النائب السعد لـ «الشرق الأوسط»: مواقف باسيل تهدد التعايش في الجبل

حذّر من «نبش القبور» وتهديد المصالحة المسيحية ـ الدرزية

النائب اللبناني فؤاد السعد
النائب اللبناني فؤاد السعد
TT

النائب السعد لـ «الشرق الأوسط»: مواقف باسيل تهدد التعايش في الجبل

النائب اللبناني فؤاد السعد
النائب اللبناني فؤاد السعد

لا يزال الاشتباك السياسي بين «التيار الوطني الحر» الذي يرأسه وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، والحزب التقدمي الاشتراكي الذي يرأسه النائب وليد جنبلاط، يتفاعل، بعد سلسلة ردود من نواب كتلة جنبلاط على وزير الخارجية جبران باسيل، على خلفية تصريحات رأوا فيها تعرضاً من الوزير لـ«مصالحة الجبل» التاريخية التي جرت بين المسيحيين والدروز في أعقاب الحرب الأهلية.
وينتقد عضو كتلة جنبلاط، النائب فؤاد السعد، بشدة الوزير باسيل، عادّاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الكلام الذي أطلقه باسيل من بلدة رشميا «يحمل الأحقاد والكراهية»، وأنه «ليس غريبا أن يعلن مثل هذه المواقف المسمومة، ومن منطقة كانت السبّاقة في إرساء التعايش وعودة الوئام إلى الجبل». ولفت إلى أن المصالحة انطلقت من دارته في بلدة عين تريز يوم ضمّت كل قيادات «14 آذار» والزعامات السياسية ومنهم النائب وليد جنبلاط؛ «في حين كان باسيل وآخرون مرتمين في أحضان (حزب الله) والنظام السوري».
ويتابع السعد: «أرسينا قواعد المصالحة لاحقاً من خلال سلسلة خطوات، فقد كنت ألتقي في تلك المرحلة بالبطريرك (الماروني) نصر الله بطرس صفير الذي احتضن هذه المصالحة إلى جانب النائب جنبلاط، لنصل إلى اللقاء التاريخي في (المختارة) مع كل القوى السياسية والحزبية المسيحية والدرزية». ومنذ تلك الفترة وحتى قبلها، ما بعد الطائف، «لم تحصل ضربة كف في أي منطقة في الجبل»، متسائلا عما حصل «ليطلق باسيل مواقف أقل ما يقال فيها إنها حاقدة»، عادّاً أن باسيل «يحاول أن يصل إلى الندوة النيابية عن مقعد البترون من خلال هذا التصعيد السياسي الذي يضرّ بالمقيمين والعائدين».
واستكمل النائب السعد كلامه لـ«الشرق الأوسط»، فقال: «منذ أسبوعين؛ أي قبل زيارة الوزير باسيل إلى الجبل، كنّا في قداس في بلدة رشميا بالذات، وكانت هناك مشاركة من أبناء المنطقة من طائفة الموحدين الدروز، وقيل كلام يحمل الكثير من الوئام والمحبة والتعايش والتلاقي بين أبناء هذا المنطقة، ليصعد بعدها وزير الخارجية ويزرع بذور الفتنة في منطقة أرست قواعد المصالحة والتعايش». ويضيف: «هذا الرجل يفعل كل شيء ليصل إلى المجلس النيابي، وهو الذي رسب في أكثر من دورة انتخابية، لكن أمام موضوع حساس كمصالحة الجبل واللعب على الوتر المذهبي والطائفي وإذكاء نار الفتنة، فهذا خط أحمر».
