السعودية: 60 % من السكان يتركزون في 3 مناطق

TT

السعودية: 60 % من السكان يتركزون في 3 مناطق

كشفت دراسة سعودية عن احتضان مناطق مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض ما يقارب 60 في المائة من سكان السعودية، البالغ عددهم 32.6 مليون نسمة، حتى النصف الأول من عام 2017م، حسب البيانات الأولية للهيئة العامة للإحصاء.
وبحسب الدراسة التي تحمل عنوان: «منهج تطوير إدارة التنمية الحضرية للمجتمعات العمرانية من خلال مؤشرات جودة الحياة»، تبلغ مساحة المناطق الثلاث مجتمعة نحو 20 في المائة من إجمالي مسطح المملكة، البالغ نحو 2.150.000 كيلومتر مربع، فيما يعيش 15 في المائة من عدد سكان المملكة في المنطقة الشرقية، ويتوزع باقي السكان على المتبقي من مسطح المملكة.
وعلل المهندس أحمد سندي، معد الدراسة عضو المجلس البلدي عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في مكة، وجود 60 في المائة من التمركز السكاني في مناطق مكة المكرمة والمدينة المنورة والرياض، إلى القوة الاقتصادية لهذه المدن، وتمددها العمراني، إضافة إلى القوة الوظيفية فيها، وسهولة التوسع في أطر المشاريع الاقتصادية والمتوسطة والكبيرة فيها، والمقومات الطبيعية التي تحظى بها. وأضاف سندي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن جملة من الأسباب حدت بالسعوديين نحو التوجه إلى هذه المدن، فهي تعتبر عصباً رئيسياً في الاقتصاد، إضافة إلى أهميتها الجغرافية الجاذبة لرؤوس الأموال، حيث يعدها اقتصاديون نواة جذب كبيرة في النهضة الاقتصادية والتنمية، إضافة إلى أنها قادرة على إنجاح المشاريع في مناحٍ اقتصادية عدة.
وأشار إلى أنه لكل مدينة من هذه المدن دوافعها في النمو الاقتصادي والتمركز، بحيث إنها قادرة على إحداث التغير النوعي الاقتصادي، فمنطقة مكة المكرمة تعتبر قلب العالم الإسلامي، وبها مدينة جدة، وهي واحدة من أهم المدن الاقتصادية في الشرق الأوسط، إضافة إلى مدينة الطائف عاصمة السياحة السعودية، وتحظى منطقة المدينة المنورة بميزة دينية وتنوع سياحي واقتصادي وزراعي، كما أن العاصمة الرياض تعد واحدة من أقوى العواصم الجاذبة للتطوير، وهي تمتلك فرصاً وظيفية لا تضاهيها فيها أي مدينة سعودية أخرى.
وقال سندي إن السبيل للخروج من التكدس السكاني في هذه المدن يكون بإيجاد محركات اقتصادية كبرى في المدن الصغيرة، تتمكن من خلالها من الهجرة العكسية إلى تلك المدن والأرياف وتطويرها، مؤكداً أن التطور الاقتصادي الذي شهدته السعودية منذ عهد المؤسس يعتبر من أهم القفزات الاقتصادية على مستوى العالم.
وأوضحت الدراسة أن السعودية في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، تعيش طفرة في شتى المجالات التنموية والصناعية والتقنية ‏وغيرها، ومنها مشروعات جزر البحر الأحمر، والطاقة البديلة، والمناطق الصناعية، ‏ومشروع القديه جنوب الرياض، ومشروع مدينة الفيصلية الذكية، وعدة مشاريع أخرى، لافتة إلى أن تلك المشروعات سيكون لها دور فعال في عدم تمركز معظم الخدمات في المدن الرئيسية، التي تعد من أهم أسباب هجرة سكان الريف إلى المدن.
وأفادت أن البناء الاجتماعي في المجتمع السعودي بات أكثر مرونة وأكثر جذباً، مما ترتب عنه تغيير نمط الحياة، وأصبحت حدة التباين الاجتماعي ضئيلة، مشيرة إلى أن الدولة أخذت بعين الاعتبار في التخطيط الحديث والبرامج المستقبلية الموضوعة من ولاة الأمر ‏في خطوات استباقية، تفعيل إدارة التنمية الحضرية في المجتمعات العمرانية، من بينها منهاج لتطوير إدارة التنمية الحضرية للمجتمعات العمرانية الجديدة، ووضعت حلولاً لتحسين مؤشرات جودة الحياة، من خلال ‏قيام إدارة التنمية الحضرية بإنشاء مدن جديدة، وإعادة تنظيم وهيكلة ‏وتوسع المدن الصغيرة المنتشرة في أرجاء السعودية، وأنشأت مدناً جديدة، بحيث تتضمن مناطق صناعية ومنحاً سكنية ومواقع صناعية ‏وتأمين البنية التحتية للكهرباء والمياه والصرف الصحي والشبكة الاتصالات والخدمات الذكية.
كما أن هناك بعض من الخدمات التعليمية، مثل الجامعات والمعاهد، وأيضاً الخدمات الصحية والهندسية والطبية والاجتماعية ‏والحدائق والمكتبات، وأقامت مجمعات حضارية متكاملة ومراكز خدمية ومصانع وأماكن للحرفيين، وكل هذا يساعد على العمل بإقامة مدن جديدة، ‏وهذا يسبب الهجرة العكسية من المدن إلى المناطق المستحدثة الجديدة المتكاملة.
وأكدت الدراسة أن «مؤشرات جودة الحياة تتمثل في تأمين متطلبات الحياة، من سكن وتعليم وتوفير أسباب الرزق والأمن والترفيه والبيئة الصحية وفرص العمل، ومجتمع تسود فيه الألفة والمحبة والتعاون والتعاضد، وهو ما ‏تعيشه حالياً السعودية التي تمر بأوج ‏طفرتها وتطورها، من خلال وضع الأنظمة واللوائح والمحفزات التنظيمية التي تعكس الصورة الحديثة والمستقبلية لغد واعد نحو العالم الأول».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».