«المسجد الأحمر» مؤشر على التراخي في مكافحة التطرف في باكستان

مع وجود حركات دينية متشددة تنشر أفكارها التي توفر تربة خصبة لتوليد العنف

مدخل المسجد الأحمر في العاصمة إسلام آباد يستقبل الآلاف قبل بدء صلاة الجمعة (أ.ف.ب)
مدخل المسجد الأحمر في العاصمة إسلام آباد يستقبل الآلاف قبل بدء صلاة الجمعة (أ.ف.ب)
TT

«المسجد الأحمر» مؤشر على التراخي في مكافحة التطرف في باكستان

مدخل المسجد الأحمر في العاصمة إسلام آباد يستقبل الآلاف قبل بدء صلاة الجمعة (أ.ف.ب)
مدخل المسجد الأحمر في العاصمة إسلام آباد يستقبل الآلاف قبل بدء صلاة الجمعة (أ.ف.ب)

تؤكد باكستان، المتهمة بالتراخي في مكافحة التطرف الديني، أنها تفعل ما بوسعها؛ لكن جهودها لا تخلو من تعقيد ومن التباس، وأبرز مثال على ذلك ما آل إليه مصير الداعية عبد العزيز، الزعيم السابق للمسجد الأحمر في إسلام آباد، الداعي إلى تطبيق الشريعة.
عندما اتهمها الرئيس الأميركي دونالد ترمب بأنها تشكل «موئلا لعناصر الفوضى» ردت باكستان بأنها بذلت تضحيات جسام في هذه المعركة، وأكد جيشها القوي أنه «خلص البلاد» من الجماعات «الإرهابية».
وإذ لم يعد بوسع الجماعات المسلحة شن عملياتها بلا رقيب ولا حسيب، مثلما كانت عليه الحال في الماضي على الحدود الباكستانية الأفغانية، فإن باكستان لا تزال مرتعا للتطرف، حيث تقوم حركات دينية راديكالية بنشر أفكارها التي توفر تربة خصبة لتوليد العنف، متسلحة بشعبيتها ونفوذها الواسع. وضمن هذا التيار، يعد الإمام عبد العزيز من الأصوات الأبرز والأكثر انتشاراً؛ نظراً لماضيه المضطرب على رأس «لال مسجد» أو المسجد الأحمر، وهو أقدم مساجد العاصمة.
وعلى الرغم من قرارات القضاء، فلا يزال عبد العزيز يدعو إلى فرض الشريعة على الطريقة التي اتبعها نظام «طالبان»، محرماً الرقص والاختلاط وأنشطة الترفيه، ومؤثراً على جيل بأكمله ممن تشربوا الفكر المتعصب.
في بدايات القرن الحادي والعشرين، أدت خطبه النارية وأفكاره المتعصبة التي انتشرت بين آلاف من مرتادي المدارس القرآنية في مسجده إلى نشوء وضع متفجر. وفي سنة 2007، بدأ تلامذته في نهب متاجر بيع الأقراص المدمجة وأسطوانات الفيديو، وخطف الصينيات اللواتي يقدمن خدمات التدليك في إسلام آباد. وسرعان ما تطور الوضع إلى مواجهات دامية. وعندما حاصرت قوات النظام برئاسة برويز مشرف المسجد واقتحمته في 10 يوليو (تموز) 2007، واجهت مقاتلين إسلاميين مسلحين بشكل جيد. أوقعت العملية التي أثارت كثيرا من الجدل، أكثر من مائة قتيل وتبعها كثير من الاعتداءات الانتقامية.
أما إمام المسجد عبد العزيز، فألقي القبض عليه متنكراً بزي امرأة وعلى وجهه نقاب، في أثناء محاولته الفرار من المسجد المحاصر، ووضع في السجن. وعرضت حينها صورته بالبرقع على شاشات التلفزيون، ما أكسبه لقب «الملا برقع».
ورغم توجيه نحو عشرين تهمة إليه، لا سيما بالتحريض على الكراهية والقتل والخطف، أطلق سراحه في أبريل (نيسان) 2009 بكفالة.
ويبدو أنه تم التساهل معه منذ ذلك الحين، وبات يدير شبكة من مدارس تعليم القرآن، محاولاً بين الفينة والأخرى إلقاء خطب على الملأ، فيما يشبه لعبة القطة والفأر مع السلطات.
ويقول المحامي والناشط في المجتمع المدني، جبران نصير: «لقد برئ من كل التهم، والحكومة فضلت عدم الاستئناف. لا تتوفر الإرادة لملاحقته أمام القضاء». ولم يتعرض عبد العزيز للإدانة حتى بعد نشر شريط فيديو تظهر فيه طالبات في مدارسه الدينية يعلنّ تأييدهن لتنظيم داعش في سنة 2014.
ويلتحق آلاف التلاميذ بمدارسه، حيث يحفظون القرآن ويدرسون الشريعة بتفسيراتها الأكثر تشددا. وفيها درس زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن.
برر عبد العزيز الاعتداءات التي استهدفت صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية في سنة 2015، ورأى أن الخلافة التي أعلنها تنظيم داعش في سوريا والعراق «هي الحل» لمشكلات العالم.
ويقول الخبير السياسي طلعت مسعود: «إنه يجسد الأفكار اليمينية المتطرفة التي أشاعها في الماضي الأميركيون والباكستانيون».
ففي ثمانينات القرن العشرين، ساهم «لال مسجد» في تجنيد المقاتلين «من أجل الجهاد» ضد القوات السوفياتية في أفغانستان، بدعم من السلطات الأميركية والباكستانية حينها. ويقول مسعود إنه «يتم التساهل مع عبد العزيز؛ لأن الأمر سيكون أشبه بالعبث بعش للدبابير». ويضيف الجنرال السابق أنه «نظراً لحساسية الأهالي إزاء المسائل الدينية، فإن التدخل قد يوسع دائرة مؤيديه». ولكنه يبقى تحت المراقبة، ولم يعد مرحبا به في المسجد الأحمر الذي بات تابعاً نظرياً للدولة وعُيّن أحد أبناء إخوته أمير صديق إماما عليه.
يرد اسم عبد العزيز على اللائحة الباكستانية لمكافحة الإرهاب. ومنع القضاء انعقاد المؤتمر الكبير الذي أعد له أنصاره لإحياء الذكرى العاشرة لحصار المسجد في يوليو الماضي. وخلال الأشهر الماضية، لم تتردد السلطات في قطع الطرق المؤدية إلى الحي التجاري المحيط بالمسجد القديم، لمنع عبد العزيز من المجيء لإلقاء خطب، أو في قطع شبكات الهاتف حتى لا يتمكن من إلقاء خطبة الجمعة، وإن عن بعد.
عاد المسجد مكاناً هادئاً للصلاة، وحرص القائمون عليه على العمل بهدوء. ويقول إمامه صديق اللبق البالغ من العمر ثلاثين عاماً: «علينا أن ننسى الماضي والمواقف المتطرفة لتلك الحقبة. علينا أن ننأى عن الإرهاب».



