خمس صور نموذجية للإنسان في عصر النهضة الغربي

خمس صور نموذجية للإنسان في عصر النهضة الغربي
TT

خمس صور نموذجية للإنسان في عصر النهضة الغربي

خمس صور نموذجية للإنسان في عصر النهضة الغربي

كتاب «النهضة الغربية... الحدث والإبدالات»، سلسلة «شرفات»، العدد (75)، منشورات الزمن بالمغرب، لصاحبه الدكتور محمد الشيكر، وهو مؤلَّف صغير في حجمه غني في مضامينه، يجعلك تقوم بسياحة شاملة حول عصر النهضة الغربي؛ إذ تمكن الكاتب فيه من جمع عصارة مجموعة من الدراسات حول الموضوع، وبرؤى مختلفة، مثل: موقف جول ميشلي، ويعقوب بوركارت، وإرنست كاسيرر، وإرفين بانوفسكي، وألكسندر كويري، وميشال فوكو... فما الخطاطة المثالية إذن لعصر النهضة في القرن الخامس عشر والسادس عشر التي يمكن تجميعها من ثنايا الكتاب؟
يعلن الدكتور الشيكر أن القراءات المقدمة لعصر النهضة لا تخلو أحياناً من نظرة احتفائية احتفالية إلى حد الأسطرة، وهو ما يتبين مثلاً عند جول ميشلي ويعقوب بوركارت، فهما معاً شددا على أن النهضة كانت قطيعة مع العصر الوسيط وعتبة للعصر الحديث، حيث شهدت أعظم منجز، وهو اكتشاف ملمح الذاتية عند الإنسان، فالفرد استطاع أن يضع نفسه في موضع استقلال بطولي تجاه العالم، وتجاه سطوة الإكليروس، وتجاه اشتراطات الوعي الجمعي... هذه الفردانية كانت تمهيداً وقنطرة للزمن الحديث في القرن السابع عشر، فالذات لم تعد مختزلة في الجماعة، مسحوقة داخل إطاراتها الثقافية، بل تعدت ذلك لتصبح متفردة متميزة. فالنهضة ولادة جديدة، وارتياد جغرافيات قصية، وفتح لمجاهيل المعرفة، وتعميق لإنسية الإنسان وسموه، وإخراج له من قبضة الكنيسة؛ إنها احتفاء بالإنسان كذات لا مثيل لها، غير قابلة للانشطار والامتهان، أو ممارسة الوصاية عليها من طرف الغير، إنها تعلنه مركزاً وغاية في ذاته.
وهذه القراءة يراها الكاتب مسرفة في المثالية، مضخمة لفكرة القطع مع العصور الوسطى، مؤكداً على أن هناك مجموعة من الدراسات التي تؤكد عكس ذلك، فعصر النهضة لم يكن ذهبياً استثنائياً كله ألق، بل كان عصراً قلقاً، يكتنفه الغموض وعدم الاستقرار وذيوع الريبة والشكوك، مشحوناً بالمفارقات والتناقضات والمخاوف والارتكاسات والحروب الدينية والتعسف والتسلط ومحاكم التفتيش، فملمح النهضة لم يكن على الدوام بهيجاً، بل تراجيدياً سوداوياً مبعثراً. وفي الحقيقة، يعد الأمر طبيعياً، ما دام أن اللحظة انتقالية، وخروج من أفق ذهني (برادايم) قروسطي، قوامه الثبات، والتناهي إلى أفق مختلف، أساسه اللاثبات واللاتناهي. وعموماً، يمكن من خلال الكتاب رسم ملامح لنموذج الإنسان المتميز في عصر النهضة في خمس صور، وهي كالآتي:
1 - صورة الملاح المغامر: الذي يجوب البحار راسماً خرائط جديدة، مكتشفاً عوالم ما كانت في الحسبان. وهنا طبعاً يعد كريستوف كولمبوس النموذج الممتاز لذلك، فهو حينما وطأت أقدامه أرض أميركا عام 1492، كانت الانطلاقة نحو إعادة اكتشاف العالم في انفتاحه وتراميه وغناه ومقدراته، وأيضاً إعادة اكتشاف الإنسان في غيريته واختلافه الأنثروبولوجي الهائل، فطباع وسلوك الهنود في أميركا درس غني في المقارنة وإعادة النظر إلى الذات الأوروبية.
إن الاكتشافات الجغرافية الجسورة التي قام بها الملاح المغامر، سواء الاكتشاف المرجعي الذي قام به كولمبوس أو الجولة حول العالم من طرف ماجلان عام 1516 أو اكتشاف كندا من طرف جاك كارتيي عام 1535، قد فتحت أعين إنسان عصر النهضة في أوروبا على إشكاليات وطموحات ما كانت معهودة. وهنا، نذكر عبارة ميشال دو مونتين (1533 - 1592): «لقد بدأ عالمنا في اكتشاف عالم آخر»، وهو يقصد طبعاً أن العالم المأنوس المعهود المحدود الموروث عن القرون الوسطى قد بدأ يتهاوى لصالح الانفتاح واللاتناهي، في الجغرافيا والبشر معاً.
