مهرجان مالمو ينتصر للسينما العربية

الفيلم التونسي «على كف عفريت» ضربة بداية قوية للدورة السابعة

أبطال فيلم «على كف عفريت» في مهرجان «كان»
أبطال فيلم «على كف عفريت» في مهرجان «كان»
TT

مهرجان مالمو ينتصر للسينما العربية

أبطال فيلم «على كف عفريت» في مهرجان «كان»
أبطال فيلم «على كف عفريت» في مهرجان «كان»

السينما عابرة للحدود والثقافات، وفي وقت نرى فيه أن من يحمل الجنسية العربية يُنظر إليه الآن بعين حذرة وربما متوجسة، باتت المهرجانات التي تُقدم في العالم وترفع شعار السينما العربية تلعب دورا محوريا في تغيير تلك الصورة النمطية وغير الحقيقية على الإطلاق.
مهرجان (مالمو) بالسويد في حقيقة الأمر يؤدي هذا الدور بكفاءة، ومحمد قبلاوي رئيس المهرجان يضع دائما مبدأ التنوع وتلاقح الأفكار بين الشرق والغرب على قائمة أهدافه. هكذا تجد تنوعا عربيا في لجان التحكيم وفي المنتديات واللقاءات والتظاهرات والأفلام. وأراه محقا في أن يبدأ افتتاح تلك الدورة التي تحمل رقم 7 بفيلم «على كف عفريت» للتونسية كوثر بن هنية والذي عرض في مهرجان كان الأخير ضمن أفلام قسم «نظرة ما».
يجب أن نملك رؤية محايدة ونحن نُقيم تواجدنا العربي في المهرجانات الدولية الكبرى حيث باتت لغة الضاد مظلومة دوما في أغلب المهرجانات الكبرى. قضايانا دائما حاضرة على الشاشات، هذه حقيقة، لو حللت رقميا ما الذي يشغل العالم في القطاع الأكبر لاكتشفت أننا نُشكل النسبة الأكبر، إلا أن قضايانا تُصنع في الأغلب، بعيون وفكر غربي يُطل على المشهد بعين مختلفة، ليست بالضرورة ظالمة ولكنها أيضا غير ملمة بكل التفاصيل، مثلما نرى قضية اللاجئين تُسيطر على قسط وافر من الأفلام في العالم وتحتل الصدارة في المهرجانات، فهي الأهم حاليا، لأنها تؤرق الضمير العالمي وأغلب اللائحيين هم حاليا من العرب وتحديدا السوريين، والسويد مثلا باتت مقصدا للعشرات منهم.
وتبقى لنا قضايانا الشائكة، الخاصة، مثل العلاقة بين الشعب وجهاز الشرطة، حيث يُنظر دائما إلى هذا الجهاز في عالمنا العربي، باعتباره يدا للنظام، السينما العربية تحديدا تتعامل بحذر مع هذا الجهاز والسينما المصرية بالمناسبة لديها في هذا الشأن عشرات من المحاذير، وربما لا يتمكن السينمائي من تحقيق مشروعه، لأن الرقابة تُدرك خطورة أن تثير حساسيات على هذا النحو، خاصة بعد ثورة 25 يناير والتي اختارت تحديدا يوم عيد الشرطة لإعلان بداية الثورة.
ولكن يجب أن أذكر أيضا أن السينمائي في تونس لديه من المؤكد مساحة أكبر والدليل أن الفيلم وجد طريقه إلى (كان) و(مالمو) وغيرهما من المهرجانات، كما أنه سيمثل تونس في مهرجان قرطاج، والأهم من كل ذلك هو أن الفيلم مدعوم إنتاجيا من المركز السينمائي التونسي التابع لوزارة الثقافة، وسوف يعرض جماهيريا في منتصف الشهر القادم بتونس من دون حذف لقطة واحدة.
المخرجة التونسية كوثر بن هنية التقطت صورة واقعية من حادث اغتصاب هز تونس وكان حديث المجتمع الدولي وخاصة فرنسا وليس فقط التونسي قبل نحو عامين عندما اغتصب ثلاثة من رجال الشرطة فتاة تونسية، الأهم أن الفتاة رفضت الصمت فتكلم عنها العالم، ونبتت فكرة التوثيق على شريط سينمائي.
سقوط القانون الذي كان يسمح للمغتصب بأن يتزوج الضحية في أكثر من دولة عربية ومنها قطعا تونس أصبح يعني أن المجرم لا مجال أمامه للهروب من العقاب على تلك الجريمة البشعة.
للمخرجة التونسية كوثر بن هنية بصمة خاصة، شاهدت لها من قبل فيلميها الرائعين «شلاط تونس» و«زينب تكره الثلج»، لها رؤية ناضجة بها دائما ملمح توثيقي لا يمكن إغفاله. في تونس وافقت الدولة على عرض الفيلم كاملا، ولم تطلب من أجل إحداث توازن درامي تقديم وجه إيجابي للصورة، إلا أن الواقع بالفعل أفرز عن شرطي شجاع وبرتبة أقل ممن التقتهم البطلة التي أدت دور الضحية مريم (وهو بالمناسبة اسمها الحقيقي)، عندما أبدى تعاطفا معها ورفض وضع «الكلبشات» الحديدية في معصمها، إلا بإذن النيابة كما يقضي القانون، فعادت مع نهاية أحداث الفيلم إلى بيتها.
وكان هذا الحادث تم توثيقه في كتاب فرنسي، ومريم الحقيقية تعيش الآن في فرنسا، وخطورة الفيلم التونسي أنه يفضح الجناة المنوط بهم حماية الأعراض وهم ينهشون عرض الفتاة.
من الممكن أن تجد تنويعات عديدة خاصة في عالمنا العربي على تجاوزات لجهاز الشرطة وفي العادة يتم التعتيم عليها، إلا أن حادث الاغتصاب كان من المستحيل أن يتم محوه أو نفيه لسبب بسيط جدا أن الفتاة رفضت أن تصمت برغم التهديدات. حاولت في البداية أن تذهب للمستشفى حيث رفض الأطباء أن يثبتوا حادث الاغتصاب متعللين بأنه يجب أن يتوفر أولا محضر من الشرطة ولهذا تذهب مريم للشرطة التي ترفض توجيه الاتهام.
حرص السيناريو الذي وضعته المخرجة أن يمنحنا بين الحين والآخر في بنائه الدرامي والفني إحساس التعامل مع الوثيقة من خلال تقسيمه الفيلم لعدة وقائع زمنية، وكأنك تقرأ صفحات كتاب، الشرطة حاولت بكل وسائل التعذيب البدني واللفظي الممكنة وغير الممكنة أن ترغمها على الصمت. حاولوا مقايضتها على عدم نشر شريط الاغتصاب مقابل التنازل عن المحضر أو تزوير أقوالها لكنها أصرت أن تروي الحقيقة. اختيار اسم «على كف عفريت» بما يحمله المعنى أن المخاطر قائمة وستواجهها الضحية. حتى أن إحدى الشرطيات لم تبد تجاهها أي تعاطف لأن لديها أوامر عليا بإغلاق المحضر، بل إنها في النهاية وصفتها بالعاهرة... لا أدري بالطبع حجم الحقيقة وحدود الخيال في الوقائع كما رأيتها سينمائيا، الفيلم دراميا يقف فقط عند الليلة التي شهدت الجريمة، إلا أن القضاء في تونس انتهى إلى إدانة المغتصبين بأحكام قاسية ومستحقة طبعا.
حرصت المخرجة على أن تقدم أغلب لقطاتها قريبة ومتوسطة حتى تنقل أحاسيس ومشاعر الممثلة، كما أنها في السيناريو أكدت على الانتقال بين أكثر من قسم شرطة حتى تُثبت أن الفساد متفشٍ في هذا الجهاز الحيوي، ووصلت بالفعل الرسالة، ولأن المجتمع التونسي بناؤه الثقافي قوي فلقد استوعب تماما أن الفيلم يفضح الفساد، ولكنه لا يريد هدم جهاز أمني لأن هذا في النهاية يهدم المجتمع.
الفيلم يتنافس مع العديد من الأفلام الأخرى داخل المسابقة مثل «اشتباك» و«أخضر يابس» و«علي معزة وإبراهيم» و«محبس» و«طريق مريم» و«البحث عن السلطة المفقودة» و«غدوة حي» و«الرجال فقط عند الدفن». كما يقدم المهرجان قسم «ليالي عربية» ومن الأفلام المعروضة فيه «حرام الجسد» و«الأصليين» و«الماء والخضرة والوجه الحسن».


