«الهجرة غير الشرعية» و«التطرف الديني» يتصدران أجندة أفلام «مهرجان الإسكندرية»

بمشاركة 25 دولة عربية وأجنبية

 شعار الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان
شعار الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان
TT

«الهجرة غير الشرعية» و«التطرف الديني» يتصدران أجندة أفلام «مهرجان الإسكندرية»

 شعار الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان
شعار الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان

تحت شعار «السينما والهجرة غير الشرعية» تتواصل عروض الدورة الثالثة والثلاثين من «مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط»، الذي تقيمه الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما، برئاسة الناقد الأمير أباظة.
وتحمل دورة هذا العام اسم الفنان المصري حسين فهمي، تقديراً لمسيرته ومشواره السينمائي الذي امتد قرابة نصف قرن، وتعرض 80 فيلماً من 25 دولة، بمشاركة عدد كبير من نجوم وصناع السينما العرب والأجانب.
وطالَب الفنان حسين فهمي، بتكريم الفنان الراحل محمود عبد العزيز، وتسمية المهرجان باسمه هذا العام، وقال: «لم يسبق تكريمه من قبل، ولم تحمل أي دورة في أي مهرجان اسمه»، لافتا إلى أنه اختار فيلم «العار»، الذي شاركه في بطولته عبد العزيز، لعرضه بالمهرجان، نوعاً من التكريم والوفاء له.
ووعد الأمير أباظة، رئيس المهرجان، إطلاق اسم الفنان محمود عبد العزيز على الدورة المقبلة من المهرجان.
وكرم المهرجان المخرج الإسباني أوسكار إبيار، والمخرج التونسي فريد بوغدير، والمخرج الفلسطيني ميشيل خليفي، إضافة إلى المخرج خالد يوسف، والممثلة صفية العمري، ومدير التصوير عصام فريد، والناقدة نعمة الله حسين من مصر.
وبدأ مهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، قبل سنوات قليلة، تقليداً جديداً، بإطلاق اسم الفنانين المصريين على دوراته، وكان من بينهم نور الشريف ومحمود ياسين ويسرا. وتحلّ إسبانيا ضيف شرف الدورة الحالية من المهرجان.
ويصنف المهرجان بأنه مهرجان دولي سنوي، افتُتِح للمرة الأولى عام 1979، وترعاه وزارة الثقافة المصرية بالتعاون مع محافظة الإسكندرية.
من جهته، قال المخرج التونسي فريد بوغدير، أثناء تكريمه بالمهرجان: «أعتبر نفسي واحداً من أبناء يوسف شاهين»، مؤكداً أن تكريمه بالإسكندرية هو «(عودة الابن الضال)، وإذا سألوني: لماذا لا تذهب إلى (الإسكندرية نيويورك)، سأقول لهم: (الإسكندرية كمان وكمان)» (في إشارة إلى أسماء أفلام يوسف شاهين الشهيرة).
ورغم عرض الفيلم المصري «مولانا» في دور العرض السينمائية بمصر ولبنان قبل عدة شهور، وعرضه بمهرجانات دولية سابقة، أصرت إدارة مهرجان الإسكندرية على عرضه بالمهرجان، لإتاحة الفرصة للجمهور للاستمتاع بالفيلم، وفقاً لتصريحات مدير المهرجان، الناقد الأمير أباظة، وعُقِدت ندوة عقب عرض الفيلم أدارها الناقد سمير شحاتة، وقال الكاتب الصحافي إبراهيم عيسى، مؤلف فيلم «مولانا» خلال الندوة: «هذا الفيلم أول عمل يقدم البطل المعمم كإنسان وبشر»، موضحاً أن «الإيرادات بالنسبة له ليست معياراً وحيداً للنجاح، حيث لم تعد حجة (الجمهور عايز كده) قائمة حتى الآن». وأكد عيسى أن «مولانا» حقق إيرادات أكثر من أفلام محمد رمضان.
