توقعات بتخطي نفوذ تشي فترة ولايته الثانية

ترقب لتجديد القيادات السياسية في مؤتمر الحزب الشيوعي

صينيون يمرون بجانب لافتة تحمل صورة الرئيس تشي وشعار «حلم الصين... حلم الشعب» في بكين أمس (أ.ف.ب)
صينيون يمرون بجانب لافتة تحمل صورة الرئيس تشي وشعار «حلم الصين... حلم الشعب» في بكين أمس (أ.ف.ب)
TT

توقعات بتخطي نفوذ تشي فترة ولايته الثانية

صينيون يمرون بجانب لافتة تحمل صورة الرئيس تشي وشعار «حلم الصين... حلم الشعب» في بكين أمس (أ.ف.ب)
صينيون يمرون بجانب لافتة تحمل صورة الرئيس تشي وشعار «حلم الصين... حلم الشعب» في بكين أمس (أ.ف.ب)

ينطلق المؤتمر العام للحزب الشيوعي الصيني التاسع عشر غدا (الأربعاء) ويستمر حتى 24 أكتوبر (تشرين الأول). ويمثل هذا المؤتمر مرحلة تحوّل في سياسات الصين الداخلية والخارجية؛ إذ يقوم الممثلون بتسمية أعضاء جدد لقيادة أقوى المؤسسات السياسية في الصين، كما يتوقع أن يعزز الرئيس تشي جينبينغ موقعه لما بعد انتهاء فترة ولايته الثانية.

أهمية مؤتمر الحزب الـ19

ويتيح هذا المؤتمر الذي يعقد مرتين في العقد، ويتزامن هذا العام مع مرور قرن تقريباً على تأسيس الحزب عام 1921، فرصة للنظر في أداء الحزب على مدى السنوات الخمس الماضية، والتخطيط لنصف العقد المقبل. كما سيمثل بداية مرحلة تحول سياسي، حيث سيقوم الممثلون بتسمية مسؤولين يشغلون مناصب في أهم مؤسسات صنع القرار في البلاد، ومنها اللجنة المركزية المكونة من 300 عضو، ولجنة وضع السياسات في الحزب الشيوعي.
إلى ذلك، سيقوم الزعيم الصيني تشي جينبينغ الذي حقق إنجازات اقتصادية بارزة على المستوى الداخلي، ويسعى إلى تعزيز دور بكين في الساحة الدولية، بتدشين فترته الرئاسية الثانية.
وفي تعليقه عن أهمية هذا المؤتمر، كتب محللون في مركز الأبحاث الأسترالي «تريفيوم»، أنه «سيحدد ما إذا كان تشي قد عزز سلطته على رأس الحزب، ومدى الدعم الذي سيلقاه برنامجه السياسي من لدن أعضاء حزبه، فضلا عن كيف سيتطوّر هذا البرنامج على مدى السنوات المقبلة».
من جهة أخرى، قد يسعى تشي خلال المؤتمر الـ19 للحزب الشيوعي إلى تمديد فترته على رأس هرم السلطة في الصين إلى فترة ثالثة أو حتى رابعة. ويرى محللون، أن عدم ترشيح تشي لوجه سياسي بارز لتسلم قيادة الحزب في 2022، قد يكون دليلا على عزمه البقاء في السلطة. ونقلت صحيفة «الغارديان» البريطانية عن المحاضر في جامعة كولومبيا، أندرو نيثن، قوله: إن تعزيز تشي لصورته داخل الحزب خلال السنوات الخمس الماضية تنذر بأنه سيمدد فترة حكمه بعد انتهاء فترته الثانية. ولفتت الصحيفة إلى أن الرئيس الصيني الحالي برز بصفته قائدا محتملا خلال المؤتمر الـ17 للحزب في عام 2007.
من جهتها، نقلت صحيفة «تلغراف» عن محللين أن تشي قد يبقى على رأس الحزب والجيش بعد انتهاء فترته الثانية، فيها يصبح منصب رئيس البلاد «صوريا».
ساعد الرئيس تشي خلال فترته الرئاسية الأولى، وفق تقرير نشره مركز «ستارتفور» الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية، في انتقال الصين من نموذج اقتصادي يقوم على السلع المصنعة منخفضة التكلفة ذات قيمة مضافة إلى نموذج اقتصادي يركز على الصناعات والخدمات المتقدمة والاستهلاك المحلي. كما أشرف على تغيير الاستراتيجية الدبلوماسية والعسكرية لبلاده، حيث خرجت الصين من الإطار التقليدي لسياستها الخارجية، واتجهت نحو توسيع نطاق مصالحها في الخارج.
يشار إلى أن عملية التحول التي شهدتها، وما زالت تشهدها الصين، قد بدأت قبل تولي تشي السلطة، لكنه ساهم في تسريع وتيرتها وتكريس بكين عاصمة أساسية في ملفات دولية معقّدة، على غرار الأزمة الكورية الشمالية. في المقابل، تواجه عملية التحول هذه تحدّيات كبيرة، من بينها انعدام المساواة الاجتماعية والإقليمية، وزيادة حجم الديون، فضلا عن المشاكل البيئية المتفاقمة والتي أصبحت تهدّد سلامة المواطنين في المدن الكبيرة والمناطق الصناعية، وفق تقرير المركز الأميركي.
ويرى محللون في المؤتمر الشيوعي الـ19 فرصة لفرض تشي «سيطرته» الكاملة على الحزب بكل لجناته وتوجهاته. وقالت صحيفة «فورين بوليسي» بهذا الصدد إن تشي نجح خلال السنوات الخمس الأولى من حكمه في محاربة السياسيين المنافسين له داخل الحزب الحاكم. إلا أنه لا يسعى إلى القضاء على كل منافسة؛ إذ إن تلك مهمة مستحيلة في حزب يصل عدد أعضائه إلى 89 مليونا، حسب الصحيفة، بل يهدف إلى تعزيز الولاء له ولحزبه. وبدأ تشي هذه العملية عبر تفكيك لجنة شبابية داخل الحزب الشيوعي، وإنشاء وتعزيز قوة لجان حزبية داخل الشركات الحكومية، وإطلاق أربع حملات توعوية بأهمية الولاء للحزب وزعيمه.
في هذا الإطار، يأتي مؤتمر الحزب الشيوعي لتحديد سياسات البلاد والأولويات الاقتصادية والاجتماعية والخارجية التي ستتصدر الأجندة السياسية في السنوات الخمسة المقبلة.

