الحازميون... غلاة ما بعد «داعش»

النشأة والخطاب وأهم شيوخهم

«التيار الحازمي» وصل إلى ما وصل إليه متطرفو وغلاة الخوارج في تكفير كل من يخالفهم... وسيبتلع «داعش» فكرا وخطابا («الشرق الاوسط»)
«التيار الحازمي» وصل إلى ما وصل إليه متطرفو وغلاة الخوارج في تكفير كل من يخالفهم... وسيبتلع «داعش» فكرا وخطابا («الشرق الاوسط»)
TT

الحازميون... غلاة ما بعد «داعش»

«التيار الحازمي» وصل إلى ما وصل إليه متطرفو وغلاة الخوارج في تكفير كل من يخالفهم... وسيبتلع «داعش» فكرا وخطابا («الشرق الاوسط»)
«التيار الحازمي» وصل إلى ما وصل إليه متطرفو وغلاة الخوارج في تكفير كل من يخالفهم... وسيبتلع «داعش» فكرا وخطابا («الشرق الاوسط»)

لا يقف سرطان التطرف العنيف عند حد، بل هو نار تأكل نفسها بنفسها، وتأويلات تزداد كل يوما انحرافا عن الوسط والاعتدال، غارقة في آبار سحيقة من التكفير والغلو، وليس التيار الحازمي، الذي نحاول التعريف به ورموزه هنا إلا دلالة قوية على ذلك، كما سنوضح.
كانت تهم الإرجاء والتجهم موجهة دائما من «القاعدة» و«داعش»، وقبلهما التيار الصحوي، والسروري، والقطبية، لصدور وإيمان المعتدلين من يتورعون عن التكفير، خصوصا تكفير المعين عذرا بالتأويل أو الجهل وغيرهما، إلا أنها صارت الآن سيفا مصلتاً من وجوه غلاة الغلاة التي تتهم دولة «داعش» - أعتى صور التطرف العنيف المعاصر - بالجهمية! ويكتب أحد أنصار التيار الحازمي في سبتمبر (أيلول) سنة 2015 واصفا إياها بـ«دولة التجهم والإرجاء».
ونشرت «النبأ» صحيفة «داعش» الخبرية في عددها رقم «85» الصادر في 14 يونيو (حزيران) من العام الحالي 2017 الموافق 20 رمضان سنة 1438 هجرية (الصفحة 12) عنوان «رموز لا أوثان» أشارت إليه في غلافها بصورتين للراحلين حسن البنا وعطية الله الليبي، ووصفهما كاتبه بقوله: «ولا يمكن حرص الأمثلة على (الرموز) التي امتدحها البعض، على ما علموا عنهم من خير وجهلوا عنهم من باطل وضلال، كحال رموز (الإخوان) المرتدين، مثل حسن البنا ورموز (القاعدة) كعطية الله الليبي وأبي مصعب السوري وغيرهم كثير من أئمة الضلال ورؤوس الفتنة» هكذا صار أئمة ومؤسسو وشيوخ الجماعات أئمة ضلال ورؤوس فتنة عند من خرجوا من عباءتهم، ويبدو أن الكاتب يميل ميلا «حازميا» إذ إن «داعش» لم تكفر عطية الله الليبي، بل رثاه البغدادي نفسه في بيان صوتي بعد مقتله في 22 أغسطس (آب) سنة 2011 بمنطقة وزيرستان الباكستانية، ووصفه بـ«العالم العامل المجاهد، صاحب العلم والوقار»، وقد حذر كاتبه في تلميح يكاد يكون صريحا إلى تقديس البغدادي والقيادات - دون ذكر - مؤكدا على ضرورة التخلص من قدسية الرجال قائلا: «فنحذر من ربط جماعة المسلمين بعقيدة شخص من الأشخاص أو سنته، مهما ظهر من صلاحه وتقواه، واتباعه للسنة، وبراءته من الشرك وأهله، ومهما كان له من فضل وجهاد وإمامة في الدين»، مما يشي ويدل مع علامات أخرى على أن التيار الحازمي يخترق إعلام «داعش» وخطابه، وليس مهمشا فيه، وأنه قد يرثه في فترة ما، لندخل مرحلة ما بعدها.
يعتبر «عدم العذر بالجهل وتكفير المعين والعامي وتكفير من لم يكفره» أهم أصول وأفكار التيار الحازمي، وقد أسس لهذه الأفكار أحمد بن عمر الحازمي المعتقل حاليا، الذي تأثرت به مجموعة من التونسيين والمغاربة كان من أبرزهم أبو جعفر الحطاب عضو اللجنة الشرعية لجماعة أنصار الشريعة في تونس وأبو مصعب التونسي أحد قيادييه، وكذلك أبو عبد الله المغربي وغيرهم ممن انضموا لـ«داعش» بعد إعلان خلافته، وتولوا مناصب مهمة في لجانه الشرعية والإعلامية حينها، ولا يزال البعض على ما يبدو موجودا فيه.
