لقاء سري بين شويغو وحمو في حميميم قبل غارات روسيا على «الوحدات» الكردية

TT

لقاء سري بين شويغو وحمو في حميميم قبل غارات روسيا على «الوحدات» الكردية

ما إن حطت طائرة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو في قاعدة حميميم في اللاذقية بعد لقائه الرئيس بشار الأسد في دمشق الثلاثاء الماضي، حتى هبطت في المطار طائرة روسية أعلى متنها قائد «وحدات حماية الشعب» الكردية سبان حمو، في أول لقاء من نوعه بين مسؤول روسي وقيادي عسكري كردي سوري.
رسالة شويغو إلى الأسد، كانت ثلاثية: أولاً، «تهنئة» بفك قوات النظام وميلشيات إيران و«حزب الله» بغطاء ودعم بري روسي الحصار عن دير الزور. ثانياً، الإعداد لعبور هذه القوات نهر الفرات إلى الضفة الغربية و«تحدي» الأميركيين واختبار مدى التزامهم تجاه حلفائهم في «قوات سوريا الديمقراطية» بقيادة «الوحدات» الكردية على الأرض. ثالثاً، إبلاغ دمشق قرار موسكو الموافقة على نشر مراقبين عسكريين أتراك في إدلب ضمن خطة لتفكيك «هيئة تحرير الشام» التي تضم «فتح الشام» (النصرة سابقاً).
البند الثالث اقتضى أيضا محادثات روسية - إيرانية قام بها في اليوم التالي وزير الخارجية جواد ظريف لدى لقائه نظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو. التسوية كانت بتوسيع دائرة المراقبين لتشمل أيضاً وجوداً إيرانياً، بحيث يكون الروس والإيرانيون «منطقة عازلة» بين فصائل المعارضة و«المراقبين» الأتراك وقوات النظام في أرياف حلب وحماة واللاذقية المحيطة بإدلب.
أحد أهداف التدخل التركي في إدلب، هو منع «الممر الكردي» من عفرين شمال حلب إلى اللاذقية والبحر المتوسط. كما نجحت تركيا في وأد قيام كردستان شمال سوريا بمنع التواصل بين إقليمي الحسكة وعين العرب (كوباني) شرق نهر الفرات وإقليم عفرين غرب النهر لدى قيامها بعملية «درع الفرات» شمال حلب، تسعى الآن إلى عملية عسكرية في إدلب ضد «جبهة النصرة» لمنع تمدد «الوحدات» الكردية إلى إدلب تحت عنوان محاربة الإرهاب، كما فعلت في شمال شرقي البلاد في قتالها لـ«داعش» بغطاء من التحالف الدولي بقيادة أميركا.
عفرين، التي تسعى أنقرة إلى منع ربطها بالبحر، أقلعت منها الطائرة الروسية تحمل قائد «وحدات الحماية» إلى ريف اللاذقية. كان الجيش الروسي سبق هذا اللقاء بأن أقام «منطقة خفض تصعيد» في ريف حلب لدى نشر قواته في تل رفعت لمنع صدام بين فصائل «الجيش الحر» و«وحدات الحماية» من جهة ثانية وإزالة ذرائع تدخل تركيا ضد عفرين من جهة ثانية. لكن لقاء شويغو - حمو، استهدف شيئا آخر: إغراء وترهيب «وحدات حماية الشعب» الكردية التي تشكل المكون الرئيسي لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) للابتعاد عن واشنطن والتعاون مع موسكو في المعركة المقبلة: قتال «داعش» شرق نهر الفرات والانضمام إلى الحلف الذي يضم بغداد ودمشق وطهران وموسكو و«حزب الله».
واشنطن قطفت إنجاز هزيمة «داعش» في الموصل العراقية وعلى وشك دحر التنظيم في معقله في الرقة شرق سوريا. التحالف الدولي الذي تتزعمه أميركا يحقق إنجازات ضد تنظيم خطر على العالم. لذلك، فإن موسكو تبحث عن نصر مواز في دير الزور. الرئيس فلاديمير بوتين بإمكانه القول إنه هزم «داعش» في مدينة تدمر التاريخية. وهو يسعى إلى نصر مشابه في دير الزور ويريد دوراً لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية.
وبحسب مصادر دبلوماسية غربية، فإن حيزاً كبيراً من لقاء شويغو - حمو الذي استمر نحو ساعة ونصف الساعة تركز على الحرب ضد الإرهاب ومعركة دير الزور. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» أمس: «واشنطن جعلت الحرب على الإرهاب موضوعاً عالمياً وموسكو تريد نصراً كبيراً يوازي الانتصارات الأميركية».
وأضافت: «ما يزعج الروس أن الأميركيين يتحدثون معهم بفوقية. هم يرون أنفسهم قوة عظمى ويريدون تعاملاً ندياً من واشنطن».
حمو، من جهته، قال لشويغو إن «وحدات حماية الشعب» و«قوات سوريا الديمقراطية» أثبتت كفاية عالية في الحرب ضد الإرهاب منذ تحرير كوباني قبل سنتين، و«الوحدات» لديها قضية تتعلق بالشعب الكردي ومستعدة للتعاون مع أي طرف يقدم لها الدعم سواء كان أميركا أو روسيا، لذلك هي تتعاون مع واشنطن شرق نهر الفرات ومع موسكو غرب النهر، بحسب المصادر الدبلوماسية. وأضافت أن حمو أبلغ شويغو أن «الأكراد طرف موجود على الأرض وهو فعال ضد الإرهاب» وأنه لا بد توفير ضمانات لمستقبل الأكراد في مستقبل سوريا. رد شويغو كان أنه تحدث عن «النموذج الروسي» باعتباره نموذجياً لسوريا الجديدة، الأمر الذي يمكن تفسيره بقبول موسكو «مبدأ الفيدرالية».
كان أكراد سوريا أعلنوا إدارات محلية لـ«روج آفا» (غرب كردستان) نهاية 2013، لكن تحولت قبل شهرين إلى «الفيدرالية الديمقراطية لشمال سوريا»، حيث جرى ضم مناطق عربية حررت من «داعش». باتت فيدرالية جغرافية وليست فيدرالية ديموغرافية تقوم على المكونات. وهم وحلفاؤهم العرب شرق نهر الفرات ماضون في تأسيس «فيدرالية الشمال السوري». وتجري يوم الجمعة المقبل انتخابات الكومينات (الوحدات الصغيرة) ثم الانتخابات المحلية بداية نوفمبر (تشرين الثاني) قبل اقتراع «الأقاليم ومؤتمر الشعوب الديمقراطي» بداية العام المقبل.
موسكو، التي تقول إنها ملتزمة القرار 2254 ونص على «سيادة سوريا ووحدة أراضيها» ترفض أي نزعة انفصالية، لكن لا تمانع بتشكيل مجالس محلية ضمن مبدأ اللامركزية لذلك دعمت هذه المقاربة في اتفاقات «خفض التصعيد» في درعا وغوطة دمشق وريف حمص وإدلب.
المفاجأة، أنه بعد أيام على لقاء شويغو - حمو، شنت طائرات روسية غارات على مواقع «قوات سوريا الديمقراطية» شرق دير الزور شرق الفرات، حيث تقع القواعد الأميركية وتحلق طائرات التحالف الدولي بالتزامن مع تهديدات من دمشق بقتال «وحدات حماية الشعب».
نقل الأكراد ما حصل إلى حلفائهم الأميركيين الذي سألوا الروس. نفى الروس شن غارات، لكن الأميركيين يعرفون أن الروس قصفوا «قسد» ودعموا قوات النظام وحلفائها لعبور الفرات. وقال المسؤول الغربي: «هذا الأسلوب الروسي. مفاوضات تحت النار. وحصل هذا مرات عدة في مناطق خفض التصعيد، وقبل ذلك شرق حلب عندما كان الروس ينفون قصف المعارضة، لكن الوحدات الخاصة الروسية كانت تقدم الدعم لقوات النظام على الأرض للسيطرة على أحياء المعارضة».



الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
TT

الحوثيون يكثّفون حملة الاعتقالات في معقلهم الرئيسي

جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)
جنود حوثيون يركبون شاحنة في أثناء قيامهم بدورية في مطار صنعاء (إ.ب.أ)

أطلقت الجماعة الحوثية سراح خمسة من قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في مناطق سيطرتها، بضمانة عدم المشاركة في أي نشاط احتجاجي أو الاحتفال بالمناسبات الوطنية، وفي المقابل كثّفت في معقلها الرئيسي، حيث محافظة صعدة، حملة الاعتقالات التي تنفّذها منذ انهيار النظام السوري؛ إذ تخشى تكرار هذه التجربة في مناطق سيطرتها.

وذكرت مصادر في جناح حزب «المؤتمر الشعبي» لـ«الشرق الأوسط»، أن الوساطة التي قادها عضو مجلس حكم الانقلاب الحوثي سلطان السامعي، ومحافظ محافظة إب عبد الواحد صلاح، أفضت، وبعد أربعة أشهر من الاعتقال، إلى إطلاق سراح خمسة من أعضاء اللجنة المركزية للحزب، بضمانة من الرجلين بعدم ممارستهم أي نشاط معارض لحكم الجماعة.

وعلى الرغم من الشراكة الصورية بين جناح حزب «المؤتمر» والجماعة الحوثية، أكدت المصادر أن كل المساعي التي بذلها زعيم الجناح صادق أبو راس، وهو عضو أيضاً في مجلس حكم الجماعة، فشلت في تأمين إطلاق سراح القادة الخمسة وغيرهم من الأعضاء؛ لأن قرار الاعتقال والإفراج مرتبط بمكتب عبد الملك الحوثي الذي يشرف بشكل مباشر على تلك الحملة التي طالت المئات من قيادات الحزب وكوادره بتهمة الدعوة إلى الاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بأسلاف الحوثيين في شمال اليمن عام 1962.