وحذر نائب الحزب التقدمي الاشتراكي من محاولات «نبش القبور وفتح دفاتر الماضي، التي أضحت عملة قديمة معروفة الأهداف والمرامي». ورأى أن باسيل ينفذ أجندة إقليمية وداخلية؛ «إذ يعطي كل أوراقه لـ(حزب الله) وللنظام السوري، وهو الذي التقى منذ فترة ليست ببعيدة بوزير الخارجية السوري وليد المعلم، متجاهلاً رئيس الحكومة والحكومة وسياسة النأي بالنفس، وما زال يصر على أنه غير نادم على فعلته، فما قاله في رشميا ومعظم قرى وبلدات الجبل بشكل عام، إنما يصب في الخانة الانتخابية ومحاولة تجييش المسيحيين وقواعده الانتخابية. لكن ذلك لم يعد ينطلي على أحد، وبمعنى آخر؛ علمنا من كثير من المسيحيين في الجبل بأنهم كانوا مستائين إلى أقصى الدرجات مما قاله باسيل، لأنه لا يعبر عن حقيقة التعايش ومتانة المصالحة وتماسكها»، مشددا على أن «هذا هو التآلف بين العائلات في الجبل من مسيحيين ومسلمين ودروز».
ويتابع السعد: «يحق لأي فريق أن يعتمد أي خطاب سياسي أو يلجأ إلى هذا الأسلوب أو ذاك، خصوصاً على أبواب الانتخابات النيابية، لكن المسّ بمصالحة الجبل وفتح دفاتر الماضي وخلق الأحقاد، فذلك ليس بأساليب انتخابية وإنما مشاريع فتنوية تؤدي إلى ما لا تحمد عقباه. والمعروف عن التيار الوطني الحرّ أنه يستعمل كل الأدوات ليكسب موقعا إداريا أو سياسيا أو نيابيا أو وزاريا، فالجماعة لديهم جشع للسلطة، وقد تخلوا عن مبادئهم وكل ما سبق أن نادوا به من أجل المكاسب والحصص والمحاصصة، وهذا ما نراه بوضوح حيث هذا العهد يحاول السيطرة على سائر قطاعات ومرافق الدولة من خلال دعم واضح من (حزب الله) الذي يغطي هذا التيار. ولذلك نرى استقالات واعتكافات من ناشطين في التيار كانت لهم تضحيات ولا يقبلون بما يحصل اليوم».
واختتم السعد انتقاداته بالقول إنه يتوقع المزيد في المرحلة المقبلة من التصعيد العوني «ومن وزير العهد المدلل جبران باسيل» الذي يعد رئيس الظلّ ويسعى لرئاسة الجمهورية.
وعما يقال من أن السعد غير مرشح للانتخابات النيابية المقبلة، يقول إنه حتى الآن من المبكر الخوض في هذه التفاصيل؛ «فأنا أنتمي إلى كتلة، ورئيسها من يقرّر ذلك بعد دراسة كلّ الخيارات. وقد يكون راجي السعد ابن شقيقي نجيب السعد مرشحا عن العائلة. ولكن يجب ألا ننسى أننا نعيش في منطقة تزنرها الحروب، وهناك انقسام داخلي في لبنان، و(حزب الله) من يمسك بالبلد سياسيا وأمنيا، ويفرمل كل شيء. لذلك اللعبة مفتوحة على شتى الاحتمالات».



