المغرب: عودة الجدل في شأن الفصل بين السياسي والدعوي في حزب إسلامي

بعد انتقادات وجهتها حركة «التوحيد والإصلاح» إلى «العدالة والتنمية»

TT

المغرب: عودة الجدل في شأن الفصل بين السياسي والدعوي في حزب إسلامي

أثار بيان أصدرته حركة «التوحيد والإصلاح»، الذراع الدعوية لحزب «العدالة والتنمية»، جدلاً واسعاً في المغرب بعدما وجهت الحركة من خلاله انتقادات إلى قيادات الحزب المنتمين إلى صفوفها، بل وأظهرت أن لديها سلطة تخوّلها معاقبتهم، وهو ما أعاد النقاش في البلاد حول حقيقة الفصل بين الدعوي والسياسي الذي طالما شدد عليه الحزب والحركة معاً.
وقالت الحركة في بيانها الذي أصدرته عقب اجتماع مكتبها التنفيذي، نهاية الأسبوع الماضي، إن الاجتماع تطرق إلى العمل السياسي لأعضاء الحركة، حيث أثار متدخلون «بعض الوقائع والمؤشرات السلبية والمقلقة في هذا المجال، سواء ممن هم في قيادة حزب العدالة والتنمية، أو على مستوى بعض الأعضاء هنا وهناك»، في إشارة إلى الخلافات التي اندلعت بين قياديي الحزب المنتمي إلى التيار الإسلامي بعد إعفاء عبد الإله ابن كيران الأمين العام للحزب من منصب رئيس الحكومة، وتعيين سعد الدين العثماني خلفاً له. وأسفر ذلك عن ظهور تيارين داخل الحزب؛ أحدهما موالٍ لابن كيران ويؤيد استمراره في قيادة «العدالة والتنمية» لولاية ثالثة، وتيار آخر يعارض ذلك.
ورداً على ما ينشر في الصحف من تبادل للاتهامات بين التيارين، أوصت الحركة أعضاءها بأن «يلتزموا بمتطلبات السلوك الأخلاقي الرفيع في كل أعمالهم وأقوالهم، وألا يفرطوا في شيء من هذا الجانب الأساس في عمل الحركة والانتماء إليها».
وبينما أكدت الحركة «امتناعها التام والشامل عن أي تدخل أو توجيه سياسي أو تنظيمي في مواقف أعضاء الحركة المنخرطين في أي عمل أو منصب سياسي»، فإنها شددت في المقابل على أنها «لن تتساهل ولن تتغاضى عما قد يظهر من اختلالات خلقية وتربوية وسلوكية»، منوّهة «بما عليه عامة أعضاء الحركة من إخلاص وتجرد ونزاهة ونكران ذات، في أعمالهم ومسؤولياتهم السياسية»، وهو ما فُسّر بأنه تدخل في شؤون الحزب.
وقال عضو المجلس الوطني لـ«العدالة والتنمية» بلال التليدي لـ«الشرق الأوسط»، إن بيان الحركة تحدث عن بعض الاختلالات التربوية التي رصدتها بين أعضائها المنتمين إلى حزب «العدالة والتنمية» والتي تتنافى مع «طبيعة المنهج الذي تشرّبه أبناء الحركة الإسلامية مثل القذف أو ترويج الاتهامات من غير دليل أو الكولسة»، مشدداً على أن الأمر لا يتعلق باختلالات ذات طبيعة سياسية أو تباين في قراءة اللحظة السياسية الدقيقة التي يمر فيها الحزب.
وأوضح التليدي أن الحركة «أكدت المسافة التي تفصلها عن الحزب وأنها لا تتدخل في توجهاته السياسية ولا في قراراته أو اختياراته لكونه إطاراً مستقلاً يتخذ ما تراه هيئاته القيادية، وهو أمر إيجابي جداً يؤكد طبيعة التمايز الذي ما فتئت الحركة تؤكده». وتابع أن النقطة الوحيدة التي جرت قراءتها بشكل سلبي هي تحذير أعضاء الحركة المنتمين إلى «العدالة والتنمية» من التورط في سلوكيات معيّنة وأنها «تملك محاسبتهم»، مشيراً إلى أنه كان من الممكن أن تكتفي الحركة بما يُظهر قلقها في شأن تلك الاختلالات وأن تبقى في حدود التوجيه والترشيد، مقرّاً بأن حديثها عن إمكانية محاسبة أولئك الأعضاء أعطى «إيحاءات لم يكن مرغوباً فيها، وشوّشت على ما سبق وأن أكدته بأنها لا تتدخل في شؤون الحزب». ودعا التليدي إلى عدم تحميل البيان أكثر مما يحتمل، وقال إنه «لا يمكن أن يُقرأ بأي حال من الأحوال على أنه تدخل في شؤون الحزب»، بل مجرد «هفوات على مستوى التعبير لا تدفع إلى القول إن للحركة سلطة على الحزب أو إنها مختلفة في التقدير السياسي مع بعض قياداته». وزاد قائلاً إن «كل المؤشرات تفيد بأن الحركة بعيدة كل البعد عما يجري داخل الحزب، وحتى لو أرادت أن تتدخل فإن قدرتها على الحسم محدودة جداً».
من جهته، قال مصدر في «العدالة والتنمية» لـ«الشرق الأوسط» إن بيان الحركة موجّه لأعضاء في الأمانة العامة للحزب ممن يسرّبون للصحافة ما دار في اجتماعاتها بغرض الإساءة إلى خصومهم داخل الحزب، موضحاً أن هناك «منطقة تشابك صعبة بين الحركة والحزب فعندما تسمح الحركة لنفسها بأن تتدخل في شؤون شخص يمارس عمله في إطار سياسي وتصبح لها سلطة عليه في مجال ليس مجالها، فهذا الأمر يؤدي إلى الالتباس ويطرح إشكالاً»، على حد قوله.
وقال عبد الرحيم الشيخي، رئيس حركة «التوحيد والإصلاح»، في تصريح أمس، إنه كان يتوقع أن يثير البيان جدلاً، مشدداً على أنه مجرد توجيه وتنبيه موجّه لأعضاء الحركة يحثهم على الابتعاد عن تدبير الخلاف بطريقة غير أخلاقية وغير تربوية ولا يعني تدخلاً في شؤون الحزب.


