الهاون والقناصة الحوثيون أعداء الأطفال في تعز

TT

الهاون والقناصة الحوثيون أعداء الأطفال في تعز

كان نصر منصور غالب، البالغ 13 عاماً، يعمل في محل تملكه عائلته لبيع الجوز، ويأمل العودة إلى المدرسة، عندما قُتل في تعز، ثالث أكبر مدن اليمن.
ونصر هو واحد من بين أربعة أولاد، قتلوا في 18 سبتمبر (أيلول)، إثر قصف نُسب إلى المتمردين الحوثيين في الجاملية، وهو واحد من أقدم الأحياء في هذه المنطقة الواقعة في جنوب غربي اليمن. وتسيطر القوات اليمنية التابعة للحكومة الشرعية على جزء كبير من تعز منذ بدء الانقلاب.
لكن المدينة تخضع لحصار الانقلابيين الحوثيين، المتحالفين مع القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، والمتهمين بتلقي الدعم مع إيران.
في 15 سبتمبر، قتل ثلاثة أطفال تتراوح أعمارهم بين 6 و12 سنة، فيما جرح تسعة آخرون إثر سقوط قذائف هاون في تعز أطلقها الحوثيون، بحسب مصادر أمنية.
ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية، في تقرير، عن ماهر غالب الخولاني، أحد أقرباء نصر، أن الأخير عاد إلى تعز منذ شهرين، بعد أن أرسله والداه إلى مدرسة في صنعاء، وأصيب نصر برصاص قنص في بداية الحرب خضع على أثرها لعملية جراحية.
ويتابع ماهر، أن صاروخاً سقط بعدها على منزل العائلة، حين كان نصر نائماً، فأصبح المنزل غير قابل للسكن، فانتقلت العائلة إلى مخيّم للنازحين في المدينة.
لكن نصر أراد لقاء أصدقائه، والعودة إلى المدرسة في تعز، فعاد ووجد في يوليو (تموز) وظيفة لفصل الصيف، فعمل في محل لبيع الجوز يملكه أحد أقربائه.
ويقول ماهر إن تجارة الجوز توارثتها أجيال عائلته «أشقائي وخالي وأنا نعمل كلنا في تعز. خالي يملك محلاً في باب موسى وشقيقي أبو ريان في باب الكبير». وفقد أبو ريان ابنه ريان، البالغ سبعة أعوام، بعد سقوط قذائف هاون على مدرسته. وفي 18 سبتمبر، قتل نصر بقذيفة هاون أمام محل الجوز.
في حي الجمالية نفسه في تعز وفي اليوم ذاته، قتل عيسى يوسف عشية عودته إلى المدرسة. ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن شقيقه خالد أن «الأساتذة أضربوا عن العمل بسبب عدم دفع رواتبهم، ولم نكن نعرف كيف نحضر السنة»، وقتل عيسى البالغ 16 عاماً، أمام منزله بعد انفجار قذيفة هاون.
وكانت العائلة في الأصل من الجمالية، لكنها فرّت من الجهة الأخرى من المدينة بسبب الحرب. لكنها عادت إليه وشغلت منزلاً مهجوراً، ويقول خالد إن «المنزل تدمّر بشكل كامل».
كان عيسى يحبّ كرة القدم، ويقول خالد: «قبل الحرب، كان يرتدي لباسه الرياضي، ويذهب لمشاهدة فريقه المفضّل (الصقور)، كان يهتمّ خصوصاً بالفرق اليمنية، وليس بالنوادي العالمية». لكن شغفه الحقيقي كان الزراعة، يتابع خالد: «كان لديه بستان صغير قرب المنزل، يهتمّ به، يمضي وقته في زراعة الأشجار، خصوصا الأزهار».
ومن تعز إلى جنيف، حيث قال وزير حقوق الإنسان اليمني الدكتور محمد عسكر، في ندوة نظمتها البعثة اليمنية، إن «انقلاب الحوثي وصالح على الشرعية الدستورية تسبب في تدهور الوضع الإنساني في اليمن بشكل خطير وغير مسبوق، بسبب استهداف الميليشيات الانقلابية للمدنيين في تحدٍ صارخ للقانون الدولي الإنساني، الذي يصنف هذه الانتهاكات بأنها جرائم حرب ضد الإنسانية». وأضاف أن الميليشيا الانقلابية ارتكبت أثناء اجتياحها للمحافظات انتهاكات جسيمة ضد المدنيين، شملت القصف العشوائي للمدن والأحياء السكنية والأسواق الشعبية المكتظة بالمدنيين، الأمر الذي خلف آلاف القتلى والجرحى، بينهم نساء وأطفال.
واستعرض الوزير اليمني، بحسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، أرقاماً قاسية خلفتها الحرب الناجمة عن الانقلاب. إذ قال إنها تسببت في مقتل وإصابة 40138، بينهم 11746 قتيلاً، توزعوا بين 9812 رجلاً، و1239 طفلاً، و695 امرأة، فيما أصيب بجروح 28392 بينهم 20762 رجلاً، و3601 طفل، و3999 امرأة، وأكثر من 850 ضحية للألغام. وما يقارب نصف مليون لغم زرعتها الميليشيا في الأحياء السكنية والطرقات.
وأشار عسكر إلى أن الميليشيا الانقلابية قامت باعتقال واختطاف ما يقارب 17 ألفاً من الناشطين والحقوقيين والإعلاميين والصحافيين والأكاديميين، في حين لا يزال أكثر من 5 آلاف آخرين يقبعون في معتقلات وسجون الميليشيا، لافتاً إلى أن الميليشيات استخدمت الأطفال وقوداً لحربها، وقامت بتجنيد أكثر من 20 ألف طفل لم يبلغوا السن القانونية، إلى جانب تجنيد النساء، والزج بهن في جبهات القتال.
وأضاف: «إن الميليشيا دمرت البنية التحتية، وحولت المدارس والمستشفيات إلى ثكنات عسكرية ومراكز تدريب لعناصرها، وانتهجت سياسة العقاب الجامعي والتجويع للسكان وتهجيرهم بعد تفجير منازلهم، وحصار المدن، ومنع دخول المساعدات الإنسانية الطبية والغذائية من الدخول إليها».


مقالات ذات صلة

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 في وقفة تحدٍ لتحالف الازدهار (غيتي)

تحالف حقوقي يكشف عن وسائل الحوثيين لاستقطاب القاصرين

يكشف تحالف حقوقي يمني من خلال قصة طفل تم تجنيده وقتل في المعارك، عن وسائل الجماعة الحوثية لاستدراج الأطفال للتجنيد، بالتزامن مع إنشائها معسكراً جديداً بالحديدة.

وضاح الجليل (عدن)
شؤون إقليمية أرشيفية لبقايا صاروخ بالستي قال الجيش الإسرائيلي إنه أطلق من اليمن وسقط بالقرب من مستوطنة تسور هداسا (إعلام إسرائيلي)

الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن

قال الجيش الإسرائيلي في ساعة مبكرة من صباح اليوم (السبت)، إن الدفاعات الجوية الإسرائيلية اعترضت صاروخاً أطلق من اليمن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الخليج جانب من مؤتمر صحافي عقده «فريق تقييم الحوادث المشترك» في الرياض الأربعاء (الشرق الأوسط)

«تقييم الحوادث» في اليمن يفنّد عدداً من الادعاءات ضد التحالف

استعرض الفريق المشترك لتقييم الحوادث في اليمن عدداً من الادعاءات الموجهة ضد التحالف، وفنّد الحالات، كلٌّ على حدة، مع مرفقات إحداثية وصور.

غازي الحارثي (الرياض)

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