نجح الحازميون في إقصاء كبير شرعيي «داعش» تركي البنعلي (المقتول هذا العام) عن صدارة مشهده النظري، واضطروه كما اضطروا غيره من شيوخ داعش وغيره قبل وفاته لكتابة ردود على أفكارهم وخطابهم في عدم العذر بالجهل وتكفير المعين والعامي، كما كتبوا الردود كذلك عليه.
لقد بدأ بزوغ «التيار الحازمي» منذ أواسط عام 2014 بعد تكفير عدد من خطبائه لمخالفيهم، ومن لم يكفر الكافر من قيادات «داعش»، الذين دعوهم لتكفير شيوخهم السابقين في «القاعدة» وغيرهم من الجماعات المتطرفة، وتكفير من لم يكفر من يقبل بالقوانين الوضعية، مثل أيمن الظواهري وعطية الله الليبي وغيرهما من شيوخ «القاعدة». وكانت البداية إعلاميا باعتقال أبو عمر الكويتي (واسمه بالكامل حسين رضا لاري) في أغسطس (آب) 2014 ثم إعدامه في سبتمبر من العام نفسه، وأعقبه إعدام التونسي أبو جعفر الحطاب في 7 مارس (آذار) سنة 2015 وتم اعتقاله مع مجموعة أخرى من الحازميين في سبتمبر سنة 2014، كان أبرز المعتقلين حينها حسب بيان للحازميين في هذا التاريخ منشور على الشبكة العنكبوتية:
«أبو جعفر الحطاب»، «أبو مصعب التونسي»، «أبو أسيد المغربي»، «أبو الحوراء الجزائري»، «أبو خالد الشرقي»، «أبو عبد الله المغربي».
وقد كتب أحد أنصار التيار الحازمي بياناً في سبتمبر 2014، وقعه باسم «مصلحة التوحيد» وعنونه: «مناصرة الإخوة المأسورين في دولة الجهمية الكافرين»، في إشارة لـ«داعش» بعد أسر شيوخ هذا الفكر المذكورين واصفا دولة «داعش» بدولة الكفار الملاعين والتجهم قائلاً: «تجاوزت دولة البغي والتجهم مرحلة البيانات الكاذبة، إلى التحرك الميداني باختطاف المؤمنين من منازلهم، والزج بهم في غياهب السجون، لأجل تكفير المشركين، وصاحب ذلك ترويع نسائهم، وانعدام الأمن والأمان الذي كان يَحلم به كلُ موحد في ظل دولة البغدادي، وفعلوا كما يفعل الطواغيت المعاصرون تماماً»، هكذا كانت التجربة الفاشلة بجوار مزايدات التكفير ومتتابعة الغلو والخروج ملمحا واضحا في هذا البيان التراشقي بين الحازميين و«داعش».
رغم تعدد أسماء شيوخ ومنظري التيار الأكثر غلوا في «داعش» والجماعات المتطرفة العنيفة، فإنه اشتهر بنسبته لأحمد بن عمر الحازمي المعتقل حاليا، الذي اتسع تأثيره بالخصوص إلى تونس وبلدان المغرب العربي، ورغم اعتزاز الحازمي واهتمامه بالنحو واللغة، وتأثره بالفكر المدخلي في التصفية والتكفير، خصوصاً أن من شيوخه محمد الخضر الشنقيطي وأحد رموز المدخلية محمد علي آدم الإثيوبي، حسبما يرى الباحث المغربي عبد الغني مزوز في ورقة له عن «الصراع بين البنعلية والحازمية»، فإن القضية الرئيسية الواضحة في خطب وتسجيلات وموقع الحازمي على الشبكة العنكبوتية هي إلحاحه على «عدم العذر بالجهل»، وإيمانه بتكفير المعين والمخالف دون إعذار، وأيضاً تكفير من لم يكفره، ويهتم اهتماما خاصا بالتمييز في التوحيد وشرح كتبه، ويصرح في أحاديثه بمخالفته لأئمة كبار كالإمامين ابن تيمية وابن عبد الوهاب في قولهم بالعذر بالجهل، كما يخالف غيرهما.