مقالات ذات صلة

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يوميات الشرق جانب من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في نسخته الأولى (واس)

بينالي الفنون الإسلامية في جدة... حوار المقدس والمعاصر

يجري العمل على قدم وساق لتقديم النسخة الثانية من بينالي الفنون الإسلامية بجدة في 25 من يناير القادم، ما الذي يتم إعداده للزائر؟

عبير مشخص (لندن)
ثقافة وفنون المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة الدكتور سالم بن محمد المالك (صورة من الموقع الرسمي للإيسيسكو)

«الإيسيسكو» تؤكد أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي

أكد المدير العام لمنظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، الدكتور سالم بن محمد المالك، أن المخطوطات شاهدٌ حيٌّ على أصالة العالم الإسلامي.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
أوروبا رئيس حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي فريدريش ميرتس يتحدث خلال اجتماع ترشيح الحزب في أوسنابروك ودائرة ميتيلمس في ألاندو بالهاوس (د.ب.أ)

زعيم المعارضة الألمانية يؤيد تدريب أئمة المساجد في ألمانيا

أعرب زعيم المعارضة الألمانية فريدريش ميرتس عن اعتقاده بأن تدريب الأئمة في «الكليةالإسلامية بألمانيا» أمر معقول.

«الشرق الأوسط» (أوسنابروك (ألمانيا))
المشرق العربي الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬ في خطبة الجمعة بأكبر جوامع مدينة دار السلام التنزانية

أمين رابطة العالم الإسلامي يزور تنزانيا

ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، فضيلة الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى‬، خطبةَ الجمعة ضمن زيارة لتنزانيا.

«الشرق الأوسط» (دار السلام)
شمال افريقيا شيخ الأزهر خلال كلمته في الاحتفالية التي نظمتها «جامعة العلوم الإسلامية الماليزية» (مشيخة الأزهر)

شيخ الأزهر: مأساة فلسطين «جريمة إبادة جماعية» تجاوزت بشاعتها كل الحدود

لفت شيخ الأزهر إلى أن «ظاهرة جرأة البعض على التكفير والتفسيق وما تسوغه من استباحة للنفوس والأعراض والأموال، هي ظاهرة كفيلة بهدم المجتمع الإسلامي».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
TT

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)
فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

بموازاة استمرار الجماعة الحوثية في تصعيد هجماتها على إسرائيل، واستهداف الملاحة في البحر الأحمر، وتراجع قدرات المواني؛ نتيجة الردِّ على تلك الهجمات، أظهرت بيانات حديثة وزَّعتها الأمم المتحدة تراجعَ مستوى الدخل الرئيسي لثُلثَي اليمنيين خلال الشهر الأخير من عام 2024 مقارنة بالشهر الذي سبقه، لكن هذا الانخفاض كان شديداً في مناطق سيطرة الجماعة المدعومة من إيران.

ووفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فقد واجهت العمالة المؤقتة خارج المزارع تحديات؛ بسبب طقس الشتاء البارد، ونتيجة لذلك، أفاد 65 في المائة من الأسر التي شملها الاستطلاع بانخفاض في دخلها الرئيسي مقارنة بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي والفترة نفسها من العام الماضي، وأكد أن هذا الانخفاض كان شديداً بشكل غير متناسب في مناطق الحوثيين.

