فلتان أمني واجتماعي في لبنان يفاقم العنف... ومائة جريمة قتل منذ بداية العام

TT

فلتان أمني واجتماعي في لبنان يفاقم العنف... ومائة جريمة قتل منذ بداية العام

لا يكاد يمر يوم في لبنان في الفترة الأخيرة من دون تسجيل حوادث أمنية مختلفة لا سيما جرائم القتل، كان آخرها الإعلان أمس عن العثور على فتى يبلغ 15 عاما من العمر مقتولا بطلق ناري في البقاع الغربي وعلى جثة رجل آخر في سيارة في منطقة انطلياس، شمال بيروت. وكان سبقهما يوم أول من أمس الإعلان عن العثور على جثة عنصر في قوى الأمن الداخلي مصابة بطلق ناري داخل غرفة الحرس في وزارة الخارجية في بيروت.
قد لا تشير الأرقام التي توثقها جهات معنية إلى ارتفاع نسبة الجرائم مقارنة مع السنوات الماضية، لكن النظر إلى طبيعة هذه الأفعال يظهر بشاعة الأساليب المعتمدة في تنفيذها خاصة أن عددا منها يسجّل في أوساط العائلة الواحدة والأقرباء، كما تكشف عدم صحة ربط هذه الجرائم باللجوء السوري، التي بات البعض يتمسك بها كحجة للمطالبة بترحيل السوريين، كما حصل أخيرا في بلدة مزيارة الشمالية عند قيام ناطور من الجنسية السورية بقتل فتاة لبنانية، وأدى إلى مطالبة اللاجئين بمغادرة البلدة.
بحسب إحصاءات صادرة من قوى الأمن الداخلي، سجّل في عام 2014 نحو 315 جريمة قتل لتنخفض في عام 2015 إلى 233 حالة وإلى 149 في عام 2016، في حين يقدّر عدد جرائم العام الحالي لغاية اليوم بأكثر من مائة جريمة.
أسباب عدة تقف خلف هذه الظاهرة، بحسب مصادر مطلعة. وأضافت أنها تصب جميعها في خانة الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية التي يشكل السلاح المتفلت الوسيلة الأساسية لتفجيرها عبر القتل. وقال الباحث في «الشركة الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، والدكتورة في علم النفس الاجتماعي منى فياض التي تربط ارتفاع نسبة العنف بارتفاع الكثافة السكانية وطبيعة الحياة الضاغطة في لبنان في السنوات الأخيرة.
وأشار شمس الدين لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الأرقام لا تظهر ارتفاعا في عدد جرائم القتل لكن بشاعة الأساليب المتبعة تعكس مدى التفلت الاجتماعي وانهيار العلاقات العائلية في المجتمع اللبناني، ويربط بين هذه الجرائم والأوضاع المادية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون وارتفاع نسبة البطالة في غياب أي أفق للحل. وأضاف: «من حيث العدد تتقارب الجرائم التي سجّلت العام الماضي مع الفترة نفسها في هذا العام، بحيث كانت عام 2016 نحو 90 جريمة بينما اليوم يقدر عددها بمائة جريمة»، مشيرا إلى غياب الإحصاءات الدقيقة حول جنسية الفاعلين، بحيث يتم تصنيفها فقط بين عربي وأجنبي.
مع العلم أنه وفي مؤشر الجريمة العالمي لعام 2016 كان لبنان قد احتل المرتبة 39 عالمياً، والسابعة من أصل 117 بلداً، ما أدى إلى تصنيفها ضمن الدول التي يسجل فيها معدل الجريمة معتدلا.
وفي حين ربطت فياض بين ظروف الحياة التي يعيشها اللبنانيون واللاجئون السوريون على حد سواء، وبين ارتفاع وتيرة العنف ترجّح غياب بعض الدقة في إحصاء الجرائم التي باتت شبه يومية في لبنان، والتي قد لا تتضح أسبابها أو حتى لا يعلن عنها في أحيان كثيرة. وأوضحت لـ«الشرق الأوسط» توجيه أصابع الاتهام إلى اللاجئين السوريين بشكل أساسي في هذه الجرائم غير منطقي، وذلك انطلاقا من عوامل عدة، أهمّها أن ارتفاع الكثافة السكانية، كما في الضواحي الفقيرة، ينعكس بشكل طبيعي ارتفاعا بمستوى الجريمة، خاصة إذا كان هؤلاء يعيشون في أوضاع إنسانية صعبة، وهو الأمر الذي ينسحب كذلك على اللبنانيين الذين يعانون في بلدهم من انهيار ومشكلات اجتماعية واقتصادية كبيرة وانسداد الأفق مع ارتفاع نسبة البطالة وانتشار الفساد في وقت لا يزال فيه الحد الأدنى للأجور كما هو من سنوات، وبالتالي كل هذه العوامل مجتمعة تزيد حكما من وتيرة العنف على اختلاف أشكاله الذي قد يصل إلى القتل في أوساط اللبنانيين واللاجئين من أي بلد أتوا وإلى أي بلد ذهبوا إذا كانوا يعيشون في هذه الظروف.
ويلعب السلاح المتفلت دورا أساسيا في سهولة ارتكاب هذه الجرائم، بحسب شمس الدين وفياض، خاصة في بلد تتوزع فيه عشرات آلاف رخص حمل السلاح عدا عن أولئك الذي يمتلكونه من دون أي رخصة، وهو الأمر الذي يثبت إمكانية الحصول عليه من دون حسيب أو رقيب، كذلك هناك السلاح الذي يحمله العناصر الأمنية والذي يقدر عدده بـ120 ألفا، وكان له دور أيضا في أحيان كثيرة في ارتكاب الجرائم.



بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
TT

بيانات أممية: غرق 500 مهاجر أفريقي إلى اليمن خلال عام

رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)
رغم المخاطر وسوء المعاملة يواصل المهاجرون التدفق إلى الأراضي اليمنية (الأمم المتحدة)

على الرغم من ابتلاع مياه البحر نحو 500 مهاجر من القرن الأفريقي باتجاه السواحل اليمنية، أظهرت بيانات أممية حديثة وصول آلاف المهاجرين شهرياً، غير آبهين لما يتعرضون له من مخاطر في البحر أو استغلال وسوء معاملة عند وصولهم.

ووسط دعوات أممية لزيادة تمويل رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي، أفادت بيانات المنظمة الدولية بأن ضحايا الهجرة غير الشرعية بلغوا أكثر من 500 شخص لقوا حتفهم في رحلات الموت بين سواحل جيبوتي والسواحل اليمنية خلال العام الحالي، حيث يعد اليمن نقطة عبور رئيسية لمهاجري دول القرن الأفريقي، خاصة من إثيوبيا والصومال، الذين يسعون غالباً إلى الانتقال إلى دول الخليج.

وذكرت منظمة الهجرة الدولية أنها ساعدت ما يقرب من 5 آلاف مهاجر عالق في اليمن على العودة إلى بلدانهم في القرن الأفريقي منذ بداية العام الحالي، وقالت إن 462 مهاجراً لقوا حتفهم أو فُقدوا خلال رحلتهم بين اليمن وجيبوتي، كما تم توثيق 90 حالة وفاة أخرى للمهاجرين على الطريق الشرقي في سواحل محافظة شبوة منذ بداية العام، وأكدت أن حالات كثيرة قد تظل مفقودة وغير موثقة.

المهاجرون الأفارقة عرضة للإساءة والاستغلال والعنف القائم على النوع الاجتماعي (الأمم المتحدة)

ورأت المنظمة في عودة 4.800 مهاجر تقطعت بهم السبل في اليمن فرصة لتوفير بداية جديدة لإعادة بناء حياتهم بعد تحمل ظروف صعبة للغاية. وبينت أنها استأجرت لهذا الغرض 30 رحلة طيران ضمن برنامج العودة الإنسانية الطوعية، بما في ذلك رحلة واحدة في 5 ديسمبر (كانون الأول) الحالي من عدن، والتي نقلت 175 مهاجراً إلى إثيوبيا.

