مؤتمر في نيويورك للتواصل الحضاري بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي

بمشاركة 450 عالماً ومفكراً يمثلون 56 دولة

العيسى خلال كلمته ويبدو المشاركون في الفعاليات والحضور (الشرق الأوسط)
العيسى خلال كلمته ويبدو المشاركون في الفعاليات والحضور (الشرق الأوسط)
TT

مؤتمر في نيويورك للتواصل الحضاري بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي

العيسى خلال كلمته ويبدو المشاركون في الفعاليات والحضور (الشرق الأوسط)
العيسى خلال كلمته ويبدو المشاركون في الفعاليات والحضور (الشرق الأوسط)

دعا الشيخ الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة العالم الإسلامي، إلى التصدي لـ«الإسلاموفوبيا» والعنصرية وكراهية الأجانب، من خلال اعتماد منهج شامل للحوار بين أميركا والشعوب الإسلامية، مشدداً على أهمية التركيز على العوامل المشتركة بين الأمتين للتأسيس لحوار مفيد للطرفين.
جاء ذلك في كلمته في افتتاح أعمال المؤتمر الدولي الذي تنظمه رابطة العالم الإسلامي بعنوان «التواصل الحضاري بين الولايات المتحدة الأميركية والعالم الإسلامي»، بمشاركة منظمة الأمم المتحدة، وحضور 450 عالما ومفكراً يمثلون 56 دولة وكبرى المؤسسات الفكرية والثقافية الإسلامية والأميركية، كما حضر حفل الافتتاح، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة للحريات الدينية سوزان كوك.
وأوضح العيسى، أن التواصل الحضاري بين العالم الإسلامي والولايات المتحدة له تاريخ ممتد في التبادل والتعاون الإنساني والمعرفي والاقتصادي والسياسي، مشيراً إلى أن هذه العلاقة الحضارية المتميزة «كشفت الخطأ الفادح لنظرية صدام الحضارات المبنية على إثارة نعرة الكراهية والعنصرية ونصب حواجز وهمية ربما كانت في بعض أطروحاتها حادة جداً حتى على القواسم المشتركة والتبادل المعرفي والإنساني، وهو مزلق يتجه نحو انحدار خطير للعقل البشري في سياق خروجه عن جادة التفكير السوي البعيد تماماً عن المفاهيم الحضارية، وذلك من واقع رفضه للآخر بدافع من التشاؤم أو الكراهية أو خلل التصور».
وشدد أمين عام الرابطة، أن التعايش الحضاري «لا يعني بالضرورة قناعة كل منا بوجهة نظر الآخر، لكن المهم هو تفهمنا لسنة الخالق في الاختلاف والتعدد والتنوع، ووجوب التعايش والتعاون على ضوء هذا التفهم لخدمة المصالح المتبادلة بل وخدمة الإنسانية جمعاء ولتعزيز السلم الاجتماعي والأمن الفكري ودحر الشر بل وهزيمته، مع ترسيخ مفاهيم البر والإحسان والعدل والحريات المشروعة مع الجميع دون تمييز ديني ولا مذهبي ولا عرقي ولا سياسي ولا فكري ولا غير ذلك».
وأكد، التقاء قادة التطرف الإرهابي، حول شيء واحد، وهو قناعة وترويج كلٍ منهم للنظرية الداعية لصراع البشرية، سواء لاعتبارات دينية أو مذهبية أو فكرية أو ثقافية، «وربما جازف بعضهم ودعا لعنصر وعرق واحد وإلغاء ما سواه بأي أسلوب من أساليب الإلغاء المتاحة له، وهذه من دون شك كارثة فكرية تقود لكارثة إنسانية».
وأشار، أن أحداث التاريخ التي شهدت كوارث مفزعة للصراع «يجب أن تكون داعية لنظرية تلاقي وتواصل وتعاون بل وتحالف الحضارات لا لصراعها حيث انتهى الخلل الفكري بتحليله الفادح في خطئه لتلك الكوارث إلى فهم تشاؤمي لما يجب أن يكون عليه منطق الوعي والبصيرة والمعالجة الصحيحة».