«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
TT

«موسم أمطار غزيرة» و«انهيارات صخرية» يهددان حياة اليمنيين وأمنهم الغذائي

الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)
الأمطار الغزيرة منعت استكمال صيانة طريق هيجة العبد الحيوية بين مدينة تعز المحاصرة وباقي البلاد (إكس)

تشهد أجزاء واسعة من اليمن هطول أمطار غزيرة مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض درجة الحرارة، متسببة في انهيارات طينية وصخرية تهدد حياة السكان وتلحق الأضرار بالممتلكات والأراضي، في حين لم تتجاوز البلاد آثار فيضانات الصيف الماضي التي ترصد تقارير دولية آثارها الكارثية.

وتسببت الأمطار الأخيرة المستمرة لمدد طويلة، والمصحوبة بضباب كثيف وغيوم منخفضة، في انهيارات صخرية أغلقت عدداً من الطرق، في حين أوقع انهيار صخري، ناجم عن تأثيرات أمطار الصيف الماضي، ضحايا وتسبب في تدمير منازل بمنطقة ريفية شمال غربي البلاد.

وعطلت الانهيارات الصخرية في مديرية المقاطرة التابعة لمحافظة لحج (جنوبي غرب) استمرار العمل في تحسين وصيانة طريق هيجة العبد التي تربط محافظة تعز المجاورة بباقي محافظات البلاد، بعد أن أغلقت الجماعة الحوثية بقية الطرق المؤدية إليها منذ نحو 10 أعوام، وتسببت تلك الأمطار والانهيارات في إيقاف حركة المرور على الطريق الفرعية.

أمطار غزيرة بمحافظة لحج تلحق أضراراً بالطريق الوحيدة التي تخفف الحصار عن مدينة تعز (إكس)

ويواجه السائقون والمسافرون مخاطر شديدة بسبب هذه الأمطار، تضاف إلى مخاطر أخرى، مما أدى إلى صعوبة التنقل.

ودعت السلطات المحلية في المحافظة السائقين والمسافرين إلى توخي الحذر الشديد في الطرق الجبلية والمنحدرات المعرضة للانهيارات الطينية والصخرية والانجرافات، وتجنب المجازفة بعبور الوديان ومسارات السيول المغمورة بالمياه.

وكان انهيار صخري في مديرية الطويلة، التابعة لمحافظة المحويت (شمالي غرب)، أدى إلى مقتل 8 أشخاص، وإصابة 3 آخرين، بعد سقوط كتلة صخرية هائلة كانت مائلة بشدة فوق منزل بُني أسفلها.

وتزداد الانهيارات الصخرية في المناطق التي تتكون من الصخور الرسوبية الطبقية عندما يصل وضع الكتل الصخرية المائلة إلى درجة حرجة، وفق الباحث اليمني في الجيمورفولوجيا الحضرية (علم شكل الأرض)، أنس مانع، الذي يشير إلى أن جفاف التربة في الطبقات الطينية الغروية أسفل الكتل المنحدرة يؤدي إلى اختلال توازن الكتل الصخرية، وزيادة ميلانها.

ويوضح مانع لـ«الشرق الأوسط» أن الأمطار الغزيرة بعد مواسم الجفاف تؤدي إلى تشبع التربة الجافة، حيث تتضخم حبيباتها وتبدأ في زحزحة الكتل الصخرية، أو يغير الجفاف من تموضع الصخور، وتأتي الأمطار لتكمل ذلك التغيير.

انهيار صخري بمحافظة المحويت بسبب أمطار الصيف الماضي يودي بحياة 8 يمنيين (إكس)

وينبه الباحث اليمني إلى خطر يحدق بغالبية القرى اليمنية، ويقول إنها عرضة لخطر الانهيارات الصخرية بسبب الأمطار أو الزلازل، خصوصاً منها تلك الواقعة على خط الصدع العام الممتد من حمام علي في محافظة ذمار (100 كيلومتر جنوب صنعاء)، وحتى ساحل البحر الأحمر غرباً.

استمرار تأثير الفيضانات

تواصل الأمطار هطولها على أجزاء واسعة من البلاد رغم انتهاء فصل الصيف الذي يعدّ موسم الأمطار الرئيسي، وشهد هذا العام أمطاراً غير مسبوقة تسببت في فيضانات شديدة أدت إلى دمار المنازل والبنية التحتية ونزوح السكان.

وطبقاً لـ«الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر»، فإن اليمن شهد خلال هذا العام موسمين رئيسيين للأمطار، الأول في أبريل (نيسان) ومايو (أيار)، والثاني بدأ في يوليو (تموز) إلى نهاية سبتمبر (أيلول)، و«كانا مدمرَين، بسبب أنماط الطقس غير العادية والأمطار الغزيرة المستمرة في جميع أنحاء البلاد».

