مسيحيو المشرق العربي وتاريخهم في معرض شامل

معهد العالم العربي يفتتح الموسم بحدث كبير

وعاء زجاجي منقوش  برسوم ذات طابع ديني - صفحة من مخطوط ديني - قطعة من جدارية كنسية
وعاء زجاجي منقوش برسوم ذات طابع ديني - صفحة من مخطوط ديني - قطعة من جدارية كنسية
TT

مسيحيو المشرق العربي وتاريخهم في معرض شامل

وعاء زجاجي منقوش  برسوم ذات طابع ديني - صفحة من مخطوط ديني - قطعة من جدارية كنسية
وعاء زجاجي منقوش برسوم ذات طابع ديني - صفحة من مخطوط ديني - قطعة من جدارية كنسية

بعد 30 عاماً من تأسيسه ونجاحه في أن يأخذ مكانه كإحدى أبرز المؤسسات الثقافية في فرنسا، يستعد معهد العالم العربي في باريس لافتتاح معرض شامل عن المسيحيين العرب وتاريخ المسيحية في المشرق العربي، تتخلله أحداث كثيرة وفعاليات وندوات جانبية.
كان المعهد قد نظم، قبل سنوات معرضاً بعنوان «الأيقونات العربية وفن مسيحيي المشرق». أما الآن، بعد الإقبال الذي شهده معرض الإيقونات، يعود ليقدم للجمهور الفرنسي خلاصة ألفي عام من التاريخ، ممثلة في أكثر من 300 قطعة نادرة، بعضها يعرض للمرة الأولى. فقد بادرت أديرة وكنائس وجمعيات دينية من العراق ومصر ولبنان وسوريا والأردن وفلسطين إلى إعارتها، بشكل استثنائي، لإثراء المعرض والأحداث الكثيرة التي ستدور حوله. كما شارك برفد المعرض أفراد من جامعي التحف والمخطوطات، إضافة إلى متاحف وطنية ومؤسسات ثقافية مدنية من بلدان عدة تشمل، عدا عن فرنسا، كلاً من الإمارات ولبنان فلسطين والأردن والعراق وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا واليونان وسويسرا وبلجيكا والولايات المتحدة الأميركية. وتضم تلك القطع مخطوطات وأناجيل قديمة، باللغتين العربية والسريانية، بالإضافة إلى رسوم ومنمنمات وتحف ولوحات فنية وصور فوتوغرافية وكتب تاريخية قيِّمة تندرج ضمن موضوع المعرض. إنها لوحة واسعة من التاريخ الخصب متعدد الأوجه للمسيحية في المشرق، وحياة معتنقيها في الهلال الخصيب ومصر عبر القرون، وإسهامهم في الإرث الثقافي والفني والحرفي والسياسي في البلدان العربية الستة التي وردت الإشارة إليها.
من أهم القطع المعروضة، لا بد من التوقف عند «إنجيل رابولا»، وهو مخطوطة فريدة ثمينة باللغة السريانية، تعود إلى القرن الميلادي السادس، سميت على اسم خطاطها رابولا. وهناك أيضاً قطع من جداريات وواجهات لأقدم كنيسة معروفة في العالم، تعود للقرن الميلادي الثالث، في موقع الصالحية قرب دير الزور، بادية شرق سوريا. وكان الموقع يسمى «دورا أوروبوس». كما تُعرض قطع موزاييك من كنائس في فلسطين وسوريا تعتبر من الأوليات في العالم، وكذلك رسوم لرهبان أقباط من دير باويط، في مدينة أسيوط جنوب مصر، ومسلات ورسوم عن مراسم الحج في الأماكن المقدسة المسيحية في المشرق العربي، وشواهد عن سير رهبان وقديسين كان لهم دورهم في نشر المسيحية انطلاقاً من الشرق الأدنى نحو بلاد الأناضول والدولة البيزنطية، ثم أوروبا.
