الهند تواجه تباطؤاً اقتصادياً

حققت5.7 % نمواً في شهر يونيو هو الأضعف منذ 2014

من غير المرجح أن ينتعش الاقتصاد ما لم يتم إصلاح أوجه القصور والخلل (أ.ف.ب)
من غير المرجح أن ينتعش الاقتصاد ما لم يتم إصلاح أوجه القصور والخلل (أ.ف.ب)
TT

الهند تواجه تباطؤاً اقتصادياً

من غير المرجح أن ينتعش الاقتصاد ما لم يتم إصلاح أوجه القصور والخلل (أ.ف.ب)
من غير المرجح أن ينتعش الاقتصاد ما لم يتم إصلاح أوجه القصور والخلل (أ.ف.ب)

تشهد الهند، التي كان اقتصادها هو الأسرع نمواً على مستوى العالم، حالياً تراجعاً اقتصادياً؛ وهو نبأ من المرجح أن يحبط المستثمرين الأجانب والحكومة الهندية على السواء، حيث تفوقت عليها الصين التي وصل ما حققته من نمو اقتصادي خلال الربع الأخير إلى 6.9 في المائة.
وأعلن المصرف الاحتياطي الهندي رسمياً تراجع النمو الاقتصادي الهندي على نحو مفاجئ خلال شهر يونيو (حزيران) الماضي، حيث بلغ 5.7 في المائة فقط. ورغم أن هذا الرقم موضع حسد كثير من الدول، فإنه يعد الأضعف منذ بداية 2014، وأقل من المعدل البالغ 6.1 في المائة، الذي تم تحقيقه في مارس (آذار) الماضي، وأقل كثيراً من المعدل البالغ 7.6 في المائة الذي تم تحقيقه خلال العام الماضي. كذلك يعد معدل النمو الذي سجلته الهند أقل من المعدل الذي توقعه خبراء الاقتصاد البالغ 6.5 في المائة؛ ويشير هذا إلى تدهور الوضع الاقتصادي الهندي.
في كل الأحوال، اتفق أكثر الاقتصاديين على أن النمو سوف يتراجع بعد أشهر من القرار غير الموفق الذي أصدره رئيس الوزراء ناريندرا مودي بمنع تداول 86 في المائة من حجم العملة. مع ذلك، عندما أعلنت الحكومة الأرقام الرسمية الحقيقية خلال الأسبوع الماضي، التي أوضحت أن النمو الاقتصادي قد وصل إلى 5.7 في المائة مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي، كان الرقم مفاجئاً بل وصادماً؛ حيث لم يكن أحد يتوقع تدني معدل النمو إلى هذا الحد.
وقال نيلكانث ميشرا، مخطط استراتيجي في مصرف «كريدي سويس» في الهند، في مقابلة إعلامية، إن الاقتصاد الهندي يمر بمرحلة ضبابية يخيم عليها الغموض في ظل احتمال عرقلة العوامل المتغيرة الاقتصاد الكلي للاستثمار، والنمو، مما يؤدي إلى انخفاض إجمالي الناتج المحلي، وكذلك العائدات المتوقعة خلال العام المالي المقبل.