وطبقاً لهذه البيانات، فإن انعدام الأمن الغذائي لم يتغيَّر في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية، بينما انخفض بشكل طفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين؛ نتيجة استئناف توزيع المساعدات الغذائية هناك.

الوضع الإنساني في مناطق الحوثيين لا يزال مزرياً (الأمم المتحدة)

وأظهرت مؤشرات نتائج انعدام الأمن الغذائي هناك انخفاضاً طفيفاً في صنعاء مقارنة بالشهر السابق، وعلى وجه التحديد، انخفض الاستهلاك غير الكافي للغذاء من 46.9 في المائة في نوفمبر إلى 43 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

وضع متدهور

على النقيض من ذلك، ظلَّ انعدام الأمن الغذائي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية دون تغيير إلى حد كبير، حيث ظلَّ الاستهلاك غير الكافي للغذاء عند مستوى مرتفع بلغ 52 في المائة، مما يشير إلى أن نحو أسرة واحدة من كل أسرتين في تلك المناطق تعاني من انعدام الأمن الغذائي.

ونبّه المكتب الأممي إلى أنه وعلى الرغم من التحسُّن الطفيف في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، فإن الوضع لا يزال مزرياً، على غرار المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، حيث يعاني نحو نصف الأسر من انعدام الأمن الغذائي (20 في المائية من السكان) مع حرمان شديد من الغذاء، كما يتضح من درجة استهلاك الغذاء.

نصف الأسر اليمنية يعاني من انعدام الأمن الغذائي في مختلف المحافظات (إعلام محلي)

وبحسب هذه البيانات، لم يتمكَّن دخل الأسر من مواكبة ارتفاع تكاليف سلال الغذاء الدنيا، مما أدى إلى تآكل القدرة الشرائية، حيث أفاد نحو ربع الأسر التي شملها الاستطلاع في مناطق الحكومة بارتفاع أسعار المواد الغذائية كصدمة كبرى، مما يؤكد ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاسمية بشكل مستمر في هذه المناطق.

وذكر المكتب الأممي أنه وبعد ذروة الدخول الزراعية خلال موسم الحصاد في أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر، الماضيين، شهد شهر ديسمبر أنشطةً زراعيةً محدودةً، مما قلل من فرص العمل في المزارع.

ولا يتوقع المكتب المسؤول عن تنسيق العمليات الإنسانية في اليمن حدوث تحسُّن كبير في ملف انعدام الأمن الغذائي خلال الشهرين المقبلين، بل رجّح أن يزداد الوضع سوءاً مع التقدم في الموسم.

وقال إن هذا التوقع يستمر ما لم يتم توسيع نطاق المساعدات الإنسانية المستهدفة في المناطق الأكثر عرضة لانعدام الأمن الغذائي الشديد.

تحديات هائلة

بدوره، أكد المكتب الإنمائي للأمم المتحدة أن اليمن استمرَّ في مواجهة تحديات إنسانية هائلة خلال عام 2024؛ نتيجة للصراع المسلح والكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ.

وذكر أن التقديرات تشير إلى نزوح 531 ألف شخص منذ بداية عام 2024، منهم 93 في المائة (492877 فرداً) نزحوا بسبب الأزمات المرتبطة بالمناخ، بينما نزح 7 في المائة (38129 فرداً) بسبب الصراع المسلح.

نحو مليون يمني تضرروا جراء الفيضانات منتصف العام الماضي (الأمم المتحدة)

ولعبت آلية الاستجابة السريعة متعددة القطاعات التابعة للأمم المتحدة، بقيادة صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبالشراكة مع برنامج الأغذية العالمي و«اليونيسيف» وشركاء إنسانيين آخرين، دوراً محورياً في معالجة الاحتياجات الإنسانية العاجلة الناتجة عن هذه الأزمات، وتوفير المساعدة الفورية المنقذة للحياة للأشخاص المتضررين.

وطوال عام 2024، وصلت آلية الاستجابة السريعة إلى 463204 أفراد، يمثلون 87 في المائة من المسجلين للحصول على المساعدة في 21 محافظة يمنية، بمَن في ذلك الفئات الأكثر ضعفاً، الذين كان 22 في المائة منهم من الأسر التي تعولها نساء، و21 في المائة من كبار السن، و10 في المائة من ذوي الإعاقة.

وبالإضافة إلى ذلك، تقول البيانات الأممية إن آلية الاستجابة السريعة في اليمن تسهم في تعزيز التنسيق وكفاءة تقديم المساعدات من خلال المشاركة النشطة للبيانات التي تم جمعها من خلال عملية الآلية وتقييم الاحتياجات.