مقالات ذات صلة

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

سينما  مندوب الليل (آسيا وورلد فيلم فيستيڤال)

«مندوب الليل» لعلي الكلثمي يفوز في لوس أنجليس

في حين ينشغل الوسط السينمائي بـ«مهرجان القاهرة» وما قدّمه وما نتج عنه من جوائز أو أثمر عنه من نتائج وملاحظات خرج مهرجان «آسيا وورلد فيلم فيستيڤال» بمفاجأة رائعة

محمد رُضا‬ (القاهرة)
سينما دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة.

محمد رُضا (لندن)
يوميات الشرق الفنان المصري أحمد زكي قدم أدواراً متنوعة (أرشيفية)

مصر تقترب من عرض مقتنيات أحمد زكي

أعلن وزير الثقافة المصري الدكتور أحمد فؤاد هنو عن عرض مقتنيات الفنان المصري الراحل أحمد زكي، ضمن سيناريو العرض الخاص بمركز ثروت ‏عكاشة لتوثيق التراث.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
يوميات الشرق وصيفات العروس يبتهجن في حفل زفافها بالفيلم (القاهرة السينمائي)

«دخل الربيع يضحك»... 4 قصص ممتلئة بالحزن لبطلات مغمورات

أثار فيلم «دخل الربيع يضحك» الذي يُمثل مصر في المسابقة الدولية بمهرجان «القاهرة السينمائي» في دورته الـ45 ردوداً واسعة.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق جانب من مهرجان «القاهرة السينمائي» (رويترز)

أفلام فلسطينية ولبنانية عن الأحداث وخارجها

حسناً فعل «مهرجان القاهرة» بإلقاء الضوء على الموضوع الفلسطيني في هذه الدورة وعلى خلفية ما يدور.

محمد رُضا (القاهرة)

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».