أزمة باكستان السياسية توقع إعلامها بفخ الانقسام

معسكرات متحاربة يتهم بعضها الآخر بانعدام المهنية

أغلب هذا الانقسام في وسائل الإعلام يرجع إلى الانقسامات السياسية التي عصفت بالمجتمع الباكستاني خلال العام الماضي
أغلب هذا الانقسام في وسائل الإعلام يرجع إلى الانقسامات السياسية التي عصفت بالمجتمع الباكستاني خلال العام الماضي
TT

أزمة باكستان السياسية توقع إعلامها بفخ الانقسام

أغلب هذا الانقسام في وسائل الإعلام يرجع إلى الانقسامات السياسية التي عصفت بالمجتمع الباكستاني خلال العام الماضي
أغلب هذا الانقسام في وسائل الإعلام يرجع إلى الانقسامات السياسية التي عصفت بالمجتمع الباكستاني خلال العام الماضي

لم تكن وسائل الإعلام الباكستانية في أي وقت من الأوقات قوة موحدة، لكن الطريقة التي انقسمت بها إثر الأزمة السياسية الراهنة، والتي بدأت بتنحي رئيس الوزراء نواز شريف عن منصبه، لم يسبق لها مثيل. وشهد المناخ الإعلامي انقساما في المنابر إلى معسكرات متحاربة يتهم كل معسكر الآخر بانتهاج السلوكيات غير المهنية وبالفساد المالي. ولقد أسفر الوضع الراهن عن حالة انكمش فيها الحوار والتفاعل المجتمعي بصورة مريعة. وأغلب هذا الانقسام في وسائل الإعلام يرجع إلى الانقسامات السياسية التي عصفت بالمجتمع الباكستاني خلال العام الماضي.
تم استبعاد نواز شريف من تولي المناصب الحكومية الرسمية بقرار من المحكمة العليا الباكستانية بناء على التماس مقدم من قبل خصمه السياسي عمران خان، ومنذ العام الماضي كانت الأحزاب السياسية التابعة لعمران خان ونواز شريف في حالة سجال دائمة وشديدة. وفي حين أن عمران خان وحزبه قد بذلا قصارى الجهود لإثبات أن نواز شريف هو أكثر ساسة البلاد فسادا، كان الحزب الحاكم عاقدا العزم على إثبات أن نواز شريف هو رمز التنمية الاقتصادية والتقدم في البلاد.
حملات متنافسة
تدور معركة وسائل الإعلام في باكستان حول الموضوعات التالية: مجموعة من الصحافيين خرجوا عن النطاق لإثبات أن البلاد سوف تقع ضحية الدمار الاقتصادي والسياسي إذا استمر نواز شريف في حكم البلاد، ومجموعة أخرى عازمة بكل تصميم على أن الإطاحة بنواز شريف سوف تسفر عن انهيار النظام السياسي في البلاد وتجلب عدم الاستقرار.
وتخضع الحملات الإعلامية المتنافسة لاثنين من بيوت الإعلام الرائدة في البلاد، تلفزيون «جيو» وتلفزيون «آري»، وكل منهما مصنف بأنه من أعلى القنوات الإخبارية مشاهدة والتي تجذب أكبر قدر ممكن من المشاهدين.
ويتخذ تلفزيون «آري» خطا مناوئا ومعاديا لنواز شريف وانخرط في شن حملة قاسية لإلحاق العار باسم رئيس الوزراء الأسبق وحزبه.
برنامج حوار ناقد
خلال العام الماضي، عرض تلفزيون «آري» عبر البرامج الحوارية والنشرات الإخبارية الكثير من القصص والتقارير حول مزاعم غسل الأموال والتهرب الضريبي ضد نواز شريف وأسرته. وقال أحد النقاد الإعلاميين الذي رفض الكشف عن هويته إن تلفزيون «آري» لا يظهر أي قدر من التساهل في تعامله مع أخبار فضائح الفساد المالي لنواز شريف وعائلته.
وأغلب مضيفي البرامج الحوارية على تلفزيون «آري» يعارضون نواز شريف وبشدة ولا يألون جهدا في وصم سيرة رئيس الوزراء الأسبق، وقال أحد النقاد: «إنهم ينتهكون في حملاتهم الإعلامية أخلاقيات مهنة الصحافة والإعلام في بعض الأحيان».