قيادات جناح حزب «المؤتمر الشعبي» في صنعاء يتعرّضون لقمع حوثي رغم شراكتهم الصورية مع الجماعة (إكس)

في غضون ذلك، ذكرت وسائل إعلام محلية أن الجماعة الحوثية واصلت حملة الاعتقالات الواسعة التي تنفّذها منذ أسبوعين في محافظة صعدة، المعقل الرئيسي لها (شمال)، وأكدت أنها طالت المئات من المدنيين؛ حيث داهمت عناصر ما يُسمّى «جهاز الأمن والمخابرات»، الذين يقودهم عبد الرب جرفان منازلهم وأماكن عملهم، واقتادتهم إلى معتقلات سرية ومنعتهم من التواصل مع أسرهم أو محامين.

300 معتقل

مع حالة الاستنفار التي أعلنها الحوثيون وسط مخاوف من استهداف قادتهم من قبل إسرائيل، قدّرت المصادر عدد المعتقلين في الحملة الأخيرة بمحافظة صعدة بنحو 300 شخص، من بينهم 50 امرأة.

وذكرت المصادر أن المعتقلين يواجهون تهمة التجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل ودول أخرى؛ حيث تخشى الجماعة من تحديد مواقع زعيمها وقادة الجناح العسكري، على غرار ما حصل مع «حزب الله» اللبناني، الذي أشرف على تشكيل جماعة الحوثي وقاد جناحيها العسكري والمخابراتي.

عناصر من الحوثيين خلال حشد للجماعة في صنعاء (إ.ب.أ)

ونفت المصادر صحة التهم الموجهة إلى المعتقلين المدنيين، وقالت إن الجماعة تسعى لبث حالة من الرعب وسط السكان، خصوصاً في محافظة صعدة، التي تستخدم بصفتها مقراً أساسياً لاختباء زعيم الجماعة وقادة الجناح العسكري والأمني.

وحسب المصادر، تتزايد مخاوف قادة الجماعة من قيام تل أبيب بجمع معلومات عن أماكن اختبائهم في المرتفعات الجبلية بالمحافظة التي شهدت ولادة هذه الجماعة وانطلاق حركة التمرد ضد السلطة المركزية منذ منتصف عام 2004، والتي تحولت إلى مركز لتخزين الصواريخ والطائرات المسيّرة ومقر لقيادة العمليات والتدريب وتخزين الأموال.

ومنذ سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد وانهيار المحور الإيراني، استنفرت الجماعة الحوثية أمنياً وعسكرياً بشكل غير مسبوق، خشية تكرار التجربة السورية في المناطق التي تسيطر عليها؛ حيث نفّذت حملة تجنيد شاملة وألزمت الموظفين العموميين بحمل السلاح، ودفعت بتعزيزات كبيرة إلى مناطق التماس مع القوات الحكومية خشية هجوم مباغت.

خلق حالة رعب

بالتزامن مع ذلك، شنّ الحوثيون حملة اعتقالات شملت كل من يُشتبه بمعارضته لسلطتهم، وبررت منذ أيام تلك الحملة بالقبض على ثلاثة أفراد قالت إنهم كانوا يعملون لصالح المخابرات البريطانية، وإن مهمتهم كانت مراقبة أماكن وجود قادتها ومواقع تخزين الأسلحة في صنعاء.

وشككت مصادر سياسية وحقوقية في صحة الرواية الحوثية، وقالت إنه ومن خلال تجربة عشرة أعوام تبيّن أن الحوثيين يعلنون مثل هذه العمليات فقط لخلق حالة من الرعب بين السكان، ومنع أي محاولة لرصد تحركات قادتهم أو مواقع تخزين الصواريخ والمسيرات.

انقلاب الحوثيين وحربهم على اليمنيين تسببا في معاناة ملايين السكان (أ.ف.ب)

ووفق هذه المصادر، فإن قادة الحوثيين اعتادوا توجيه مثل هذه التهم إلى أشخاص يعارضون سلطتهم وممارساتهم، أو أشخاص لديهم ممتلكات يسعى قادة الجماعة للاستيلاء عليها، ولهذا يعمدون إلى ترويج مثل هذه التهم التي تصل عقوبتها إلى الإعدام لمساومة هؤلاء على السكوت والتنازل عن ممتلكاتهم مقابل إسقاط تلك التهم.

وبيّنت المصادر أن المئات من المعارضين أو الناشطين قد وُجهت إليهم مثل هذه التهم منذ بداية الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية بانقلابها على السلطة الشرعية في 21 سبتمبر (أيلول) عام 2014، وهي تهم ثبت زيفها، ولم تتمكن مخابرات الجماعة من تقديم أدلة تؤيد تلك الاتهامات.

وكان آخرهم المعتقلون على ذمة الاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم أسلافهم في شمال اليمن، وكذلك مالك شركة «برودجي» التي كانت تعمل لصالح الأمم المتحدة، للتأكد من هوية المستفيدين من المساعدات الإغاثية ومتابعة تسلمهم تلك المساعدات؛ حيث حُكم على مدير الشركة بالإعدام بتهمة التخابر؛ لأنه استخدم نظام تحديد المواقع في عملية المسح، التي تمت بموافقة سلطة الحوثيين أنفسهم