تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية على «فصائل الجنوب» لوقف قتال النظام

«شهداء القريتين» ينفكّ عن التحالف و«أسود الشرقية» يرفض الانسحاب إلى الأردن

أرشيفية لمقاتلون من فصيل مسلح في الجبهة الجنوبية.
أرشيفية لمقاتلون من فصيل مسلح في الجبهة الجنوبية.
TT

تصاعد الضغوط الدولية والإقليمية على «فصائل الجنوب» لوقف قتال النظام

أرشيفية لمقاتلون من فصيل مسلح في الجبهة الجنوبية.
أرشيفية لمقاتلون من فصيل مسلح في الجبهة الجنوبية.

رفض لواء «شهداء القريتين» العامل في منطقة البادية جنوب سوريا «الانسحاب من البادية وإخلاء نقاط الاشتباك مع قوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية». وأعلن «فك الارتباط مع التحالف الدولي ضد تنظيم داعش؛ حتى لا يملي عليه التحالف كيف يتحرك وأين يقاتل»، وسبقه إلى ذلك «جيش أسود الشرقية»، الذي رفض طلبين من «غرفة العمليات العسكرية» (موك) بقيادة «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي إيه) بوقف القتال والانسحاب إلى الحدود الأردنية. وقالت قيادة اللواء في بيان: «تناقلت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، خبراً عن نية فصائل الجيش الحرّ، الدخول إلى الجانب الأردني، وترك نقاط الاشتباك مع الميليشيات الإيرانية وعصابات الأسد، ومن يواليه». وأضافت: «نحن لواء شهداء القريتين، نؤكد أننا فككنا الارتباط مع التحالف الدولي؛ كي لا يملي علينا أحد كيف نتحرك وأين نقاتل، وإننا ما زلنا على مبادئ ثورتنا كما عاهدنا أهلنا ودماء شهدائنا، على المسير قدما حتى تحرير بلادنا من رجس الأسد وأعوانه». وختم لواء «شهداء القريتين» بيانه «نؤكد أننا أصحاب أرض ولن نحوض عن دماء أهلنا وأعراضنا وشهدائنا».
وكشف قيادي عسكري معارض في الجبهة الجنوبية لـ«الشرق الأوسط»، عن أن «فصائل الجيش الحرّ، تتعرض منذ أسابيع لضغوط إقليمية ودولية كبيرة، لوقف قتال النظام والانسحاب من نقاط الرباط في مواجهة قوات الأسد». واعتبر القيادي الذي رفض ذكر اسمه، أن «هذه الضغوط ربما ناتجة من صفقة أميركية ــ روسية، غير معروفة المعالم، تأتي تتمة لاتفاقات خفض التوتر في الجنوب ومناطق سورية أخرى». لكنه أشار إلى أن الفصائل «لا خيار لها إلا المضي في القتال».
يشار إلى أن غرفة تنسيق الدعم (موك) كانت طرحت مبادرة جديدة تقضي أن تنسحب فصائل «الجيش السوري الحر» من البادية السورية إلى الشريط الحدودي مع الأردن، لتتم لاحقاً مفاوضات مع روسيا هدفها إبعاد الميليشيات المرتبطة بإيران مسافة 30 كيلومتراً عن الشريط.
ورغم التأثير المعنوي لطرح غرفة «موك» على فصائل «الجيش الحرّ» في البادية، فإن أبرز تلك الفصائل رفضت هذا الطرح، وأعلنت المضي بقتال النظام أياً كانت التداعيات، وأوضح سعد الحاج، مسؤول المكتب الإعلامي في «جيش أسود الشرقية» لـ«الشرق الأوسط»: «نحن في أسود الشرقية قرارنا واضح، وهو عدم الانسحاب من المعركة»، لكنه لم يخف أن «رفض الانصياع إلى طلب (الموك)، سيؤثر على الدعم اللوجيستي لـ(أسود الشرقية)، وربما لحصاره؛ لذلك نحن نبحث عن سبل دعم أخرى». وكشف الحاج، عن أن «غرفة (الموك) طلبت منّا مرتين، وقف قتال النظام والانسحاب إلى الحدود الأردنية، وإلا ستوقف الدعم عنّا، لكننا رفضنا الطلبين، ولا نزال نقاتل في مواقعنا في البادية»، مؤكداً أن «(أسود الشرقية) يرفض أن يمارس أي طرف خارجي الوصاية عليه، سواء من (الموك) أو من التحالف الدولي».
وعن مدى الارتباط بين قرار «أسود الشرقية» وبيان «شهداء القريتين»، أشار سعد الحاج إلى أن الأخير «هو فصيل معارض موجود في البادية، وليس تابعاً لـ(أسود الشرقية)»، لافتاً إلى أن هذا اللواء «كان قبل خمسة أشهر يتبع لمشروع البنتاغون، هو و(مغاوير الثورة)، لكن منذ شهرين أعلن انفصاله عن هذا المشروع، بعد أن طلب منه التحالف قتال (داعش) فقط ون النظام، فلم يرض بهذا الخيار، فانسحب من المشروع، وانضم إلى معركة الأرض لنا».
ميدانياً، قصفت أمس قوات النظام أحياء عدّة بدرعا البلد داخل مدينة درعا؛ ما تسبب بأضرار مادية، مسجلة خرقاً جديداً للهدنة التي تشهدها محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء بالجنوب السوري، بعد توافق أميركي – روسي – أردني على تطبيقها منذ الـ9 يوليو (تموز) الماضي.
في هذا الوقت، أعلنت خمس فصائل عسكرية معارضة عاملة في محافظة القنيطرة، عن «تشكيل جسم عسكري جديد يحمل اسم (الفرقة - 406 مشاة)، ويتبع لـ(الجبهة الجنوبية) هدفه توحيد الصف وإسقاط النظام السوري». وقالت الفصائل في بيان مصوّر، إن «الفصائل المندمجة والمشكلة للفرقة هم (لواء أسود النعيم، لواء بدر الإسلام، لواء القادسية، لواء أسود الحق، لواء معاذ بن جبل)». ولفت البيان إلى أن للفرقة أهدافا عدة، هي «العمل بكافة الوسائل المتاحة لإسقاط النظام السوري، والحفاظ على وحدة سوريا بكامل ترابها واحترام المكونات الأساسية للشعب السوري وحفظ حقوق المدنيين، والعمل على إنشاء جيش وطني جامع، وإعادة الأمن والأمان للمناطق المحررة، والحفاظ على الممتلكات العامة والخاصة وطرد الميليشيات الأجنبية من سوريا».



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.