النظام السوري يقصف مناطق بحماة وإدلب... ردا على هجوم لـ«تحرير الشام»

طائرات النظام تستهدفت مستشفى للتوليد في قرية التح بمدينة ادلب (أ.ف.ب)
طائرات النظام تستهدفت مستشفى للتوليد في قرية التح بمدينة ادلب (أ.ف.ب)
TT

النظام السوري يقصف مناطق بحماة وإدلب... ردا على هجوم لـ«تحرير الشام»

طائرات النظام تستهدفت مستشفى للتوليد في قرية التح بمدينة ادلب (أ.ف.ب)
طائرات النظام تستهدفت مستشفى للتوليد في قرية التح بمدينة ادلب (أ.ف.ب)

استهدف الطيران الحربي للنظام السوري والروسي صباح اليوم (الثلاثاء) مناطق في محافظتي إدلب وحماة المتجاورتين؛ وذلك ردا على هجوم شنته فصائل مسلحة ضد مواقع تابعة لقوات النظام، رغم ان المنطقتين مشمولتان باتفاق خفض التوتر، وفق ما افاد المرصد السوري لحقوق الانسان.
وكانت روسيا وايران، أبرز حلفاء دمشق، وتركيا الداعمة للمعارضة، توصلت في مايو (ايار) في إطار محادثات آستانا، الى اتفاق لإقامة أربع مناطق خفض توتر في سوريا. ثم اتفقت الدول الثلاث الجمعة على نشر مراقبين منها في منطقة خفض التوتر الرابعة التي تضم ادلب (شمال غرب) واجزاء من محافظات حماة (وسط) واللاذقية (غرب) وحلب (شمال) المحاذية لها.
وأفاد مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة الصحافة الفرنسية اليوم عن بدء هيئة تحرير الشام هجوماً استهدف مواقع قوات النظام في ريف حماة الشمالي الشرقي بعد تمهيد مدفعي"، لافتا الى سيطرتها على قريتين.
وتحدث عبد الرحمن عن "معارك طاحنة تدور رحاها على الحدود الإدارية بين محافظتي حماة وادلب"، تسببت بمقتل "12 مقاتلا في صفوف الفصائل المسلحة، فضلا عن 19 عنصرا من قوات النظام والمسلحين الموالين لها"، وفق المرصد. كما قتل مسعفان يرافقان الفصائل المسلحة.
وبحسب عبد الرحمن، بدأ "القصف الجوي لقوات النظام بعد ساعة من شن الهجوم مستهدفا خطوط الإمداد الآتية من إدلب للمسلحين"، مؤكدا ان "الغارات مستمرة في كل من ريف ادلب الجنوبي وريف حماة الشمالي (...) وهي الأعنف منذ اعلان مناطق تخفيف التصعيد" في مايو (ايار) الماضي.
وتدخّل الطيران الحربي الروسي في وقت لاحق في القصف الجوي.
واستهدفت غارات النظام وفق المرصد، بشكل مباشر مستشفى للتوليد في قرية التح ونقطة طبية في مدينة خان شيخون، كما طالت محيط مشفيين في مدينة كفرنبل وقرية معرزيتا المجاورة. كما استهدفت مراكز عدة للدفاع المدني الناشط في مناطق سيطرة الفصائل.
وتسببت الغارات على مستشفى التح بمقتل امرأة مسنّة تعمل فيه، في أول حصيلة قتلى جراء غارات يوثقها المرصد في ادلب منذ اعلان اتفاق مناطق خفض التوتر في مايو. كما اصيب العشرات بجروح جراء الغارات.
من جانبه، ذكر اتحاد المنظمات الطبية الاغاثية السورية، وهو منظمة دولية ساهمت في تجهيز المشفى، أن القتيلة هي عاملة تنظيف تعمل في المستشفى، مشيرا الى جرح افراد من الطاقم الطبي. واوضح في بيان ان القصف ادى الى اشتعال خزانات وقود مخصصة لتوليد الكهرباء وتدمير غرفة الحاضنات "بشكل كامل".
ونددت المنظمة بهذه الضربات، محذرة من "عودة الهجمات الممنهجة على المستشفيات رغم اتفاقات خفض التوتر".
ويستثني اتفاق خفض التوتر كلا من تنظيم "داعش" وهيئة تحرير الشام التي تسيطر على أجزاء واسعة من محافظة إدلب. إلا انه ومنذ الاعلان عن اقامة مناطق خفض التوتر، تراجعت حدة الغارات على إدلب بشكل ملحوظ.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.