نجمات «إنستغرام» في غزة يسعين لإظهار الجانب المشرق للحياة في القطاع

السكان أكثر تمسكاً باستخدام التواصل الاجتماعي لإسماع أصواتهم للعالم

TT

نجمات «إنستغرام» في غزة يسعين لإظهار الجانب المشرق للحياة في القطاع

تحتاج فاطمة وخلود إلى تصاريح إسرائيلية أو مصرية لمغادرة غزة الفقير والمحاصر، لكن الصور التي تقومان بنشرها على تطبيق «إنستغرام» تستطيع التواصل مع العالم الخارجي لإظهار «وجه جميل» للقطاع.
ولدى كل من فاطمة وخلود أكثر من مائة ألف متابع على حسابيهما على تطبيق «إنستغرام» اللذين تسعيان عبرهما لإظهار صورة مختلفة للغاية عما يسمع به أو يفكر فيه الكثيرون عن غزة. وهما تقولان إنهما أصبحتا معروفتين إلى درجة أن الناس يتعرفون عليهما مرارا لدى تنقلهما في غزة.
وترى خلود نصار (26 عاما) التي غطت رأسها بوشاح وردي، أن «إنستغرام نافذة على العالم».
وتتفق فاطمة أبو مصبح (21 عاما) معها قائلة: «عندما أفتح الإنترنت، فإنني أتحدث مع ناس من كل أنحاء العالم».
وأوضحت وكالة الصحافة الفرنسية أن السيدتين لم تغادرا منذ أكثر من عشر سنوات القطاع الفقير والمحاصر الذي يقيم فيه أكثر من مليوني فلسطيني وشهد ثلاث حروب مدمرة بين العامين 2008 و2014 بين الجيش الإسرائيلي والفصائل الفلسطينية، بينما يعتمد أكثر من ثلثي سكانه على المساعدات الإنسانية.
ويعاني القطاع من حصار إسرائيلي خانق ونسبة بطالة عالية وندرة الكهرباء والماء ووضع اقتصادي صعب.
وعبر «إنستغرام»، تحاول كل من فاطمة وخلود التركيز على الصور بدلا من الجدالات السياسية لإظهار واقع مختلف.
وتقول خلود لوكالة الصحافة الفرنسية في مقهى قرب ساحل مدينة غزة: «الحرب جزء من غزة، ولكنها ليست كل غزة. أردت أن أظهر أن هناك المزيد في غزة، كأي دولة في العالم».
وتضيف: «في الولايات المتحدة على سبيل المثال، هناك فقر ومنازل مدمرة، ولكن في الوقت ذاته هناك أماكن جميلة. الأمر مشابه في غزة».
وتتابع: «عبر هذه الصور، أرغب في أن يرى الناس غزة وكيف يعيش الناس فيها ويأكلون ويعملون».
وتتعلق الصور التي تنشرها خلود على حسابها بموسم الحصاد أو أطفال يمرحون ويلعبون بألوان زاهية، بينما تحاول أبو مصبح إظهار كافة جوانب الحياة اليومية في القطاع. وتنشر السيدتان أيضا صورا لهما بابتسامات واسعة عبر حسابيهما.
وترى فاطمة أن الهدف من هذه الصور هو «تغيير صورة غزة» بعيدا عن الأوضاع السياسية. وتضيف أن «إظهار الوجه الجميل (لغزة) هو أهم شيء. بعيدا عن الدمار والحصار والحروب».
وحذرت الأمم المتحدة مؤخرا من أن القطاع قد يكون أصبح بالفعل «مكانا غير صالح للعيش». ويحصل الغزيون يوميا على الكهرباء لساعات قليلة لكن تبقى وسائل التواصل الاجتماعي ذات شعبية كبيرة.
ويقدر رئيس نادي وسائل التواصل الاجتماعي الفلسطيني علي بخيت أن نحو خمسين في المائة من سكان غزة لديهم حساب على موقع «فيسبوك» إلا أن عدد مستخدمي «تويتر» وإنستغرام يبقى أقل بكثير.