وطوال فترة المعرض/ الحدث، من 26 من الشهر الحالي إلى 14 يناير (كانون الثاني) 2018، يتاح للزوار التعرف على مخطوطات أصلية لفرمانات ومرسومات تخص بشكل مباشر تاريخ الوجود المسيحي في المشرق العربي. من بينها، على سبيل المثال، فرمان يحمل إمضاء السلطان العثماني سليمان القانوني، يعود لعام 1500، يقضي بطرد الرهبان الفرانسيسكيين مما كان يدعى «عليَة صهيون»، في قلب فلسطين. كما تعرض منمنمات بديعة للرسام الحلبي يوسف المصور، تظهر طقوساً كنسية وأنشطة اجتماعية وفنية للطائفة المسيحية في حلب، أو تروي قصصاً إنجيلية أنجزها الفنان في القرن السابع عشر.
والمعرض، الذي يُنظَّم بالاشتراك مع مدينة توركوان، شمال فرنسا، يقدم أيضاً، في كلا المدينتين، عدداً مدهشاً من أحداث جانبية تتمثل في لقاءات ومحاضرات وندوات ومناظرات وعروض فنية ومسرحية وموسيقية وأفلام سينمائية، روائية وتسجيلية، وجلسات لتوقيع الكتب وزيارات منظمة وسرد حكايات شعبية من المشرق العربي. وهناك أنشطة تربوية تتضمن ورشاً فنية للصغار والكبار والعائلات وجلسات لشرح معاني الأيقونات العربية ودورات تدريبية قصيرة عن كيفية صنعها، وغير ذلك كثير.
وقال جاك لانج، رئيس معهد العالم العربي، إن المعهد «رفع تحدياً هائلاً بتنظيم معرض مهيب بهذا الحجم والزخم عن التاريخ المتعدد لمسيحيي المشرق، بثرائه وتعقيده وأوجهه المختلفة، ومن النواحي كافة، التاريخية والثقافية والفنية والاجتماعية والدينية والسياسية. وذلك إنجاز كبير لم تبادر إلى مثله من قبل أي من المؤسسات الثقافية الكبرى في العالم». وأضاف: «إن يوسف شاهين وإدوارد سعيد وفينوس الخوري وألبير قصيري والأخت ماري كيروز وبول غيراغوسيان وصليبا الدويهي وجبران خليل جبران وأندريه شديد، كلهم مسيحيون وكلهم عرب، ونحن في المعهد سبق وأن خصصناهم بالتكريم من خلال أحداث تجسدت في معارض ومنشورات وعروض فنية ومؤتمرات وندوات... لكننا بتنظيم هذا المعرض الشامل والأحداث الكثيرة التي ستقام في مناسبته، نرقى بالمبادرة إلى مستوى أعلى، أعمّ وأشمل».
ويعكف معرض «مسيحيو المشرق، ألفا عام من التاريخ» على إظهار تاريخ كنائس فلسطين والعراق ومصر والأردن ولبنان وسوريا، الكلدانية والسريانية والقبطية والأرثوذكسية الإغريقية والمارونية، بدءاً من بداياتها إلى ما وصلت إليه في الزمن المعاصر بعد مسيرة طويلة دامت ألفي عام، تخللتها مصاعب وعوائق وحروب، لكن أيضاً تلاقح حضاري وإسهام مشترك في الثقافة والفنون والإنجازات والسياسات، لا سيما إبان النهضة العربية وبوادر تبلور الشعور القومي العربي. وطبعاً، لا يفوت على منظمي هذا الحدث الكبير أن يتوقفوا عند ما أطلقوا عليه في دليل المعرض: «الأزمة الحالية في منطقة المشرق العربي، المدمرة لكافة مكوناته الدينية والعرقية على حد سواء، والتي تُعرِّض الوجود المسيحي إلى خطر غير مسبوق لم يعهده من قبل».



رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
TT

رحيل إيلي شويري عاشق لبنان و«أبو الأناشيد الوطنية»

عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»
عرف الراحل إيلي شويري بـ«أبو الأناشيد الوطنية»

إنه «فضلو» في «بياع الخواتم»، و«أبو الأناشيد الوطنية» في مشواره الفني، وأحد عباقرة لبنان الموسيقيين، الذي رحل أول من أمس (الأربعاء) عن عمر ناهز 84 عاماً.
فبعد تعرضه لأزمة صحية نقل على إثرها إلى المستشفى، ودّع الموسيقي إيلي شويري الحياة. وفي حديث لـ«الشرق الأوسط» أكدت ابنته كارول أنها تفاجأت بانتشار الخبر عبر وسائل التواصل الاجتماعي قبل أن تعلم به عائلته. وتتابع: «كنت في المستشفى معه عندما وافاه الأجل. وتوجهت إلى منزلي في ساعة متأخرة لأبدأ بالتدابير اللازمة ومراسم وداعه. وكان الخبر قد ذاع قبل أن أصدر بياناً رسمياً أعلن فيه وفاته».
آخر تكريم رسمي حظي به شويري كان في عام 2017، حين قلده رئيس الجمهورية يومها ميشال عون وسام الأرز الوطني. وكانت له كلمة بالمناسبة أكد فيها أن حياته وعطاءاته ومواهبه الفنية بأجمعها هي كرمى لهذا الوطن.
ولد إيلي شويري عام 1939 في بيروت، وبالتحديد في أحد أحياء منطقة الأشرفية. والده نقولا كان يحضنه وهو يدندن أغنية لمحمد عبد الوهاب. ووالدته تلبسه ثياب المدرسة على صوت الفونوغراف الذي تنساب منه أغاني أم كلثوم مع بزوغ الفجر. أما أقرباؤه وأبناء الجيران والحي الذي يعيش فيه، فكانوا من متذوقي الفن الأصيل، ولذلك اكتمل المشوار، حتى قبل أن تطأ خطواته أول طريق الفن.
- عاشق لبنان
غرق إيلي شويري منذ نعومة أظافره في حبه لوطنه وترجم عشقه لأرضه بأناشيد وطنية نثرها على جبين لبنان، ونبتت في نفوس مواطنيه الذين رددوها في كل زمان ومكان، فصارت لسان حالهم في أيام الحرب والسلم. «بكتب اسمك يا بلادي»، و«صف العسكر» و«تعلا وتتعمر يا دار» و«يا أهل الأرض»... جميعها أغنيات شكلت علامة فارقة في مسيرة شويري الفنية، فميزته عن سواه من أبناء جيله، وذاع صيته في لبنان والعالم العربي وصار مرجعاً معتمداً في قاموس الأغاني الوطنية. اختاره ملك المغرب وأمير قطر ورئيس جمهورية تونس وغيرهم من مختلف أقطار العالم العربي ليضع لهم أجمل معاني الوطن في قالب ملحن لا مثيل له. فإيلي شويري الذي عُرف بـ«أبي الأناشيد الوطنية» كان الفن بالنسبة إليه منذ صغره هَوَساً يعيشه وإحساساً يتلمسه في شكل غير مباشر.
عمل شويري مع الرحابنة لفترة من الزمن حصد منها صداقة وطيدة مع الراحل منصور الرحباني. فكان يسميه «أستاذي» ويستشيره في أي عمل يرغب في القيام به كي يدله على الصح من الخطأ.
حبه للوطن استحوذ على مجمل كتاباته الشعرية حتى لو تناول فيها العشق، «حتى لو رغبت في الكتابة عن أعز الناس عندي، أنطلق من وطني لبنان»، هكذا كان يقول. وإلى هذا الحد كان إيلي شويري عاشقاً للبنان، وهو الذي اعتبر حسه الوطني «قدري وجبلة التراب التي امتزج بها دمي منذ ولادتي».
تعاون مع إيلي شويري أهم نجوم الفن في لبنان، بدءاً بفيروز وسميرة توفيق والراحلين وديع الصافي وصباح، وصولاً إلى ماجدة الرومي. فكان يعدّها من الفنانين اللبنانيين القلائل الملتزمين بالفن الحقيقي. فكتب ولحن لها 9 أغنيات، من بينها «مين إلنا غيرك» و«قوم تحدى» و«كل يغني على ليلاه» و«سقط القناع» و«أنت وأنا» وغيرها. كما غنى له كل من نجوى كرم وراغب علامة وداليدا رحمة.
مشواره مع الأخوين الرحباني بدأ في عام 1962 في مهرجانات بعلبك. وكانت أول أدواره معهم صامتة بحيث يجلس على الدرج ولا ينطق إلا بكلمة واحدة. بعدها انتسب إلى كورس «إذاعة الشرق الأدنى» و«الإذاعة اللبنانية» وتعرّف إلى إلياس الرحباني الذي كان يعمل في الإذاعة، فعرّفه على أخوَيه عاصي ومنصور.