العودة الطوعية

مع تأكيد منظمة الهجرة الدولية أنها تعمل على توسيع نطاق برنامج العودة الإنسانية الطوعية من اليمن، مما يوفر للمهاجرين العالقين مساراً آمناً وكريماً للعودة إلى ديارهم، ذكرت أن أكثر من 6.300 مهاجر من القرن الأفريقي وصلوا إلى اليمن خلال أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وهو ما يشير إلى استمرار تدفق المهاجرين رغم تلك التحديات بغرض الوصول إلى دول الخليج.

وأوضح رئيس بعثة منظمة الهجرة في اليمن، عبد الستار إيسوييف، أن المهاجرين يعانون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية والمأوى الآمن. وقال إنه ومع الطلب المتزايد على خدمات العودة الإنسانية، فإن المنظمة بحاجة ماسة إلى التمويل لضمان استمرار هذه العمليات الأساسية دون انقطاع، وتوفير مسار آمن للمهاجرين الذين تقطعت بهم السبل في جميع أنحاء البلاد.

توقف رحلات العودة الطوعية من اليمن إلى القرن الأفريقي بسبب نقص التمويل (الأمم المتحدة)

ووفق مدير الهجرة الدولية، يعاني المهاجرون من الحرمان الشديد، مع محدودية الوصول إلى الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى الآمن. ويضطر الكثيرون منهم إلى العيش في مأوى مؤقت، أو النوم في الطرقات، واللجوء إلى التسول من أجل البقاء على قيد الحياة.

ونبه المسؤول الأممي إلى أن هذا الضعف الشديد يجعلهم عرضة للإساءة، والاستغلال، والعنف القائم على النوع الاجتماعي. وقال إن الرحلة إلى اليمن تشكل مخاطر إضافية، حيث يقع العديد من المهاجرين ضحية للمهربين الذين يقطعون لهم وعوداً برحلة آمنة، ولكنهم غالباً ما يعرضونهم لمخاطر جسيمة. وتستمر هذه المخاطر حتى بالنسبة لأولئك الذين يحاولون مغادرة اليمن.

دعم إضافي

ذكر المسؤول في منظمة الهجرة الدولية أنه ومع اقتراب العام من نهايته، فإن المنظمة تنادي بالحصول على تمويل إضافي عاجل لدعم برنامج العودة الإنسانية الطوعية للمهاجرين في اليمن.

وقال إنه دون هذا الدعم، سيستمر آلاف المهاجرين بالعيش في ضائقة شديدة مع خيارات محدودة للعودة الآمنة، مؤكداً أن التعاون بشكل أكبر من جانب المجتمع الدولي والسلطات ضروري للاستمرار في تنفيذ هذه التدخلات المنقذة للحياة، ومنع المزيد من الخسائر في الأرواح.

الظروف البائسة تدفع بالمهاجرين الأفارقة إلى المغامرة برحلات بحرية خطرة (الأمم المتحدة)

ويقدم برنامج العودة الإنسانية الطوعية، التابع للمنظمة الدولية للهجرة، الدعم الأساسي من خلال نقاط الاستجابة للمهاجرين ومرافق الرعاية المجتمعية، والفرق المتنقلة التي تعمل على طول طرق الهجرة الرئيسية للوصول إلى أولئك في المناطق النائية وشحيحة الخدمات.

وتتراوح الخدمات بين الرعاية الصحية وتوزيع الأغذية إلى تقديم المأوى للفئات الأكثر ضعفاً، وحقائب النظافة الأساسية، والمساعدة المتخصصة في الحماية، وإجراء الإحالات إلى المنظمات الشريكة عند الحاجة.

وعلى الرغم من هذه الجهود فإن منظمة الهجرة الدولية تؤكد أنه لا تزال هناك فجوات كبيرة في الخدمات، في ظل قلة الجهات الفاعلة القادرة على الاستجابة لحجم الاحتياجات.