أين الخطأ؟

رغم أن كل شيء يبدو سليماً، ما الذي أخطأت به الهند؟ بدأ خبراء الاقتصاد في إثارة مناقشات تحمّل سياسات الحكومة، مثل إلغاء تداول بعض العملات، والنظام الضريبي الجديد، مسؤولية التباطؤ الاقتصادي.
يذكر أن أكثر خبراء الاقتصاد قد توقعوا عدم تحقيق زيادة في إجمالي الدخل المحلي لمدة ربعين بعد نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، حين قررت الحكومة منع تداول بعض العملات الورقية بسحب 86 في المائة من حجم العملات من السوق، إلى جانب النظام الضريبي الجديد.
وقال أبهيك باورا، كبير خبراء الاقتصاد في مصرف «إتش دي إف سي» في نيودلهي: «يبدو أن الأرقام تشير إلى ازدياد التباطؤ منذ الربع الأخير بسبب حدوث تباطؤ طويل المدى، وعوامل صادمة مؤقتة مثل إلغاء تداول بعض العملات الورقية، وضريبة السلع والخدمات». كذلك صرح الخبير الاقتصادي أشوك غولاتي قائلا: «تباطؤ إجمالي الناتج المحلي إلى هذا الحد يثير القلق، لكنه لم يكن مفاجئاً تماماً، نظراً لاتخاذ قرار بمنع تداول بعض العملات، إلى جانب الضريبة المفروضة على السلع والخدمات».
وقد نتجت الأرقام الأخيرة الخاصة بإجمالي الناتج المحلي عن تباطؤ في مجالات البناء، والتصنيع، والخدمات التجارية، فقد تقلص النشاط في قطاع البناء بمقدار 3.7 في المائة في الربع الأخير، مقارنة بالربع نفسه من العام الماضي، بعدما حقق نمواً بمقدار 3.4 في المائة خلال الربع الذي يسبقه. وحقق قطاع التصنيع نمواً بمقدار 5.3 في المائة خلال الربع الأخير؛ أي أقل كثيراً من النمو البالغ 8.2 في المائة، الذي تم تحقيقه خلال الربع الذي انتهى في 31 ديسمبر (كانون الأول) الماضي. كذلك شهد قطاع الخدمات انخفاضا في النمو؛ حيث بلغ معدل النمو 2.2 في المائة مقارنة بالربع السابق.
وصرح كاوشيك باسو، كبير الخبراء الاقتصاديين، لوكالة أنباء «بلومبيرغ» خلال مقابلة بأن تباطؤ الاقتصاد الهندي نتج بشكل كبير عن إلغاء تداول بعض العملات الذي تمتد آثاره إلى العام المالي الجديد. ويعتقد باسو أن التراجع كان أكبر من المتوقع. ورداً على سؤال عن خطأ الحكومة في حساب حجم النقود السوداء في النظام المالي، وهو قرار خاطئ دفعت البلاد ثمنه غالياً في شكل تباطؤ النمو الاقتصادي، قال كبير المستشارين الاقتصاديين سابقاً: «الأمر الصادم هو أن 99 في المائة من العملات ذات فئة الـ500 والألف روبية، عادت إلى النظام المصرفي». وقد قال ذلك استناداً إلى البيانات الرسمية الصادرة عن المصرف الاحتياطي الهندي بشأن إلغاء تداول العملات. مع ذلك، يعتقد أن تأثير الصدمة سوف يتراجع بعد ربعين ما لم ترتكب الحكومة خطأ آخر مثل خطأ إلغاء تداول العملات. كذلك يتوقع أن يتعافى الاقتصاد بحلول عام 2018.
حدث هذا التباطؤ الاقتصادي نتيجة عوامل تتجاوز منع تداول بعض العملات أو أي ظاهرة أخرى مؤقتة؛ فهناك شيء ما خاطئ في سياسات الحكومة الهندية؛ ومن غير المرجح أن ينتعش الاقتصاد ما لم يتم إصلاح أوجه القصور والخلل. ربما تحدث طفرة حقاً على المدى المتوسط، فعلى سبيل المثال، قد يزيد المصنعون، الذين كانوا يتخلصون من المخزون لديهم تحسباً لنظام الضريبة غير المباشرة الجديد، أو الضريبة على السلع والخدمات، المخرج؛ وقد تنخفض الواردات قليلا نتيجة لتراجع الطلب المحلي.