بكين تُعزز انتشارها العسكري حول تايوان

جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)
جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)
TT

بكين تُعزز انتشارها العسكري حول تايوان

جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)
جندي صيني يراقب التدريبات العسكرية للصين حول تايوان (أرشيفية - أ.ب)

عزّزت الصين انتشارها العسكري حول تايوان خلال الساعات الـ24 الماضية، مع إرسالها 53 طائرة عسكرية و19 سفينة، وفق ما أفادت به، الأربعاء، سلطات الجزيرة، واصفة بكين بأنها «مثيرة مشاكل».

وتُعدّ الصين تايوان جزءاً من أراضيها، وتؤكد عزمها على إعادة ضمها مستقبلاً، حتى لو بالقوة.

وتعود جذور النزاع بين تايوان والصين إلى عام 1949، عندما فرّت القوى القومية بقيادة تشانغ كاي تشيك إلى الجزيرة، إثر هزيمتها في برّ الصين الرئيس أمام القوى الشيوعية، بقيادة ماو تسي تونغ.

حاملة الطائرات الصينية «لياونينغ» ومجموعتها القتالية خلال تدريبات في أكتوبر 2024 (موقع الجيش الصيني)

وقالت تايوان، الأربعاء، إنها رصدت خلال الـ24 ساعة الماضية 53 طائرة عسكرية صينية و19 سفينة حول الجزيرة، في إطار تنفيذ الجيش الصيني أكبر انتشار بحري له منذ سنوات.

وقالت وزارة الخارجية التايوانية في بيان: «تُولّد هذه التصرفات حالة من عدم اليقين وأخطاراً في المنطقة، وتتسبب في اضطرابات للدول المجاورة، وتؤكد أن الصين مثيرة مشاكل تُهدد السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ».