ومن جهته الدكتور يوسف العثيمين أمين عام منظمة التعاون الإسلامي، أن المنظمة تؤمن بدور الحوار في تعزيز الاحترام والتفاهم المتبادلين بين الشعوب، وبأن إرساء ثقافة التعايش السلمي من شأنه خدمة الولايات المتحدة والعالم الإسلامي على حدٍ سواء؛ مؤكداً أن تعزيز الترابط بين الأمم يحميهم من الوقوع في براثن الكراهية والتمييز.
فيما شدد الشيخ الدكتور عبد الرحمن السديس الرئيس العام لشؤون المسجد الحرام والمسجد النبوي، على ضرورة تفعيل القنوات الهادفة لإعمار الأرض ونشر الخير، «وبالمقابل مواجهة دعاة التطرف والإرهاب من أصحاب الفكر المنحرف باتباع أساليب ذات أسس علمية».
وأكد أن الأصل الإنساني المشترك بين الناس يدعوهم إلى الابتعاد عن التفرقة فيما بينهم والركون للسلم والحوار، كما تناول في كلمته، أنواع التواصل بين الأمم وعن دورها في توثيق العلاقات بين البشر؛ مؤكداً ريادة المملكة في مجال التواصل الحضاري، داعياً لنشر هذه الثقافة في كافة البلدان لما يثمر عنها من تعزيز لقيم العدل والمساواة بين البشر.
فيما طالب الأمين العام للمجلس العالمي لقادة الأديان في الأمم المتحدة ياوا جاين، بالانتقال من مرحلة قبول الآخر إلى مرحلة احترام الآخر، مشدداً على ضرورة مشاركة المسلمين الأميركيين في الحياة العامة والنشاطات المدنية، وأن يتحلوا بالوطنية ويلتزموا بمراعاة مصلحة بلدهم ومواطنيهم، مبيناً أن المملكة العربية السعودية تعد أكثر دولة تحرص على مصلحة المسلمين في شتى بقاع الأرض، ومثمناً لرابطة العالم الإسلامي والقائمين عليها لنجاحهم في عقد مثل هذا المؤتمر المهم.
ولفت جاين، إلى أن عدد المسلمين في الولايات المتحدة سيتجاوز الـ50 مليون نسمة عام 2050م، «وعلى الجانبين مشاطرة مخاوفهم وقلقهم بين بعضهم بعضاً، لتذليل كافة العوائق التي من شأنها عرقلة التنمية في العالم».
من جهته، شرح الدكتور ديفيد نصر نائب الرئيس للتنمية الروحية في جامعة «ليبرتي»، منهج جامعته المسيحية في تعزيز قيم التسامح والانفتاح بين الطلاب، ودفعِهم باتجاه التواصل مع المسلمين في أميركا والذين يتمتعون بنفس الالتزام الديني الداعي إلى دعم التنمية وتحقيق الرخاء.
وركّز، على الدور الفاعل الذي يمكن للمشروعات البينية فعله لتوثيق عرى العلاقات بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي، مشدداً على ضرورة توفر الإرادة الصلبة لتحقيق الأهداف ونبذ اليأس والانهزامية.
ومن جانبه، أشار الأمين العام لمجلس الأديان العالمي من أجل السلام وليام فندلي، أن علاقة الولايات المتحدة بالعالم الإسلامي، تنبع من رغبة كِلا الجانبين في تقديم العون لكافة أفراد الأسرة البشرية، مشدداً على أهمية الدور الذي تقوم به المبادئ السامية بوصفها قيمة مشتركة بين الأمّتين الإسلامية والأميركية، و«على أن الحضارات العظيمة لا تنبع إلا من أديان عظيمة وأن هذا أحد أكبر القواسم المشتركة بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي».
