أطل ستيف باريش، مالك كريستال بالاس، علينا عبر «تويتر»، مساء الأحد، في طريق عودته من بيرنلي وآخر هزيمة مُني بها فريقه دون أن يحرز أي أهداف من جانبه. وكان في انتظاره أنصار غاضبون والكثير من الجماهير الساخطة التي توجه أصابع الاتهام إلى مجلس إدارة النادي، والذين حتى الآن ظلوا يتمتعون بحصانة نسبية من الانتقاد بالنظر إلى إنجازهم السابق بالصعود بكريستال بالاس من دوري الدرجة الثانية (تشامبيون شيب) إلى الدوري الممتاز. وبدا رئيس النادي مكابراً، وبدأ تغريداته بقول: «جميع الفرق تمنى بهزائم»، وصولاً إلى «نحن ندرك تماماً أن مستوانا الحقيقي أفضل من ذلك». وفي خضم سلسلة التغريدات التي أطلقها، جاءت واحدة تشدد على ضرورة «أن نتكاتف جميعاً».
وقد اتضح أن هذه الدعوة للوحدة، التي وجدت أصداء لها في تدوينات الكثير من لاعبي الفريق الأول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لم تمتد إلى العلاقة بين الهيكل الهرمي الإداري للنادي والمدرب. بعد ليلة طويلة جرت خلالها دراسة الخطوة الواجب اتخاذها لاحقاً، أكد كريستال بالاس أن فترة عمل مدرب الفريق فرانك دي بور مع الفريق لن تتجاوز حاجز الـ11 أسبوعاً؛ الأمر الذي أثار بطبيعة الحال علامات استفهام كثيرة لدى المتابعين لأحوال النادي من الخارج.
لماذا يقدِم النادي على طرد دي بور لمجرد اضطلاعه بمهمة التدريب على النحو المميز له والذي لطالما اشتهر به؟ بالتأكيد كان المدرب في حاجة إلى مزيد من الوقت والاستثمارات من أجل تحقيق تغيير في أسلوب اللعب؛ الأمر الذي أقر بضرورته حتى باريش نفسه! ألم يكن التحسن في الأداء في ملعب بيرنلي، حيث جرى خلق 23 فرصة، لكن لم تستغل أي منها، يستدعي استمرار المدرب على الأقل حتى مباراة الذهاب أمام ساوثهمبتون، الأحد؟
من المؤكد أن باريش وأكبر شريكين بالنادي، الأميركيان ديفيد بليتزر وجوش هاريس، سيقرون جميعاً بمنطقية هذا الطرح. ومن المؤكد كذلك أنهم سيقرون بأن ثمة أخطاء وقعت. في الواقع، لقد كانت أخطاء مثيرة للحرج أضاعت هباءً كل المجهود الكبير الذي جرى بذله خلال موسم الانتقالات في الصيف، وذلك في أعقاب استقالة سام ألاردايس المفاجئة. وينبغي ألا ننسى أن رئيس كريستال بالاس سبق وأن اعترف بأنه: «في كل مرة يخفق مدرب ما داخل هذا النادي، يشكل هذا إخفاقاً من جانبي أيضاً. وعليه، إذا أخفق فرانك، فإن هذا إخفاق من جانبي أنا الآخر».
المؤكد أنه ما من مهرب من هذا الفشل، بغض النظر عن الحديث عن المظاهرات التي نظمتها الجماهير، أو حتى إذا تمكن كريستال بالاس من النهوض من عثرته تحت قيادة المدرب الجديد روي هودجسون. تظل الحقيقة أنه من غير المنطقي توقع أن يجري الدفع فجأة بمدرب متمرس في أسلوب واحد ومحدد من كرة القدم داخل نادٍ وبطولة دوري لم يألفها من قبل، وأن يثمر هذا نجاحاً فورياً في إحداث تغيير شامل في الفريق بين عشية وضحاها. وتتضاءل احتمالات النجاح أكثر عندما لا يجري تعزيز صفوف الفريق سوى بلاعبين ناشئين على سبيل الإعارة، ولاعب آخر من نادي أياكس مقابل 7.9 مليون جنيه إسترليني. وعرض على النادي مبلغا ضخماً مقابل الاستغناء عن مامادو ساكو، الذي كان يعتبر أيقونة كريستال بالاس في ظل قيادة المدرب ألاردايس الموسم الماضي، في اليوم الأخير من موسم الانتقالات. إلا أنه بحلول ذلك الوقت، كان نفوذ دي بور فيما يخص سياسة الانتقالات في النادي، قد تلاشى تماماً.