تشي... رجل الصين القوي

شهد الحزب الشيوعي خلال السنوات الخمس الماضية تحولا كبيرا في أسلوب قيادته البلاد، حيث دشّن حملة لدعم القوى الاقتصادية في الصين، مع محاولة إعادة نفسه بقوة إلى الساحة الدولية.
وقامت القيادة الشيوعية بزعامة تشي بمواجهة التباطؤ الاقتصادي الذي هدد شرعيتها، وعززت فكرة القومية كوسيلة لبناء الشعور بالوحدة والفخر بين أفراد شعبها، وفق محللي «ستراتفور». الأهم من ذلك هو قيام تشي جينبينغ بحملة كبيرة ضد الفساد، وتغيير مسؤولين في الحزب وإدارته؛ مما ساعده في أن يصبح أحد أبرز القادة السياسيين في الصين منذ ماو تسي تونغ، ودينغ تشياو بينغ.
أما على الصعيد الدولي، فقد فاجأ تشي جينبينغ العالم من على منبر المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس العام الماضي بخطاب دافع فيه عن العولمة وفوائدها، وشدد عبره على أهمية المضي قدما لتطويرها؛ بعد أن كانت بكين أشرس المقاومين على مدار السنوات الماضية للعولمة. وقدّم تشي نفسه زعيما مستعدا لملء الفراغ الذي يبدو أن الولايات المتحدة الأميركية قد تتركه في الساحة الدولية. وحذر الرئيس الصيني الدول من العودة إلى «سياسات الحماية التجارية»، في هجوم واضح على خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترمب وشعاره «أميركا أولا». كما شبّه تشي الحماية التجارية بأن «يحبس المرء نفسه في غرفة مظلمة لكي يحمي نفسه من الخطر؛ لكنه يحرم نفسه داخل الغرفة في الوقت ذاته من النور والهواء».
إلى ذلك، عمدت بكين في الوقت ذاته إلى لعب دور «حليف موثوق» للدول الأوروبية في قضايا تراجع فيها دور واشنطن، أبرزها التغير المناخي وإطلاق مفاوضات مع كوريا الشمالية لحل أزمة الأسلحة النووية.