وألقى الدكتور محمد بن مطر الكعبي رئيس الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة الإمارات العربية المتحدة كلمة، شدد فيها على أهمية تبادل الآراء والخبرات حول التواصل الإيجابي والفعال بين الولايات المتحدة الأميركية والعالم الإسلامي، ولفت إلى أن البحث حول سبل تعزيز الحوار بين الأمّتين مستمر على كافة المستويات، خاصة بعد القمة العربية الإسلامية الأميركية التاريخية التي استضافتها الرياض في مايو (أيار) من العام الجاري. وأضاف، أن شعوب العالم الإسلامي ترى أن التواصل الحضاري مع الولايات المتحدة: «يجب أن يستند على القيم المشتركة بين مبادئ الحضارة الإسلامية والقيم المثلى بالدستور الأميركي»، مشيراً إلى أن الصراعات المذهبية والعرقية والطائفية التي يشهدها العالم اليوم «تشكل تهديداً حقيقياً لهذا التواصل الحضاري، وتستوجب على قادة الفكر وصناع الرأي ورجال الدين ومراكز القرار أن يسارعوا إلى اتخاذ إجراءات حاسمة لمواجهة هذه التحديات الجسيمة لتعزيز الحوار ونشر قيم الحب بدلا من الحرب، وإحلال ثقافة التسامح والتعايش محل العداوة والبغضاء، وإرساء مبادئ العدل والسلام مكان الظلم والطغيان».
بدوره، نوّه الشيخ عبد الله بن بيه رئيس منتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة، في كلمة مماثلة بدور السعودية في تعزيز السلم بين الشعوب واحتضانها لمقر رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، مبيناً أن المملكة تحمل كل القيم الإنسانية والدينية «وهي جديرة بقيادة العالم الإسلامي لمثل هذه اللقاءات والمؤتمرات»، مؤكدا على أهمية المؤتمر الذي يأتي في وقت حرج يواجه فيه العالم مخاطر وجودية تهدد بنهاية المسيرة البشرية، «فهي المرة الأولى في التاريخ التي يمتلك فيها الإنسان أسلحة يمكن له بواسطتها أن يدمر كوكب الأرض بأكمله».
وقال ابن بيه: «إن الجهود التي تبذلها رابطة العالم الإسلامي تسهم كثيرا في تعزيز الحوار والتعارف والتعاون، وفي أخذ زمام المبادرة دائماً في فتح أفق الحوار»، وتحدث عن العلاقات الإسلامية-الأميركية، موضحاً أنها مبنية على القيم الإنسانية المشتركة الأربع «وهي الرحمة والحكمة والمصلحة والعدل»، والتي تمثل جوهر التعايش بين البشر، مؤكدا أن كل هذه القيم تتفق مع الدستور الأميركي.
وتناول الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر في مصر، أهمية المؤتمر، مبيناً في كلمته، أنه يأتي في ظروف صعبة تحل بالعالم الإسلامي وغيره، ليؤكد على أهمية هذا التواصل «وأن نكون مدركين بأنه لا نجاة إلا بتبني ثقافة السلام بديلاً عن ثقافة الحرب والقهر التي أثبتت على مر العصور فشلها في حل أي صراع أو نزاع أو تحقيق مكاسب دائمة لما يستخدمها مهما كانت قوتها».
وبين أن التواصل الحضاري بين المسلمين وأتباع الأديان الأخرى يعود إلى الصدر الأول من الإسلام، وقد أرسل عدد من الرسل إلى ملوك الفرس وملوك الروم والحبشة ومصر واليمن، وأن الحضارات كافة لا تنكر جهود ابن الهيثم وابن سيناء وابن البيطار، والاستفادة من تجربة عباس ابن فرناس، مبيناً أن الحضارة الإسلامية استفادت من الثقافات المختلفة والذي بلغت ذروتها في العهد العباسي حيث تم إنشاء بيت الحكمة ونشطت حركة الترجمات.
وأشار، أن الدين الإسلامي علمنا بأن الاختلاف في الدين أو المعتقد «لا ينبغي أن يكون سبباً للصراع أو الشقاق»، كما أن للناس جميعاً مشتركات إنسانية يجب العمل عليها، مستشهدا بالانفتاح المبكر للإسلام على غير المسلمين باستعانة الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يوم الهجرة النبوية من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة برجل من غير أهل الإسلام، ليقدم درساً إلى المسلمين في هذا العصر.