وأضاف عيسى خلال الندوة قائلاً: «إن شخصية بطل الفيلم (الشيخ حاتم) ستظل ملتصقة بالفنان عمرو سعد لسنوات طويلة»، وقدم له التحية على جرأته في تقديم هذه الشخصية.
وقال المخرج مجدي أحمد علي، مخرج فيلم «مولانا»: «عدتُ أخيراً من الولايات المتحدة الأميركية بعد عرض الفيلم على أعضاء (غولدن غلوب)، وأشادوا جدّاً بعمرو سعد، ووصفوه بأنه ممثل له مقاييس العالمية، ويلعب علي التفاصيل، حيث أحضر شيخ علمه طريقة المشايخ في قراءة القرآن والأحاديث».
وأضاف مجدي قائلاً: «تم منع الفيلم من العرض في جميع الدول العربية باستثناء لبنان حيث عرض بها بعد أن تم حذف 14 دقيقة منه، لذلك أنا فخور جدا بسماح الرقابة في مصر بعرض الفيلم، رغم حالة التعقيد الذي يمر به الوضع في مصر».
وقال الناقد نادر عدلي لـ«الشرق الأوسط»: «الدورة الحالية من المهرجان، تناقش قضايا مهمة يمر بها العالم العربي، مثل الهجرة غير الشرعية والتطرف الديني، وهى قضية خطيرة تفرض نفسها على العالم العربي الآن». وأضاف عدلي قائلاً: «يتميز مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط، بالحفاظ على طابعه الخاص بأفلام دول الإقليم الجغرافي للبحر المتوسط، حيث يشارك بالمهرجان نحو 60 فيلماً سينمائياً من دول البحر المتوسط، من أصل 80 فيلماً مشاركاً بالمهرجان».
وتابع عدلي قائلاً: «تتميز الدورة الحالية بالحضور الجماهيري الكبير، حيث اكتظت قاعات العرض بالجماهير العاشقة للسينما بالإضافة إلى ندوات مناقشة الأفلام التي تفتح الباب أمام الجمهور لمعرفة كواليس ومشكلات الأفلام، التي يشاهدونها للمرة الأولى وهذه نقطة تميز أخرى للمهرجان».
ولفت قائلاً: «يوجد عدد كبير من المهرجانات في مصر، لكن أغلبها يفتقد الحضور الجماهيري، لكنّ جماهير الإسكندرية تقبل على العروض بشكل منتظم». وأوضح عدلي قائلاً: «الدورة الحالية تتميز بالتنظيم الجيد وبدء العروض في موعدها دون تأخير، مع إلغاء الحفلات المسائية للوفود المشاركة في المهرجان، وهو تقليد مصري قديم، وهذا في رأيي شيء جيد لأن هذه الحفلات كانت تتعارض مع توقيت عروض الأفلام المسائية».
ينافس في مسابقة «الأفلام الطويلة» بالمهرجان عدد من الأفلام العربية والأجنبية مثل: فيلم «Dead Fish» (الأسماك الميتة تطفو) من دولة البوسنة إخراج كريستيجان ميلك، وفيلم «Ministry of Love» (وزارة الحب) من دولة كورواتيا إخراج بافو مارينكوفيتش، وفيلم «Boy on the Bridge» (صبى على الجسر)، من دولة قبرص إخراج بيتروس تشارالامبوس، وفيلم «Listen» (اسمعي)، من دولة لبنان إخراج فيليب أراكتينجي، وفيلم «Light in the dark» من دولة المغرب إخراج خولة بن عم، وفيلم «رجل وثلاثة أيام»، من دولة سوريا إخراج جود سعيد وفيلم «زهرة حلب» من دولة تونس إخراج رضا باهي، مع عدد آخر من الأفلام.
فعاليات مهرجان الإسكندرية لدول البحر المتوسط، شهدت أيضاً عرض ومناقشة الفيلم التونسي «أغسطينوس ابن دموعها»، وسط حضور جماهيري كبير، وهو العمل الحائز على دعم وزارتي الثقافة التونسية والجزائرية، وقال منتج الفيلم عماد دبور: «إن الفيلم يعد العمل الأول للإنتاج المشترك بين 4 دول عربية».
من جهته، قال مخرج الفيلم سمير سيف خلال الندوة: «عندما عُرض عليَّ الفيلم رحبتُ به، خصوصاً أن الفكرة تطرح مزيجاً بين قصتين، قديماً وحديثاً بطريقة شديدة الحرفية، وأكثر ما شجعني فكرة أن يكون هناك إنتاج عربي مشترك يتحدث عن مجموعة من الأديان بمنتهى المحبة، حتى نمحو من أذهان العالم أننا نصدِّر أفلاماً نتحدث من خلالها عن الإرهاب فقط».