2 - صورة المصلح الديني: الذي أحدث الرجة الثيولوجية، وجعل قضية الإيمان شخصية لا علاقة لها بقوى الكنيسة الجاثمة على قلوب المؤمنين، خصوصاً بعد ظهور ترجمات للنص المقدس من اللغة اللاتينية إلى اللغات القومية المتداولة، وهو ما ساعد على إيقاف احتكار رجال الدين، ليتمكن كل فرد من اقتحام النص الديني مباشرة دون وساطة، والحصول على تأويلات بحسب الفهم والقدرات. وهنا طبعاً يفرض مارتن لوثر (1483 - 1546) نفسه كنموذج للمصلح الديني، فقد سعى إلى خلق حيوية دينية متميزة، تجعل من الدين شأناً ذاتياً بلا وساطة بين الله والفرد، وتشجع على الحياة النشطة المكدة على الحياة التأملية التي كان يحتفى بها في العصر الوسيط. لقد أعلن لوثر أن البابا لا يحتكر أية سلطة إلهية، فهو ملزم بالخضوع مثله مثل بقية المسيحيين لتعاليم الكتاب المقدس، فهو الخلاص والفيصل الأول والأخير، والكل سواسية أمامه، ناهيك بأنه هاجم فكرة صكوك الغفران، وبدعة استحالة خبز القربان وخمره إلى جسد المسيح. باختصار، حاول لوثر، ومن بعده كالفن (1509 - 1564) وسائر البروتستانتيين، باعتبارهم حركة احتجاجية، فك الارتباط بين عالم الكنيسة وعالم الإيمان، ليجعلوا من المؤمن أسقف نفسه.
3 - صورة العالم الهادم للنظرة القديمة للطبيعة: إنه شخص جعل الأرض تدور، ومجرد حصاة سماوية صغيرة مهملة كبقية الكواكب الأخرى؛ لقد نقلنا من العالم المغلق إلى العالم اللامحدود، وهو ما سبب لنا جرحاً عميقاً ضرب نرجسيتنا في الصميم، فلم نعد نحن في أحسن الكواكب، ناهيك بأننا نوجد في كون هو من الشساعة بما يتجاوز احتياجاتنا، وهو ما يعني أنه ليس مسخراً لنا كلياً، كما اعتقد الأقدمون.
إضافة إلى أن هذا الاكتشاف المزلزل سيدخل البشرية في أزمة إدراك حسي مزلزلة، فالعالم لم يعد كما عهدناه وحواسنا تنقل لنا العالم مزيفاً. وهنا طبعاً نستحضر الفلكي كوبيرنيكوس (1478 - 1543)، بكتابه «في دوران الأجرام السماوية».
4 - صورة الفيلسوف المعول على الذات: إنه المتمثل في ظهور حركة إنسية، جعلت من الذات مرجعاً للحقائق والقيم، وقوة صانعة للعالم كاشفة لمغاليقه، فالإنسان أصبح ينظر إليه بوصفه «أنية» متفردة في مقابل العالم الذي هو موضوع أمام الذات، أو لنقل باختصار: لقد أصبح العالم مجرد تمثل للذات.
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن اكتشاف الطباعة عام 1450، مع غوتنبرغ، سيساهم في نشر كتب الإنسيين، كبترارك وبوكاتشي ودولا ميراندول وغيوم بودي وهنري استيان وإراسموس، على نطاق واسع، وهو ما كان دعامة أساسية في تحريك عجلة النهضة، أي تصالح الإنسان مع ذاته بوصفه كياناً مستقلاً يعول على إمكاناته، ومع العالم باعتباره الفردوس الأرضي البهيج، ومع التاريخ باعتباره صيرورة زمنية لتحقيق أحلام الإنسان وطموحاته وآماله، وهو ما يفسر لنا انتشار اليوطوبيات في هذا العصر. وهنا نذكر جورج مور، بوصفه أحد أهم من كتب عن المدن الفاضلة الأرضية.
5 - صورة الفنان المستقل: إنه ذلك الذي قام بخلق رجة استطيقية تجاوزت الجماليات القديمة (القوطية والبيزنطية)، بل أصبح حريصاً على توقيع أعماله، إنه المتفنن في صناعة بورتريهه الشخصي. فالفنان في عصر النهضة لم يعد محكوماً باشتراطات الكنيسة وإملاءاتها، ولم يعد ينضبط لوظيفة دينية متعالية، مما جعل الفن يهتم بالطبيعة على حساب ما وراء الطبيعة، وينغمس في العالم المادي بدل الرؤية القيامية التي طبعت الفن في العصور الوسطى. باختصار، لم يعد الفنان نكرة مسحوقاً في خدمة الكنيسة، بل هو مبدع بشكل شخصي. وهنا نذكر على سبيل المثال الشهير ليوناردو دافنشي (1452 - 1519).


مقالات ذات صلة

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

ثقافة وفنون «أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

«أمومة مُتعددة» في مواجهة المؤسسة الذكورية

في كتابها «رحِم العالم... أمومة عابرة للحدود» تزيح الكاتبة والناقدة المصرية الدكتورة شيرين أبو النجا المُسلمات المُرتبطة بخطاب الأمومة والمتن الثقافي الراسخ

منى أبو النصر (القاهرة)
تكنولوجيا شركات الذكاء الاصطناعي تتفق مع دور النشر بما يتيح لهذه الشركات استخدام الأعمال المنشورة لتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي التوليدي (رويترز)

شركات الذكاء الاصطناعي التوليدي تلجأ إلى الكتب لتطوّر برامجها

مع ازدياد احتياجات الذكاء الاصطناعي التوليدي، بدأت أوساط قطاع النشر هي الأخرى في التفاوض مع المنصات التي توفر هذه التقنية سعياً إلى حماية حقوق المؤلفين.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق كاميلا ملكة بريطانيا تحصل على الدكتوراه الفخرية في الأدب بحضور الأميرة آن (رويترز)

قدمتها لها الأميرة آن... الملكة كاميلا تحصل على دكتوراه فخرية في الأدب

حصلت الملكة البريطانية كاميلا، زوجة الملك تشارلز، على الدكتوراه الفخرية؛ تقديراً لـ«مهمتها الشخصية» في تعزيز محو الأمية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
كتب سوزان بلاكمور وابنتها أميلي تروسيانكو  أثناء حفل توقيع كتاب "الوعي: مقدمة"

الشبحُ في الآلة

شغل موضوع أصل الأشياء The Origin مكانة مركزية في التفكير البشري منذ أن عرف البشر قيمة التفلسف والتفكّر في الكينونة الوجودية.

