مستثمر يراهن بملايين الدولارات على «كذب الأسواق»

التقلبات لا تزال منخفضة لكن الخوف في تزايد مستمر

العلم الأميركي يغطي أعمدة بورصة نيويورك (أ.ب)
العلم الأميركي يغطي أعمدة بورصة نيويورك (أ.ب)
TT

مستثمر يراهن بملايين الدولارات على «كذب الأسواق»

العلم الأميركي يغطي أعمدة بورصة نيويورك (أ.ب)
العلم الأميركي يغطي أعمدة بورصة نيويورك (أ.ب)

كان الأربعاء 13 سبتمبر (أيلول) يوماً جيداً آخرا لكسب الأموال في وول ستريت: لقد ارتفعت الأسواق، وكانت أسعار الفائدة عن أدنى معدلاتها، وكان مقياس فيكس لعدم ارتياح المستثمرين يتجه نحو الانخفاض مجددا. ولكن مع احتفال المستثمرين بذلك كانت هناك ردة فعل قوية من إحدى زلات السوق، إذ لاحظ كريستوفر كول، المتداول الذي يدير أحد صناديق التحوط هنا ويراهن على أشكال مختلفة من التقلبات المالية المريعة، شيئاً في خِضَمّ سيول البيانات والأكواد التي زينت جدار الشاشات أمام عينيه.
يقول السيد كول: «من الناحية النظرية، فإن التقلبات لا تزال منخفضة للغاية، ولكن الخوف في تزايد مستمر»، مشيراً إلى رسم بياني على إحدى نوافذ التداول الستة. ولقد أظهر الرسم البياني أنه خلال الشهور التي تلت فترة الثلاثين يوما التي يقيسها مؤشر فيكس لبورصة شيكاغو للأوراق المالية، كان المستثمرون يتوقعون بعض التحركات العنيفة في سوق الأسهم.
وكان الرهان ضد اشتعال هذه الاضطرابات إحدى أطول الصفقات أمدا وأكثرها ربحية في التاريخ المالي الحديث.
والسيد كول، الذي أنشأ شركة «ارتميس كابيتال للمستثمرين الخارجيين» في عام 2012، يأخذ الجانب المضاد، مجادلاً مع العمق العاطفي للمتداول الحقيقي أن هذا الهدوء في الأسواق لا يمكن أن يستمر بحال.
ووفقاً لذلك، كان يقارن من حيث أوجه التشابه مع انهيار سوق الأسهم في عام 1987، عندما اتجه المستثمرون للاعتقاد بأن التقلبات لن تندلع أو يكون لها مكان.
وحتى الآن، كان الرهانات إزاء حالة الفوضى في الأسواق تسيطر على كل التداولات. ومن المتداولين اليوميين الذين يلتزمون أماكنهم أمام شاشات حواسيبهم إلى المستثمرين الرئيسيين المتطورين في جميع أنحاء العالم، كسب كثير منهم الكثير من الأموال بالمراهنة على أن مؤشر فيكس سوف يواصل الهبوط.
وبعد بلوغ الذروة اقترابا من 90 في وقت الأزمة المالية، هبط مؤشر فيكس في الآونة الأخيرة إلى أدنى مستوى له منذ عقود ببلوغه أقل من 9 في المائة، على الرغم من الارتفاع الحاد الذي يسجله في بعض الأحيان صعودا (كما حدث بعد ظهيرة يوم الأربعاء إذ وصل إلى 10.5).
ولقد ساعدت كثير من العوامل على طول ذلك الطريق، كما يقول المحللون. ومن بينها عمليات الطباعة المالية الهائلة وشراء السندات بواسطة البنوك المركزية العالمية ووفرة الاستثمارات المتداولة في البورصات، والتي تسهل كثيرا على المتداولين المحترفين والهواة على حد سواء بالمراهنة على هبوط مؤشر فيكس.
والآن، وقبل شهر فقط من الذكرى الثلاثين ليوم الاثنين الأسود، عندما هبط مؤشر ستاندرد أند بورز 500 في البورصة بنسبة 20 في المائة، يراهن السيد كول على وقوع كارثة مماثلة، مدعومة بالارتفاع الحاد المسجل في مؤشر فيكس والمبيعات الهائلة في الأسهم.
ويقول السيد كول: «حقيقة أن الجميع كانوا متحفزين لأن يكون التقلب قصيرا وموجزا قد أدت إلى هذا الاستقرار الانعكاسي - أو السلام الكاذب. ولكن إذا ضربت النظام صدمة من الصدمات، فإن كل هذه العناصر ذاتية الانعكاس سوف تأخذ الاتجاه الآخر المعاكس وتصبح مزعزعة للاستقرار بدلا من مؤيدة للاستقرار».
وانتظار النهاية الأكيدة لثاني أطول ارتفاع مسجل في أسواق زيادة الأسعار في التاريخ المالي الحديث قد أصبح، ولأسباب مفهومة، من الأمور المألوفة لدى الجميع. وليس فقط على هوامش المستثمرين الذين يتوقعون دائما هبوط قيمة الأسهم والسندات. فالأحاديث السائدة بين أروقة وول ستريت تدور حول الأسواق المالية المبالغ في قيمتها للغاية، وتساءلت أصوات مؤسساتية كبيرة، مثل لويد سي بلانكفين المدير التنفيذي في «غولدمان ساكس»، حول أن «الأمور باتت في ارتفاع مطرد ولفترة طويلة جدا».
وهناك شركة استثمارية بريطانية مغمورة، تحمل اسم «روفر كابيتال»، قد تسببت في إثارة ضجة إثر توقعها بوقوع خاتمة مدمرة، وكثير من صناديق التحوط لا تزال تعتمد خيارات مؤشر فيكس الرخيصة، وسوف تدفع بسخاء إذا ما ارتفع المؤشر مرة أخرى.
