بيروت تستضيف المؤتمر السنوي الثالث عشر لنقابة دور الحضانة

يتطلّع إلى تنظيم هذه المهنة وتطويرها لمواكبة العصر

دور الحضانة تشكّل مرحلة انتقالية للطفل
دور الحضانة تشكّل مرحلة انتقالية للطفل
TT

بيروت تستضيف المؤتمر السنوي الثالث عشر لنقابة دور الحضانة

دور الحضانة تشكّل مرحلة انتقالية للطفل
دور الحضانة تشكّل مرحلة انتقالية للطفل

قد يكون فنّ تربية الأطفال من أصعب المهمات التي تواجهنا في حياتنا اليومية. وغالباً ما نبحث ونفتش عن معلومات تفيدنا في هذا المجال، لا سيما أن عالم الطفولة شاسع ويتطلّب مسؤولية كبيرة من قبل الأشخاص الذين يعايشونه عن قرب كالأهل والقيمين على دور الحضانة.
ومن هذا المنطلق استضافت بيروت وللسنة الثالثة عشرة على التوالي المؤتمر السنوي الخاص بدور الحضانة في لبنان بعد أن تجاوز عددها الـ450 مركزاً.
«نهدف في هذا المؤتمر السنوي الذي عادة ما ترافقه ورش عمل في فترات مختلفة من السنة، إلى تعزيز دور الحضانات في لبنان والوقوف على آخر مستجداتها. وكذلك على إيجاد حلول لبعض المشاكل التي تواجهنا في هذا المجال». تقول هلا زكريا نائبة رئيس نقابة دور الحضانة في حديث لـ«الشرق الأوسط». وتضيف: «لعلّ شغلنا الأول يتركّز على تأمين أكبر عدد ممكن من المفتشين التابعين لوزارة الصحة التي تساندنا مشكورة في عملنا لضبط أي مخالفات تشوب بعض هذه الدور».
وحسب هلا زكريا فإن هؤلاء المفتشين يتمتعون بكفاءات عالية مما يدفع بالنقابة إلى المطالبة بزيادة عددهم كي تكون دور الحضانة في منطقة الآمان.
وعالج المؤتمر الذي انعقد في فندق فينيسيا في بيروت موضوعات مختلفة تمتّ إلى عالم الطفولة بشكل عام وإلى عالم دور الحضانات بشكل خاص، وبينها ما تناول أوضاعها اليوم والمخاطر المحيطة بها، وكذلك كيفية وضع خطة عمل مستقبلية لدور حضانة أكثر تطوراً تضاهي بمستواها أهم دور الحضانة في العالم.
«يحتلّ لبنان بين جيرانه مكانة مهمة في هذا المجال، بحيث يتم استدعاؤنا من قبل نقابات عربية أخرى لتقديم العون لها ولا سيما وأننا نملك خبرة كبيرة في مجال تأسيس دور الحضانة يعود إلى عام 2004». توضح زكريا في سياق حديثها، لتضيف: «لم تعد دار الحضانة مجرّد مكان «يزرب» فيه الطفل لساعات متتالية ليأكل ويشرب وينام فقط. بل صار يشكّل دوراً أساسياً في نموّه الفكري والتربوي، وهذا اليوم يعدّ واحداً من المراحل الأساسية التي يجب أن يعيشها الطفل، فتكون تمهيدية وانتقالية للفترة التي تسبق دخوله المدرسة».
تعلّم الموسيقى والغناء والرسم والتلوين، إضافة إلى متابعة الطفل صفوف تسلية يتخللها ممارسته ألعاباً تثقيفية وتربوية، تؤلّف غالبية المواد المعطاة في دور الحضانة في لبنان. «الأهم في هذا الموضوع أن نتعامل مع اختصاصيين مدربين على هذا النوع من العمل مع الأطفال، كون هذه المرحلة هي التي تحدد الخطوط العريضة لشخصية الطفل عندما يكبر. فنعطي اهتماما ملحوظا بالعبارات والمفردات التي يجب أن تستخدم خلال تعاطينا معه، وكذلك نحاول تنميته فكريا وتربويا بشكل مستمر، ليكون ولدا جاهزا لدخول المرحلة المدرسية وبثقة تامة». وتتابع: «تعدّ دور الحضانة أول من يكتشف أي عيب خلقي مصاب به الطفل لتكون أول من يبادر إلى مساعدته من قبل اختصاصيين، وهو أمر قد يتم تجاهله من قبل الأهل لعدم معرفتهم به عن كثب».
حدّدت وزارة الصحة في لبنان عمر الطفل الذي في إمكانه الانتساب إلى دار الحضانة ما بين الـ70 يوماً و4 سنوات. كما صارت تشدد على ملاحقة غير المرخّص منها تحت طائلة إقفالها. «أعداد دور الحضانة في لبنان تزداد يوما بعد يوم، ولذلك كان المطلب الرئيسي لنا في مؤتمرنا الأخير تأمين عدد أكبر من المفتشين التربويين المختصين بهذا المجال. فكلّما استطعنا التحكّم بالأرض، خففنا من المخاطر التي تحدّق بهذه الدور، ولا سيما فيما يتعلّق بغير المرخص منها». تتابع هلا زكريا التي قدّمت للمؤتمر الأخير وشاركت في برمجته.
وعن الأسعار الخيالية التي تتبعها بعض دور الحضانة في لبنان مقابل انتساب أحد الأطفال إليها أجابت: «هناك خدمات مميزة تؤمنها بعض دور الحضانة في لبنان وتصبّ في مصلحتي الطفل وذويه، وليس هناك من مادة قانونية تفرض على دار حضانة سعراً معيناً، فالقصة تدور حول العرض والطلب، ولدينا في لبنان دور حضانة ذات مستوى جيّد وبأسعار مقبولة، فهذا الخيار يعود للأهل الذين في استطاعتهم أن يتخذوا القرار المناسب لهم في هذا الإطار».



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)