من جهته، قال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، إن الولايات المتحدة تراقب الوضع، وستضمن «ألا يقوم أحد بأي شيء لتغيير الوضع القائم في مضيق تايوان».

وأضاف، الأربعاء، لصحافيين في قاعدة أميركية في اليابان: «نقولها مجدداً، سياستنا لم تتغير. سنواصل بذل كل ما في وسعنا لمساعدة تايوان في الحصول على وسائل للدفاع عن نفسها».

وقالت وزارة الدفاع التايوانية في بيان: «إن الطائرات والسفن، وبينها 11 سفينة حربية، رصدت خلال فترة 24 ساعة انتهت في الساعة السادسة صباحاً (22.00 ت.غ الثلاثاء)».

لقطة من فيديو للجيش الصيني تُظهر ضابطاً ينظر للأفق عبر منظار مكبر على متن قطعة بحرية (أرشيفية - الجيش الصيني)

وهذا أعلى عدد من الطائرات والسفن الصينية التي ترصدها تايوان منذ المناورات العسكرية التي نظمتها بكين في أكتوبر (تشرين الأول) ردّاً على خطاب الرئيس لاي تشينغ تي، في العيد الوطني لتايوان قبل أيام من ذلك. وعند انتهاء تلك المناورات، رُصِد عدد قياسي، بلغ 153 طائرة صينية، في يوم واحد قرب الجزيرة، إضافة إلى 14 سفينة صينية.

والثلاثاء، أعلنت تايوان أنها رصدت حول الجزيرة خلال الساعات الـ24 الماضية 47 طائرة عسكرية، و12 سفينة حربية صينية، وذلك بعيد أيام من انتهاء جولة خارجية قام بها الرئيس التايواني لاي تشينغ تي، وأدانتها بكين بشدّة.

جنود من الجيش الصيني خلال التدريبات (أرشيفية - موقع الجيش الصيني)

وفي المجموع، نشرت بكين نحو 90 سفينة على مساحة أوسع، في مياه بحر الصين الشرقي والجنوبي، وكذلك في مضيق تايوان الذي يفصل الجزيرة عن البر الرئيس للصين، فيما وصفته تايبيه بأنها من كبرى المناورات البحرية منذ سنوات.

وقامت هذه السفن (60 سفينة حربية، و30 أخرى تابعة لخفر السواحل الصينيين) بمحاكاة مهاجمة سفن أجنبية، وتعطيل طرق شحن في المياه المحيطة بتايوان «لرسم خط أحمر» قبل تنصيب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة، وفق ما أوضح مسؤول أمني تايواني.

ولم يُعلن الجيش الصيني ووسائل الإعلام الحكومية الصينية عن زيادة النشاط في هذه المناطق.

لكن ناطقة باسم وزارة الخارجية الصينية صرّحت، الثلاثاء، بأن الصين «ستدافع بقوة» عن سيادتها.

مقاتلة تظهر خلال دورية الاستعداد القتالي والتدريبات العسكرية حول جزيرة تايوان التي نفذها الجيش الصيني (أرشيفية - أ.ب)

وتأتي هذه المناورات بعد أيام من انتهاء جولة قام بها الرئيس التايواني، وشملت منطقتين أميركيتين هما هاواي وغوام، وأثارت غضباً صينياً عارماً، وتكهّنات بشأن ردّ محتمل من جانب بكين.

وكانت جولة لاي في المحيط الهادئ أول رحلة خارجية له منذ تولّيه منصبه في مايو (أيار).

وخلال جولته، أجرى لاي مكالمة هاتفية مع رئيس مجلس النواب الأميركي، مايك جونسون، ما أثار غضب بكين.

وتتهم الصين لاي، مثل الرئيسة السابقة تساي إنغ وين، بالرغبة في تعميق الانفصال الثقافي مع القارة، منددة بالتصرفات «الانفصالية».

وتايوان التي تحظى بحكم ذاتي تُعدها الصين جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، وتعارض أي اعتراف دولي بالجزيرة، وكونها دولة ذات سيادة.

وبكين، التي تعارض أيّ اتصال رسمي بين تايبيه ودول أجنبية، دانت «بشدة» جولة لاي، وحضّت الولايات المتحدة على «التوقف عن التدخل في شؤون تايوان».

وكذلك، حذّرت بكين تايوان من أي محاولة «تهدف إلى الاستقلال بمساعدة الولايات المتحدة»، مؤكدة أنها «ستفشل».