أما شركة «ارتميس كابيتال» فهي على مسار مختلف بعض الشيء. فإنها، كما يقول السيد كول، صندوق تحوط لرؤوس الأموال الكبيرة. مما يعني، من واقع حمى الأسهم المرتفعة، أن الصندوق يراهن على الانعكاس، ويوفر الحماية السلبية للمستثمرين الحذرين من خلال العثور على طرق مبتكرة لشراء التعرض للفوضى المالية. وهذه التداولات تستلزم شراء مجموعة متنوعة من الأدوات المشتقة التي تعود بالمكاسب إذا ما كان هناك ارتفاع تصاعدي كبير في مؤشر فيكس، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض الأسهم بوتيرة سريعة.
وفي الآونة الأخيرة، تحول كثير من مديري صناديق التحوط إلى هذا الأسلوب بشكل ملحوظ. والسيد كول الذي بدأ شركته برأسمال يبلغ مليون دولار في عام 2012، يبلغ رأسمال الشركة حاليا 200 مليون دولار، وكان الطلب قوياً للغاية في الفترة الأخيرة لدرجة أنه يعتقد أن يصل إلى 300 مليون دولار قريباً، وعند هذه النقطة سوف يقلل من مزيد من الوصول.
والسيد كول (38 عاماً) لديه حماس بالغ للعمل ويقضي صباح كل يوم في القراءة، والترميز، والتفكير الحر حول ما سيكون عليه حال سوق الأسهم في نهاية اليوم. وعلى غرار كثير من شكوك الأسواق المصدق عليها، فلديه مراوغاته المعروفة كذلك. ولتذكير نفسه بالاستفادة القصوى من كل يوم، فإنه يرتدي ساعة تحسب له الوقت المتبقي لديه على قيد الحياة - 50 عاماً وأربعة أشهر.
وفي الوقت الحالي، يحسب السيد كول أن ما يصل إلى تريليون ونصف التريليون دولار من أموال المستثمرين في مراهنات الأسواق سوق تبقى كما هي بأكثر أو أقل منذ عام 2009: أي خالية تماما من التقلبات. وهذا المبلغ، كما يقول، يشمل 60 مليار دولار من الأموال التي تشهد تقلبات موجزة من مختلف الأشكال. وأغلب هذا المبلغ هو من الأموال التي تنشر استراتيجيات التداول حيث التقلب هو المدخل الحاسم لتخصيص التعرض لسوق الأوراق المالية. وبالتالي، فإن التقلب المنخفض يعني تحميل المزيد من هذه الأموال على الأسهم. والتراكم على تداولات التقلبات المنخفضة كان يتم بواسطة الشركات، والتي قد تشتري خلال العام الحالي ما يقرب من تريليون دولار من الأسهم، كما يتوقع المحللون.
وفي عام 1987، تسبب حافظات التأمين في تحويل هبوط السوق إلى انكسار تاريخي عندما باعت البرامج التي تديرها الحواسيب العقود الآجلة في سوق الأسهم في سوق مفعم بالمتداولين المذعورين في غياب المشترين الراغبين في ذلك. ويقول السيد كول أن مبلغ تريليون ونصف التريليون دولار في التقلبات الموجزة يمكن أن يلعب دورا مماثلا اليوم إذا ارتفع مقياس الخوف بصورة حادة.
وكل من باعة مؤشر فيكس سوف يتحولون إلى مشتريي مؤشر فيكس، مما سوف يرفع المؤشر عاليا ويسبب انخفاض حاد في الأسهم.
وكما يتنبأ بالأمر، فإن الاستراتيجيات الشكلية العقيمة التي باعت العقود الآجلة لسوق الأوراق المالية المنخفض في عام 1987 وأموال التقلبات الموجزة اليوم هي الأقرب إلى براميل النفط التي يمكن أن تتحول لنيران هائلة بسبب الاشتعال الناجم عن الزلازل.
يقول السيد كول: «في عام 1987، كنا في سوق مرتفعة للأسهم، وكان بنك الاحتياطي الفيدرالي وراء المنحنى فيما يتعلق بالتضخم وأسعار الفائدة. وما يمكن أن يسبب الأزمة حالياً هو الارتفاع المفاجئ في أسعار الفائدة، وارتفاع إعادة شراء الأسهم، ثم تحول بائعي التقلب إلى مشتريي التقلب في لحظة واحدة». وهي، من نواحٍ كثيرة، مسألة أخلاقية بالنسبة له.
يجني بائعو التقلب مكاسب رخيصة وعابرة، وهي التي يقارنها بالتسارع، والبدانة، والزواج من أجل المال. وأولئك المستعدون للمعاناة وتقبل الأوجاع الآنية للتقلبات الطويلة - قبل ظهور مكافآت الكوارث - يرى السيد كول أنهم هم الأكثر حكمة وحصافة.
والقول إن السيد كول مهووس بالتقلب - من واقع أنه بناء مالي وفلسفي على حد سواء - سيكون بمثابة بخس الرجل حقه. فمن واقع رسائل وأوراق الاستثمار خاصته، فإنه يذكر أشعار غوته، وأفلام ويليام فريدكين وجورج لوكاس، وأعمال جوزيف كامبل عن الأساطير باعتبارها من الأدوات التعليمية لتفسير نزوات التغيرات المفاجئة من حولنا.
وفي خاتمة المطاف، رغم كل شيء، فإنه يعتقد أن أولئك الذين يتعقلون بالتقلب لفترة طويلة، من أموال تكافؤ المخاطر لدى البنوك المركزية العالمية، سوف يواجهون ردود فعل قوية.
يقول السيد كول: «التقلب هو أداة من أدوات الحقيقة، وكلما أنكرنا الحقيقة، عثرت عليك الحقيقة من خلال التقلب. وإن رغبت البنوك المركزية في المحافظة في إنقاذ اليوم، فهذا أمر جيد. ولكن التقلب سوف يتحول وقتئذ عبر أشكال أخرى مثل الشعبوية، وسياسات الهوية، وتهديد نسيج الديمقراطية. وهذا هو الشيء الذي لن يتمكن صندوق التحوط من توفير الحماية ضده».
* خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