الأزمة الكورية أبرز التحديات الخارجية

من المقرر أن يتقاعد 11 عضوا من أعضاء لجنة وضع السياسات بالحزب الشيوعي الخمسة وعشرين، إلى جانب خمسة من الأعضاء السبعة للجنة المركزية التابعة له، خلال العام الحالي؛ مما يجعل عددا كبيرا من المقاعد شاغرا. ومن المتوقّع أن يتم تعيين مسؤولين جدد يحلون محلّ القادة المغادرين خلال المؤتمر؛ ما سيعكس كذلك التوجه الجديد للحزب.
ومن المؤكد، أن يواجه الحزب سلسلة من الاختيارات الصعبة، وفق تقرير «ستارتفور». فعلى سبيل المثال، سيواجه قادة الصين معضلة بشأن مواصلة عملية الإصلاح الاجتماعي والاقتصادي الصعبة التي تباطأت خطاها مؤخراً، والضرورية لتحفيز النمو المستدام للاقتصاد وتقدمه. بالمثل، لن يكون تحقيق التوازن بين توسيع نطاق المصالح والنفوذ في الخارج، وبين تزايد المقاومة له، والمخاطر المرتبطة به بالأمر الهيّن، وفق التقرير نفسه.
أما على المستوى الدولي، فيبدو أن التحدي الأكبر لقوة تشي ومصداقيته داخليا وخارجيا يكمن في الأزمة الكورية الشمالية. ففي الوقت الذي دعمت الصين النظام الكوري المعزول دوليا على مر عقود، بدت وكأنها تعتمد خطا أكثر تشددا تجاهه عبر موافقتها على فرض عقوبات أممية هي الأقسى على الاقتصاد الكوري الشمالي، كما وجّهت مصارفها بتعليق التعامل مع الشركات الكورية الشمالية.
وشهدت علاقة تشي بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون توترا خلال الفترة الماضية؛ إذ استغل كيم جونغ أون استضافة الرئيس الصيني لقمتين دوليتين هذا العام، لتسليط الضوء على برنامج بلاده الصاروخي والنووي.
ففي وقت استعد تشي في مايو (أيار) للتحدث إلى قادة العالم الذين اجتمعوا في بكين عن مبادرته «حزام واحد طريق واحد»، وهو برنامج يتعلق بالتجارة والبنى التحتية تقوده الصين، أجرت بيونغ يانغ اختبارا ناجحا لصاروخ باليستي، كما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية.
ومن ثم في سبتمبر (أيلول)، أجرت الدولة المعزولة أقوى اختبار نووي في تاريخها، قبل ساعات فقط من اعتلاء تشي المنصة لإلقاء خطاب عن العالم النامي خلال قمة لدول «بريكس». واعتبر التوقيت بمثابة رسالة إلى تشي ومحاولة من كيم لدفع جاره الصيني إلى إقناع ترمب بالتفاوض، وفق الوكالة الفرنسية.
وفي حين سيرسّخ المؤتمر الشيوعي مكانة تشي بصفته أقوى زعيم يحكم الصين منذ عقود، إلا أن علاقته المعقّدة مع ترمب وفشل مساعيه لحل الأزمة الكورية الشمالية حتى الآن ستكون محط أنظار العالم.
ولم يلق اقتراح تشي لكوريا الشمالية بتعليق اختباراتها العسكرية مقابل وقف الولايات المتحدة تدريباتها مع حلفائها في المنطقة، أي تجاوب من الطرفين. وبعد توبيخها من ترمب لفشلها في كبح جماح كيم، طبّقت الصين عقوبات أممية أقسى بحق كوريا الشمالية، في حين بدأ الدفء يعود إلى علاقة تشي مع سيد البيت الأبيض.في غضون ذلك، توحي وسائل الإعلام الصينية، القريبة من الحزب الحاكم، وتصريحات بعض المسؤولين بأن القيادة الصينية تعدّ لاحتمال تصعيد الأزمة الحالية مع كوريا الشمالية، حتى أن بعضها تحدّث عن ضرورة الاستعداد لسيناريو اشتباكات حدودية. كما بدأ الأكاديميون الصينيون مناقشة مسألة «خطة الطوارئ» في حال اندلعت حرب عبر الحدود، وهي مسألة كان التطرق إليها في السابق يشكل خطا أحمر.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