ويهيمن برنامج «المراسلين» الحواري على وقت الذروة في شبكة تلفزيون «آري»، وفيه يتحدث ثلاثة من الصحافيين البارزين حول وقائع التطورات السياسية في البلاد، وقال أحد خبراء الإعلام: «خلال عام واحد، توقع الصحافيون الثلاثة الإطاحة بنواز شريف خارج السلطة بتهم تتعلق بالفساد المالي».
ولا يعد برنامج «المراسلين» الحواري منتقدا لنواز شريف فحسب، بل يوجه الانتقاد كذلك إلى جميع الصحافيين الذين يؤيدون رئيس الوزراء الأسبق، ويقول أحد خبراء الإعلام: «يكشف برنامج (المراسلين) الحواري الصحافيين وقبولهم الرشاوى من الحكومة بغية تأييد رئيس الوزراء الأسبق». ولا تقل برامج تلفزيون «آري» الحوارية الأخرى في انتقادها لنواز شريف وللصحافيين المؤيدين لرئيس الوزراء الأسبق، ويقول خبير الإعلام: «لا يعمل المذيعين في تلفزيون (آري) على كشف الصحافيين فقط لمزاعم قبول الرشاوى الحكومية، ولكن للدعم غير المهني لحكومة الرابطة الإسلامية الحاكمة».
غياب المهنية
وعلى الجانب الآخر، يميل تلفزيون «جيو» نحو تأييد حزب الرابطة الإسلامية ورئيس الوزراء الأسبق نواز شريف بكل قوة بقدر ما يعارض تلفزيون «آري» رئيس الوزراء والرابطة الحاكمة. يقول الخبير الإعلامي: «يلعب تلفزيون (جيو) دورا أكثر مهنية، إذ ينقل وجهة نظر كلا الجانبين في النزاعات السياسية. وهو يؤيد توجهات نواز شريف باعتباره أكثر الساسة شعبية في البلاد، ولكنه يتيح المجال في الوقت نفسه لعرض وجهة نظر الخصوم بأن رئيس الوزراء الأسبق يفقد تأييده الشعبي تدريجيا».
ولا يقل انتقاد تلفزيون «جيو»، برغم ذلك، ضد الصحافيين الذين يؤيدون السياسي عمران خان المعارض اللدود لنواز شريف. إذ يصف تلفزيون «جيو» هؤلاء الصحافيين الداعمين لعمران خان بأنهم غير مهنيين وفاسدون.
ويواصل الخبير الإعلامي قوله: «بهذه الطريقة يتزعم كل من تلفزيون (جيو) وتلفزيون (آري) المعسكرين المتنافسين للصحافيين في باكستان، ويمكن تحميلهما المسؤولية الكاملة عن تقسيم المجتمع الصحافي إلى نصفين متحاربين».
يواجه تلفزيون «جيو» مشاكل أخرى مع المعارضين السياسيين لرئيس الوزراء الأسبق نواز شريف. على سبيل المثال، وفي وقت فوز نواز شريف بالانتخابات البرلمانية لعام 2013 اتهم عمران خان شبكة تلفزيون «جيو» بتأييد فج لانتصار حزب الرابطة الإسلامية الحاكمة. ومنذ ذلك الحين، قاطع عمران خان شبكة تلفزيون «جيو» على نحو تام.
اتهامات بين الصحافيين
يواصل عمران خان توجيه الاتهامات إلى تلفزيون «جيو» بكونه العقل المدبر وراء صعود نواز شريف إلى السلطة في عام 2013. ويرد تلفزيون «جيو» بدوره بتنظيم البرامج الحوارية المناوئة لتوجهات عمران خان وحزبه. على سبيل المثال، عندما اتهمت السيدة عائشة غولالاي، العضوة في حزب عمران خان «حركة الإنصاف الباكستانية»، رئيس الحزب بالتحرش، كان تلفزيون «جيو» قد عمد إلى توفير التغطية الإعلامية المستمرة على مدار الساعة لهذه القضية مما أثار غضب عمران خان ومؤيديه.
وتعكس هذه التوترات على الساحة السياسية الباكستانية المشهد الإعلامي عندما يوجه الصحافيون من المعسكرات المتعارضة الاتهامات لبعضهم البعض بانتهاج السلوكيات غير المهنية في دعم وتأييد القادة السياسيين المفضلين لكل منهم. يقول الخبير الإعلامي أخيرا: «لقد أوجد الوضع السياسي الراهن فجوة يصعب تجاوزها بين الجماعات الصحافية المتعارضة في البلاد».


مقالات ذات صلة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

العالم العربي تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

تونس والسنغال تتراجعان في تقرير «مراسلون بلا حدود» السنوي لحرية الصحافة

أظهر التقرير السنوي لحرية الصحافة لمنظمة «مراسلون بلا حدود»، اليوم الأربعاء، أن تونس والسنغال كانتا من بين الدول التي تراجعت في الترتيب، في حين بقيت النرويج في الصدارة، وحلّت كوريا الشمالية في المركز الأخير. وتقدّمت فرنسا من المركز 26 إلى المركز 24.

«الشرق الأوسط» (باريس)
العالم غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

غوتيريش يندد باستهداف الصحافيين والهجوم على حرية الصحافة

ندّد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش اليوم (الثلاثاء)، باستهداف الصحافيين، مشيراً إلى أنّ «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم». وقال في رسالة عبر الفيديو بُثّت عشية الذكرى الثلاثين لـ«اليوم العالمي لحرية الصحافة»، إن «كلّ حرياتنا تعتمد على حرية الصحافة... حرية الصحافة هي شريان الحياة لحقوق الإنسان»، وفقاً لما ذكرته وكالة الصحافة الفرنسية. وأضاف أن «حرية الصحافة تتعرّض للهجوم في جميع أنحاء العالم»، مشيراً إلى أنّه «يتمّ استهداف الصحافيين والعاملين في الإعلام بشكل مباشر عبر الإنترنت وخارجه، خلال قيامهم بعملهم الحيوي.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

صحافي ليبرالي في الصين يواجه تهمة «التجسس»

ذكرت جمعية تعنى بالدفاع عن وسائل الإعلام أن تهمة التجسس وجهت رسمياً لصحافي صيني ليبرالي معتقل منذ عام 2022، في أحدث مثال على تراجع حرية الصحافة في الصين في السنوات الأخيرة، حسبما أفادت «وكالة الصحافة الفرنسية». كان دونغ يويو، البالغ 61 عاماً والمعروف بصراحته، يكتب افتتاحيات في صحيفة «كلارتي» المحافظة (غوانغمينغ ريباو) التي يملكها الحزب الشيوعي الحاكم. وقد أوقف في فبراير (شباط) 2022 أثناء تناوله الغداء في بكين مع دبلوماسي ياباني، وفق بيان نشرته عائلته الاثنين، اطلعت عليه لجنة حماية الصحافيين ومقرها في الولايات المتحدة. وقالت وزارة الخارجية اليابانية العام الماضي إنه أفرج عن الدبلوماسي بعد استجو

«الشرق الأوسط» (بكين)
العالم العربي المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

المغرب: أربعة من وزراء الإعلام السابقين يرفضون لجنة مؤقتة لمجلس الصحافة

بدا لافتاً خروج أربعة وزراء اتصال (إعلام) مغاربة سابقين ينتمون إلى أحزاب سياسية مختلفة عن صمتهم، معبرين عن رفضهم مشروع قانون صادقت عليه الحكومة المغربية الأسبوع الماضي، لإنشاء لجنة مؤقتة لمدة سنتين لتسيير «المجلس الوطني للصحافة» وممارسة اختصاصاته بعد انتهاء ولاية المجلس وتعذر إجراء انتخابات لاختيار أعضاء جدد فيه. الوزراء الأربعة الذين سبق لهم أن تولوا حقيبة الاتصال هم: محمد نبيل بن عبد الله، الأمين العام لحزب «التقدم والاشتراكية» المعارض، ومصطفى الخلفي، عضو الأمانة العامة لحزب «العدالة والتنمية» المعارض أيضاً، والحسن عبيابة، المنتمي لحزب «الاتحاد الدستوري» (معارضة برلمانية)، ومحمد الأعرج، عضو

«الشرق الأوسط» (الرباط)
المشرق العربي «الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

«الجامعة العربية» تنتقد «التضييق» على الإعلام الفلسطيني

انتقدت جامعة الدول العربية ما وصفته بـ«التضييق» على الإعلام الفلسطيني. وقالت في إفادة رسمية اليوم (الأربعاء)، احتفالاً بـ«يوم الإعلام العربي»، إن هذه الممارسات من شأنها أن «تشوّه وتحجب الحقائق». تأتي هذه التصريحات في ظل شكوى متكررة من «تقييد» المنشورات الخاصة بالأحداث في فلسطين على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما في فترات الاشتباكات مع القوات الإسرائيلية.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
TT

المنتدى الروسي الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» لمواجهة هيمنة الغرب

أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)
أحد المتكلمين في المنتدى (الشرق الأوسط)

«إحدى الوظائف الرئيسية لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل في القدرة على توحيد الناس وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات» اختتم المنتدى الأول لـ«الثقافة والإعلام والرقمنة» أخيراً أعماله في موسكو، مطلِقاً آليات لتعزيز التواصل مع المؤسسات الثقافية والإبداعية في عشرات البلدان، بهدف تحويل المنتدى -كما قال منظموه- إلى «منصة فريدة لتبادل الخبرات وتطوير أساليب الابتكار والإبداع في عالم متعدد لا تهيمن عليه الثقافة الغربية وحدها بأساليبها القديمة».

جمع المنتدى، عبر النقاشات التي دارت خلال ورشات العمل «قادة الصناعات الإبداعية من روسيا ودول أخرى، لمناقشة آفاق تطوير الصناعة والمخاطر والفرص التي أحدثها التقدم السريع للتكنولوجيا الجديدة في حياة الناس وإبداعهم».

عاصمة عالمية للإعلام والثقافة

ووفقاً لحكومة العاصمة الروسية موسكو، التي رعت تنظيم المنتدى، فإن من بين أهداف إطلاقه «تحويله إلى فعالية تُنظّم بشكل دوري وتكريس رؤية جديدة للتعاون الثقافي والإعلامي والإبداعي تقودها موسكو». ومن جهتها، رأت رئاسة المنتدى أن موسكو «عزّزت عبره مكانتها بين عواصم الثقافة في العالم، وباتت تجذب انتباه الخبراء في الصناعات الإبداعية والمتخصصين المشهورين من مختلف أنحاء العالم، من الولايات المتحدة وفرنسا إلى الهند والصين». وبهذا المعنى فإن روسيا «ما زالت تحتفظ بهويتها الثقافية، على الرغم من العقوبات والتحديات المعاصرة، بل تمضي قدماً أيضاً نحو تطوير أشكال جديدة من التفاعل في مجالات السينما ووسائل الإعلام الجديدة وغيرها من الصناعات الإبداعية».

وحقاً، جمع منتدى «الثقافة والإعلام والرقمنة» في دورته الأولى متخصصين في مجالات السينما، والألعاب، والإعلام، والتكنولوجيا، والصناعات الإبداعية؛ للبحث عن توازن جديد بين الأهداف التجارية والمصالح العامة، وإمكانيات الآلات وقدرات البشر.