يُشار إلى أن فيلم «أغسطينوس ابن دموعها»، بدأ عرضه بالجزائر وتونس، وينتظر صناعه التعاقد مع شركة توزيع مصرية لعرضه تجاريّاً بمصر.
الفيلم السوري «رجل وثلاثة أيام»، المشارك في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة ويلعب بطولته محمد الأحمد، وربا الحلبي، ولمى الحكيم، وعبد المنعم عمايري، وإخراج جود سعيد، تم عرضه لأول مرة بمهرجان الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط، ويتناول الفيلم الأزمة السورية من منظور إنساني، من خلال شخصية «مجد»، وهو مخرج يدعي الشهرة، وتتسم شخصيته بالأنانية، قبل أن تتحول للنقيض بعد استشهاد ابن خاله الضابط في الجيش السوري، حيث يتصل به خاله ليحضر جثة «بيرم» للضيعة التي يعيش بها، وعلى مدار ثلاثة أيام تفشل محاولات مجد لنقل الجثمان من دمشق للضيعة بسبب صعوبة الإجراءات، فيضطر إلى أن تبقى الجثة معه، وخلال هذه الأيام يتغير فكر وشخصية مجد للنقيض، حيث يعرض الفيلم فلسفة كيف يستطيع ميت أن يعيد الحياة لمن ماتوا وهم على قيد الحياة.
وقال محمد الأحمد، بطل الفيلم الذي سبق له التمثيل في مسلسل «غرابيب سود»، خلال الندوة التي أقيمت عقب عرض الفيلم: «إن الحرب السورية ليست حرباً بالرصاص والدم فقط، ولكنها نفسية أيضا، وتؤدي إلى اضطرابات في العلاقات الإنسانية، لذلك حاولنا أن نقدم قصة بسيطة بمضمون عميق لتوصيل رسالة معينة وتوثيق على شريط السينما».
قضية الهجرة غير الشرعية كانت حاضرة بقوة في الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان، لا سيما أن المهرجان قد اتخذ منها شعاراً له هذا العام، وأُقيمت على هامش فعاليات العروض السينمائية ندوة حول هذه القضية الشائكة التي تؤرق الكثير من الدول العربية والأوروبية، أدارتها الدكتورة رانيا يحيى، بحضور المخرج الفلسطيني فايق جرادة، والسيناريست المصري ناصر عبد الرحمن، إلى جانب حضور كثير من جمهور وفناني المهرجان.
وتحدث جرادة عن الفيلم الفلسطيني «مراكب الموت» الذي يُوثِّق ثلاثة تجارب لأشخاص اضطر أصحابها للهجرة قائلاً: «يتعرض كثير من المهاجرين لحالات إنسانية صعبة، عندما يتجهون إلى أوروبا وكأنها الجنة أو المدينة الفاضلة، ولكنها ليست كذلك».
وأضاف جرادة قائلاً: «إن تنظيم داعش أصلُه فكرة، وليس سلاحاً أو قوة، والسينما لها دور كبير في القضاء على هذا الفكر».
في غضون ذلك احتفى المهرجان أيضاً بمئوية ميلاد «فارس السينما المصرية»، الفنان أحمد مظهر، من خلال ندوة قدمها الناقد أشرف غريب، وفي بداية الندوة تم عرض فيلم تسجيلي عنه رصد جوانب حياته العسكرية والفنية الطويلة، وقال أشرف غريب في الندوة: «نحتفي بالفنان الكبير، ليس لأنه صاحب 98 فيلماً يُعدّ أغلبها من كلاسيكيات السينما المصرية والعربية فقط، بل لأنه أيضاً أحد الضباط الأحرار الذين شاركوا في الإعداد لثورة يوليو (تموز) 1952، وكان الضباط يجتمعون في بيته، بالإضافة إلى أنه كان بطلاً لرياضة الفروسية التي حقق فيها نجاحات كثيرة».
وطالب أشرف غريب بضرورة أن تتنبه جهات الدولة لذكرى ميلاده المئوية، وتعطيه حقه كفنان وطني شجاع»، ولفت قائلاً: «قبيل وفاته قامت وزارة الإسكان بتحطيم مزرعته بكل ما فيها من نباتات نادرة من أجل مشروع المحور».

