النظام يتحضر للعبور إلى شرق الفرات... والجسور المدمرة تعوقه لوجيستياً

مصدر كردي يعد الغارة على قواته «خرقاً لاتفاق قمة هامبورغ»

المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف (سبوتنك)
المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف (سبوتنك)
TT

النظام يتحضر للعبور إلى شرق الفرات... والجسور المدمرة تعوقه لوجيستياً

المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف (سبوتنك)
المتحدث باسم وزارة الدفاع الروسية إيغور كوناشينكوف (سبوتنك)

تستعد قوات النظام السوري لعبور الضفة الغربية لنهر الفرات في دير الزور باتجاه الضفة الشرقية، بعدما عرقلت تقدم «قوات سوريا الديمقراطية» التي تسابقها للسيطرة على هذه المنطقة، عبر غارات جوية استهدفت «سوريا الديمقراطية» على بعد كيلومترات قليلة من المدينة.
وفي حين أعلن النظام أن قواته انتزعت السيطرة على ضاحية في مدينة دير الزور بشرق البلاد أمس، لتضيّق الخناق بذلك على مقاتلي تنظيم داعش وتؤمن مطارها العسكري الذي سيعاد تأهيله لاستئناف الطلعات الجوية منه، نقلت وسائل إعلام قريبة من النظام أن قواته «تستعد للعبور إلى الضفة الشرقية من نهر الفرات» الذي تعرقله الجسور المدمرة، بموازاة قصف جوي عنيف؛ سوري وروسي، يستهدف تمركزات «داعش» على الضفة الشرقية من النهر، لتدحض بذلك وجود «خطوط حمراء» تمنع عبورها إلى شرق المدينة وريفها الشرقي والجنوبي الشرقي.
وغداة الغارة الجوية التي استهدفت «قوات سوريا الديمقراطية» في شرق الفرات، واتهمت روسيا والنظام بتنفيذها، قال المتحدث باسم تلك القوات مصطفى بالي لـ«الشرق الأوسط»، إن النظام يعرقل حملتها لمحاربة الإرهاب وتنظيم داعش؛ سواء في الرقة أو دير الزور، عادّاً الضربة «رسالة تحذيرية من النظام السوري ضد قواتنا». وقال: «نحن لا نعترف بخطوط حمراء... سنلاحق الإرهاب أينما كان».
ويحمل الهجوم مؤشرات على أن النظام يسعى لوضع خطوط حمراء أمام تقدم «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة في الولايات المتحدة الأميركية إلى الضفة الشرقية من نهر الفرات، كونه يسعى لشن هجمات ضد «داعش» في شرق دير الزور وامتدادا إلى ريفيها الجنوبي الشرقي في مدينتي الميادين والبوكمال، حيث تنفذ طائرات التحالف ضربات ضد معقلي التنظيم في المنطقة.
لكن مصدراً كردياَ رأى أن الهجوم يتخطى برسائله «الخطوط الحمراء»، عادّاً في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» أنها «محاولة لخرق ما تم الاتفاق عليه بين الرئيسين الأميركي والروسي على هامش قمة هامبورغ، وكذلك الاتفاقات العامة المحددة بأن (قوات سوريا الديمقراطية) لا تهاجم النظام، كما يحظر على تلك القوات مهاجمة قوات النظام».
وقال المصدر: «هناك استشفاف من قبل النظام وبدفع إيراني، وربما بموافقة روسية مبطنة، لخرق ما تم الاتفاق عليه بشكل مسبق»، عادّاً أن «المسألة مرتبطة بالدور الإيراني». وأضاف: «المؤشرات تثبت تورط النظام به، كون الهجوم جاء بعد يوم واحد على تصريح مستشارة الرئيس السوري بثينة شعبان بأنهم سيهاجمون أي قوة»، متسائلاً: «لماذا إذن التنصل من الهجوم؟».
ولا تزال «قوات سوريا الديمقراطية» تقاتل في المدينة الصناعية على بعد 6 كيلومترات من مدينة دير الزور في شرق الفرات منذ 4 أيام، خلافاً للزخم العسكري الذي بدأته الأسبوع الماضي، وحققت خلاله نتائج سريعة في المعركة.