ويقول بخيت أنه بعد أكثر من عشر سنوات على الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع، أصبح الغزيون أكثر تمسكا باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي «للتعبير عن أنفسنا وإسماع صوتنا» للعالم.
وبدأت نصار بنشر الصور عبر «إنستغرام» في 2014 قبل اندلاع حرب مدمرة مع إسرائيل استمرت خمسين يوما. وقد استخدمت حسابها لتوثيق الخسائر البشرية.
وعلى مدار السنوات الثلاث الماضية، سعت للتركيز على معاناة أهل غزة في ظروفهم الصعبة، ثم أطلقت وسما (هاشتاغ) بعنوان #محاولات_جادة_للعيش، سعيا لأن تظهر محاولات سكان القطاع لترتيب حياتهم بعد الحرب المدمرة.
وتنشر خلود صورها دائما مرفقة بلعبة صغيرة هي سيارة «فولكسفاغن» حمراء اللون تحملها دائما في حقيبة يدها وأصبحت علامة خاصة بها تساعدها على التواصل مع الآخرين.
ويقوم أشخاص من كافة أنحاء العالم العربي الآن بإرسال صور لخلود لسيارات حقيقية، وتقوم بنشرها على حسابها.
وبالنسبة لفاطمة أبو مصبح، فإن حسابها على «إنستغرام» يعد مصدرا للدخل أيضا، إذ إنها تحصل شهريا على مبلغ يتراوح بين 300 و400 دولار أميركي عبر التسويق الإلكتروني ونشر إعلانات على حسابها.
ويعاني ستون في المائة من الشبان من البطالة في قطاع غزة، حيث يبلغ متوسط الدخل نحو مائتي دولار شهريا.
وقال شيلدون هيملفارب، الرئيس التنفيذي لشركة «بيس تيك» ومقرها الولايات المتحدة التي أجرت أبحاثا حول تأثير وسائل الإعلام الاجتماعي على الوعي السياسي، إن هذه الوسائل بإمكانها أن تساعد في ردم الهوة بين الناس في كافة أنحاء العالم.
لكنه حذر من أن الباحثين ما زالوا يحاولون تقييم إن كانت الطبيعة الانتقائية لما يتم نشره عبر الإنترنت تساعد أو حتى تعرقل الحصول على صورة واضحة لما يحدث. وأضاف: «أعتقد أن محادثاتي مع طلاب الجامعات تكشف أنهم يبدون أكثر وعيا من أهاليهم بشأن أماكن في العالم، لكن لا أعرف إن كانت معلوماتهم أكثر دقة».
وتلتقط خلود وفاطمة الكثير من الصور قبل اختيار واحدة لنشرها ومشاركتها مع العالم على «إنستغرام» الذي يعرض صورة انتقائية للحياة.
لكن كغيرهما من المستخدمين، فإنهما تواجهان مشكلة المتصيدين عبر الإنترنت (ترولز) ممن ينشرون التعليقات السلبية على الصور.
وتؤكد فاطمة مصباح أنها تقوم يوميا بحظر عدد يتراوح بين خمسة أشخاص وعشرين شخصا عن حسابها على إنستغرام بسبب التعليقات غير اللائقة.
وتقول ساخرة: «ربما أخذت صورة مع شخص ما، سيقولون إن الصورة فاضحة لأنني كنت مع رجل. ولهذا أحظر الكثيرين».
وبالنسبة لخلود نصار، فقد تعرضت للمضايقات أيضا في الشارع. وعندما التقطت صورا في بيت لاهيا إحدى أكثر المناطق المحافظة والمتمسكة بالتقاليد، بدأت نساء بالصراخ عليها.
وتقول: «هناك أشخاص هنا يقومون بانتقادي قائلين، أنت تخرجين (من المنزل) وتقومين بالتقاط الصور، يجب أن تبقي في المنزل وتقومي بالطهي».
وتضيف: «ربما ينتقدونني أكثر لأنني أرتدي الحجاب».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».