مع أفراد عائلته عند تقلده وسام الأرز الوطني عام 2017

ويروي عن هذه المرحلة: «الدخول على عاصي ومنصور الرحباني يختلف عن كلّ الاختبارات التي يمكن أن تعيشها في حياتك. أذكر أن منصور جلس خلف البيانو وسألني ماذا تحفظ. فغنيت موالاً بيزنطياً. قال لي عاصي حينها؛ من اليوم ممنوع عليك الخروج من هنا. وهكذا كان».
أسندا إليه دور «فضلو» في مسرحية «بياع الخواتم» عام 1964. وفي الشريط السينمائي الذي وقّعه يوسف شاهين في العام التالي. وكرّت السبحة، فعمل في كلّ المسرحيات التي وقعها الرحابنة، من «دواليب الهوا» إلى «أيام فخر الدين»، و«هالة والملك»، و«الشخص»، وصولاً إلى «ميس الريم».
أغنية «بكتب اسمك يا بلادي» التي ألفها ولحنها تعد أنشودة الأناشيد الوطنية. ويقول شويري إنه كتب هذه الأغنية عندما كان في رحلة سفر مع الراحل نصري شمس الدين. «كانت الساعة تقارب الخامسة والنصف بعد الظهر فلفتني منظر الشمس التي بقيت ساطعة في عز وقت الغروب. وعرفت أن الشمس لا تغيب في السماء ولكننا نعتقد ذلك نحن الذين نراها على الأرض. فولدت كلمات الأغنية (بكتب اسمك يا بلادي عالشمس الما بتغيب)».
- مع جوزيف عازار
غنى «بكتب اسمك يا بلادي» المطرب المخضرم جوزيف عازار. ويخبر «الشرق الأوسط» عنها: «ولدت هذه الأغنية في عام 1974 وعند انتهائنا من تسجيلها توجهت وإيلي إلى وزارة الدفاع، وسلمناها كأمانة لمكتب التوجيه والتعاون»، وتابع: «وفوراً اتصلوا بنا من قناة 11 في تلفزيون لبنان، وتولى هذا الاتصال الراحل رياض شرارة، وسلمناه شريط الأغنية فحضروا لها كليباً مصوراً عن الجيش ومعداته، وعرضت في مناسبة عيد الاستقلال من العام نفسه».
يؤكد عازار أنه لا يستطيع اختصار سيرة حياة إيلي شويري ومشواره الفني معه بكلمات قليلة. ويتابع لـ«الشرق الأوسط»: «لقد خسر لبنان برحيله مبدعاً من بلادي كان رفيق درب وعمر بالنسبة لي. أتذكره بشوشاً وطريفاً ومحباً للناس وشفافاً، صادقاً إلى أبعد حدود. آخر مرة التقيته كان في حفل تكريم عبد الحليم كركلا في الجامعة العربية، بعدها انقطعنا عن الاتصال، إذ تدهورت صحته، وأجرى عملية قلب مفتوح. كما فقد نعمة البصر في إحدى عينيه من جراء ضربة تلقاها بالغلط من أحد أحفاده. فضعف نظره وتراجعت صحته، وما عاد يمارس عمله بالشكل الديناميكي المعروف به».
ويتذكر عازار الشهرة الواسعة التي حققتها أغنية «بكتب اسمك يا بلادي»: «كنت أقفل معها أي حفل أنظّمه في لبنان وخارجه. ذاع صيت هذه الأغنية، في بقاع الأرض، وترجمها البرازيليون إلى البرتغالية تحت عنوان (أومينا تيرا)، وأحتفظ بنصّها هذا عندي في المنزل».
- مع غسان صليبا
مع الفنان غسان صليبا أبدع شويري مرة جديدة على الساحة الفنية العربية. وكانت «يا أهل الأرض» واحدة من الأغاني الوطنية التي لا تزال تردد حتى الساعة. ويروي صليبا لـ«الشرق الأوسط»: «كان يعد هذه الأغنية لتصبح شارة لمسلسل فأصررت عليه أن آخذها. وهكذا صار، وحققت نجاحاً منقطع النظير. تعاونت معه في أكثر من عمل. من بينها (كل شيء تغير) و(من يوم ما حبيتك)». ويختم صليبا: «العمالقة كإيلي شويري يغادرونا فقط بالجسد. ولكن بصمتهم الفنية تبقى أبداً ودائماً. لقد كانت تجتمع عنده مواهب مختلفة كملحن وكاتب ومغنٍ وممثل. نادراً ما نشاهدها تحضر عند شخص واحد. مع رحيله خسر لبنان واحداً من عمالقة الفن ومبدعيه. إننا نخسرهم على التوالي، ولكننا واثقون من وجودهم بيننا بأعمالهم الفذة».
لكل أغنية كتبها ولحنها إيلي شويري قصة، إذ كان يستمد موضوعاتها من مواقف ومشاهد حقيقية يعيشها كما كان يردد. لاقت أعماله الانتقادية التي برزت في مسرحية «قاووش الأفراح» و«سهرة شرعية» وغيرهما نجاحاً كبيراً. وفي المقابل، كان يعدها من الأعمال التي ينفذها بقلق. «كنت أخاف أن تخدش الذوق العام بشكل أو بآخر. فكنت ألجأ إلى أستاذي ومعلمي منصور الرحباني كي يرشدني إلى الصح والخطأ فيها».
أما حلم شويري فكان تمنيه أن تحمل له السنوات الباقية من عمره الفرح. فهو كما كان يقول أمضى القسم الأول منها مليئة بالأحزان والدموع. «وبالقليل الذي تبقى لي من سنوات عمري أتمنى أن تحمل لي الابتسامة».