مقالات ذات صلة

باكستان: اعتقال شخص بتهمة إهانة القرآن بعد محاولة حشد إعدامه

آسيا الشرطة الباكستانية تُلقي القبض على رجل متهم بإهانة القرآن (إ.ب.أ)

باكستان: اعتقال شخص بتهمة إهانة القرآن بعد محاولة حشد إعدامه

ألقت الشرطة الباكستانية القبض على رجل متهم بإهانة القرآن، في شمال غربي البلاد، اليوم الثلاثاء، بعدما تلقت بلاغاً يفيد بأن مجموعة من الناس تسعى لإعدامه.

«الشرق الأوسط» (بيشاور (باكستان))
الخليج الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى حل ضيفَ شرفٍ على نادي 44 للدراسات الفكرية (الشرق الأوسط)

العيسى يناقش «تفهم الاختلاف ومعالجة سوء الفهم بين الإسلام والغرب» في سويسرا

حَلّ الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي رئيس هيئة علماء المسلمين الشيخ الدكتور محمد بن عبد الكريم العيسى ضيفَ شرفٍ على نادي 44 للدراسات الفكرية.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
الولايات المتحدة​ دونالد ترمب (رويترز)

متعهداً بإنهاء صراع الشرق الأوسط... ترمب يسعى لأصوات المسلمين في ميشيغان

سعى المرشح الجمهوري لانتخابات الرئاسة الأميركية دونالد ترمب إلى استمالة الناخبين المسلمين في ولاية ميشيغان.

«الشرق الأوسط» (ديترويت)
أوروبا مظاهرة لدعم غزة في ميدان ترافالغار بلندن (رويترز)

دراسة: نصف مسلمي الاتحاد الأوروبي يتعرضون للتمييز

أفاد نحو نصف المسلمين المقيمين في دول الاتحاد الأوروبي بأنهم يتعرضون للتمييز في حياتهم اليومية، مع تسجيل «زيادة حادة في الكراهية» عقب حرب غزة.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
الخليج الدكتور محمد العيسى دشن أعمالَ المؤتمر الدولي «الإيمان في عالم متغير» (الشرق الأوسط)

العيسى يدشن المؤتمر الدولي «الإيمان في عالم متغير» للتصدي لشبهات الإلحاد

دشن الشيخ الدكتور محمد العيسى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، رئيس هيئة علماء المسلمين، أعمالَ المؤتمر الدولي «الإيمان في عالم متغير».

«الشرق الأوسط» (الرباط)

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
TT

لماذا يثير الحلف النووي الروسي - الصيني المحتمل مخاوف أميركا وحلفائها؟

وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)
وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف مع وزير الخارجية الصيني وانغ يي على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو بالبرازيل 10 نوفمبر الحالي (أ.ف.ب)

يمثل الصعود العسكري للصين، وبخاصة برنامج تحديث ترسانتها النووية، هاجساً قوياً لدى دوائر صناعة القرار والتحليل السياسي والاستراتيجي في الولايات المتحدة، خصوصاً في ظل التقارب المزداد بين بكين، وموسكو التي تلوح بمواجهة عسكرية مباشرة مع الغرب على خلفية الحرب التي تخوضها حالياً في أوكرانيا.

وفي تحليل نشرته مجلة «ناشونال إنتريست» الأميركية، يتناول ستيفن سيمبالا أستاذ العلوم السياسية في جامعة براندواين العامة بولاية بنسلفانيا الأميركية، ولورانس كورب ضابط البحرية السابق والباحث في شؤون الأمن القومي في كثير من مراكز الأبحاث والجامعات الأميركية، مخاطر التحالف المحتمل للصين وروسيا على الولايات المتحدة وحلفائها.

ويرى الخبراء أن تنفيذ الصين لبرنامجها الطموح لتحديث الأسلحة النووية من شأنه أن يؤدي إلى ظهور عالم يضم 3 قوى نووية عظمى بحلول منتصف ثلاثينات القرن الحالي؛ وهي الولايات المتحدة وروسيا والصين. في الوقت نفسه، تعزز القوة النووية الصينية المحتملة حجج المعسكر الداعي إلى تحديث الترسانة النووية الأميركية بأكملها.

وأشار أحدث تقرير للجنة الكونغرس المعنية بتقييم الوضع الاستراتيجي للولايات المتحدة والصادر في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى ضرورة تغيير استراتيجية الردع الأميركية للتعامل مع بيئة التهديدات النووية خلال الفترة من 2027 إلى 2035. وبحسب اللجنة، فإن النظام الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والقيم التي يستند إليها يواجه خطر نظام الحكم المستبد في الصين وروسيا. كما أن خطر نشوب صراع عسكري بين الولايات المتحدة وكل من الصين وروسيا يزداد، وينطوي على احتمال نشوب حرب نووية.

ولمواجهة هذه التحديات الأمنية، أوصت اللجنة الأميركية ببرنامج طموح لتحديث الترسانة النووية والتقليدية الأميركية، مع قدرات فضائية أكثر مرونة للقيام بعمليات عسكرية دفاعية وهجومية، وتوسيع قاعدة الصناعات العسكرية الأميركية وتحسين البنية التحتية النووية. علاوة على ذلك، تحتاج الولايات المتحدة إلى تأمين تفوقها التكنولوجي، وبخاصة في التقنيات العسكرية والأمنية الجديدة مثل الذكاء الاصطناعي والحوسبة الكمية وتحليل البيانات الكبيرة، وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء الألمانية.