الواضح أن مالكي النادي لم يقبلوا بفكرة تحوله إلى مادة للفكاهة. وبالتأكيد من غير المقبول كذلك أن يقدم نادٍ ما أسوأ بداية للموسم على مستوى الدوري الممتاز منذ 93 عاماً، ثم يقدِم فجأة على طرد مدرب في أعقاب بضع مباريات فقط. الواضح أنه رغم كل الرغبة الكبيرة في تطوير الأداء داخل الملعب، فإنه في لحظة ما يغلب الخوف على كل شيء. اليوم، لا يملك كريستال بالاس السقوط خارج الدوري الممتاز، وبخاصة أن هذا العام الخامس له في الدوري الممتاز، وهي الفترة الأطول في تاريخه، في الوقت الذي ارتفعت ميزانية الرواتب والأجور بالنادي إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق. والمؤكد أن ملاك النادي، تحديداً المستثمرين الأميركيين، لا يمكنهم قبول فكرة التراجع إلى دوري الدرجة الثانية (تشامبيون شيب). وبعد إخفاق دي بور في طرح خطة واضحة بخصوص كيفية بدء الموسم الجديد خلال لقاء جمع بينه وبين باريش ومدير شؤون الرياضة، دوغي فريدمان خلال الاثنين الأخير من أغسطس (آب) ، بدا واضحاً أن القادم لا يبشر بالخير.
وبالنظر إلى الخلافات التي اندلعت خلف الكواليس، لم تكن المفاجأة الاستغناء عن المدرب بعد أربع مباريات، وإنما أن المدرب استمر في منصب المسؤولية أثناء رحلة الفريق إلى بيرنلي. الملاحظ أن العلاقة بين الإدارة والمدرب تردت على نحو أصبح مستعصياً على الإصلاح في أعقاب الهزيمة التي تعرض لها كريستال بالاس أمام سوانزي سيتي، الشهر الماضي، وذلك عندما تراجع المدرب عن التعهدات التي أطلقها على امتداد الأسبوع باللجوء إلى أسلوب لعب أكثر مواءمة للاعبين، ليعاود في النهاية الاعتماد على أسلوبه المعتاد في اختيار اللاعبين، والتكتيكات داخل الملعب قبيل انطلاق المباراة.
وبالتأكيد، انتاب مالكي النادي غضب بالغ حيال شكوى المدرب في أعقاب إحدى المباريات من افتقار لاعبيه للشجاعة في التعامل مع الكرة. وكان من المفترض أن تكشف المقابلة التي أجراها مسؤولو النادي مع دي بور قبل إعلان تعيينه مدرباً للفريق، عن أي اختلافات شخصية محتملة، لكن من الواضح أن ثمة أمرا بخصوص دي بور غاب عن أعين مسؤولي النادي خلال الصيف، وعجزوا عن الانتباه إليه.
ومع أن دي بور تعهد بإجراء «تطوير، وليس ثورة» داخل الفريق، فإن التوجه الذي انتهجه فعلياً يوحي بخلاف ذلك. وربما يرى باريش أن بعض التكتيكات التي انتهجها دي بور توحي بأنه تعرض للخداع، ولم يكن على دراية كاملة بحقيقة المهمة الموكلة إليه.
ومن بين الأمور التي أثارت غضب مجلس إدارة كريستال بالاس حيال دي بور، السذاجة التي بدا عليها فيما يخص التأقلم مع متطلبات الدوري الإنجليزي الممتاز؛ الأمر الذي يبدو غريباً بالنسبة لمدرب سبق له تقديم أداء ممتاز كلاعب في صفوف برشلونة، وشارك في 112 مباراة مع المنتخب الهولندي، وفاز ببطولة الدوري الهولندي الممتاز أربع مرات في غضون ستة مواسم عندما كان مدرباً لأياكس.
