمارك أنه ربما كان لحكم غراي تأثير؛ وعليه اعتمدت وزارة الزراعة الأميركية ذلك التصنيف أيضا. وقال ترافيس ماينور، محلل محاصيل متخصص في وزارة الزراعة: «حسب فهمي، لقد اعتمدوا على قضية (نيكس في مواجهة هيدين) في تسعينات القرن التاسع عشر». لا يعني ذلك أنّ المسألة قد انتهت عند هذا الحد؛ فقد اعترضت واحتجت كثير من الولايات، حيث اعتبرت كل من ولايتي تينيسي وأوهايو أنّ الطماطم نوع من الفاكهة، في حين اعتبرتها ولاية نيوجيرسي من الخضراوات مشيرة تحديدًا إلى قضية «نيكس في مواجهة هيدين». وما زاد الأمور تعقيدًا إصدار الاتحاد الأوروبي أمرا توجيهيا في ديسمبر (كانون الأول) 2001، يصنف الطماطم فاكهة مثلها مثل الرواند والجزر والبطاطا الحلوة والخيار واليقطين والشمام. أمّا بالنسبة إلى جورج بول، فلا ينبغي أن يكون التصنيفان متعارضين وينفي أحدهما الآخر؛ فحسب منطق شركته، الذي يشبه منطق القاضي غراي، ينبغي وصف النباتات حسب استخدامها. ويقول جورج: «هل الطماطم من الفاكهة؟ بالطبع. هل هي من الخضراوات؟ بالتأكيد». ويؤكد الحكم النهائي لشركة «بوربي» على عبوة البذور أنّها من الـ«خضراوات».

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بــ {الشرق الاوسط}


مقالات ذات صلة

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

مذاقات غلاش محشو بالبطاطا الحلوة من الشيف أميرة حسن (الشرق الأوسط)

البطاطا الحلوة... وصفات جديدة لمواجهة برودة الطقس

البطاطا الحلوة بلونها البرتقالي، تُمثِّل إضافةً حقيقيةً لأي وصفة، لا سيما في المناسبات المختلفة. إذ يمكنك الاستمتاع بهذا الطبق في جميع الأوقات

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات برغر دجاج لشيف أحمد إسماعيل (الشرق الأوسط)

كيف تحصل على برغر صحي ولذيذ في المنزل؟

عندما نفكر في الوجبات السريعة، تكون تلك الشريحة اللذيذة من اللحم التي تضمّها قطعتان من الخبز، والممتزجة بالقليل من الخضراوات والصلصات، أول ما يتبادر إلى أذهاننا

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات فطور مصري (إنستغرام)

«ألذ»... أكل بيت مصري في مطعم

ألذ الأطباق هي تلك التي تذكرك بمذاق الأكل المنزلي، فهناك إجماع على أن النَفَس في الطهي بالمنزل يزيد من نكهة الطبق

جوسلين إيليا (لندن)
مذاقات 
شوكولاته مع الفراولة (الشرق الأوسط)

ودّع العام بوصفات مبتكرة للشوكولاته البيضاء

تُعرف الشوكولاته البيضاء بقوامها الحريري الكريمي، ونكهتها الحلوة، وعلى الرغم من أن البعض يُطلِق عليها اسم الشوكولاته «المزيفة»

نادية عبد الحليم (القاهرة)
مذاقات طاولة العيد مزينة بالشموع (إنستغرام)

5 أفكار لأطباق جديدة وسريعة لرأس السنة

تحتار ربّات المنزل ماذا يحضّرن من أطباق بمناسبة أعياد الميلاد ورأس السنة؛ فهي مائدة يجب أن تتفوّق بأفكارها وكيفية تقديمها عن بقية أيام السنة.

فيفيان حداد (بيروت)

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)