لطفية الدليمي
كتب سيمون سكاما

قصة اليهود... من وادي النيل حتى النفي من إسبانيا

يروي الكاتب البريطاني اليهودي «سيمون سكاما»، في كتابه «قصة اليهود»، تفاصيل حياة اليهود ابتداءً من استقرارهم في منطقة الألفنتين

سولافة الماغوط (لندن)

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو
TT

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

«عشبة ومطر»... سيرة سنوات المحو

في روايتها «عشبة ومطر» دار «العين» للنشر بالقاهرة - تختار الكاتبة الإماراتية وداد خليفة الثقافة العربية سؤالاً مركزياً حائراً بين واقع مشوّش ومستقبل مجهول، حيث تبدو اللغة والتاريخ وكأنهما ينازعان أنفاسهما الأخيرة للصمود داخل قِلاعها العربية نفسها.

وتعتمد الروائية على تقنية الأصوات المتعددة لتعميق صراعات أبطالها مع عالمهم الخارجي، حيث تتشارك كل من بطلة الرواية «عشبة» وابنها «مطر» في نزعة تراثية جمالية يتفاعلان من خلالها مع دوائرهما التي يبدو أنها تتنصّل من تلك النزعة في مقابل الانسحاق في مدّ «الثقافة العالمية» المُعلبّة، ولغة التواصل «الرقمية»، فتبدو بطلة الرواية التي تنتمي إلى دولة الإمارات وكأنها تُنازِع منذ أول مشاهد الرواية من أجل التواصل مع محيطها الأسري بأجياله المتعاقبة، حيث تُقاوم النزعة «السائدة» في ذلك المجتمع العربي الذي بات أفراده يتحدثون الإنجليزية داخل بيوتهم، ولا سيما أجيال الأحفاد وسط «لوثة من التعالي»، «فهؤلاء الأبناء لا يعرفون من العربية سوى أسمائهم التي يلفظونها بشكل ركيك»، في حين تبدو محاولات «عشبة» استدراك تلك التحوّلات التي طرأت على المجتمع الإماراتي أقرب لمحاربة طواحين الهواء، فتأتيها الردود من محيطها العائلي مُثبِطة؛ على شاكلة: «لا تكبّري المواضيع!».

صناديق مفتوحة

يتسلل هذا الصوت النقدي عبر شِعاب الرواية، فتبدو «عشبة» مهمومة بتوثيق العلاقة مع الماضي بذاكرته الجمعية التي تتقاطع مع سيرتها الشخصية منذ تخرجها في معهد المعلمات بإمارة الشارقة وحتى تقاعدها، لتعيد تذكّر تفاعل جيلها مع كبريات التغيّرات السياسية سواء المحلية، وعلى رأسها المخاض الطويل لاتحاد الإمارات العربية المتحدة، وحتى سياقات الحروب والنكبات العربية منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، وصولاً لمجازر «صبرا وشاتيلا» الدامية في لبنان 1982 والنزف الفلسطيني المُستمر، في محطات تجترها البطلة بعودتها إلى قصاصات الأخبار التي ظلّت تجمعها وتحتفظ بها من مجلات وصحف عربية لتؤرشفها وتُراكمها عبر السنوات داخل صناديق، ليصبح فعل تقليبها في هذا الأرشيف بمثابة مواجهة شاقّة مع الماضي، بينما تبدو الصناديق والقصاصات الورقية مُعادلاً للحفظ الإلكتروني والملفات الرقمية التي قد تتفوق في آلياتها وبياناتها، وإن كانت تفتقر إلى حميمية الذكرى، وملمس المُتعلقات الشخصية التي تنكأ لديها جراح الفقد مع كل صندوق تقوم بفتحه: «أعدت غطاء الصندوق الذي يحتاج مني إلى جرأة أكبر لنبشه، ففي الصندوق ثوب فلسطيني طرَّزته أمٌ ثكلى من بئر السبع... أم صديقتي سميرة أخت الشهيد، ودفتر قصائد نازقة دوّنته صديقتي مها من غزة... صورٌ لزميلاتي بالعمل من جنين ونابلس ورام الله... رسائل من صديقتي ابتسام المقدسية... ومن حيفا مفارش مطرزة من صديقة العائلة أم رمزي».