*********** *************** *******************
*********** *************** *******************
*********** *************** *******************
*********** *************** *******************
*********** *************** *******************
الصور المصاحبة:
*********** *************** *******************

1- جانب من حفل افتتاح الدورة الثالثة والثلاثين من مهرجان «الإسكندرية السينمائي لدول البحر المتوسط»

2- الفنان حسين فهمي يلقي كلمة بمناسبة تكريمه وإطلاق اسمه على الدورة الحالية
3- شعار الدورة الثالثة والثلاثين من المهرجان


مقالات ذات صلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

يوميات الشرق «صيفي» فيلم سعودي مرشح لجائزة مسابقة مهرجان البحر الأحمر السينمائي للأفلام الطويلة

الفساد والابتزاز في «صيفي»... تحديات تقديم القضايا الحساسة على الشاشة

تعود أحداث فيلم «صيفي» الذي عُرض ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر السينمائي في دورته الرابعة، إلى فترة أواخر التسعينات.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق المخرج محمد سامي في جلسة حوارية خلال خامس أيام «البحر الأحمر» (غيتي)

محمد سامي: السينما تحتاج إلى إبهار بصري يُنافس التلفزيون

تعلَّم محمد سامي من الأخطاء وعمل بوعي على تطوير جميع عناصر الإنتاج، من الصورة إلى الكتابة، ما أسهم في تقديم تجربة درامية تلفزيونية قريبة من الشكل السينمائي.

أسماء الغابري (جدة)
يوميات الشرق ياسمين رئيس في مشهد من فيلم «الفستان الأبيض» (الشركة المنتجة)

لماذا لا تصمد «أفلام المهرجانات» المصرية في دور العرض؟

رغم تباين ردود الفعل النقدية حول عدد من الأفلام التي تشارك في المهرجانات السينمائية، التي تُعلي الجانب الفني على التجاري، فإن غالبيتها لا تصمد في دور العرض.

أحمد عدلي (القاهرة )
يوميات الشرق الفنانة الأردنية ركين سعد (الشرق الأوسط)

الفنانة الأردنية ركين سعد: السينما السعودية تكشف عن مواهب واعدة

أكدت الفنانة الأردنية ركين سعد أن سيناريو فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو»، الذي عُرض بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، استحوذ عليها بمجرد قراءته.

انتصار دردير (جدة )
يوميات الشرق إيني إيدو ترى أنّ السينما توحّد الشعوب (البحر الأحمر)

نجمة «نوليوود» إيني إيدو لـ«الشرق الأوسط»: السينما توحّدنا وفخورة بالانفتاح السعودي

إيني إيدو التي تستعدّ حالياً لتصوير فيلمها الجديد مع طاقم نيجيري بالكامل، تبدو متفائلة حيال مستقبل السينما في بلادها، وهي صناعة تكاد تبلغ الأعوام الـ40.

إيمان الخطاف (جدة)

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».