العبادي: حريصون على سلامة الأكراد

TT

العبادي: حريصون على سلامة الأكراد

وجّه رئيس الوزراء حيدر العبادي، أمس، غداة سيطرة القوات الاتحادية على مناطق استراتيجية في كركوك، القوات المسلحة بحماية المواطنين بمختلف أطيافهم في كركوك.
وقال في كلمة مكتوبة إلى الشعب العراقي: «نطمئن أهلنا في كردستان وفي كركوك على وجه الخصوص أننا حريصون على سلامتهم ومصلحتهم ولم نقم إلا بواجبنا الدستوري ببسط السلطة الاتحادية وفرض الأمن وحماية الثروة الوطنية».
وأضاف العبادي: «واجبي هو العمل وفق الدستور لخدمة المواطنين وحماية وحدة البلاد التي تعرضت لخطر التقسيم نتيجة الإصرار على إجراء الاستفتاء الذي نظم من قبل المتحكمين في إقليم كردستان ومن طرف واحد».
وأشار إلى أنه حاول «ثني الإخوة المسؤولين في الإقليم عن إجرائه وعدم خرق الدستور والتركيز على محاربة داعش ولم يستمعوا لمناشداتنا ثم طالبناهم بإلغاء نتائجه ودون جدوى أيضاً».
واعتبر العبادي أن القادة الكرد «تجاوزوا الدستور وخرجوا عن الإجماع الوطني والشراكة الوطنية إضافة إلى استخفافهم بالرفض الدولي الشامل للاستفتاء ولتقسيم العراق وإقامة دولة على أساس قومي وعنصري». من جهته، أصدر وزير الداخلية قاسم الأعرجي أوامره إلى أفراد الشرطة المحلية والاتحادية والرد السريع بحماية المواطنين من أي اعتداء، وكذلك توفير الحماية للشخصيات الكردية ومقرات الأحزاب الكردية ومنع أي محاولة اعتداء أو انتقام من أي جهة كانت، بحسب بيان صادر عن مكتبه.
ورغم التطمينات التي قدمها رئيس الوزراء حيدر العبادي وقيادة العمليات المشتركة ووزير الداخلية إلى المواطنين العاديين في محافظة كركوك، فإن الظاهر أنها لم تكن كافية لتبديد مخاوفهم والبقاء في منازلهم، حيث خرجت مئات العوائل الكركوكية من منازلها متوجهة إلى إقليم كردستان فراراً من الحرب التي تقف على أبواب مدينتهم.
من جانبها، أصدرت قيادة العمليات المشتركة بياناً دعت فيه كل موظفي الدولة ومنتسبي الشرطة الاتحادية والأمن الداخلي في كركوك إلى «الالتحاق فوراً إلى دوائرهم ومقراتهم وممارسة أعمالهم أصولياً، وسيكونون جميعاً بحماية قواتنا الاتحادية».

من ناحية أخرى، أبلغت مصادر خاصة «الشرق الأوسط» بأن «دخول القوات الاتحادية إلى كركوك جاء بناءً على اتفاق بين بعض أجنحة حزب الاتحاد الوطني الكردستاني مع قيادات بارزة في الحكومة العراقية والحشد الشعبي».
وتؤكد المصادر أن «الاتفاق تم على أساس عدم مجابهة قوات البيشمركة التي يسيطر عليها الاتحاد الكردستاني للقوات الاتحادية، في مقابل إدارة مشتركة لاحقة في كركوك أطرافها الحكومة الاتحادية وحزب الاتحاد الوطني، لأن الأخير غير مرتاح للنفوذ الذي يحظى به الحزب الديمقراطي بزعامة مسعود بارزاني في كركوك والإقليم عموماً، خصوصاً بعد إجراء عملية الاستفتاء».

وتشير المصادر إلى «الدور المحوري الذي لعبه قائد الحرس الثوري قاسم سليماني في هذا الاتفاق بعد زيارته الأخيرة إلى السليمانية».
في سياق متصل، شدد رئيس الجمهورية فؤاد معصوم على «ضرورة وقف تفاقم النزاع في كركوك، ولزوم بذل أقصى الجهود للعودة الفورية إلى الحوار لحل الخلافات على أساس الدستور».
ودعا معصوم أثناء لقاء السفير الأميركي في بغداد دوغلاس سيليمان، أمس، «أجهزة الإعلام وأطراف الخلاف كافة إلى الابتعاد عن التصعيد والخطابات المتشنجة».
من جهته، قدّم رئيس البرلمان سليم الجبوري دعمه الكامل للعملية العسكرية التي قامت بها القوات الاتحادية في كركوك، وقال في تصريحات على هامش مشاركته في مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي المنعقد في روسيا: «إننا مع وجود قوات الجيش الرسمية على الأرض وسيطرتها على كثير من المنشآت، وبسط الأمن والاستقرار».
وأعلن «تحالف القوى العراقية» دعمه لإجراءات فرض القانون في محافظة كركوك ومناطق التعايش المشترك، ودعا القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي إلى أهمية حفظ الأمن المجتمعي ومعاقبة كل من «يعتدي» على أرواح وأملاك المواطنين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.