بالتوازي مع تنقّل السرد من حكايات صندوق إلى آخر، يتصاعد الصراع الدرامي لبطل الرواية «مطر» الخبير في تقييم التُحف، الذي يقوده شغفه بمجال «الأنتيك» والآثار القديمة لتتبع مساراتها في مزادات أوروبية تقترب به من عالم عصابات مافيا القطع الأثرية، كما تقوده إلى الاقتراب من حكايات أصحاب القطع الأثرية التي تُباع بالملايين في صالات الأثرياء، كحكاية «مرآة دمشقية» ظلّ صاحبها يتتبعها حتى وصلت لقاعة مزادات «كريستيز» حاملاً معه ذكرى حكاية جدته وأسرته وتشريدهم، وتصنيعهم تلك المرآة بأُبهتها الزخرفية والفنية في غضون ظروف تاريخية استثنائية خلال فترة سيطرة الحكم العثماني في دمشق.

نهب ممنهج

تبدو الرواية التي تقع في 350 صفحة، وكأنها تمنح حضوراً سردياً للقطع الأثرية المفقودة، والمنهوبة، بصفتها شواهد تاريخية تتعقب «تُجار الممتلكات الثقافية»، ودور المزادات، وأمناء المتاحف، وسط متاهات تزوير الوثائق الخاصة بالقِطع وشهادات المنشأ، وتهريب القطع من بلادها، ولا سيما بعد الربيع العربي والحروب الأهلية التي أعقبته، لتفتح ساحات السرقة الممنهجة للآثار في المواقع الأثرية العربية، كما في تونس ومصر وسوريا والعراق، في حين تبدو قصص القطع المفقودة أُحجيات تتبعها الرواية وتحيكها بخيوط نوستالجية تمدّها الكاتبة على امتداد السرد.

تعتني لغة الرواية بالوصف الدقيق للتفاصيل الجمالية التي تبدو في صراع متواتر مع تيار محو أعنف، كقطع السجاد الأصيل وأنواله التقليدية، والزخارف الغرناطية العتيقة على الأسطح، في مقابل ثقافة «الماركات» الاستهلاكية التي تُميّع الذوق العام، والحروف اللاتينية التي تُناظر الحروف العربية وتُغيّبها في لغة الحياة اليومية.

وقد حازت رواية «عشبة ومطر» أخيراً جائزة «العويس للإبداع»، ومن أجواء الرواية نقرأ:

«كنتُ قصيراً، أقفز كي تلمس أطراف أصابعي مطرقة الباب، وبعد أن كبرت قليلاً، وأصبحت أمسكها بيدي، استوقفني شكلها الذي صُنع على هيئة يد بشرية، ثم أدركت أن هناك مطرقتين فوق بعضهما، تعجبت، وسألت أمي عن السبب فقالت: (كانت لدروازتنا مطرقة واحدة، لكن والدك أبهرته فنون بغداد، فجلب منها مطرقتين، مثبتاً المطرقة الأكبر في الأعلى للرجال والمطرقة الأصغر أسفل منها للنساء، ليختصر بذلك السؤال عن هُوية الطارق، فكنا نُميّز الطارق رجلاً أم امرأة من صوت المطرقة)... بِتُ أنصت للطَرق، كنت أعرف طرقات أمي الثلاث، وتعرف أمي طرقاتي المتسارعة، كان هناك طَرقٌ مُبشر، وطرقٌ يخلع القلب، طرق هامس مُدلل، وطرق يُشبه كركرة الأطفال».