ولمدة يومين، تواصل المشاركون من مختلف دول العالم في ورشات عمل لبحث المواضيع الرئيسة المطروحة التي توزّعت على عدة محاور؛ بينها: اقتصاد وسائل الإعلام الجديدة، والتأثير المتبادل بين وسائل الإعلام الجديدة والسينما، والاتصالات، وتقنيات الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن تطوير ألعاب الفيديو، والمساحات الافتراضية، والرياضات الإلكترونية.

تقارب وأرضية مشتركة

رؤية المنتدى تقوم، بالدرجة الأولى، على محاولة تعزيز التقارب والتنسيق من أجل «إيجاد أرضية مشتركة وتطوير أساليب جديدة وفريدة للإبداع بين روسيا ودول مجموعة (بريكس+)» والدول العربية، لا سيما في مجال منصات الثقافات وتشابكها. وبذا لا يُخفي المنظمون الهدف الأساسي المتمثل في محاولة «كسر» الحصار الغربي، والعمل على تشكيل منصة فريدة تُسهم في تطوير حوار دولي بين روسيا وشركائها في الدول العربية والبلدان الأخرى التي تعمل مثل روسيا لإيجاد روابط جديدة للتعاون في ظل التغيّرات السريعة على بيئة المعلومات العالمية.

لذا، رأى المنتدى في جلسات الحوار أن إحدى الوظائف الرئيسة لوسائل الإعلام الجديدة تتمثّل «في القدرة على توحيد الناس، وكسر الحواجز الموجودة بين الثقافات واللغات المختلفة عبر استخدام الشبكات الاجتماعية، والمدوّنات، ومحتوى الفيديو». وعدّ أن تأثير مساحة الإعلام الجديدة يتمثّل أيضاً في إمكانية إنشاء مبادرات مشتركة - مشاريع مشتركة، وأحداث ثقافية، وبرامج تعليمية تهدف إلى تعزيز الروابط وتوسيع آفاق التعاون المتبادل.

برنامج اليوم الأول تضمّن جلسة رئيسة بعنوان «مستقبل التواصل والتواصل من أجل المستقبل»، شاركت فيها نخبة من كبار المخرجين العالميين؛ مثل: أمير كوستوريكا، وأوليفر ستون، استعرضوا خلالها دور السينما في تجاوز الحواجز الثقافية وتعزيز التفاهم بين الشعوب. وفي كلمته، شدّد كوستوريكا على أن «السينما لا تُقاس بقيمتها المالية بقدر ما تحمله من مضامين وأفكار عميقة»، مشيراً إلى تأثير أفلام المخرج أندريه تاركوفسكي التي على الرغم من محدودية مشاهدتها عند إصدارها، اكتسبت قاعدة جماهيرية واسعة على مر الزمن، بفضل طرحها أسئلة جوهرية عن الحياة.

أما ستون فأكد أن «السينما اليوم في مرحلة تطور مستمر، تتضمّن رؤى فنية جديدة وإمكانيات إبداعية متاحة حتى في المدن الصغيرة»، داعياً إلى احتضان هذا التغيير وتقدير الماضي في الوقت ذاته.

الحضور العربي

وفي الجلسات عن العالم العربي، شارك لوبو سيوس مقدم البرامج الحوارية في دبي، وعلي الزكري رئيس قسم التحرير الرقمي في صحيفة «البيان» في دبيّ، وعلا الشافعي رئيسة تحرير صحيفة «اليوم السابع» المصرية، والصحافي اللبناني نبيل الجبيلي. وأكد المنتدى تعزيز الروابط بين الشعوب، كونها تُسهم في خلق أرضية مشتركة وتقديم طرق مبتكرة للإبداع. ورأى المشاركون أن العلاقات بين روسيا ودول «بريكس» لا سيما الدول العربية تستند إلى التفاعل الثقافي وتشابك الثقافات؛ مما يفتح آفاقاً جديدة للتعاون والإبداع المشترك.

وعن دور السينما، بين وسائل هذا التعاون، فإنها عُدّت جسراً فعّالاً يربط بين العالمين الروسي والعربي. إذ إن الأفلام لا تكتفي بعرض جوانب من حياة شعوب معينة، بل تساعد أيضاً على تجاوز الحواجز اللغوية والثقافية؛ مما يخلق قصصاً عالمية قادرة على التأثير في قلوب المشاهدين في كل مكان.

ومن ثم، تناول المنتدى دور الذكاء الاصطناعي بوصفه أداة واعدة في عملية التأليف والإنتاج السينمائي، بجانب بحث الفرص التي توفرها المنصات الرقمية لتمكين المواهب الشابة.

جانب من الحضور يسجلون اللحظة بهواتفهم الجوّالة (الشرق الأوسط)

منصة مهمة لتبادل الخبرات

مع مشاركة أكثر من 70 متحدثاً من 10 دول، شكّل المنتدى منصة مهمة لتبادل الخبرات وتعزيز التواصل الثقافي بين روسيا والعالم، بما يُسهم في دفع عجلة الابتكار والتنوع في قطاعي الإعلام والسينما العالميين. وفي تصريح لـ«الشرق الأوسط»، قال جورجي بروكوبوف، رئيس شركة موسكينو - مركز موسكو السينمائي، إن المنتدى -الأول من نوعه- يُنظّم «في لحظة محورية؛ إذ تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي والابتكارات الرقمية على إعادة تشكيل الصناعات الإبداعية بشكل أساسي». وأردف أن «الملعب العالمي بات أكثر توازناً... وظهرت مناطق جديدة، أو عزّزت مناطق، كانت موجودة أصلاً في هذه الصناعة، مكانتها لتتحول إلى مراكز لإنتاج الأفلام والتلفزيون».

وأوضح بروكوبوف أن موسكو استثمرت، بمبادرة من رئيس بلديتها سيرغي سوبيانين، بكثافة في «بناء مجموعات إبداعية عالمية المستوى» في المدينة وإنشاء شبكات تعاون مع مراكز إبداعية مماثلة في جميع أنحاء العالم. ولقد انصب أحد البرامج الأساسية على تطوير صناعة السينما. وتابع أن «مجموعة صناعة الأفلام الروسية وصلت إلى حجم مماثل (من حيث مرافق الإنتاج ومعداتها المتطورة) لتلك الموجودة في كاليفورنيا أو مومباي (...) تتغيّر صناعة الأفلام العالمية بسرعة، ولم يعد الأمر يقتصر على (هوليوود)، النموذج القديم؛ حيث تُملى ثقافة واحدة، والأذواق العالمية تتلاشى». ثم كشف عن أن عدد الأفلام الروائية المنتجة في دول «بريكس» تضاعف أكثر من ثلاث مرات على مدى العقدين الماضيين، في حين ظل عدد الإنتاجات في الغرب ثابتاً إلى حد كبير.

داخل القاعة (الشرق الأوسط)

التطور في «بريكس» ودول الخليج العربي

ومن ثم، أفاد بأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تسمح بتكييف المحتوى المتنوع مع السياقات المحلية بسلاسة. وبالنسبة إلى دول مجموعة «بريكس» فإنها، مثل روسيا، «تتطلّع إلى تعزيز التعاون مع القطاع الإبداعي المزدهر في الخليج العربي، بما يمثّل فرصة مثيرة لاستكشاف أسواق جديدة».

وزاد المسؤول أن الأوساط الروسية «تتابع باهتمام كبير ما يحدث في المملكة العربية السعودية. إن تفاني الحكومة في رعاية المواهب وجعل المملكة واحدة من المراكز الإبداعية الرائدة في العالم أمر رائع حقاً. ومن الملهم أن نرى كيف تتحوّل المملكة بسرعة إلى قوة إبداعية عالمية مع الحفاظ على تراثها الثقافي الغني».