في الواقع، لقد أثبت توني بوليس – مدرب بالاس السابق ووست بروميتش حاليا - وألارديس أن أساس البداية لأي نجاح داخل نادي بحجم كريستال بالاس يتمثل في دفاع صلب، بمعنى أن يكون من الصعب إنزال الهزيمة بالفريق، وأن يكون من العسير المبادرة إلى التقدم عليه. وانطلاقاً من هذا الأساس، يجري البناء نحو مزيد من تطوير الأداء. من جانبه، يتمتع دي بور بسجل دفاعي جيد على مستوى الكرة الهولندية، لكن داخل كريستال بالاس عاد إلى مبادئه واعتمد على ثقل خبرته كلاعب ومدرب، واعتمد على طريقة اللعب المفضلة لديه: 3 - 4 - 3، التي تركزت على الاستحواذ على الكرة والتقدم الهادئ نحو الأمام ـ الأسلوب ذاته الذي اتبعه أثناء تدريبه أياكس.
إلا أن بعض اللاعبين الذين ورثهم في الفريق، وجاء انضمامهم إلى كريستال بالاس على امتداد الفترة ما بين المدرب إيان هولواي وبوليس، شعروا بعدم ارتياح واضح حيال مجمل الأسلوب الذي انتهجه دي بور، أو ربما خالجهم توتر إزاءه. لذا؛ لم يكن من المثير للدهشة أن يأتي أداؤهم داخل الملعب متخبطاً ومرتبكاً. ورغم استمرار اعتماد كريستال بالاس على الكرات الطويلة نحو الأمام على أمل نجاح كريستيان بينتيكي في اقتناصها - في الواقع، كريستال بالاس صاحب النصيب الأكبر من التمريرات الطويلة هذا الموسم من بين أندية الدوري الممتاز.
قبل مواجهة بيرنلي، عندما أنبأ أسلوب اختيار المدرب للتشكيل عن انفتاحه على فكرة التغيير، بدت الحيرة واضحة على اللاعبين. وجاءت اللحظات الوحيدة التي هيمنوا خلالها على اللعب في نصف الساعة الأخيرة أمام أصغر فريق لإيبسويتش تاون على الإطلاق في كأس رابطة الأندية الإنجليزية المحترفة، والشوط الثاني أمام سوانزي سيتي بمجرد أن ضمن الفريق الزائر تقدمه بنتيجة 2 - 0. وفي وقت متأخر من مباراة بيرنلي. في جميع هذه المناسبات، لجأ كريستال بالاس إلى طريقة لعب تشبه 4 - 3 - 3 بدت ملائمة لطبيعة لاعبيه.
وقد أثيرت هذه المسألة مع المدرب قبل مباراة سوانزي سيتي، بل وكاد المسؤولون أن يتوسلوا إليه كي يمنح نفسه ولاعبيه أفضل فرصة ممكنة للنجاح، لكنه لم يلق بالاً. وبحلول نهاية المباراة، لجأ كريستال بالاس إلى الاستعانة بجويل وارد ظهيرا أيسر، ولي تشونغ يونغ على الأطراف، بينما لعب مارتن كيلي في قلب خط الوسط. ولم يكن من المثير للدهشة أن أداء الأخير جاء واهناً للغاية بالنظر إلى أنه كان معروضاً للبيع ليعاود النادي الاستعانة به بين عشية وضحاها.
من ناحية أخرى، ربما تعكس مشاركة هؤلاء اللاعبين الطبيعة غير المتزنة لفريق كريستال بالاس الذي رغم ضخامة ميزانيته يظل مفتقراً إلى التوازن. على سبيل المثال، يضم الفريق سبعة لاعبين في مركز قلب الدفاع، بينما لا يضم سوى لاعب واحد فقط ملائم لمركز قلب الهجوم. ورغم السماح للكثير من اللاعبين بالانتقال، فإن عقودهم مبالغ فيها، ويصعب أن يقبل بها نادٍ خارج مظلة الدوري الإنجليزي الممتاز. وكان من شأن بقاء هؤلاء اللاعبين داخل الفريق، تقليص إمكانية إدخال التغييرات الجديدة التي كان يسعى إليها المدرب.