ووفقاً للتقييمات الأولية التي أجرتها «جمعية الهلال الأحمر اليمني»؛ فقد تأثر 655 ألفاً و11 شخصاً، ينتمون إلى 93 ألفاً و573 عائلة بالأمطار الغزيرة والفيضانات التي ضربت البلاد أخيراً، ما أسفر عن مقتل 240 شخصاً، وإصابة 635 آخرين، في 20 محافظة من أصل 22.

فيضانات الصيف الماضي ألحقت دماراً هائلاً بالبنية التحتية في عدد من محافظات اليمن (أ.ب)

وألحقت الأمطار أضراراً جسيمة بمواقع السكان والنازحين داخلياً ومنازلهم وملاجئهم المؤقتة والبنية التحتية، مما أثر على آلاف الأسر، وكثير منهم كانوا نازحين لسنوات، حيث أبلغت «المجموعة الوطنية للمأوى والمواد غير الغذائية» في اليمن، عن تضرر 34 ألفاً و709 من المآوي، بينها 12 ألفاً و837 تضررت جزئياً، و21 ألفاً و872 تضررت بالكامل.

ونقل التقرير عن «المنظمة الدولية للهجرة» أن الفيضانات ألحقت أضراراً بالبنية التحتية الحيوية، بما في ذلك تدمير الأنظمة الكهربائية، مما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي وتعطيل تقديم الرعاية الصحية، وتسبب في تدمير الملاجئ، وتلوث مصادر المياه، وخلق حالة طوارئ صحية، وفاقم التحديات التي يواجهها النازحون.

تهديد الأمن الغذائي

وتعدّ الأراضي الزراعية في محافظة الحديدة الأعلى تضرراً بـ77 ألفاً و362 هكتاراً، ثم محافظة حجة بـ20 ألفاً و717 هكتاراً، وهو ما يعادل نحو 12 و9 في المائة على التوالي من إجمالي الأراضي الزراعية، بينما تأثر نحو 279 ألف رأس من الأغنام والماعز، وفقاً لتقييم «منظمة الأغذية والزراعة (فاو)».

شتاء قاسٍ ينتظر النازحين اليمنيين مع نقص الموارد والمعونات وتأثيرات المناخ القاسية (غيتي)

وكانت الحديدة وحجة والجوف الأعلى تضرراً، وهي من المحافظات الأكبر إنتاجاً للماشية، خصوصاً في الجوف، التي يعتمد نحو 20 في المائة من عائلاتها على الماشية بوصفها مصدر دخل أساسياً.

وتوقع «الاتحاد» أن العائلات الأعلى تضرراً من الفيضانات في كل من المناطق الرعوية والزراعية الرعوية غير قادرة على تلبية احتياجاتها الغذائية الدنيا في غياب المساعدة، مما يؤدي إلى ازدياد مخاطر انعدام الأمن الغذائي خلال الأشهر المقبلة.

وتشمل الاحتياجات الحرجة والعاجلة في المناطق المتضررة من الفيضانات؛ المأوى الطارئ، والغذاء، والمواد غير الغذائية، والمياه، والصرف الصحي، والملابس، والحماية، والمساعدات النقدية متعددة الأغراض، والإمدادات الطبية لضمان استمرارية وظائف مرافق الرعاية الصحية.

ودعت «مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين» إلى التحرك العالمي، والعمل على تخفيف آثار تغير المناخ بالتزامن مع انعقاد «مؤتمر المناخ»، مقدرة أعداد المتضررين من الفيضانات في اليمن خلال العام الحالي بنحو 700 ألف.

وسبق للحكومة اليمنية الإعلان عن أن الفيضانات والسيول، التي شهدتها البلاد هذا العام، أثرت على 30 في المائة من الأراضي الزراعية.