الحكومة تشعر بالصدمة

أربكت البيانات الحكومة، وأثرت سلباً على الخطاب الخاص بالنمو الذي تتبناه حكومة مودي، التي تولت السلطة بتعهدها بتحقيق تنمية ومحاربة الفساد، وسيتعين عليها مواجهة الناخبين خلال أقل من عامين.
وصرح أرون جايتلي، وزير المالية الهندي قائلا: «إنه لمن المثير للقلق حقاً أن ينخفض إجمالي الناتج المحلي إلى هذا الحد، لذا من الواضح أن الأمر يمثل تحدياً بالنسبة للاقتصاد».
وأقرّ الوزير في معرض تعبيره عن قلقه من الزيادة التي تقل عن المتوقع، بأن التحدي الذي تواجهه الحكومة الآن هو وضع سياسات، واتخاذ إجراءات خاصة بالاستثمار، بغرض زيادة الزخم.
ومن الخيارات المطروحة تأجيل تنفيذ خريطة الطريق المالية من أجل دفع الاقتصاد للأمام بزيادة الإنفاق الحكومي. ومن المؤكد أن القيام بتوسع في السياسة المالية يتضمن مخاطر كبيرة، خصوصا في وقت أعلنت فيه كثير من حكومات الولايات، أو تفكر في إعلان، عجزها عن سداد قروض زراعية ضخمة، مما من شأنه زيادة سعر الفائدة، وتراكم مزيد من القروض الجديدة.
على الجانب الآخر، كان للاندفاع نحو التخلص من المخزون قبيل العمل بضريبة السلع والخدمات تأثير على التصنيع على حد قول جايتلي، الذي أضاف أن تراجع المخزون الكبير قد أدى إلى وصول القطاع إلى أدنى نقطة.
كذلك أحدث مصرف الاحتياطي الفيدرالي صدمة أخرى من خلال تقرير آخر أصدره بشكل متزامن ذكر فيه أنه تمت إعادة 99 في المائة من العملات التي تم وقف تداولها، مما يثير الشكوك والتساؤلات بشأن صحة القرار الصادم الذي تم اتخاذه في 8 نوفمبر (تشرين الثاني).
مع ذلك قال وزير المالية الهندي إن آثار القرار المذكور كانت «ضمن الحدود المتوقعة». وأوضح قائلا: «ليس معنى إيداع المال في المصارف أنها أموال مصدرها مشروع» في إشارة إلى 1.8 مليون حساب يقال إنها تخضع لفحص ضريبة الدخل. مع ذلك بعد الإعلان عن الأرقام الرسمية الخاصة بإجمالي الناتج المحلي، أقرّ بأن «البيانات تمثل تحديا بالنسبة للاقتصاد. نحن بحاجة للعمل بشكل أكبر على السياسات والاستثمار خلال الربع المقبل».

مبعث قلق... وإجراءات

يقول مسؤولون تنفيذيون في مجال الأعمال الهندي إنهم يشعرون بقلق أكبر إزاء تأثير القروض المتعثرة على ميزانيات المصارف، وهو ما يمنعهم من الاستفادة بالكامل من مزايا خفض معدل فائدة المصرف المركزي. وأوضحوا أن هذا الأمر يقضي على الحيوية الاقتصادية في الهند.
ويقول راغورام راجان، الرئيس السابق لمصرف الاحتياطي الفيدرالي، إن مشكلات الميزانية المزدوجة، والضريبة على السلع والخدمات، وإلغاء تداول بعض العملات، أسهمت في حدوث التباطؤ الاقتصادي. وأضاف قائلا إنه على الحكومة الهندية إصلاح ميزانية مصارفها، والشركات التي ترزح تحت عبء الديون، والعمل من أجل إعادة إحياء مشروعات البنية التحتية المتوقفة، خصوصا في مجال الطاقة، والتركيز على التصدير، إن كانت جادة حقاً في إعادة اقتصادها إلى المسار الصحيح.
وأوضح راجان، الذي عبر في وسائل الإعلام عن آرائه الخاصة بخصوص قرار إلغاء تداول بعض العملات، قائلا إن سمعة الهند بوصفها اقتصادا يتجه نحو الإصلاح لا تزال جيدة رغم ما شهدته مؤخراً من تباطؤ اقتصادي. وأضاف قائلا: «أنا أفكر في الجانب الإيجابي، فقد تم إجراء كثير من الإصلاحات، كان لبعضها، مثل الضريبة على السلع والخدمات، تأثير سلبي قصير المدى، لكن من المأمول أن يظهر تأثيرها الإيجابي على المدى الطويل. لقد تم إجراء إصلاحات، وأصبحت لنا سمعة جيدة في هذا الشأن».
مع ذلك، هناك مثار قلق آخر في الهند يتمثل في الترويج للصادرات. تحتاج الحكومة إلى التركيز بشكل أكبر على المبادرات السياسية القائمة على تدخل مالي ونقدي من أجل تعزيز الصادرات. يبدو أن قيمة الروبية الهندية تزداد بشكل مفتعل، وهو ما يضرّ بقدرة البلاد على التصدير، لذا تحتاج العملة إلى إجراء إصلاحي. كذلك ينبغي على الهند الاتجاه نحو خفض سعر الفائدة ليكون في مستوى سعر الفائدة في الدول الأخرى، حيث يساعد ذلك في دعم كثير من القطاعات.
وأخيراً يمكن القول إن البيانات الأخيرة الخاصة بإجمالي الناتج المحلي قد تسبب إزعاجاً كبيراً لرئيس الوزراء الهندي، الذي أتم لتوه 3 سنوات في الحكم.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».