ونفى مدير «المرصد السوري لحقوق الإنسان» رامي عبد الرحمن، أن تكون هناك خطوط حمراء منعت «قوات سوريا الديمقراطية» من إحراز تقدم سريع، قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن الاشتباكات العنيفة «تعرقل التقدم».
وكان «المرصد السوري» قد أفاد باستمرار الاشتباكات العنيفة إلى ما بعد منتصف ليل السبت - الأحد، بين «مجلس دير الزور العسكري» المنضوي تحت راية «قوات سوريا الديمقراطية» من جهة؛ وتنظيم داعش من جهة أخرى، في شمال مدينة دير الزور، شرق نهر الفرات، إثر هجمات معاكسة ينفذها التنظيم على تمركزات «مجلس دير الزور العسكري».
في غضون ذلك، استهدفت قوات النظام بعدة قذائف بعد منتصف ليل أول من أمس، مناطق في بلدتي مراط ومظلوم بريف دير الزور الشرقي، في حين واصلت الطائرات الحربية قصفها لمناطق في بلدة البوعمر بريف دير الزور الشرقي، ووسعت الطائرات الروسية ضرباتها على ضفتي نهر الفرات.
ولم يستبعد رامي عبد الرحمن أن القصف على جانبي النهر «يمثل تمهيداً لعبور النهر»، لافتاً إلى أن «القرار اتخذ في اجتماع بين جنرال روسي وقيادة قوات النظام، وأعطيت الأوامر لعبور النهر بعد تجهيز الاستعدادات التقنية واللوجيستية لذلك».
وتعد الجسور المدمرة أبرز العراقيل التي تؤخر عبور قوات النظام إلى الضفة الشرقية للنهر، وقد استهدف القصف تلك الجسور على مدى السنوات الماضية، بهدف منع عناصر «داعش» من العبور ورفد قواته على الضفة الغربية للنهر بالتعزيزات والإمدادات.
وتعزز الاعتقاد بأن النظام سيعبر الضفة الغربية لنهر الفرات، باستهدافه القرى المحاذية للنهر شرق النهر، بحسب ما أفاد ناشطون. وأعلنت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) أن قوات النظام «بالتعاون مع القوات الرديفة والحليفة واصلت عملياتها في مطاردة إرهابيي تنظيم داعش في ريف دير الزور الشرقي، ودمرت آخر تجمعات وتحصينات التنظيم في محيط قرية الجفرة». وأشار المصدر إلى أن العمليات أسفرت عن «تأمين محيط مطار دير الزور بشكل كامل والقضاء على الكثير من إرهابيي تنظيم داعش وتدمير أسلحتهم».
ويعد تأمين المطار، أبرز أهداف النظام لاستئناف الطلعات الجوية منه. وأكد «المرصد» أن قوات النظام مدعومة بغطاء جوي روسي وبمساندة ومشاركة المسلحين الموالين لها من جنسيات سورية وغير سورية، تحاول التقدم والسيطرة على منطقة حويجة صكر، التي ستتيح للقوات الروسية وقوات النظام استخدام مطار دير الزور العسكري قاعدةً للعمليات العسكرية الجارية في محافظة دير الزور، كما تأتي محاولة السيطرة على المنطقة الواقعة في أطراف منطقة دير الزور، بعد تمكن قوات النظام من تحقيق تقدم مهم، أمس، والسيطرة على قرية الجفرة ومنطقة المريعية وأجزاء من بلدة البوعمر، مع سيطرتها النارية على الأجزاء المتبقية من البلدة، إذ تسعى قوات النظام بعد تطويقها ومحاصرتها مدينة دير الزور، إلى التقدم في الريف الشرقي لمدينة دير الزور بمحاذاة النهر عند ضفافه الغربية.
وقالت وكالة الإعلام الروسية نقلا عن مصدر لم تكشف عن اسمه، إن الجيش السوري قطع خط الإمداد الرئيسي لتنظيم داعش في المدينة أمس الأحد، بعدما استعاد السيطرة على حي الجفرة.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.