نيكولا غيسكيير يعيد كتابة التاريخ في دار «لويس فويتون»

بينما أتحفتنا دار «سان لوران» بأجمل عرض قدمته منذ عدة مواسم في اليوم الأول من الأسبوع الباريسي، ألقيت مهمة اختتامه على عاتق دار «لويس فويتون». ويا لها من نهاية كانت نوتتها عالية أذابت تعب أسبوع طويل في عشرين دقيقة. والأهم من هذا ذكرتنا لماذا تستحق الموضة العناء والجهد وسفر ما بين نيويورك ولندن وميلانو قبل نهاية المحطة في باريس.
ما أكدته دار «لويس فويتون» هذا الأسبوع أنها لا تعرف أو تعترف بالحلول الوسطى. لم يكن عرضها لربيع وصيف 2018 الذي كان مسك ختام أسبوع طويل هو الوحيد الذي يؤكد هذه الحقيقة، فقبله بيوم واحد افتتحت أكبر محل لها في باريس بالقرب من ساحة «فاندوم». أقامت له حفلا ضخما حضرته شخصيات مهمة ونجوم من عيار كايت بلانشيت وويل سميث وغيرهما. المحل الذي استغرق العمل فيه أربع سنوات تقريبا من تصميم المهندس المعروف بيتر مارينو، الذي نجح في أن يضخه ببصماته الفنية المعروفة، إلا أنه أيضا لخص فيه تاريخ الدار الذي بدأ من العنوان نفسه منذ أكثر من قرن. كانت البداية بسيطة تعتمد على بيع المنتجات الجلدية وتحديدا صناديق وحقائب السفر، وأصبحت اليوم تشمل المجوهرات الرفيعة والساعات المعقدة والأزياء والإكسسوارات التي تدغدغ أحلام الأسواق العالمية قبل الفرنسية.
مصممها الفني نيكولا غيسكيير له فضل كبير في جعل الأزياء بأهمية الإكسسوارات. فمنذ موسمين تقريبا وهو يُبدع تصاميم لا يُعلى عليها من ناحيتي التفصيل والابتكار على حد سواء. هذا الموسم تفوق على نفسه. فقد عاد إلى الماضي لكي ينسج منه خيوط الحاضر والمستقبل، والنتيجة كانت لوحة فنية معاصرة.
شرح أن زيارة لمتحف المتروبوليتان بنيويورك جعلته يقف مشدوها أمام جمال مجموعة من الملابس تعود إلى القرن الـ18. علقت الصورة بمخيلته ولم يستطع أن يتخلص منها. عاد إلى باريس وبدأ في ترجمة جمال هذه الملابس في تصاميم عصرية تجسدت في مجموعة من المعاطف المطرزة تتميز بتفصيل رجالي وكانت نجمة العرض بلا منازع. ما يُحسب لغيسكيير أنه لم يعتمد فيها على جمال الماضي وحده بل تعمد تفكيكه حتى يخلصه من رائحة الماضي العتيق. نسقه مثلا مع أحذية رياضية وأدخل عليه أقمشة جديدة مثل الجيرسيه الياباني والحرير المطاطي، إلى جانب الحرير التقليدي والموسلين والقليل من الكتان. كان لا بد من بعض النعومة لكي يخفف من غلواء التفصيل والتطريزات ويجعلها تتكلم لغة الشارع، بل وترقص على إيقاعاته الشبابية.
أقيم العرض في «بافيليون دو لوغلوج» الذي شيد في القرن الـ11 أسفل متحف اللوفر. كان المكان مهيبا بخلفيته وماضيه السحيق، لكن المصمم أضاف كراسي بتصاميم حداثية ليربط الماضي بالحاضر. فهذه كانت تيمة عرض زاوج فيه بين تصاميم تستحضر ملابس الطبقات الأرستقراطية في القرن الثامن عشر بتطريزاتها السخية وتفصيلها الرجالي وبين قطع ناعمة تعبق بروح رياضية عصرية. كان مهما بالنسبة له أن يكون الإيقاع شبابيا بجرأته وألوانه. والنتيجة أن التاريخ اكتسى حلة جديدة تماما كشفت عن قوة كانت كامنة بداخل نيكولا غيسكيير أيقظتها زيارته لمتحف المتروبوليتان بنيويورك. ولا يختلف اثنان أن الأمر كان مفاجأة لذيذة للكل. فالمصمم يصوب أنظاره عادة إلى المستقبل ليخيط لنا منه تصاميم للحاضر. هذه المرة قام بعملية عكسية. فقد عاد إلى الماضي البعيد ليصوغ منه أزياء مناسبة للجيل الصاعد مع رشة رومانسية خفيفة. والنتيجة كانت «خبطة فنية وفكرية» تراقصت فيها الورود والتطريزات مع الجلود والتنورات القصيرة والفساتين المنسدلة. نعم لأنه، إلى جانب التفصيل المستوحى من الأزياء الرجالية، قدم مجموعة يمكن أن تدخل مناسبات المساء والسهرة، مثل فستان باللون الأسود يشبه قفطانا أو عباءة عصرية، وآخر باللون الأبيض مطرز بالفضي، إضافة إلى فساتين أخرى محددة على الجسم. زواج الماضي والحاضر ظهرا أيضا في قمصان من الموسلين بأكمام واسعة وياقات عالية تستحضر العهد الإليزابيثي. وحتى يخفف من التأثيرات التاريخية عليها نسقها مع «شورتات» وتنورات قصيرة وطبعا أحذية رياضية.