ومن بين القضايا الأخرى التي أثارت قلق ملاك النادي، أن لوكا ميليفوييفيتش الذي تألق في مركز لاعب خط وسط دفاعي بعد انضمامه إلى الفريق في يناير (كانون الثاني)، جرت الاستعانة به في مركز قلب الدفاع على امتداد الفترة السابقة لانطلاق الموسم الجديد قبل إعادته من جديد إلى لاعب خط وسط متأخر خلال اليوم الأول في الموسم في مواجهة هدرسفيلد؛ الأمر الذي أتى بنتائج سلبية.
وبعد ذلك، ثارت كما هو متوقع شائعات حول شعور اللاعبين بالسخط، وهي شائعات تسبق دوماً أي إجراء لتغيير المدرب. الواضح أن بعض اللاعبين لم يتقبلوا أسلوب دي بور في التدريب ونهجه التكتيكي. إلا أن الإنصاف يقتضي القول بأن ثمة لاعبين آخرين لم تكن لديهم شكاوى تجاه المدرب وبدأوا يألفون على نحو متزايد أسلوبه في التدريب ويتكيفون مع مطالبه. ومن يدري، ربما كان كريستال بالاس في طريقه نحو التألق ـ وإن كان هذا أمرا يبقى من المستحيل الجزم به.
ربما لم يكن مقدراً لدي بور وكريستال بالاس أن ينجحا معاً في كل الأحوال، بباسطة لأنهما غير متناغمين مع بعضهما بعضا، فحتى بعد مرور أربع سنوات على انضمامه إلى الدوري الممتاز، لا يزال كريستال بالاس يبدو متحفظاً في أدائه. ومن الواضح أن النادي يتسم بهيكل لا يمكن سوى لنمط معين من المدربين الازدهار والنجاح في إطاره، وإن كان هذا النجاح لن يدوم بالضرورة لفترة طويلة. ومن المعتقد أن شان دايش، الذي رشحته شائعات كثيرة خلال الصيف لتدريب كريستال بالاس، ربما كان أكثر ملاءمة لهذه المهمة، وبخاصة في ظل محدودية الموارد المالية. ومن الواضح أن دي بور سرعان ما أدرك هشاشة علاقته بملاك النادي. وربما يدافع عن نفسه بالإشارة إلى أنه كان يمثل خطوة تقدمية على نحو مفرط بالنسبة للفريق في هذه المرحلة من تطور كريستال بالاس. وربما يرد النادي على ذلك بالإشارة إلى النتائج المروعة التي مُني بها الفريق تحت قيادته؛ الأمر الذي ربما يثير الشكوك حول قدرة دي بور على خوض المنافسات الشرسة.
في المقابل، يبدو هودجسون فجأة بمثابة خيار أكثر أمناً، فهو أبعد ما يكون عن خطوة في اتجاه المجهول، علاوة على تميزه بنهج براغماتي مثلما اتضح أثناء فترة عمله مع فولهام وويست بروميتش. ومن المعتقد أن هودجسون سينظر إلى تدريب كريستال بالاس باعتباره فرصة للعودة إلى أحضان الوطن واستعادة بريق سمعته. ومن المؤكد أن التكيف مع ما يحمله الدوري الممتاز معه من تركز الأضواء والتفحص الدقيق يكون بمثابة التحدي الأكبر أمام هودجسون. إلا أن المؤكد أن الفريق يضم بين جنباته الكثير من المواهب القادرة، حال استغلالها على النحو الأمثل، على دفع سفينة النادي لاجتياز محنته بسلام.
كريستال بالاس يطرد دي بور رغم تحسن أداء الفريق
المدرب كان في حاجة إلى مزيد من الوقت والاستثمارات لتحقيق هدفه المنشود
كريستال بالاس يطرد دي بور رغم تحسن أداء الفريق
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة