مجزرة لـ«داعش» تبدد هدوء جنوب العراق

عشرات القتلى بينهم إيرانيون بهجمات متتابعة في ذي قار... وقصف على مقر لـ«الحشد» في بغداد

رجال أمن عراقيون في موقع الانفجار بمدينة الناصرية أمس (رويترز)
رجال أمن عراقيون في موقع الانفجار بمدينة الناصرية أمس (رويترز)
TT

مجزرة لـ«داعش» تبدد هدوء جنوب العراق

رجال أمن عراقيون في موقع الانفجار بمدينة الناصرية أمس (رويترز)
رجال أمن عراقيون في موقع الانفجار بمدينة الناصرية أمس (رويترز)

قتل عناصر من تنظيم داعش عشرات في جنوب العراق، أمس، بهجمات متتابعة في محافظة ذي قار التي زارها رئيس الوزراء حيدر العبادي قبل يومين، فيما وقعت هجمات متفرقة في محافظات عدة، كان أبرزها قصفا بقذائف الهاون على مقر لـ«الحشد الشعبي» في بغداد.
وأدى اعتداء ذي قار الذي بدد هدوءاً نسبياً للأوضاع الأمنية في جنوب العراق إلى مقتل أكثر من 75 شخصاً وجرح نحو 90 آخرين، بعدما هاجم مسلحون مطعماً قرب حاجز أمني، وفتحوا النار على مرتاديه، قبل أن تنفجر سيارة ملغومة في محيط الحاجز، بحسب مصادر في وزارة الداخلية. لكن وكالة «رويترز» نقلت عن مصادر في الشرطة أن المكان شهد 3 تفجيرات انتحارية.
وأشارت المصادر الأمنية إلى أن المهاجمين «كانوا يرتدون زي قوات الأمن ويقودون سيارات مسروقة تابعة للجيش» حين استهدفوا نقطة تفتيش للشرطة ومطعمين على طريق سريعة قرب مدينة الناصرية واستخدموا سترات ناسفة وسيارات ملغومة. وتبنى «داعش» الاعتداء في بيان نشرته «وكالة أعماق» التابعة له.
وتتركز عمليات التنظيم عادة في غرب العراق وشماله، ومن النادر نسبياً شنه هجمات في الجنوب الذي يضم أغلب عمليات إنتاج النفط وتحكم قوات الأمن قبضتها عليه. وقال مدير دائرة صحة الناصرية جاسم الخالدي إن مستشفى المدينة استقبل 50 جثة، وإن عدد القتلى قد يزيد لأن بعض المصابين في حالة حرجة، فيما ذكرت مصادر في المستشفى أن بين القتلى 10 إيرانيين على الأقل من قاصدي المزارات الشيعية.
وكان الهجوم على مطعم غرب الناصرية هو الأكثر دموية. وقال عقيد الشرطة علي عبد الحسين إن «أحد المهاجمين فجر سترته الناسفة داخل المطعم المزدحم بينما قامت مجموعة أخرى من المسلحين برمي القنابل اليدوية وإطلاق النار على رواد المطعم».
وقالت مصادر أمنية إن بعض ضباط الشرطة قتلوا في الهجوم على نقطة التفتيش. لكن العدد الإجمالي لضحايا الحادث لم يتضح بعد. وأشارت إلى أن قوات الأمن وضعت في حالة تأهب في أغلب محافظات الجنوب، بما يشمل مدينة البصرة النفطية تحسباً لهجمات مشابهة.
ويأتي هذا الاعتداء ضمن موجة من أعمال العنف والتفجيرات التي شهدتها، أمس، مدن عراقية عدة. وشهدت مدينة المسيب في محافظة بابل، مساء أمس، هجوماً بسيارة مفخخة على حاجز أمني عند مدخل المدينة، أسفر عن «مقتل شرطي وإصابة عدد من الأشخاص». وقال الناطق باسم وزارة الداخلية العميد سعد معن في بيان مقتضب، إن «العجلة كان بداخلها 4 إرهابيين يحملون أسلحة ومواد متفجرة».
وفي بغداد، سقط ما لا يقل عن 7 أشخاص بين قتيل وجريح في حي زيونة ببغداد نتيجة انفجار سيارة مفخخة. وهاجم مسلحون بقذائف الهاون مقراً لـ«الحشد الشعبي» في حي الكرادة ببغداد. وقال وزير الداخلية قاسم الأعرجي إن القذائف أطلقت من جهة الرصافة على «كرافانات» تابعة لـ«الحشد» في منطقة الجادرية «ولا توجد خسائر».
وأشار مصدر أمني إلى أن قذائف الهاون انطلقت من حي البلديات شرق العاصمة. ويرجح مراقبون أمنيون أن يكون نزاع مسلح بين جماعات محسوبة على «الحشد» أدى إلى الهجوم، خصوصاً أن منطقة البلديات تعد من الأحياء الشيعية وتوجد فيها بعض مقرات فصائل «الحشد».
من جهة أخرى، قالت مصادر عسكرية إن عبوة ناسفة زرعت قرب معمل للطابوق في منطقة النهروان أقصى شرقي بغداد، وأدت إلى مقتل شخص وجرح 4 آخرين. وزرع مسلحون عبوة ناسفة أخرى على جانب طريق زراعي في منطقة اليوسفية جنوب العاصمة لدى مرور دورية للجيش، وأدى انفجارها إلى جرح عسكريين اثنين.
ورغم التراجع النسبي لأعمال العنف في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب نتيجة محاصرة القوات العراقية تنظيم داعش وطرده من غالبية المدن التي سيطر عليها في 2014، فإن مراقبين للشأن الأمني يشككون في إنهاء قدرة التنظيمات على شن هجمات؛ إذ لا تزال قادرة على تنفيذ عملياتها الإرهابية بين فترة وأخرى، مما يعزز تحذيرات الخبراء المتواصلة من الخلايا النائمة في الأحياء والمدن.


مقالات ذات صلة

آسيا مسؤولون أمنيون يتفقدون موقع انفجار خارج مطار جناح الدولي في كراتشي بباكستان 7 أكتوبر 2024 (إ.ب.أ)

أعمال العنف بين السنة والشيعة في باكستان عابرة للحدود والعقود

مرة أخرى وقف علي غلام يتلقى التعازي، فبعد مقتل شقيقه عام 1987 في أعمال عنف بين السنة والشيعة، سقط ابن شقيقه بدوره في شمال باكستان الذي «لم يعرف يوماً السلام».

«الشرق الأوسط» (باراشينار (باكستان))
المشرق العربي إردوغان وإلى جانبه وزير الخارجية هاكان فيدان خلال المباحثات مع بيلنكن مساء الخميس (الرئاسة التركية)

إردوغان أبلغ بلينكن باستمرار العمليات ضد «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا أنها ستتخذ إجراءات وقائية لحماية أمنها القومي ولن تسمح بالإضرار بعمليات التحالف الدولي ضد «داعش» في سوريا. وأعلنت تعيين قائم بالأعمال مؤقت في دمشق.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
أفريقيا نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

نيجيريا: نزع سلاح نحو 130 ألفاً من أعضاء جماعة «بوكو حرام»

قال رئيس هيئة أركان وزارة الدفاع النيجيرية الجنرال كريستوفر موسى، في مؤتمر عسكري، الخميس، إن نحو 130 ألف عضو من جماعة «بوكو حرام» الإرهابية ألقوا أسلحتهم.

«الشرق الأوسط» (لاغوس)
المشرق العربي مئات السوريين حول كالين والوفد التركي لدى دخوله المسجد الأموي في دمشق الخميس (من البثّ الحرّ للقنوات التركية)

رئيس مخابرات تركيا استبق زيارة بلينكن لأنقرة بمباحثات في دمشق

قام رئيس المخابرات التركية، إبراهيم فيدان، على رأس وفد تركي، بأول زيارة لدمشق بعد تشكيل الحكومة السورية، برئاسة محمد البشير.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.