ولم يقترح تقرير اللجنة أرقاماً دقيقة للأسلحة التي تحتاجها الولايات المتحدة ولا أنواعها، لمواجهة صعود الصين قوة نووية منافسة وتحديث الترسانة النووية الروسية. ورغم ذلك، فإن التكلفة المرتبطة بتحديث القوة النووية الأميركية وبنيتها التحتية، بما في ذلك القيادة النووية وأنظمة الاتصالات والسيطرة والدعم السيبراني والفضائي وأنظمة إطلاق الأسلحة النووية وتحسين الدفاع الجوي والصاروخي للولايات المتحدة، يمكن أن تسبب مشكلات كبيرة في الميزانية العامة للولايات المتحدة.

في الوقت نفسه، فالأمر الأكثر أهمية هو قضية الاستراتيجية الأميركية والفهم الأميركي للاستراتيجية العسكرية الصينية والروسية والعكس أيضاً، بما في ذلك الردع النووي أو احتمالات استخدامه الذي يظهر في الخلفية بصورة مثيرة للقلق.

في الوقت نفسه، يرى كل من سيمبالا صاحب كثير من الكتب والمقالات حول قضايا الأمن الدولي، وكورب الذي عمل مساعداً لوزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي الراحل رونالد ريغان، أنه من المهم تحديد مدى تنسيق التخطيط العسكري الاستراتيجي الروسي والصيني فيما يتعلق بالردع النووي والبدء باستخدام الأسلحة النووية أو القيام بالضربة الأولى. وقد أظهر الرئيسان الصيني شي جينبينغ والروسي فلاديمير بوتين، تقارباً واضحاً خلال السنوات الأخيرة، في حين تجري الدولتان تدريبات عسكرية مشتركة بصورة منتظمة. ومع ذلك فهذا لا يعني بالضرورة أن هناك شفافية كاملة بين موسكو وبكين بشأن قواتهما النووية أو خططهما الحربية. فالقيادة الروسية والصينية تتفقان على رفض ما تعدّانه هيمنة أميركية، لكن تأثير هذا الرفض المشترك على مستقبل التخطيط العسكري لهما ما زال غامضاً.

ويمكن أن يوفر الحد من التسلح منتدى لزيادة التشاور بين الصين وروسيا، بالإضافة إلى توقعاتهما بشأن الولايات المتحدة. على سبيل المثال، حتى لو زادت الصين ترسانتها النووية الاستراتيجية إلى 1500 رأس حربي موجودة على 700 أو أقل من منصات الإطلاق العابرة للقارات، سيظل الجيش الصيني ضمن حدود معاهدة «ستارت» الدولية للتسلح النووي التي تلتزم بها الولايات المتحدة وروسيا حالياً. في الوقت نفسه، يتشكك البعض في مدى استعداد الصين للمشاركة في محادثات الحد من الأسلحة الاستراتيجية، حيث كانت هذه المحادثات تجري في الماضي بين الولايات المتحدة وروسيا فقط. ولكي تنضم الصين إلى هذه المحادثات عليها القبول بدرجة معينة من الشفافية التي لم تسمح بها من قبل بشأن ترسانتها النووية.

وحاول الخبيران الاستراتيجيان سيمبالا وكورب في تحليلهما وضع معايير تشكيل نظام عالمي ذي 3 قوى عظمى نووية، من خلال وضع تصور مستقبلي لنشر القوات النووية الاستراتيجية الأميركية والروسية والصينية، مع نشر كل منها أسلحتها النووية عبر مجموعة متنوعة من منصات الإطلاق البرية والبحرية والجوية. ويظهر التباين الحتمي بين الدول الثلاث بسبب الاختلاف الشديد بين الإعدادات الجيوستراتيجية والأجندات السياسة للقوى الثلاث. كما أن خطط تحديث القوة النووية للدول الثلاث ما زالت رهن الإعداد. لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة وروسيا ستواصلان خططهما لتحديث صواريخهما الباليستية العابرة للقارات والصواريخ الباليستية التي تطلق من الغواصات والقاذفات الثقيلة بأجيال أحدث من منصات الإطلاق في كل فئة، في حين يظل الغموض يحيط بخطط الصين للتحديث.