خاص ترمب وشي في قمة زعماء مجموعة العشرين بأوساكا باليابان عام 2019 (أرشيفية - رويترز)

قنابل موقوتة تهدد الاقتصاد العالمي في 2025

يقف عام 2025 عند منعطف محوري مع تنامي المواجهة التجارية بين الولايات المتحدة والصين ووسط استمرار التوترات الجيوسياسية.

هلا صغبيني (الرياض)
الاقتصاد متداولون يعملون في بورصة نيويورك (رويترز)

الأسواق الأميركية تشهد تراجعاً بسبب بيانات اقتصادية محبطة

انخفضت مؤشرات الأسهم الأميركية، يوم الخميس، في ظل بيانات محبطة قد تشير إلى تباطؤ بالنمو الاقتصادي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد يشتري الناس الهدايا في منطقة تايمز سكوير في نيويورك (رويترز)

تضخم الجملة يقاوم الانخفاض في الولايات المتحدة

ارتفعت تكاليف الجملة في الولايات المتحدة بشكل حاد خلال الشهر الماضي، ما يشير إلى أن ضغوط الأسعار لا تزال قائمة في الاقتصاد حتى مع تراجع التضخم من أعلى مستوياته.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الاقتصاد لافتة مكتوب عليها «نوظف الآن» في مغسل سيارات بأحد شوارع ميامي بفلوريدا (رويترز)

زيادة غير متوقعة في طلبات إعانات البطالة الأميركية

ارتفع عدد الأميركيين الذين تقدموا بطلبات جديدة للحصول على إعانات البطالة بشكل غير متوقع، الأسبوع الماضي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن )
الاقتصاد يقوم عامل بإجراء فحص الجودة لمنتج وحدة الطاقة الشمسية في مصنع «لونجي للتكنولوجيا الخضراء» في الصين (رويترز)

واشنطن تُصعِّد تجارياً... رسوم جديدة على واردات الطاقة الصينية

تخطط إدارة بايدن لزيادة الرسوم الجمركية على رقائق الطاقة الشمسية، البولي سيليكون وبعض منتجات التنغستن القادمة من الصين.

«الشرق الأوسط» (بكين)

رئيس غانا: لا انسحاب من اتفاق صندوق النقد الدولي... بل تعديلات

الرئيس الغاني المنتخب جون دراماني ماهاما خلال المقابلة مع «رويترز» (رويترز)
الرئيس الغاني المنتخب جون دراماني ماهاما خلال المقابلة مع «رويترز» (رويترز)
TT

رئيس غانا: لا انسحاب من اتفاق صندوق النقد الدولي... بل تعديلات

الرئيس الغاني المنتخب جون دراماني ماهاما خلال المقابلة مع «رويترز» (رويترز)
الرئيس الغاني المنتخب جون دراماني ماهاما خلال المقابلة مع «رويترز» (رويترز)

قال الرئيس الغاني المنتخب جون دراماني ماهاما، إنه لن يتخلى عن حزمة الإنقاذ البالغة 3 مليارات دولار والتي حصلت عليها البلاد من صندوق النقد الدولي، لكنه يريد مراجعة الاتفاق لمعالجة الإنفاق الحكومي المسرف وتطوير قطاع الطاقة.

وأضاف ماهاما، الرئيس السابق الذي فاز في انتخابات 7 ديسمبر (كانون الأول) بفارق كبير، لـ«رويترز» في وقت متأخر من يوم الجمعة، أنه سيسعى أيضاً إلى معالجة التضخم وانخفاض قيمة العملة للتخفيف من أزمة تكاليف المعيشة في الدولة الواقعة بغرب أفريقيا.

وكان ماهاما قال في وقت سابق، إنه سيعيد التفاوض على برنامج صندوق النقد الدولي الذي حصلت عليه حكومة الرئيس المنتهية ولايته نانا أكوفو في عام 2023.

وقال ماهاما: «عندما أتحدث عن إعادة التفاوض، لا أعني أننا نتخلى عن البرنامج. نحن ملزمون به؛ ولكن ما نقوله هو أنه ضمن البرنامج، يجب أن يكون من الممكن إجراء بعض التعديلات لتناسب الواقع». وأعلنت اللجنة الانتخابية في غانا فوز ماهاما، الذي تولى منصبه من 2012 إلى 2016، بالانتخابات الرئاسية بحصوله على 56.55 في المائة من الأصوات.

وقد ورث الرئيس المنتخب لثاني أكبر منتج للكاكاو في العالم، دولة خرجت من أسوأ أزمة اقتصادية منذ جيل، مع اضطرابات في صناعتي الكاكاو والذهب الحيويتين.

التركيز على الإنفاق والطاقة ساعد اتفاق صندوق النقد الدولي في خفض التضخم إلى النصف وإعادة الاقتصاد إلى النمو، لكن ماهاما قال إن هناك حاجة إلى مزيد من العمل لتخفيف الصعوبات الاقتصادية.

وقال ماهاما، الذي فاز حزبه المؤتمر الوطني الديمقراطي بسهولة في تصويت برلماني عقد في 7 ديسمبر: «الوضع الاقتصادي مأساوي... وسأبذل قصارى جهدي وأبذل قصارى جهدي وأركز على تحسين حياة الغانيين».

وأوضح أن «تعدد الضرائب» المتفق عليها بوصفها جزءاً من برنامج صندوق النقد الدولي، جعل غانا «غير جاذبة للأعمال». وقال: «نعتقد أيضاً أن (صندوق النقد الدولي) لم يفرض ضغوطاً كافية على الحكومة لخفض الإنفاق المسرف»، مضيفاً أن المراجعة ستهدف إلى خفض الإنفاق، بما في ذلك من جانب مكتب الرئيس.

ولفت إلى أن صندوق النقد الدولي وافق على إرسال بعثة مبكرة لإجراء مراجعة منتظمة، مضيفاً أن المناقشات ستركز على «كيفية تسهيل إعادة هيكلة الديون» التي وصلت الآن إلى مرحلتها الأخيرة. وقال إن الاتفاق المنقح مع صندوق النقد الدولي سيسعى أيضاً إلى إيجاد حلول مستدامة لمشاكل الطاقة، لتجنب انقطاع التيار الكهربائي المستمر.

وقال ماهاما: «سنواجه موقفاً حرجاً للغاية بقطاع الطاقة. شركة الكهرباء في غانا هي الرجل المريض لسلسلة القيمة بأكملها ونحن بحاجة إلى إصلاحها بسرعة».