طالبان تغلق العيادات جنوب أفغانستان

أول هجوم انتحاري ينفذه المتمردون ضد قوات دولية بكابل بعد اعتزام واشنطن إرسال مزيد من القوات

مدرعة لقوات {الناتو} تعرضت لتفجير انتحاري في كابل أمس (أ.ف.ب)
مدرعة لقوات {الناتو} تعرضت لتفجير انتحاري في كابل أمس (أ.ف.ب)
TT

طالبان تغلق العيادات جنوب أفغانستان

مدرعة لقوات {الناتو} تعرضت لتفجير انتحاري في كابل أمس (أ.ف.ب)
مدرعة لقوات {الناتو} تعرضت لتفجير انتحاري في كابل أمس (أ.ف.ب)

قال خان آقا ميا خيل مدير القطاع الصحي في ولاية أرزكان جنوب أفغانستان إن جميع العيادات الطبية والمستشفيات الحكومية في المحافظة أغلقت أبوابها بعد تلقيها تهديدات جدية من قبل جماعة طالبان باستهداف المنشآت الصحية وطاقمها، وأضاف المسؤول الحكومي بأن أربعة وخمسين مركزا صحيا، تم إغلاقها من أصل تسعة وخمسين.
وكانت حركة طالبان قد طالبت قبل أيام السلطات المحلية بفتح مراكز صحية في المناطق التي تسيطر عليها في ولاية أرزكان وتجهيزها بأحدث وسائل طبية، وكذلك طالبت بتوفير مراكز طبية متخصصة للعمل الجراحي في البلدات التي تخضع لسيطرة مقاتليها بهدف معالجة جرحى الجماعة الذين يصابون في القتال ضد القوات الحكومية والميليشيات التابعة لها في أرزكان ومناطق مجاورة.
المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد، وفي بيان أرسله إلى الصحافيين في كابل وجنوب البلاد نفى التهم الحكومية من وراء إغلاق المراكز الطبية، وقال بأن العيادات الطبية أغلقت في أرزكان بسبب انتشار الفساد في طواقمها وعدم كفاءة الحكومة المركزية في توفير مناخ مناسب للأطباء وكذلك تقديم خدمات أفضل للمرضى.
وقال المتحدث باسم حاكم إقليم أرزكان، دوست محمد نياب، إن السلطات تتواصل مع شيوخ القبائل وزعمائها وتطلب منهم التوسط لدى طالبان للسماح بإعادة فتح العيادات. وأضاف أن المستشفيات ليست مكانا للسياسة، ونحن نطلب من طالبان السماح بعودة أطبائنا والعاملين الصحيين. وأوضح أن 3 عيادات فقط، من بينها المستشفى الإقليمي، هي التي تعمل بعد أن أغلقت طالبان جميع المراكز العلاجية في المحافظة منذ يوم الجمعة، وأشار إلى أن طالبان تطلب معاملة خاصة في تلك المراكز لمقاتليها. وأضاف: «طلبنا من شيوخ القبائل في تلك المناطق التحدث مع طالبان لحل تلك المشكلة في أقرب فرصة ممكنة حتى نتمكن من تقديم خدمات صحية للسكان. ومنذ أعوام يتعرض إقليم أرزكان، الذي يتاخم إقليمي قندهار وهلمند، وهما معقلان لطالبان بالجنوب الأفغاني، لضغوط مكثفة من المسلحين الذين تمكنوا من اقتحام دفاعات العاصمة ترين كوت لفترة وجيزة العام الماضي». وردا على اتهامات الحكومة بأن طالبان تحرم السكان من العلاج أكد متحدث باسم طالبان أن مقاتليها أغلقوا عشرات المراكز العلاجية، لكنه قال إن السبب هو سوء الخدمات، الأمر الذي يبرز مسعى الحركة لأن تحل محل الخدمات الحكومية الأساسية في كثير من المناطق الخاضعة لسيطرتها.
وقال المتحدث: «في أغلب تلك المراكز لم يكن هناك علاج مناسب، لم يكن هناك أطباء ولا عاملون صحيون، طلبنا مرارا تحسين الخدمات لكن لم يهتم أحد، الآن إذا لم توفر الإدارة المحلية الأساسيات.. سنفعل ذلك».
وتسلط الواقعة الضوء على الصعوبات، التي تواجهها الحكومة المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية والغرب في فرض سيطرتها على المناطق، التي يحظى المسلحون فيها بالنفوذ.
إلى ذلك تشير تقارير دولية إلى أن تسعة وثلاثين في المائة من سكان أفغانستان لا يزالون محرومين من الخدمات الصحية في المناطق الريفية والمحافظات التي تشهد اضطرابات متواصلة.
وتشير التقارير المستقبلة إلى أن حركة طالبان تسيطر على نحو أربعين في المائة من الأراضي الأفغانية، بينما تجد تعاطفا معها في أكثر من ستين في المائة من المساحة تقع معظمها في الجنوب والشرق الأفغانيين، حيث تقطن الأغلبية البشتونية التي تتحدر منها طالبان عرقيا.
وعلى الصعيد الأمني جرح خمسة مدنيون أفغان وفق آخر التقديرات في أول هجوم انتحاري تنفذه حركة طالبان ضد قافلة لقوات حلف شمال الأطلسي في كابل، لم يؤد إلى إصابات في صفوف الجنود الدنماركيين الذين كانوا على متن الآلية المصفحة المستهدفة، بحسب ما أعلن مسؤولون حكوميون في كابل.
وقال المتحدث باسم وزارة الداخلية الأفغانية نجيب دانيش إن الاعتداء تم بواسطة سيارة يقودها انتحاري ضد آليات مصفحة تابعة لعملية «الدعم الحازم» في حي الجامعة، في غرب العاصمة الأفغانية كابل. وقال دانيش: «استهدف انتحاري قافلة عسكرية أجنبية. للأسف أدى الهجوم إلى إصابة عدد من المدنيين أفغان بجروح».
من جهته، أكد المتحدث باسم عملية «الدعم الحازم» بيل سالفن عبر بيان صحافي أرسله إلى وسائل إعلام في كابل أنه لم يقع ضحايا في صفوف عناصر عملية «عملية الدعم». ولم يؤد إلى عرقلة سير العمليات. موضحا أن القوات المستهدفة دنماركية.
وأشار المتحدث إلى وجود عبوة ناسفة غير محددة، من دون أن يأتي على ذكر انتحاري. وأضاف أن فرق عملية «الدعم الحازم» قامت بنقل الآلية المتضررة.
وتبنت حركة طالبان الهجوم، وذلك في رسالة وجهها إلى وسائل الإعلام المتحدث باسم الحركة ذبيح الله مجاهد، مشيرا إلى أن الهجوم أوقع عشرات القتلى والجرحى في صفوف العدو، على حد تعبيره.
وتقاتل طالبان الحكومة الأفغانية وداعميها الغربيين، وتوعدت بتحويل أفغانستان «مقبرة» للقوات الأجنبية.
وهناك أكثر من 13 ألف جندي في قوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان، غالبيتهم من الأميركيين الذين سيتم تعزيزهم بثلاثة آلاف جندي إضافي ضمن الاستراتيجية الجديدة التي أعلنها دونالد ترمب بخصوص الحرب في أفغانستان، حيث أشار إلى أنه لا توجد فترة زمنية لإنهاء هذه الحرب، وأن القوات الأميركية ستظل فيها حتى تحقق الهدف، وهو القضاء على التنظيمات الإرهابية وعدم السماح لتحول أفغانستان إلى ملاذ آمن للمتطرفين.
وتنحصر معظم مهمة هؤلاء الجنود بتدريب القوات الأفغانية وتقديم المشورة لها من أجل التصدي لطالبان وتنظيم داعش الذي بات ينتشر في بعض المناطق بالشرق والشمال الأفغانيين ويخوض معارك شرسة ضد عناصر طالبان والجيش الأفغاني.



أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
TT

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)
مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

مرة أخرى، وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال غرب باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام»، على حد قوله.

متظاهرون يتجمعون بالقرب من أشياء أضرمت فيها النيران في أحد الشوارع في جارانوالا بباكستان 16 أغسطس 2023 (رويترز)

منذ يوليو (تموز)، تفيد مصادر عدة بأن 212 شخصاً قُتلوا في إقليم كورام بسبب نزاعات قديمة على الأراضي كان يفترض بسلسلة من الاتفاقات برعاية وجهاء قبليين وسياسيين وعسكريين، أن تبت بها.

إلا أنه تم انتهاك هذه الاتفاقات على مر العقود مع عجز السلطات الفيدرالية وفي مقاطعة خيبر بختونخوا عن القضاء على العنف.

فقدت القوات الأمنية الباكستانية مئات من أفرادها خلال الأشهر الماضية في الموجة الإرهابية الجديدة (أ.ف.ب)

والأسوأ من ذلك أن الهجوم الذي أجج أعمال العنف في 21 نوفمبر (تشرين الثاني) استهدف السلطات أيضاً، إذ إن نحو 10 مهاجمين أمطروا موكبي سيارات تنقل عائلات شيعية كانت بحماية الشرطة.

وكان ابن شقيق علي غلام في هذا الموكب. وكان هذا الرجل البالغ 42 عاماً ينتظر منذ أيام فتح الطرق في كورام عند الحدود مع أفغانستان.

أطلقت الشرطة قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق الطلاب أثناء مسيراتهم خلال مظاهرة للتنديد باغتصاب طالبة مزعوم في لاهور بباكستان 17 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

«لا ثقة مطلقاً بالدولة»

وكانت الطرق الرئيسية قد قُطعت بسبب تجدد القتال بالأسلحة الثقيلة والقذائف بين السنة والشيعة.

وفي غضون أربعين عاماً، خسر علي غلام شقيقه وابن شقيقه فيما جُرح ثلاثة من أشقائه أيضاً.

