وليد آل إبراهيم يحصد جائزة «التألق في صناعة الإعلام» من «مؤسسة مي شدياق»

أهداها بدوره إلى «ضحايا الكلمة» وكل العاملين في المجموعة

الإعلامية مي شدياق برفقة المكرّمين («الشرق الأوسط»)
الإعلامية مي شدياق برفقة المكرّمين («الشرق الأوسط»)
TT

وليد آل إبراهيم يحصد جائزة «التألق في صناعة الإعلام» من «مؤسسة مي شدياق»

الإعلامية مي شدياق برفقة المكرّمين («الشرق الأوسط»)
الإعلامية مي شدياق برفقة المكرّمين («الشرق الأوسط»)

ضمن فعاليات الدورة السادسة لحفل جوائز «MCF Media Awards» من «مؤسسة مي شدياق» للإعلام الذي نُظّم في العاصمة اللبنانية بيروت، مُنح الشيخ وليد بن إبراهيم آل إبراهيم، رئيس مجلس إدارة «مجموعة MBC»، جائزة «التألق في صناعة الإعلام»، تسلّمها بالنيابة عنه مازن حايك المتحدِّث الرسمي باسم «مجموعة MBC».
تضاف هذه الجائزة إلى سجل آل إبراهيم المهني الحافل، الذي تجاوز الربع قرن، دمغت خلاله عطاءاته وإنجازاته قطاعاً حيوياً يُعدّ من أكثر القطاعات الاقتصادية والمعرِفية تغيّراً وتطوّراً وإبداعاً، ألا وهو قطاع الإعلام المرئي والمسموع.
وقد اعتذر آل إبراهيم، في كلمة مصوّرة وجّهها إلى الحفل الذي حضره حشد من الشخصيات العامة والخاصة والمُكرَّمين، عن عدم تمكّنه من الحضور شخصياً إلى بيروت لتسلّم الجائزة، وذلك بسبب ما وصفه بـ«الظروف المعروفة من الجميع». مضيفاً: «أتوجّه بالتحية لكم جميعاً، ضيوفاً ومُنظّمين، وبخالص الاحترام إلى الشخصيات المرموقة التي نالت جوائز «مؤسسة مي شدياق» مُنذ تأسيس هذا المحفل الكريم بجوائزه الاعتبارية القيّمة. كما توجّه بتحية إكبار وشكر إلى الإعلامية شدياق، قائلاً: «أودّ في هذه المناسبة أن أخصّ مي شدياق بالتحية والإكبار والشكر.. هي التي ضحّت بأغلى ما لديها من أجل رِفعة رسالتها الصحافية، ودفعت باهظاً ثمن الكلمة الحرّة ومواقفها العامة، مع غيرها من الصحافيين وقادة الرأي في لبنان».
وأهدى آل إبراهيم الجائزة إلى: «كل العاملين في المجموعة، خصوصاً ضحايا الكلمة الذين فقدناهم ونفتقدهم في MBC و«العربية» وخارجهما، ممّن قدموا حياتهم ثمناً لعملهم الإعلامي في مناطق الحروب والصراعات، من أجل «أن نعرفَ أكثر». وتوجه إلى أهل الصحافة والإعلام قائلاً بأنّ الصحافة مهنة المتاعب، والإعلام رسالة وصناعة وركن من أركان اقتصاد المعرفة، وهو أيضاً وجهة مستقبلية مُضيئة لملايين الشباب والشابات العرب من حولنا.
الجدير ذكره أن الدورة السادسة من جوائز «MCF Media Awards» من «مؤسسة مي شدياق» للإعلام توزّعت هذا العام على المكرَّمين التالية أسماؤهم: جائزة أنطوان شويري عن كامل المسيرة المهنية حازت عليها الفرنسية كريستين أوكرينت، أول امرأة تولّت تقديم نشرة أخبار الثامنة مساءً على التلفزيون الفرنسي ابتداءً من عام 1981. وذهبت جائزة «الالتزام الصحافي» لتكريم الصحافيين الذين التزموا بالقضايا الإنسانية وكرّسوا عطاءاتهم لخدمتها، للصحافية المخضرمة ومراسلة الحرب جانين دي جيوفاني. فيما منحت جائزة «الشجاعة الاستثنائية» لتكريم الصحافيين الذين برهنوا عن شجاعة كبيرة خلال أدائهم واجبهم الإعلامي، مقتحمين كل الأخطار ومذللين كل العوائق لنقل الحدث وإيصال الخبر إلى فريق عمل Native Voice Films، وهم فيل كوكس وجيوفانا ستوبيني وداود هاري. وحاز على جائزة «التألّق في صناعة الإعلام» الشيخ وليد بن إبراهيم آل إبراهيم، رئيس مجلس إدارة «مجموعة MBC» ممثلاّ بمازن حايك. أمّا جائزة «الأداء الإعلامي الاستثنائي» لتكريم الإعلاميين المتميّزين في قطاع المرئي والمسموع فقد نالها الإعلامي عمرو أديب.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)