فنانة تحول ندبات ضحايا العنف بالوشم إلى أعمال فنية

في مدينة كوريتيبا البرازيلية تزين فلافيا كارفالهو ندوب الناس (إ.ب.أ)
في مدينة كوريتيبا البرازيلية تزين فلافيا كارفالهو ندوب الناس (إ.ب.أ)
TT

فنانة تحول ندبات ضحايا العنف بالوشم إلى أعمال فنية

في مدينة كوريتيبا البرازيلية تزين فلافيا كارفالهو ندوب الناس (إ.ب.أ)
في مدينة كوريتيبا البرازيلية تزين فلافيا كارفالهو ندوب الناس (إ.ب.أ)

تمنح بيجي ميكش (24 عاماً) المالكة لاستوديو الوشم «شتيشجبيت»، الفرصة للشابات، اللاتي عانين من العنف، أن يخفين ندوبهن بالوشم. وعبر مشروعها الذي أطلقته مؤخراً تريد ميكش العمل مع الجمعيات التي سوف تجعلها على اتصال بالضحايا، وذلك حسب تقرير لوكالة الأنباء الألمانية.
من زبوناتها، ليزا رينر التي تحمل ندبات نتيجة لسنوات من إيذاء النفس. ولكن اليوم، سوف تقوم بتغطيتها بوشم من الزهور زاهية الألوان، والكلمات التي لها معنى خاص بالنسبة لها.
وليزا رينر ليس اسمها الحقيقي، وهي لا تريد أن ترى اسمها الحقيقي منشوراً في الصحف. وتبلغ رينر من العمر 20 عاماً، لكنها تبدو أصغر سنا بينما تستلقي على كرسي فنانة رسم الوشم في مدينة لايبتسيج الألمانية، وهي ترتدي قميصا عليه صورة لكتاب هزلي في واجهة القميص.
وكانت تمسك بلعبتين لينتين وناعمتي الملمس، ولهما عيون مفتوحة واسعة مستديرة وكبيرة، وقالت إنها تصطحبهما دائماً معها تحسباً للحظات التي يطغى عليها فيها الشعور بالقلق.
وكانت على وشك رسم وشم لها بواسطة ميكش وقالت: «يجب أن أقول إن ذراعي لا يبدو في صورة جميلة».
وردت ميكش، وهي ذات شعر بألوان قوس قزح، وثقوب في شفتيها والأنف، بينما بدأت في استخدام معداتها، قائلة: «سوف يكون ذراعك جميلا».
وحصلت رينر على رسم زهور أرجوانية اللون على ساعدها الأيمن، وسوف تكون أوراقها متشابكة حول عبارات تقول: «انتهى الكرب والغم والألم، واخلدي للنوم جيداً يا أمي الحبيبة»، و«عندما تكون قوتكم قد خارت، فإن التخلص من الهموم والأعباء رحمة». هذه الكلمات كانت مهداة لأجدادها.
وذكرت رينر، بينما اختلست فترة راحة لتدخين سيجارة أمام الاستوديو: «هذه هي الطريقة التي أريد أن أقول من خلالها وداعاً لهم».
وقد توفي جدها لوالدها منذ عدة سنوات، ولكن جدتها، أهم شخص في حياتها، توفيت فقط في وقت سابق من هذا العام. وكانت الزهور الأرجوانية هي المفضلة لديها.
وعانت رينر من كل أنواع العنف خلال حياتها القصيرة، على يد والدتها وصديقها السابق. وفي الآونة الأخيرة، كانت تعيش في ملجأ للنساء.
وأطلقت ميكش مشروعها «الوشم ضد العنف» مؤخرا جدا، وكانت رينر هي عميلتها الثانية فقط. ولكنها تريد توسيع نطاق المشروع وتتطلع إلى العمل مع الجمعيات التي سوف تجعلها على اتصال بالضحايا. وهدفها هو رسم الوشم لنحو امرأتين إلى ثلاث في الشهر.
والسؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تفعل ذلك؟ فكان جوابها: «لأن من المهم بالنسبة لي أن أنخرط في الأنشطة المجتمعية». وقالت إنها لا تستطيع أن تتبرع بما يكفي من المال لإحداث فرق حقيقي، ولكنها يمكن أن تقدم الوشم مجاناً. فبعد جلسة معها، بدلا من أن تضطر النساء إلى النظر إلى ندوبهن، يمكن أن ينظرن إلى شيء جميل.
وذكرت ميكش، التي عانت هي أيضا من الاكتئاب في الماضي، إن «الأمر يتعلق بمنحهن شجاعة وقوة جديدة».
وميكش ليست أول شخص طرح الفكرة. ففي مدينة كوريتيبا البرازيلية، تزين فلافيا كارفالهو ندوب الناس، وفي مدينة أوفا الروسية هناك أيضا فنان رسم الوشم الذي يساعد ضحايا العنف المنزلي على محو أي آثار بدنية تذكرهم بذلك.
ما هي التداعيات البدنية للوشم على الندوب؟ أجاب كريستيان لورين، طبيب الأمراض الجلدية في مدينة كارلسروه جنوب غربي ألمانيا: «ليس هناك ما يدعو في طب الأمراض الجلدية للقول إنه ليست هناك تداعيات».
وتنطبق المخاطر نفسها على الوشم على الجلد الخالي من العيوب، بما في ذلك، على سبيل المثال، الحساسية بالنسبة للأصباغ المستخدمة.
ومع ذلك، ليس كل ندبة يمكن تغطيتها بوشم. وقالت ميا زيلكه كنوب، نائبة رئيس الجمعية الألمانية لفناني رسم الوشم، إن أولئك الذين عانوا من إصابات أكثر خطورة يجب أن ينتظروا عاما على الأقل، قبل أن يتم رسم وشم على ندوبهم. بالإضافة إلى ذلك، فإن واحدة من كل 5 ندبات لا يمكن تغطيتها بوشم لأنها سميكة جدا، أو لأن الأنسجة قد التأمت على نحو لا يسمح بتطبيق تصميم الوشم المرغوب فيه.
وأضافت كنوب، التي تملك استوديو لرسم الوشم في ترير، بالقرب من الحدود الألمانية مع لوكسمبورج، إنه عندما يتم رسم الوشم، فإن الألوان تبدو ثخينة لأن الدهون التي تحت الجلد لم تعد موجودة هناك.
ولكن الخطوط يمكن أن تبدأ في الظهور مع مرور الوقت. وتابعت كنوب، أنها «ليست بالجودة نفسها عندما يتم رسمها على جلد خال من العيوب».
وتابعت أن العملاء الذين يرغبون في تغطية الندوب، سواء كانوا ضحايا للعنف أو النساء اللاتي ربما فقدن أحد أو كلا الثديين بعد عمليات السرطان، كثيرون.
وقال الطبيب النفسي نوربرت كروجر، الذي يعالج ضحايا العنف في برلين، إن الوشم لا يمكن أن يكون عوضاً عن العلاج. «قد يعطي ذلك الثقة بالنفس، ولكن في نهاية المطاف هو إجراء يعالج عرضا من الأعراض».
وأضاف أنه مع ذلك قد يساعد رسم الوشم الناس الذين يعتقدون أن ندوبهم تجعل الآخرين يحدقون النظر إليهم. وبعد أسابيع قليلة من الوشم بالزهور الأرجوانية، لا تزال ليزا رينر سعيدة للغاية بها. وقالت، إن «الوشم يغطي الندوب».
وتابعت: «أنا أنظر إليه طوال وقت، ويذكرني بجدتي. وهناك أيام يكون فيها النظر إلى ذراعي أكثر إيلاما من نظرة الآخرين، ولكن أعتقد أن هذا أمر طبيعي».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».