ويؤكد الرجل الشيعي البالغ 72 عاماً: «لم أعرف السلام يوماً وليس لدي أمل كبير لأولادي وأحفادي لأن لا ثقة لي مطلقاً بالدولة».

ويقول أكبر خان من لجنة حقوق الإنسان في باكستان إنه في السابق «كانت الدولة تساند مجالس الجيرغا وكانت هذه المجالس القبلية تنجح في تحقيق نتائج».

ويضيف: «لكن اليوم لم تعد الدولة تغطي تكلفة استدعائهم»، لأن المسؤولين السياسيين في إسلام آباد منغمسون في الاضطرابات السياسية «ولا يتعاملون بجدية مع أعمال العنف هذه».

قتل 8 أشخاص بينهم 5 عناصر أمن جراء اشتباكات مسلحة مع «إرهابيين» في 3 مناطق بإقليم خيبر بختونخوا شمال غربي باكستان الأسبوع الماضي (متداولة)

لكن في إقليم كورما الشاسع اعتمدت السلطات والقوى الأمنية موقفاً متأنياً. فالإقليم على غرار 6 أقاليم أخرى مجاورة، لم يُضم رسمياً إلى مقاطعة باكستانية إلا في عام 2018.

وكان قبل ذلك ضمن ما يسمى «مناطق قبلية تحت الإدارة الفيدرالية» وكان يحظى تالياً بوضع خاص وكانت المؤسسات الرسمية تترك مجالس الجيرغا تتصرف.

وفي حين كانت حركة «طالبان» الأفغانية تقوم بدور الوسيط في خضم العنف الطائفي في نهاية العقد الأول من الألفية، يؤكد سكان راهناً أن بعض القضاة يفضلون أن توافق مجالس جيرغا على أحكامهم لكي تحترم.

بن لادن - «طالبان»

يقول مالك عطاء الله خان، وهو من الوجهاء القبليين الذين وقعوا اتفاقاً في 2007 كان من شأنه إحلال السلام في كورام، إن «السلطات لا تتولى مسؤولياتها».

ويشير خصوصاً إلى مفارقة بأن كورام هو الإقليم الوحيد بين الأقاليم التي ضمت حديثاً، حيث «السجل العقاري مكتمل». لكنه يضيف: «رغم ذلك تستمر النزاعات على أراضٍ وغابات في 7 أو 8 مناطق».

ويرى أن في بلد يشكل السنة غالبية سكانه في حين يشكل الشيعة من 10 إلى 15 في المائة، «تحول جماعات دينية هذه الخلافات المحلية إلى نزاعات دينية».

فلا يكفي أن كورام تقع في منطقة نائية عند حدود باكستان وأفغانستان. فيجد هذا الإقليم نفسه أيضاً في قلب تشرذمات العالم الإسلامي بين ميليشيات شيعية مدعومة من طهران وجماعات سنية تلقى دعماً مالياً.

في عام 1979، أحدث الشيعة ثورتهم في إيران فيما دخل المجاهدون السنة في كابل في حرب مع الجيش السوفياتي الذي غزا البلاد، في حين اختار الديكتاتور الباكستاني ضياء الحق معسكر المتشددين السنة.

وقد تحول الكثير من هؤلاء إلى حركة «طالبان» في وقت لاحق لمواجهة إيران وإقامة «دولة إسلامية» وتوفير عناصر للتمرد المناهض للهند في كشمير.

«سننتقم له»

تقع كورام بمحاذاة كهوف أفغانية كان يختبئ فيها زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن، وكانت حتى الآن معروفة، خصوصاً بأزهارها التي تتغنى بها قصائد الباشتون. ويقول خان: «إلا أنها استحالت الآن منصة لإرسال أسلحة إلى أفغانستان. كل عائلة كانت تملك ترسانة في منزلها».

لم يسلم أحد هذه الأسلحة إلى السلطات. في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) عندما أضرم شيعة النار في منازل ومتاجر في سوق سنية في باغان رداً على الهجوم على الموكب قبل يومين، سمع إطلاق النار من الطرفين.

وقد حاصرت النيران ابن عم سيد غني شاه في متجره.

ويروي شاه لوكالة الصحافة الفرنسية: «منعنا والديه من رؤية جثته لأنه كان يستحيل التعرف عليها. كيف عسانا نقيم السلام بعد ذلك؟ ما إن تسنح الفرصة سننتقم له».

أما فاطمة أحمد فقد فقدت كل أمل في 21 نوفمبر. فقد كان زوجها في طريقه لتسجيلها في كلية الطب في إسلام آباد بعدما ناضلت من أجل إقناع عائلتها بالسماح لها بمتابعة دروسها.

إلا أنه لم يعد. وتقول أرملته البالغة 21 عاماً إنها لا تريد «العيش بعد الآن من دونه». وتؤكد: «لم يقتلوا زوجي فحسب بل قتلوا كل أحلامي معه».