ونلاحظ أن الحازمي المهتم والمكرس تعلمه للغة أراد أن يتكلم في الفقه دون ضابط من تراثه ورغبة في تصفية التوحيد والموحدين كما يراهم وأتباعه، لا يدور خارج كلمة واحدة هو أن «الأصل في الناس الكفر»، كما نقل عنه بعض عارفيه، وأعلن أمام صحب له أنه «لا يصلى خلف أئمة المساجد»، ويؤكد أن كل من أتى كفرا فهو كافر، ولا عذر بجهل ولا تأويل! في ظاهرية حشوية تتجاهل كل تراث أصول الفقه والاعتقاد ومدوناتهما.
أما الثاني من أبرز ممثلي الحازميين فكان «أبو جعفر الحطاب»، وهو عضو اللجنة الشرعية السابق في جماعة «أنصار الشريعة» بتونس حتى 7 يونيو سنة 2013، حيث نشر في هذا التاريخ ردا على الأردني إياد قنيبي بخصوص فتوى «لأنصار الشريعة» في تونس بعدم جواز التعامل مع المحاكم، وأقسام الشرطة، وعلى تكفير عناصرها وعدم قبول العذر بالجهل في هذه المسائل، ثم انضم لدولة «داعش» وهاجر إليها، وصار من كبار شرعييها، حتى إعدامه في 7 مارس سنة 2016.
وقد نشر الحطاب رسالة صوتية بعنوان «الكواشف الجلية على أن العذر بالجهل عقيدة الأشاعرة والجهمية» وله كثير من الفيديوهات والدروس في التأكيد على تكفير المعين، وعدم العذر بالجهل، والرد على من انتقد ذلك خصوصاً من شيوخ «القاعدة» و«داعش»، وإن كان على العكس من أحمد الحازمي يحاول ربط ذلك بأئمة السلف اقتطافا من أقوالهم، بتأويل منحرف لكلياتهم وجزئياتهم، وله في ذلك محاضرة يصور فيها عدم عذر ابن تيمية في التكفير بالجهل، أو رفضه التأويل عذرا، أو قوله بتكفير المعين، وهو ما تنفيه نصوص ابن تيمية بالكلية، حيث ألح على ذلك في أكثر من موضع.
ومن أبرز منظري الحازميين أبو مصعب التونسي أيضاً الذي أعدم مع أبو جعفر الحطاب في مارس سنة 2016، وكان عضوا في أنصار الشريعة في تونس، ثم صار أحد قضاة «داعش» في منطقة الشرقية بسوريا، والذي صرح بتكفير الظواهري، لعدم تكفيره عوام الشيعة، فإما أن تكفر معهم أو تكون كافرا مرة واحدة!
كذلك، دخل الحازمية في صراع مع قادة «داعش» لإصرار الأول على تكفير كل مخالفيهم، ومن لم يكفر مخالفيهم، وتصدى لهم تركي البنعلي قبل رحيله، لكنه تم إقصاؤه مما يعني قوة الحازميين وتأثيرهم داخل «داعش»، وأتى بيان للجنة المفوضة في مايو (أيار) سنة 2017 أعلى لجنة قيادية في «داعش» يتصالح مع خطاب الحازميين؛ أن الأصل في الناس الكفر وأنهم يقولون بتكفير المعين، وهو ما رفضه البنعلي قبل رحيله بعد ذلك بأسابيع، مما يعني إمكانية ابتلاع الحازميين لـ«داعش» أيضاً. ختاماً يبدو أن التيار الحازمي الذي وصل إلى ما وصل إليه متطرفو وغلاة الخوارج، في تكفير كل من يخالفهم، سيبتلع «داعش» فكرا وخطابا ويؤكد نهايتها الآيدولوجية كما تحتضر ميدانيا، وليس ما تحمله نشرة «النبأ» من دعوات التوحد ودرء الفتنة والانشقاق كما في عددها 85 إلا دلالة أخرى على ذلك، وإقصاء كل شرعيي «داعش» الأولين واختفاء بعضهم تماما أو مقتله، يعطي فرصة أكبر لهذا التيار الأكثر تطرفا ولكنه على ما يبدو أقل خطرا وجاذبية من مجموعات وعناصر التطرف العنيف كما كان داعش في بداياته.
* مراجع إضافية:
1- انظر عبد الغني مزوز عن الصراع بين البنعلية والحازمية» منشور في «نون بوست» بتاريخ 27 يوليو (تموز) سنة 2017.
2- انظر حول موقف ابن تيمية من تكفير المعين كتابنا: «متاهة الحاكمية: أخطاء الجهاديين في فهم ابن تيمية»، ط1، مركز دراسات الوحدة العربية سنة 2015.



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».