صندوق «كلنا»... حفنة من لبنان بين يديك

يشكل لمسة حنان للمغتربين بعيداً عن وطنهم الأم

«صندوق كلنا» قطعة من لبنان بين يديك («الشرق الأوسط»)
«صندوق كلنا» قطعة من لبنان بين يديك («الشرق الأوسط»)
TT

صندوق «كلنا»... حفنة من لبنان بين يديك

«صندوق كلنا» قطعة من لبنان بين يديك («الشرق الأوسط»)
«صندوق كلنا» قطعة من لبنان بين يديك («الشرق الأوسط»)

إنّه يشكل دواءً من نوع آخر، إذ إن تركيبته التي تتألف من رموز وعطور وبهارات ومنتجات أرض لبنان، من شأنها أن تعالج حالة الحنين التي عادة ما يصاب بها الشباب اللبناني بعيداً عن وطن الأرز. فبعد أن لمس 3 شباب لبنانيين (يكملون دراستهم خارج لبنان)، أهمية وطنهم بالنسبة لهم، وعانوا من الاشتياق لخصوصيته ولدفئه وحتى لمطبخه، قرّروا إيجاد وسيلة تسمح للبنان بأن يزورهم في غربتهم ولو بشكل رمزي ومختصر، من خلال «صندوق كلنا».
فهذا الصندوق الذي سيصبح متداولاً بين عالمي الانتشار والمقيمين، يترجم بشكل مباشر هذه العلاقة الوطيدة التي تربط اللبنانيين ببلدهم الأم فيؤكّد مرة جديدة أنّه لا يمكنهم الاستغناء عنه مهما دار الزمن.
فإذا كنت تحن إلى فنجان قهوة لبناني، وإلى «كرعة» مياه من إبريق فخاري، أو إلى منقوشة صعتر بمكوناتها البلدية، أو إلى كمشة من تراب الأرز الذي تتمنى أن تزرع شتلة منه أمام باب دارك الأوروبية، فثق بأنّ «صندوق كلّنا» جمع كل هذه الأفكار وغيرها من التي تراودنا ونحن في بلاد الاغتراب داخل علبة كرتون تصلح لأن تشكل «قطعة من لبنان بين يديك».
وهذه الأفكار دفعت بماريال خياط وجوزيف صايغ وباسكال قماطي بأن يخضعوها إلى تجربة حسّية، عندما وضبوا «صندوق كلنا» بطبعته «الصفر»، واختاروا «القهوة» عنواناً له وعرضوه في أسبوع «أيام لبنانية» بباريس. وتفاجأوا بتهافت لبنانيين من مختلف الأعمار على شرائه.
«الفكرة تعود إلى ماريال التي تربطها علاقة حب وطيدة ببلدها لبنان تماماً مثلنا، فقررت من خلال هذا المشروع أن تستحدث قناة تواصل بين الشباب المنتشر ولبنان على أن تحمل الإيجابية وتسلط الضوء على وجه لبنان الجميل»، يقول جوزيف صايغ المسؤول اللوجيستي عن هذه المبادرة في حديث لـ«الشرق الأوسط»، ويضيف: «نعلم جيدا بأنّ هناك الملايين من اللبنانيين في عالم الانتشار الذين يشعرون بالشوق لوطنهم، ومع هذه المبادرة سنحاول أن نوحد شوقنا هذا وبالتالي شعورنا نحو لبنان، لا سيما أنّ الترويج لأعمالنا الحرفية ومنتجاتنا الوطنية تأتي في مقدمة أهدافنا لهذا المشروع تحت عنوان (صنع في لبنان). وقد اجتمعنا نحن الثلاثة حول هذه النقطة ووزعنا مهماتنا بحيث تسلّم كلّ منا إدارة قسم معين فيها، فأخذت ماريال على عاتقها الناحية الاستراتيجية للمشروع، فيما انكبت باسكال على ترويجه عبر وسائل التواصل الاجتماعي».
ومن المقرر أن يتم إصدار طبعة واحدة من هذا الصندوق مرة في الشهر، كما سيحمل في كل مرة أدوات وأغراضاً تمتّ مباشرة إلى لبنان من خلال موضوع واحد كـ«ترويقة لبنانية» و«مونة لبنانية» و«كتب لبنانية» و«أعمال حرفية» و«جبنة لبنانية» وغيرها. «لا نبغي الربح على قدر ما نرغب في نشر ثقافة توحيد اللبنانيين وتثبيت علاقتهم بلبنان» يقول صايغ الذي يدرس الهندسة في باريس. ويتابع: «نحن متحمسون جدّاً للفكرة التي خططنا لإطلاق حملتها الترويجية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، على أن لا يتجاوز سعر (صندوق كلنا) الـ30 أو 40 يورو».
ومن المتوقع أن يرافقها حملة تبرع يشارك فيها اللبنانيون عبر الصفحات الإلكترونية التابعة للمشروع (koullouna) وتصب في خانة التمويل الجماعي لمساندتها.
ولكن ألا تعتقدوا بأنّ منتجات لبنان أصبحت بمتناول الجميع اليوم في دول أوروبا وأميركا والشرق الأوسط، فكيف ستُحدِثون الفرق إذن؟ يردّ صايغ: «الفكرة ترتكز على وضع أغراض لا تتوفر بسهولة خارج لبنان في هذا الصندوق، وهي ستصل صاحبها من لبنان مباشرة، وأينما كان من دون مشقة البحث عنها هنا وهناك. وبالتالي فإنّ الهدف منها حثّ اللبناني على مدّ يد العون إلى بلده بأسلوب مغاير، خصوصاً أنّنا سنقتطع من سعر هذا الصندوق مبلغاً رمزياً لجمعيات خيرية لبنانية».
وعن سبب تسمية هذا الصندوق بـ«كلنا» أجاب: «أردناه اسماً بعيداً عن أسماء أخرى يتم التداول بها من خلال العلم اللبناني أو الأرزة وما شابهها. فكلمة (كلنا)، ترمز إلى الوحدة من ناحية وإلى مطلع نشيدنا الوطني (كلنا للوطن)، ولذلك تمسكنا به كاسم غير مستهلك».
ولكن ما المشكلات التي يواجهها الشبان الثلاثة في هذا الشأن يوضح جوزيف صايغ: «هي مجرد مشكلات لوجيستية إذ إننا نعمل على إيجاد سبل تسهل عملية استيرادنا المنتجات اللبنانية من نقاط صناعتها. فصحيح أنّ هذا النوع من الصناديق رائج في أوروبا وأميركا تحت عنوان (الصندوق المفاجأة)، ولكنّها تجري في دائرة واحدة، إلا أن عملية إدخال أطعمة ومنتجات أكل معينة من خارج تلك البلدان يلزمها تدابير قانونية في بلاد الغرب سنعمل جهدنا لتجاوزها وطبعاً بالسبل الشرعية».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».