ورغم أن الولايات المتحدة تمتلك ترسانة نووية تتفوق بشدة على ترسانتي روسيا والصين، فإن هذا التفوق يتآكل بشدة عند جمع الترسانتين الروسية والصينية معاً. فالولايات المتحدة تمتلك حالياً 3708 رؤوس نووية استراتيجية، في حين تمتلك روسيا 2822 رأساً، والصين 440 رأساً. علاوة على ذلك، فالدول الثلاث تقوم بتحديث ترساناتها النووية، في حين يمكن أن يصل حجم ترسانة الأسلحة النووية الاستراتيجية الصينية إلى 1000 سلاح بحلول 2030.

ولكن السؤال الأكثر إلحاحاً هو: إلى أي مدى ستفقد الولايات المتحدة تفوقها إذا واجهت هجوماً مشتركاً محتملاً من جانب روسيا والصين مقارنة بتفوقها في حال التعامل مع كل دولة منهما على حدة؟ ولا توجد إجابة فورية واضحة عن هذا السؤال، ولكنه يثير قضايا سياسية واستراتيجية مهمة.

على سبيل المثال، ما الذي يدفع الصين للانضمام إلى الضربة النووية الروسية الأولى ضد الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (ناتو)؟ ولا بد أن نتخيل سيناريو متطرفاً، حيث تتحول الأزمات المتزامنة في أوروبا وآسيا إلى أزمات حادة، فتتحول الحرب الروسية - الأوكرانية إلى مواجهة بين روسيا وحلف «الناتو»، في الوقت الذي تتحرك فيه الصين للاستيلاء على تايوان، مع تصدي الولايات المتحدة لمثل هذه المحاولة.

وحتى في هذه الحالة المتطرفة، لا شك أن الصين تفضل تسوية الأمور مع تايوان بشروطها الخاصة وباستخدام القوات التقليدية. كما أنها لن تستفيد من الاشتراك في حرب بوتين النووية مع «الناتو». بل على العكس من ذلك، أشارت الصين حتى الآن بوضوح تام إلى روسيا بأن القيادة الصينية تعارض أي استخدام نووي أولاً في أوكرانيا أو ضد حلف شمال الأطلسي. والواقع أن العلاقات الاقتصادية الصينية مع الولايات المتحدة وأوروبا واسعة النطاق.

وليس لدى الصين أي خطة لتحويل الاقتصادات الغربية إلى أنقاض. فضلاً عن ذلك، فإن الرد النووي للولايات المتحدة و«الناتو» على الضربة الروسية الأولى يمكن أن يشكل مخاطر فورية على سلامة وأمن الصين.

وإذا كان مخططو الاستراتيجية الأميركية يستبعدون اشتراك روسيا والصين في توجيه ضربة نووية أولى إلى الولايات المتحدة، فإن حجم القوة المشتركة للدولتين قد يوفر قدراً من القوة التفاوضية في مواجهة حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة.

وربما تدعم الصين وروسيا صورة كل منهما للأخرى بوصفها دولة نووية آمنة في مواجهة الضغوط الأميركية أو حلفائها لصالح تايوان أو أوكرانيا. ولكن إذا كان الأمر كذلك، فمن المرجح أن توفر «الفجوة» بين أعداد الأسلحة النووية غير الاستراتيجية أو التكتيكية التي تحتفظ بها روسيا والصين والموجودة في المسرح المباشر للعمليات العسكرية، مقارنة بتلك المتاحة للولايات المتحدة أو حلف شمال الأطلسي، عنصر ردع ضد أي تصعيد تقليدي من جانب الولايات المتحدة ضد أي من الدولتين.

أخيراً، يضيف ظهور الصين قوة نووية عظمى تعقيداً إلى التحدي المتمثل في إدارة الاستقرار الاستراتيجي النووي. ومع ذلك، فإن هذا لا يمنع تطوير سياسات واستراتيجيات إبداعية لتحقيق استقرار الردع، والحد من الأسلحة النووية، ودعم نظام منع الانتشار، وتجنب الحرب النووية. ولا يمكن فهم الردع النووي للصين بمعزل عن تحديث قوتها التقليدية ورغبتها في التصدي للنظام الدولي القائم على القواعد التي تفضلها الولايات المتحدة وحلفاؤها في آسيا. في الوقت نفسه، فإن التحالف العسكري والأمني بين الصين وروسيا مؤقت، وليس وجودياً. فالتوافق بين الأهداف العالمية لكل من الصين وروسيا ليس كاملاً، لكن هذا التحالف يظل تهديداً خطيراً للهيمنة الأميركية والغربية على النظام العالمي.